سيدة خمسينية يشبه امتلاء جسدها امتلاء أجساد مثيلاتها من الأمهات المصريات التقليديات، تفتح باباً خشبياً تدلف منه إلى غرفة نومها. تستلقي على الفراش رافعة عباءتها، محتفظة بحجاب الرأس (إيشارب منزلي)، ومسلمة ظهرها في أمان لابنها الذي يبدأ في تدليك "منطقة حساسة" بدهان طبي. ثم يظهر وجهه باللحية السوداء القصيرة، وتكتمل الصورة بسقف الحجرة الخشبي الذي يشير إلى مستوى اقتصادي متواضع للأسرة. يطلب الابن بلهجة ريفية من والدته أن تتراجع قليلاً إلى الخلف، فتطمئن إلى يده الحانية التي تتمهّل في تدليك جسدها بالكريم، بينما تمسك يده الثانية كاميرا هاتفه المحمول لتصوير ما يحدث.
لم يكن ذلك مشهداً متخيلاً، أو من فيلم سينمائي، بل كان مشهداً حقيقياً، صوّر فيه الابن والدته ونشر هذا المقطع مصحوباً بعدة مقاطع أخرى تصور أمه أثناء قيامها بالأعمال المنزلية، و"العجن" وهي حاسرة جلبابها الريفي عن فخذيها. لم تعلم أم محمد (اسم مستعار) أنها أصبحت واحدة من المشهورات في المجموعات "الجنسية" على تطبيق تليغرام (تليجرام)، إذ حوّلها ابنها سلعة جنسية من خلال نشر صورها وفيديوهاتها كعملة بديلة، تتيح له الانضمام إلى المجموعات الإباحية المغلقة على تطبيق الاتصال، إذ لا يمتلك الدولارات اللازمة لدفع الاشتراك.
الأم اللاهية عن ممارسات ابنها، واحدة من مئات المصريات اللواتي باتت صورهن ومقاطع فيديو لهن سلعة تنتشر على تيلغرام، أو مادة لابتزازهن من أجل تقديم خدمات جنسية أو دفع الأموال للمبتزين
جولة في عالم تجّار "العِرض"
الأم اللاهية عن ممارسات ابنها واحدة من مئات النساء والفتيات المصريات اللواتي باتت صورهن ومقاطع فيديو لهن سلعة تنتشر على تيلغرام ثم تجد طريقها إلى صفحات تويتر وفيسبوك، أو مادة لابتزازهن من أجل تقديم خدمات جنسية أو دفع الأموال للمبتزين. تراوح الصور ومقاطع الفيديو المتداولة بين صور بريئة لهن يجلسن بصحبة الأسرة، غير عالمات بما يقوم به شقيق أو قريب، وبين صور عارية أو شبه عارية تم الاستيلاء عليها من هواتفهن المحمولة أو أرسلنها بأنفسهن إلى صديقة أو حبيب. وهكذا تحوّلن نجمات من دون علمهن على "مجموعات تليغرام لتجارة النودز".
تنقسم تلك المجموعات قسمين: عام، يمكن أي شخص الانضمام إليه من دون مقابل، ويختص بالتعارف والترويج والإعلان عن إمكانية الانضمام إلى النوع الثاني، وهو المجموعات الخاصة التي يشترط للانضمام إليها دفع مقابل مالي يراوح بين 20 و 50 دولاراً حسب نوع المجموعة وما تحويه، أو "البدل" من خلال تقديم صور وفيديوهات لنساء وفتيات غافلات تكون خصوصيتهن ثمناً للحصول على المزيد من المحتوى الجنسي.
ولا تبخل المجموعات العامة على المنضمين إليها بالمحتوى الجنسي من باب الترويج للمجموعات الخاصة إذ يخصص "الأدمن" ساعة يومياً تُسمى "الحفلة"، يسمح خلالها بنشر ألبومات وصور جنسية.
