كثيرةٌ هي المكتبات الأوروبية التي تقتني ضمن ما تقتني مخطوطات شرقية. وبطبيعة الحال فإن هذه المخطوطات الشرقية لم تُنتَج في أوروبا، بل في مواطن أصلية في العالم الإسلامي، ثم تم جلبها من مواطنها الأصلية إلى أوروبا، كما يمكن معرفة ذلك من خلال فحص خواتيم تلك المخطوطات والقيود المُسجلة عليها. وألمانيا، وهي بلدٌ لها تاريخ عريق في دراسة الشرق وتراث الإسلام، تقتني عدداً ليس بالقليل من المخطوطات الشرقية، انتقلت هذه المخطوطات إلى ألمانيا في سياقات تاريخية مختلفة.
في هذا المقال نستعرض بعضاً من تاريخ ثلاث مكتبات كبيرة تقتني مخطوطاتٍ شرقية: مكتبة الدولة في برلين، ومكتبة الدولة البافارية في ميونيخ، ومكتبة غوتا البحثية. وقد تمكن كاتب هذه السطور مؤخراً من زيارة مكتبة غوتا ضمن فعاليات المدرسة الصيفية لمشروع التراث الثقافي في الفضاء الرقمي (وهو مشروع مشترك بين مصر وألمانيا) والحديث إلى عدد من خبراء المخطوطات المشاركين في تلك الفعالية حول انتقال الكثير من المخطوطات العربية إلى ألمانيا.
نحاول في هذا المقال الإجابة على التساؤل: كيف ولماذا انتقلت تلك المخطوطات من الشرق حيث موطن ولادتها إلى ألمانيا حيث مهجرها ومستقرها الآن؟ نبدأ باستعراض تاريخي للمكتبات الثلاث المذكورة أعلاه، ثم من خلال هذا الاستعراض نجيب على هذا التساؤل.
أكبر مجموعة شرقية في مكتبة الدولة في برلين
تأسست مكتبة الدولة في برلين عام 1661 على يد الأمير فريدريك فيلهلم، حاكم ولاية براندنبورغ الألمانية. وكان فريدريك هذا قد بدأ إنشاء مستعمرات في كلٍّ من إفريقيا وجزر الهند الغربية، وهو أيضاً من خطط لتأسيس شركة الهند الشرقية. وكجزء من تطلعات فريدريك الاستعمارية والتجارية، فقد وجَّه بشراء مقتنيات لمكتبته الملكية من مخطوطات عربية وفارسية وتركية وإثيوبية وهندية وصينية، وذلك وفقاً للبروفيسور تيلمان زايدنشتيكر في مقالته عن انتقال المخطوطات الشرقية إلى ألمانيا.
كثيرةٌ هي المكتبات الأوروبية التي تقتني مخطوطات شرقية. وبطبيعة الحال فإن هذه المخطوطات الشرقية لم تُنتَج في أوروبا، بل في مواطن أصلية في العالم الإسلامي. نستعرض في هذا المقال بعضاً من تاريخ ثلاث مكتبات كبيرة تقتني مخطوطات شرقية
بقدومِ عام 1688، كان قد تمّ جلب مئات المخطوطات الشرقية بحسب زايدنشتيكر في مقالته المذكورة أعلاه. بالإضافة إلى ذلك، فبين عامي 1852 و1887، أي بين نحو عقدين سابقين وعقدين لاحقين لتأسيس الإمبراطورية الألمانية (تأسست عام 1871)، بلغت مقتنيات المكتبة 5.657 من المخطوطات الشرقية. ويربط البروفيسور زايدنشتيكر بين اهتمام مكتبة برلين باقتناء هذا العدد الكبير من المخطوطات الشرقية وبين بزوغ الاستشراق الألماني كحقلٍ دراسي أكاديمي في تلك الفترة. وفي ما يتعلق بتطور الاستشراق الألماني في القرن التاسع عشر يمكن الرجوع إلى جهود الباحثات Mangold وMarchand وWokoeck. تقتني مكتبة الدولة في برلين الآن أكبر عدد من المخطوطات الشرقية في ألمانيا.