قَبِل أحد المشاركين في تلك المجموعات (يحتفظ رصيف22 ببياناته) الحديث عن ضوابط المشاركة. يقول أيمن (اسم مستعار) البالغ من العمر 30 عاماً، إنه بدأ زيارة هذه المجموعات منذ عام 2016 بغرض مشاهدة مواد جنسية لبنات عربيات مغايرة لما يشاهده على المواقع الإباحية الشهيرة. وبحسب أيمن، يتم التحويل المالي للمشاركة في المجموعة المغلقة عن طريق تطبيقات الدفع الإلكترونية مثل بطاقات ريزر جولد أو من خلال شحن بطاقات الموبايل. ويشترط "للاشتراك بالبدل"، أي عن طريق "دفع الصور والفيديوهات" أن تكون الصور والفيديوهات عائدة لأحد معارف طالب الإنضمام (صديقة، جارة، قريبة )، وواضحة. على أن ترفق برابط الحساب الشخصي لصاحبتها على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك أو انستغرام) للتأكد من أنها شخص حقيقي، وهو ما يطلق لاحقاً فرص ابتزاز الضحية عن طريق آخرين، ويؤكده أيمن: "الغرض الأصلي هو تشكيل قاعدة بيانات يتم استخدامها بعد ذلك في الابتزاز".
يشترط "للاشتراك بالبدل"، أي عن طريق "دفع الصور والفيديوهات" أن تكون الصور والفيديوهات واضحة، عائدة لأحد معارف طالب الإنضمام (صديقة، جارة، قريبة ). على أن ترفق برابط الحساب الشخصي لصاحبتها على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي
ويضيف أيمن: "كثيراً ما ينشره البعض يكون صوراً وفيديوهات لجيرانه أو أهل بيته تم التقاطها خلسة، بهدف الاستماع لحديث جنسي عنهم. وهناك طرق عديدة لإقناع أصحاب الشهوة كما يطلق عليهم في تلك المجموعات بتصوير الأم، الأخت، الزوجة". وبيّن أن تلك المجموعات تعرض ألبومات صور لفتيات بشكل تسلسلي، بداية من صور الفتاة وهي مرتدية كامل ملابسها وبالحجاب حتى إزالة كل ما ترتديه، و"كأن الغرض فضحها" -حسب وصفه- وهو ما يراه رواد هذه المجموعات "عقاباً عادلاً" لموافقة هؤلاء الفتيات على التصوير. وأضاف أن تليغرام "يوفر الأمان لمن يرغب في الابتزاز، فالاشتراك فيه لا يستلزم إظهار أي بيانات شخصية ويمكن إخفاء أرقام الهاتف".
الابنة أو الأم
في البداية لاحظت الأم ان مستوى ابنتها الدراسي يتراجع. صارت هبة (اسم مستعار) أكثر ميلاً للعزلة وبدا أنها فقدت شهيتها كلياً. هي طالبة في الصف الثالث الإعدادي (14 عاماً) في إحدى المدارس الخاصة بالقاهرة، تعلقت بشاب لا يكبرها كثيراً، تعاون مع صديق له على ابتزازها بعدما اقنعها الأول بالتقاط صور خاصة وإرسالها إليه.
لم تشك هبة في نية "الحبيب" حتى سألتها صديقة لها عن صورها المنتشرة على تليغرام.
توضح الأم أنها لم تكن تعرف في بداية القصة التي بدأت قبل حوالى خمسة أشهر، حاولت هبة خلالها التعامل بنفسها مع الأزمة، إذ لجأت إلى شخص يساعدها على إزالة الصور المنتشرة على تليغرام.
بدأ العام الدراسي وعادت الابنة إلى نشاطها، تتابع دروسها وتخطط لمستقبلها، قبل أن يظهر الشخص الذي لجأت إليه للمساعدة ويبدأ في ابتزازها بعدما اتضح أنه احتفظ بالصور المحذوفة. لم تجد سبيلاً سوى اللجوء إلى أمها التي تجاوزت الصدمة الأولى، وقدرت صغر سن ابنتها وتولّت التصرف بنفسها خاصة مع انتشار خبر انتحار طفلة في المنطقة بعدما هددها مبتز بنفس الطريقة. تقول الأم إنها حين رفضت مطلب المبتز إرسال صور جديدة لابنتها بدأ في تسريب الصور مرة أخرى، ما عرض هبة لمضايقات في المدرسة ضاعفت من سوء حالتها النفسية فأهملت دراستها.
ارتفع سقف طموح المُبتز، فطالب الأم الأربعينية بالتقاط صور لها كي يقبل التوقف عن نشر صور الابنة
ارتفع سقف طموح المُبتز، فطالب الأم الأربعينية بالتقاط صور لها كي يقبل التوقف عن نشر صور الابنة. وخوفاً من التدخل العنيف الذي قد يهدد حياة هبة إذا علم الاب والأخوة، توجهت الأم إلى "مجموعة قاوم" التي تساعد ضحايا الابتزاز الإلكتروني، ومنها توجهت إلى مباحث الإنترنت لتحرير محضر بالواقعة، ولا تزال القضية قيد التحقيق.
قانون البقاء
"حفلات الأس----"*، واحدة من المجموعات الشهيرة لتجارة الصور والفيديوهات العارية على تليغرام. يُعلن المسؤول عنها أن المجموعة "ضد الحظر"، أي أن السلطات وتطبيق تليغرام غير قادرين على التعرض لها بالحذف أو الحظر. ويحدد في رسالة تتكرر يومياً إلى الأعضاء الجدد أن هناك قانوناً مُلزماً لضمان البقاء، وهو المشاركة الفعالة. تحتوي المجموعة على دعاية لمجموعات أخرى مغلقة ذات طبيعة تجارية.
ويقسم مدير مجموعة "حفلات..." المجموعات التي يقوم بالدعاية لصالحها إلى أنواع، حسب المواد المتداولة، مُعلناً الأسعار، وتتنوع المجموعات بين "مجموعة للأفلام والألبومات، وأخرى تجسس ودياثة، وثالثة تعرض صوراً لأطفال" وغيرها.
تبدأ تعرفة الانضمام من 20 دولاراً أمريكياً إلى 50 دولاراً. ويشترط للانضمام إلى مجموعة "الدياثة" تقديم مواد مصورة للمحارم مصحوبة بإثبات. والمقصود بالإثبات هو أن يقوم المُصور بأداء إشارة مُتفق عليها مُسبقاً مع مدير المجموعة، مثل إشارة باليد.
الخطوة الأولى للإجابة عن هذه الأسئلة كانت حواراً مع مدير إحدى تلك المجموعات على تليغرام بعدما أعلن عن فتح باب الاشتراك لراغبي مشاهدة المواد الخاصة
خطوات التحوّل إلى "المُقايضة"
أثار الحديث عن تصوير البعض لأفراد أسرتهم عدة أسئلة، منها كيف يحصل ذلك، وهل يتم طلبه بشكل صريح، وهل هنالك شروط للتنفيذ.
الخطوة الأولى للإجابة عن هذه الأسئلة كانت حواراً مع مدير إحدى تلك المجموعات على تليغرام بعدما أعلن عن فتح باب الاشتراك لراغبي مشاهدة المواد الخاصة، وورد في نص الإعلان: "مطلوب ديوثين جادين ومُطيعين لدخول المجموعات الخاصة، وحاجتهم هتفضل سرية مش هتتنشر"، وأجرت مراسلة رصيف22 المحادثة باسم وهمي هو "مهند"، الطالب الريفي الذي يعيش مع والدته وشقيقه الأكبر.
بدأ الحوار بسؤال من "مُهند" إلى مدير المجموعة الذي أطلق على نفسه اسم "الملكي مدريد"، عن تفاصيل الانضمام إلى المجموعة، فطلب الأدمن بيانات شخصية: الاسم والسن وهويات أفراد العائلة. ثم طلب التقاط صور للأم. ومع ادعاء "مهند" أن الأم غير موجودة، طلب الأدمن التقاط صور لملابسها الداخلية لتكون دليلاً على صدق "مهند" واستعداده للتعاون.
مُحادثة ثانية قصيرة أجراها رصيف22 مع شاب علّق على منشور لفتاة تطلب "ولد محارم"، أي لديه الرغبة في تبادل صور ومقاطع فيديو للأخت أو الأم حسب ما حددت. وجاء تعليقه مُحذراً المشاركين الآخرين من الفتاة التي وصفها بـ"نصابة وبتفضح". وعند سؤاله عن صدق ما يدعي أجاب بعفوية تدل على صغر سنه أو اعتياده الأمر: "نشرت صور وفيديوهات أمي الأرملة"، موضحاً أنه استجاب للفتاة، وبعد حصولها على الفيديوهات هددته بنشرها أو إرسال كود "كارت شحن". ثم كررت مطلبها، وحين رفض نشرت المواد.