ميونيخ بها ثاني أضخم مجموعة
أُنشئت مكتبة الدولة البافارية كمتبةٍ ملحقة بمحكمة ميونيخ على يد الدوق ألبرشت الخامس عام 1558. تقتني هذه المكتبة 4.200 مخطوطاً إسلامياً، وبهذا تمثل ثاني أضخم مكتبة من حيث المقتنيات الشرقية في ألمانيا. شكلت المخطوطات الشرقية مكوناً محورياً من مكونات هذه المكتبة منذ نشأتها. ففي عام تأسيسها اقتنت المكتبة مجموعة المستشرق اللامع في ذلك الأوان فيدمانشتيتر (1506-1557). ولم يكن فيدمانشتيتر رجلَ استشراقٍ فقط، بل كان دبلوماسياً لدى رجال الدين ورجال الدولة في ذلك الوقت.
وكان فيدمانشتيتر مشهوراً في أوساط المهتمين بالدراسات العربية بجهدِه المبكر في نشر النص القرآني باللغة العربية. وإذا تأملنا اهتمامه بالنص القرآني فإننا نفهم لماذا احتوت مجموعته من المخطوطات الشرقية على عددٍ ليس بالقليل من نفس المخطوطات القرآنية. وأثناء حفل تتويج الإمبراطور كارل الخامس في بولونيا كان فيدمانشتيتر قد تعرَّف على أسقف مدينة بورغوس في قشتالة، فربما كان هذا الأسقف هو الطريق الذي حصل فيدمانشتيتر من خلاله على تلك المخطوطات القرآنية النادرة، والتي يرجع منشأها إلى الأندلس وشمال إفريقيا، وللمزيد حول ذلك يمكن الرجوع إلى بحث السيدة ربحان (Rebhan, Die Wunder der Schöpfung, 15-18).
تواصل نموُّ رصيد المكتبة الملكية البافارية من المخطوطات الإسلامية من المقتنيات التي حصلت عليها هذه المكتبة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أي ما يُسمّى بالغنائم التركية (German: Türkenbeute; English: Turkish loot)، وهي تلك المخطوطات التي تم الاستيلاء عليها في أعقاب الحروب بين الأوروبيين والعثمانيين. كما كانت علمنة الأديرة بعد عام 1803 أيضاً سبباً في تنمية مقتنيات المكتبة البافارية؛ فمن المقتنيات التي انتقلت من الأديرة إليها المخطوطُ القرآني الذي كان مُلكاً لبيير لاشيز، وهو كاهن الاعتراف الخاص بالملك لويس الرابع عشر المعروف بملك الشمس، بحسب بحث السيدة ربحان أيضاً.
وتقريباً في نفس الفترة، تبرع الحاكم كارل تيودور (ت. 1799) بمكتبة مانهايم الملكية لتنتقل وتصبح جزءاً من المكتبة البافارية في ميونيخ. ولاحقاً في نفس القرن التاسع عشر تبرع كلٌّ من كلوت باي وبرونر باي (وهما طبيبان كانا يعملان لدى الطبقة الحاكمة في مصر في ذلك الزمان) بستّين مخطوطاً شرقياً للمكتبة الملكية البافارية. وثمة عمليتا شراء كبريتان في تاريخ مجموعات تلك المكتبة. أما عملية الشراء الأولى فكانت شراء مقتنيات المستشرق الفرنسي إتيني مارك كواتريمير، الذي كان أستاذاً في كلية فرنسا (Collège de France)، وفي المعهد الذي كان يُعرف آنذاك بمدرسة اللغات الشرقية في باريس (École des langues orientles).
تمّ شراء هذه المجموعة عن طريق المزاد العلني بمبلغ 340.000 فرانكاً ذهبياً. وأما عملية الشراء الكبرى الثانية فانتهت بحيازة 157 مخطوطاً عربياً من اليمن، بيعت عن طريق الباحث والمستشرق النمساوي إدوارد غلاسر، والذي كان مسؤولاً أيضاً عن جمع مجموعتين من المخطوطات اليمنية، واللتين تتكونان من 282 و328 مخطوطاً، وهما الآن في حوزة كلٍّ من المكتبة البريطانية والمكتبة الوطنية النمساوية.
وبجهد شخصي من المكتبيَّين في مكتبة ميونيخ، إيميل غراتزل، وكارل داكس، تزايد عددُ المخطوطات الشرقية والإسلامية في نهاية النصف الثاني من القرن العشرين بإضافة 140 مخطوطاً شرقياً و 1492 مخطوطاً إسلامياً إلى مقتنيات المكتبة. ويجدر بنا هنا أن نلتفت إلى اهتمام داكس بالمخطوطات القرآنية التي قد تمكنّ من شراء الكثير من النفيس منها بأسعار زهيدة. تقنني مكتبة ميونيخ الآن 179 مخطوطاً قرآنياً ما بين مصاحف كاملة وقطع غير مكتملة.
مكتبة غوتا للأبحاث
توجد تلك المكتبة في مدينة غوتا في مدينة غوتا، والتي كانت مقراً لدوقية ساكسن غوتا من عام 1640 إلى عام 1819م. تقع مدينة غوتا في منتصف الطريق بين مدينتي إرفورت وأيزناخ في قلب ولاية تورِنغن الألمانية. أُلحقت مكتبة غوتا للأبحاث بالقصر الجديد للدوق إرنست الأول منذ إنشائه عام 1647، ولا تزال ملحقة به حتى اليوم.
أغراض الاستحواذ على المخطوطات العربية لم تكن فقط فضولاً ثقافياً استشراقياً نحو الثقافة العربية الإسلامية والحصول على المخطوطات بطرق شرعية كالشراء، بل هناك أغراض أخرى مثل تحقيق الهيمنة الاستعمارية بسرقة هذا التراث وحيازته بطرق غير قانونية
عند إنشاء المكتبة عام 1647 لم تكن بها أية مقتنيات، وظلت كذلك حتى عام 1664، عندما جُلب مخطوط عثماني إلى الدوق أرنست. وكما سُجِّل في نهاية تلك المخطوط، فإنه قد وصل إلى المكتبة كغنيمة حرب بعد الحصار غير الناجح لمدينة بيكس (Pécs)، والتي تقع في جنوب المجر، وكانت خاضعةً للحكم العثماني من عام 1543 حتى عام 1686. وهذا مخطوط آخر من المخطوطات المسماة بالغنائم التركية، وقد تعرضنا لهذا النمط عند الحديث عن مكتبتي برلين وميونيخ سابقاً.
أكبر عملية جمع للمخطوطات الشرقية في تاريخ مكتبة غوتا هي تلك التي قام بها أولريخ ياسبر زيتسن، وسوف نلقي عليها الضوء. ولكن قبل ذلك يجدر بنا أن نعرف أن المخطوطات الشرقية التي اقتنتها مكتبة غوتا قبل ما جمعه زيتسن بلغت 74 مخطوطاً منها 14 مخطوطاً تشير القيود المدوّنة عليها بأنها غنائم حرب.
ووفقاً لتقدير تيلمان زايدنشتيكر، فإن ثلث هذه المخطوطات هي من مخطوطات الغنائم التركية، وهناك حالتان من تلك المخطوطات سُجّل عليهما ما يكشف عن كيفية اقتنائهما. أما المخطوط الأول فهو المخطوط المحفوظ برقم Ms. orient. A 517 في مكتبة غوتا، والذي يشتمل على اقتباسات من القرآن الكريم وبعض الأدعية.
دُوِّن على ظهر الورقة الثانية منه بالألمانية ما ترجمته "عندما حوصرت بودا (قلعة في المجر حالياً) وتم الاستيلاء عليها من قِبَلِ الجيش المسيحي في الحرب الأخيرة مع الأتراك في أغسطس سنة 1686، وكان وقتها السيد فون كونيتس تسو أونتر سيماو يعمل في سلاح الفرسان بدرجة كورنت (رتبة صغيرة في سلاح الفرسان)، ثم ترقَّى بعد ذلك ليصبح زعيماً (German: Oberster; English: colonel) وضابطاً ذا قيادة (German: Commendant; English: Commanding officer) على حصن كوبرغ. وقد قَتَل -أي السيد فون كونيتس تسو أونتر سيماو- أحدَ الأتراك رمياً بالرصاص، ووجد هذا المخطوط معلَّقاً بجسده (بدلاً من المال الذي كان يتمنى وجوده)، وأخده معه إلى كوبرغ".