مُحادثة أخرى أجريناها مع مدير واحدة من المجموعات يُعرف نفسه باسم"الباشا"، ويتابع قناته أكثر من سبعة آلاف شخص، يعدهم بمشاهدة مقاطع الفيديومباشرة من دون تحميل. يوضح أن المواد المصورة تصل عادة إلى مديري المجموعات عن طريق شخص ما بهدف فضح فتاة يعرفها، أو يأتي مشترك لبيع الصور مقابل مبلغ مالي. ثم يبدأ مدير المجموعة التي وصلت له المواد في نشرها داخل مجموعة مغلقة، وأحياناً يقوم أعضاء بتسريبها وتداولها عبر وسائط أخرى. ويضيف "الباشا" أنه يعيد نشر المواد التي تصله فقط، وأنه لم يلتقط صوراً أو فيديوهات لأي امرأة، وينفي أن يكون قد ابتز أحداً.
مُحادثة أخرى أجريناها مع مدير واحدة من المجموعات يُعرف نفسه باسم"الباشا"، يوضح أن المواد المصورة تصل عادة إلى مديري المجموعات عن طريق شخص ما بهدف فضح فتاة يعرفها، أو يأتي مشترك لبيع الصور مقابل مبلغ مالي
استغلال نفسي
كانت المحاولة الثانية البحث عن شخصية حقيقية التقطت صوراً لأسرتها، فالتقينا حسن (اسم مستعار) البالغ من العمر 24 سنة ويعيش في إحدى محافظات الدلتا، شمال العاصمة. وهو لم يكن مشتركاً في مجموعات تليغرام لكنه تعرض إلى الابتزاز ليقدم مواد يمكن نشرها عبرها، والمبتز هو "صديق إلكتروني" طالبه بالتقاط فيديوهات لأفراد أسرته بملابس المنزل، وأخرى وهم بملابسهم الداخلية.
يعيش حسن مع أسرته في قرية صغيرة في محافظة ريفية، وهو الأخ الأوسط بين ثلاثة أخوة وأخت. تخرج في معهد فني وحصل أخوته على شهادات عالية. يقول إن منطوٍ ولا يستطيع مجاراة أخوته في الحديث، كذلك ليست له صداقات، وهو ما دفعه للمشاركة في مجموعة على تطبيق واتسآب، الهدف منها مساعدة المشتركين في زيادة عدد المتابعين على انستغرام. بعد يومين خرج من المجموعة وقد تعرف على سامي (اسم مستعار)، 20 سنة من محافظة القليوبية، الذي بادر هو بالتعرف إلى حسن.
قرأ سامي افتقاد حسن للأصدقاء، واحتياجه لشخص يشاركه اهتماماته. ظل يحادثه سبعة أشهر يومياً تقريباً بغرض الاطمئنان على أحواله، ثم سأله عن أخوته وعددهم، ثم طلب منه التقاط فيديو لهم بغرض التعرف إليهم. يقول حسن إنه فعل ذلك مرة واحدة ولم يكررها، فصوّر أكثر من مقطع فيديو لأسرته وهم يشاهدون التلفزيون أو نائمون. صوّر كذلك شقيقته الوحيدة بثياب المنزل.
بمرور الوقت استغل سامي خضوع صديقه، ودفعه إلى تصوير الملابس الداخلية لنساء الأسرة، ساعد على ذلك جهل حسن بإمكانية استغلال هذه المواد من قبل صديقه، الذي زعم أن الأمر محض "حديث شباب".
لاحقاً بدأ الابتزاز، فراح سامي يطالب حسن بالتقاط صور لوالدته وشقيقته وهما بملابس شفافة، وفي أوضاع مختلفة، فتهرب حسن. ثم هدده صديق الأمس بإرسال المقاطع إلى أسرته وإخبارهم بما فعل. استمر حسن في التهرب حتى اختفى المُبتز. يقول حسن إنه فرح كثيراً باختفائه وظن أن الأمر انتهى وطمأن نفسه إلى أنه قد يكون هاتفه كُسر أو سُرق، إلا أن الأمر تجدد منذ شهر ونصف، فظهر الصديق المبتز وجدد مطالبه.
عانى حسن من وحدة مُضاعفة، فلم يستطع محادثة أحد بما وقع فيه، وفكر في الانتحار. لم يلجأ إلى تحرير محضر بالواقعة خوفاً من اعتباره "مشاركاً في الجريمة"، حسب وصفه. إلا أنه تواصل مع حملة "قاوم" لمساعدة ضحايا الابتزاز الإلكتروني فساعدوه على إنهاء الموقف قبل أن يبدأ المبتز في بيع المواد على تليغرام.