وأما الحالة الثانية فهي المخطوط المحفوظ ضمن مقتنيات مكتبة غوتا برقم Ms. orient. A 3، وهو مجموع (أي مخطوط واحد يضم نصوصاً أو كتباً متعددة) يحتوي في معظمه على أحاديث نبوية. ويفيد تقييدٌ سُجَّل على وجه الصفحة الأولى بأن هذه المخطوط قد سُحِبَ من تحت جثة مفتٍ قُتل في قلعة بودا في المجر، وكان المخطوط وقتئذٍ ملطخاً بالدماء.
الرحالة الألماني زيتسن يستولي على مخطوطات قاهرية
وُلد أولريخ ياسبر زيتسن عام 1764 في ييفر، شمال فريسيا، لأبٍ ثري مهنته الفلاحة. دَرَسَ الطبَّ والتاريخ الطبيعي، وله منشورات في عدة مجالات، منها الاقتصاد الوطني والتكنولوجيا. وفي سن الثالثة والثلاثين قرّر زيتسن أن يقوم برحلة إلى الشرق الأوسط، وربما بعد ذلك يسافر عبر إفريقيا من الشرق إلى الغرب، ولم تكن رحلةُ زيتسن للسياحة في الشرق الأوسط وإفريقيا وحسب، بل كانت بغرض الاستيلاء على كنوز ثقافية وحضارية، كما سيتبين فيما يلي.
هُجِّر كثيرٌ من المخطوطات الشرقية إلى ألمانيا عن طريق الشراء المنظَّم والمموّل من الحكام، وحين لم يكن شراء المخطوطات أمراً ميسوراً بسبب عوامل لا يمكن تجاوزها، ككون المخطوط موقوفاً لا يمكن إخراجه من الجهة الموقوف عليها، فكانت السرقة سبيلاً إلى اقتنائه
كان تمويل هذه الرحلة جزئياً على نفقة زيتسن الشخصية، وكذلك كان يتلقى دعماً مالياً سنوياً من السلطة الحاكمة في ييفر آنذاك. بالإضافة إلى ذلك تلقى زيتسن وهو في طريقه إلى فيينا عام 1802 خطاباً من إميل أوغست، وريث دوق غوتا، يخبره بأنه سوف يدفع له 800 رايخستالر (Reichstaler) بغرض شراء مقتنيات للمتحف الدوقي ومستودع التحف والنوادر في غوتا.
انطلقت رحلة زيتسن عبر القسطنطينية وإزمير، ليطوف في حلب ودمشق والقاهرة وشبه جزيرة سيناء ومكة والمدينة واليمن. وكان زيتسن أثناء رحلته يرسل طروداً محمَّلة بالمخطوطات الشرقية إلى ألمانيا. لم يصل من كلِّ تلك الطرود التي أرسلها إلا بعض المخطوطات التي استولى عليها من القاهرة، والتي وصلت إلى قصر فريدنشتاين. وبعد جولته في القاهرة ارتحل زيتسن إلى شبه الجزيرة العربية عام 1809.
وفي خطابه الأخير إلى ألمانيا، يكشف زيتسن عن خطته للعودة إلى بلاده بعد انتهاء رحلته في اليمن، وذلك من خلال ميناء المخاء، وأنه سيكون معه من المقتنيات التي استولى عليها ما هو حمل سبعة عشر بعيراً. بعد ذلك اختفى زيتسن ولم يُعرف إلى الآن كيف كان مصيره. وحول حياة زيتسن ورحلته يمكن الرجوع إلى ما كتبه Stein وNebes وScheinerl وHenze .
وفي ورشة تدريبية قدمتها الباحثة الفرنسية إلينور سيلارد، ضمن أنشطة المدرسة الصيفية، قمنا بفحص بعض الرقوق القرآنية التي كانت محفوظة بجامع عمرو بن العاص في القاهرة. اعتماداً على عناصر شكلية كالخط، يمكن تأريخ هذا المخطوط القرآني إلى العصر الأموي كما أوضحت إلينور. تحتفظ مكتبة غوتا بهذا المصحف تحت رقم Gotha A462. استعرض الدكتور أحمد الشمسي الباحث بجامعة شيكاغو في محاضرة له متاحة على اليوتيوب (من الدقيقة 15:30 إلى الدقيقة 20:24) قصةَ استيلاء زيتسن على تلك الرقوق، وذلك في سياق الحديث عن رحلة زيتسن إلى القاهرة من خلال مذكراته. وفي رحلته إلى القاهرة، زار زيتسن جامع عمرو بن العاص.