يقول حسن لرصيف22 إنه عندما علم بانتحار "بسنت" ضحية الابتزاز، تخيل شقيقته مكانها إذا ما كانت الصور التي التقطها لها قد راجت على السوشال ميديا.
"قاوم"... لجان مواجهة الابتزاز
"مثل هبة ووالدتها، كانت قاوم" هي الوجهة التي لجأ إليها حسن، بعدما علم بما تقدمه من مساعدات لحالات مماثلة، فهي تعمل على دعم ضحايا الابتزاز. وتتخذ الحملة سلسة إجراءات تصاعدية ضد المبتز، بداية من التواصل معه وتوعيته بإمكانية تعرضه للمساءلة القانونية، وقد يصل الأمر للتواصل مع أسرته ومواجهته بفضح جريمته في محيطه، وتكون الخطوة الأخيرة اتخاذ إجراءات قانونية.
محمد اليماني مدير تسويق مصري ومؤسس الحملة يقول لرصيف22 إن الأمر يختلف في حالة مجموعات تليغرام، فالمُبتز المعروف يمكن التفاوض معه، بينما يدير هذه المجموعات "تُجّار"، و"الحل الأمثل هو إقناع الضحية ودعمها نفسياً لاتخاذ خطوات رسمية، ودور "قاوم" هنا هو جمع المعلومات وكتابة مذكرة تساعد في القبض على الجاني".
ويوضح أن تواصله مع مدير المجموعة قد يضر الضحية، فالتواصل هو إنذار لمن يدير تلك المجموعات، حينذاك يمكنه غلق القناة وفتح أخرى وعرض المواد عليها، خاصة أن تليغرام يتيح الفرصة للتخفي وعدم الإفصاح عن أية بيانات تدل على ذلك الشخص، وهو ما يصفه بـ"الكارثة".
ويرى اليماني أن جريمة هؤلاء تفوق الجرائم الإلكترونية، ويجب أن تُصنف ضمن جرائم الإتجار بالبشر، موضحاً أن الكشف عن امتهان المُبتز الإتجار في الصور يكون مصادفة، ويتم الإبلاغ عنه بعد جمع الأدلة والبيانات من دون أي اتصال مباشر، واصفاً حملته بأنها "الوجه المجتمعي لجهات الدولة" إذ يسعون إلى تغيير نظرة المجتمع للخطوة القانونية التي يتخوف منها الكثيرون.
وعن تعامل الحملة مع حالتي هبة وحسن، يقول "في حالة هبة، حاولنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق التواصل مع شركة استضافة التطبيق، لكننا لم نجد بُداً من اللجوء إلى اتخاذ الإجراءات القانونية بعد فشل التعامل الودي. أما في حالة حسن فتم التوصل للمُبتز وإزالة المواد الخاصة بأسرته والحصول على الضمانات التي تحفظ حقه مستقبلاً".
بعيداً عن الرصد
يقوم تطبيق تليغرام الذي صممه الأخوان الروسيان نيكولاي وبافل دوروف على مبادئ عدة هدفها توفير التواصل المشفَّر الذي لا يمكن تتبعه من قبل السلطات وأجهزة الاستخبارات، وذلك بعد "استيلاء" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مشروعهما الأول "شبكة تواصل اجتماعي شبيهة بفيسبوك تدعى في كيه VK".
لكن نجاحهما في توفير تطبيق يصعب السيطرة عليه، جعل التطبيقات ملاذاً آمناً لمن يقومون بأعمال غير مشروعة. فظل تليغرام هو التطبيق الرئيس الذي لا يمكن عبره السيطرة على تواصل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كما أنه بات ساحة لبيع الأسلحة وتعليم تصنيعها وانتهاك خصوصية النساء والأطفال وتحويلهم إلى سلع جنسية.
في مصر، تغيب الإحصاءات الدقيقة عن الجرائم الإلكترونية. فأحدث إحصاء مُعلن أعدته لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب تزامناً مع إصدار قانون مكافحة جرائم المعلومات في عام 2018
في مصر، تغيب الإحصاءات الدقيقة عن الجرائم الإلكترونية. فأحدث إحصاء مُعلن أعدته لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب تزامناً مع إصدار قانون مكافحة جرائم المعلومات في عام 2018. وهو عن سبتمبر/ أيلول وتشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، وبلغ عدد البلاغات خلالهما 1038 بلاغاً، بينها جرائم ابتزاز إلكتروني تم ضبط أغلب المتهمين بها.