وأثناء جولته في المسجد، اصطحبه ولد صغير إلى غرفة بلا نوافذ وبداخلها عدد من الرقوق القرآنية. الغريب أن زيتسن الذي يخطئ في ذكره لاسم جامع عمرو بن العاص في مذكراته، يعرف قيمة تلك الرقوق بأنها مبكرة ومهمة! ربما كان زيتسن مكلفاً بجلب تلك الرقوق بعينها! عرض زيتسن على السيدات المسؤولات عن هذه الغرفة أن يشتري تلك الرقوق القرآنية التي رآها، فقوبل عرض زيتسن بالرفض، لأن هذه الرقوق وقفٌ على الجامع، ووفقاً للتقاليد الإسلامية لا يجوز نقلها خارج الجهة التي أوقفوا عليها. علق زيتسن على هذا الرفض في مذكراته بأنه نوع من التعصب الإسلامي.
ولكن كون بعض تلك الرقوق محفوظاً في غوتا الآن، فإن زيتسن على أي حال كان قد وجد حيلةً للاستحواذ عليها وإرسالها إلى ألمانيا، ولا نعرف كيف حصل عليها على وجه الدقة. ربما سرقها بنفسه أو بمساعدة آخرين. جدير بالذكر هنا أن إلينور سوف تنشر قريباً كتاباً حول هذه الرقوق القرآنية بحسب ما قالته لرصيف22.
هُجِّر كثيرٌ من المخطوطات الشرقية إلى ألمانيا عن طريق الشراء المنظَّم والمموّل من الحكام، كما هو الحال في المكتبات التي استعرضناها سابقاً، وحين لم يكن شراء المخطوطات أمراً ميسوراً بسبب عوامل لا يمكن تجاوزها، ككون المخطوط موقوفاً لا يمكن إخراجه من الجهة الموقوف عليها، فكانت السرقة سبيلاً إلى اقتنائه، كما في نموذج زيتسن. وبجانب هذا التهجير، والذي يشكل أحد تجليات الهيمنة الاستعمارية لا يمكننا أن نتغافل أيضاً عنصري الفضول الثقافي الاستشراقي، والذي يتجلى في اقتناء باحثين دارسين لتلك المخطوطات، كما في حالة فيدمانشتيتر.
لم يتخذ تهجير المخطوطات الشرقية إلى ألمانيا شكلاً واحداً وغرضاً واحداً بل تتداخل الأشكال والأغراض. في تصريح له لرصيف22 يقول محمود زكي، خبير المخطوطات العربية بمكتبة قطر الوطنية، بأن أغراض الاستحواذ على المخطوطات العربية لم تكن فقط فضولاً ثقافياً استشراقياً نحو الثقافة العربية الإسلامية والحصول على المخطوطات بطرق شرعية كالشراء، بل هناك أغراض أخرى مثل تحقيق الهيمنة الاستعمارية بسرقة هذا التراث، وحيازته بطرق غير قانونية.
وفي سياق متصل يرى الأستاذ زيدنشتيكر في مقالته أن الاهتمامات الاستعمارية والتجارية قد لعبت دوراً في الحصول على مقتنيات مكتبة الدولة في برلين في القرن التاسع عشر، ولكنه يرى في الوقت ذاته أن البحثَ حول مدى تحقق تلك الأغراض بشراء تلك المخطوطات هو موضوع آخر. ويرى زيدنشتيكر أن تلك الأغراض هي أقل بكثير في حالة مكتبة ميونيخ، والتي غلب الفضول العلمي على أغراض الاقتناء فيها. أما رحلة زيتسن إلى الشرق فيرى زيدنشتيكر أنها لم تكن ممولة من الدوقات لأطماع استعمارية في شبه الجزيرة العربية وفي إفريقيا، بل كانت متصلة بالتنافس بين الملوك لبناء مكتبة ومستودع ثقافي كرمزٍ لمكانتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...