ولم تصدر إحصاءات رسمية تالية. وهو ما تؤكده النائبة مارثا محروس، وكيلة لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، إلا أنها تشدد على أن معدلات تلك الجرائم "شهدت زيادة كبيرة جداً"، بسبب انتشار الهواتف الذكية "إذ أصبحت هناك حالة ضخمة من التواصل" وفق قولها.
وتضيف أن هناك توجهاً عاماً داخل المجلس لتغليظ عقوبة الابتزاز، وأن النواب سيحرصون على ألا تكون العقوبة غرامة مالية فيستهين بها البعض، وأنها ستجمع عند التعديل بين الحبس والغرامة، واصفة تلك الجرائم بأنها "انتهاك لحقوق المواطن التي تتخذ في سبيلها الدولة المصرية العديد من الخطوات الناجحة، ولا يمكن المساس بها على المستوى الشخصي أو على مستوى الأمن القومي".
ماذا لو اكتشفت أن صورك على تلك المجموعات؟
لا يشترط أن تكوني قد أرسلت صورك إلى أحدهم. بعض المقاطع المتداولة على تلك المجموعات التقطها رجال (أو نساء) يتمتعون بثقة الضحايا، كفيديوهات لفتيات يرقصن في خطبة أو جلسة تجمعهن بصديقاتهن، وقد ترسل إحدى الصديقات الصور انتقاماً أو غيرة، أو يستولي عليها احدهم من هاتفها عن طريق اختراقه.
إذا علمتِ، عزيزتي القارئة، أن صوراً لك معروضة بلا موافقتك، يمكنك اتخاذ إجراء قانوني عن طريق الاتصال بالرقم الخاص بالمجلس القومي للمرأة: 15115، أو التواصل مع المجلس عبر تطبيق واتسآب على الرقم 01007525600. وخصصت وزارة الداخلية عدة طرق لتقديم الشكاوى، أبرزها الاتصال بالخط الساخن 108، أو عن طريق الموقع الرسمي للوزارة، أو الاتصال بإدارة مكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات بمقر الوزارة على الأرقام المُعلنة. كما بدأت الوزارة في نيسان/ أبريل الماضي في تشغيل مقار مخصصة في مديريات الأمن بالمحافظات لتلقي البلاغات الخاصة بالابتزاز الإلكتروني، وبخاصة الابتزاز الذي تتعرض له النساء والأطفال.
تقول المحامية هالة دومة إن الإتجار بالمواد الخاصة المصورة لم يتم التطرق إليه في القانون المصري، وأن المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 تناولت الجرائم الإلكترونية، فنصت على عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه (3300- 8300 دولار أمريكي) "لمن يتعدى على قيم الأسرة المصرية وحرمة الحياة الشخصية ونشر صور دون موافقة صاحبها".
وتذكر أن المادة 327 من قانون العقوبات قد تناولت المقابل المادي أو الكسب من المواد المصورة أو التهديد في حالة الابتزاز، و"العقوبة تكون حسب جسامة الفعل". نصت المادة على أن "كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور تخدش الشرف يعاقب بالسجن وتنخفض إلى الحبس إذا لم يكن التهديد مصحوباً بطلب مادي أو بتكليف بأمر".
كذلك نصت المادة على أن "كل من هدده غيره شفهياً، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو غرامة لا تزيد عن 500 جنيه (نحو 33 دولاراً) سواء كان التهديد مصحوباً بتكليف بأمر أو لا. فكل تهديد مكتوب أو شفهي بواسطة شخص آخر بارتكاب جريمة لا تبلغ الجسامة المتقدمة يعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر أو غرامة لا تقل عن 200 جنيه (نحو 13 دولاراً)".
وتلفت النائبة محروس إلى أن القانون يحتاج إلى تعديل جديد ينظم عقوبة الابتزاز الإلكتروني، موضحة أن آخر تعديل حصل عام 2018، وأن الاتّجار يُعد حالة حديثة وهو ما يحتاج إلى تعديل تشريعي.
------------------
(*) يخفي رصيف22 أسماء المجموعات عمداً حتى لا يسهل الوصول إليها - كما يحتفظ رصيف22 ببيانات من قبلوا الحديث إلينا توخياً لمصداقية التواصل وصدق الحالات. ونمتنع عن نشر الصور والفيديوهات التي تحصلنا عليها خلال إعداد هذا التقرير احتراما للقواعد المهنية وخصوصية الضحايا
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...