افتتحت صباح اليوم الثلاثاء، صناديق الاقتراع لانتخابات الكنيست الـ25، وهي الانتخابات الخامسة التي تجري خلال أقلّ من أربع سنوات، في واقع يبدو أكثر سوءًا فيما يخصّ تمثيل الأحزاب العربيّة لفلسطينيّي الـ48، وهي تتنافس فيها ثلاث قوائم عربيّة (التجمّع الوطني الديمقراطي، وقائمة الجبهة والعربيّة للتغيير، والقائمة الموحّدة) مع تصاعد كبير للتيّار الذي يدعو إلى مقاطعة التصويت العربي للكنيست.
وحسب الإحصائيّات، يصل عدد الناخبين العرب في الداخل الفلسطينيّ، ما يقارب من 1.1 مليون صوت، وسط توقّعات أن تصل نسبة التصويت في المجتمع العربيّ إلى 50٪، ليحصل تحالف الجبهة - العربيّة للتغيير، والقائمة الموحّدة على أربعة مقاعد لكلّ منهما، فيما تُشير استطلاعات الرأي إلى أنّ معسكر أحزاب اليمين، بقيادة رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، سيحصل على 59 إلى 60 مقعدًا، فيما سيحصل معسكر الائتلاف بقيادة رئيس الحكومة الإسرائيليّة، يائير لابيد، على 56 الى 57 مقعدًا من أصل 120.
حسب الإحصائيّات، يصل عدد الناخبين العرب في الداخل الفلسطينيّ، ما يقارب من 1.1 مليون صوت، وسط توقّعات أن تصل نسبة التصويت في المجتمع العربيّ إلى 50٪
وكان رئيس الحكومة الإسرائيليّة الأسبق، بنيامين نتنياهو، قد أكّد أنّه سيعطي عضو الكنيست المتطرف ورئيس حزب "عوتسما يهوديت"، إيتمار بن غفير، حقيبة الأمن الداخليّ في الحكومة التي سيشكّلها في حال وصوله إلى 61 مقعدًا. ويخوض بن غفير الانتخابات ضمن قائمة "الصهيونيّة الدينيّة" التي تُشير الاستطلاعات بأنّها ستصبح القوّة الثالثة في الكنيست، بعد حزب "الليكود" وحزب "ييش عتيد"، وسط حالة من الصراع بين الأحزاب اليمينيّة، للحصول على أصوات المستوطنين، وإطلاق الوعود باستمرار وتثبيت الاستيطان والاحتلال في الضفّة الغربيّة بشكل أكبر، مثل بن غفير الذي أعلن أنّه بعد دخوله في الائتلاف الحكومي وزيرًا للأمن الداخلي، سيقوم بإنشاء "السلطة الوطنية لتشجيع الهجرة"، لطرد "الأعداء" في إشارة إلى الفلسطينيّين، وميخائيل بن آري، القائد في حزب "القوّة اليهوديّة"، الذي صرّح بأنّه سيعمل على طرد أهالي مدينة أمّ الفحم، التي يصل تعداد سكّنها إلى 70 ألفًا".
وتأتي هذه الانتخابات، مع مواصلة قوّات الاحتلال الإسرائيلي التصعيد الانتقاميّ في الضفّة الغربيّة، من حصار عسكري لمدينة نابلس وبلداتها، وإغلاق الطرق، تزامنًا مع التضامن الشعبي الذي حظيت به مجموعة "عرين الأسود"، التي تصدّر اسمها عناوين الأخبار في وسائل الإعلام خلال الأسابيع الأخيرة، وقضّت مضجع دوائر صنع القرار في إسرائيل، جنبًا إلى جنب مع مظاهرات غضب انطلقت في مختلف أنحاء الضفّة الغربيّة، وتخلّلتها مواجهات عنيفة مع الفلسطينيّين راح ضحيّتها شهداء من عدّة قرى ومدن، في ظلّ تكهّنات مختلفة حول سيناريوهات "مرجّحة" بعد وفاة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، مثل "انتقال الحكم بشكل منظّم في السلطة الفلسطينيّة واستمرار أدائها"، أو "صراعات متواصلة على خلافة عبّاس وإضعاف السلطة وتعزيز قوّة حماس" أو "نشوء حالة من الفوضى وسلطة فلسطينية معادية لإسرائيل"، حسب بحث أجراه "معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، وسط تحذيرات من اندلاع انتفاضة ثالثة.
فيما يخصّ تفكّك القائمة المشتركة ومآلاتها، وتأثير ذلك على الفلسطينيين في الداخل، قال الصحافي محمود مجادلة لرصيف22: "منذ تشكيلها في العام 2015، لم تستند القائمة المشتركة إلى مشروع أو برنامج سياسي للمطالبة بحقوق أساسية جماعية موحدة تعكس طموح المجتمع الفلسطيني في الداخل، ولم تُطرح القائمة المشتركة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها كمشروع بديل ومناهض للمشروع الصهيوني الاستعماري لدولة إسرائيل، وكان المحرك الأساسي لدى الأحزاب العربية في تشكيل 'المشتركة' هو ضمان تمثيلها في الكنيست بعد رفع نسبة الحسم. أدى ذلك إلى تراجع طوعي ومتعمد للنقاشات السياسية، رغم الفروق الجوهرية بين مركبات المشتركة. غياب المشروع السياسي واكتفاء القائمة المشتركة بخطاب 'التأثير' وإسقاط اليمين، الأمر الذي تحول لاحقاً إلى خطاب إسقاط نتنياهو، أسهما في تقليص العمل السياسي الفلسطيني في الساحة البرلمانية وفي فشل المشتركة في التعامل مع 'الفرص' التي أتيحت لها في ظل الأزمة السياسية الإسرائيلية حول شخص نتنياهو. وبدلاً من استغلال الحالة السياسية الإسرائيلية للمناورة البرلمانية بما يحقق مكاسب للمجتمع العربي دون تقديم تنازلات سياسية عبر ربط المدني بالسياسي، تعمقت الخلافات داخل المشتركة عقب انتخابات آذار/ مارس 2020 في مسألة التوصية على غانتس كرئيس للحكومة. أدى كل ذلك إلى فقدان ثقة الجمهور في القائمة المشتركة ومركباتها الأمر الذي انعكس تراجعاً متواصلاً لنسب التصويت في المجتمع العربي، كما أدى ذلك إلى منح الشرعية لحزب عربي (متمثل في القائمة العربية الموحدة – الحركة الإسلامية الجنوبية) في الذهاب بعيداً والمشاركة في حكومة صهيونية".
اكتفاء القائمة المشتركة بخطاب 'التأثير' وإسقاط اليمين، تحول لاحقاً إلى خطاب إسقاط نتنياهو، وأسهما في تقليص العمل السياسي الفلسطيني في الساحة البرلمانية وفي فشل المشتركة في التعامل مع 'الفرص' التي أتيحت لها في ظل الأزمة السياسية الإسرائيلية
وأضاف مجادلة: " كل ذلك قد ينعكس في تراجع حقيقي في عدد النواب العرب في الكنيست وعلى نوعية العمل البرلماني العربي في إسرائيل. ولعل الأمر الذي قد يحدد طبيعة تأثير ذلك على الفلسطينيين في الداخل هو نتائج الانتخابات الحالية وطبيعة التوجهات السياسية لممثلي المجتمع العربي في الكنيست الـ25. والخطير في الأمر أن المشتركة بأدائها واختياراتها فتحت الباب أمام لعبة الاصطفافات خلف المعسكرات السياسية الصهيونية، والذهاب بعيداً إلى حد المشاركة في ائتلاف حكومي بحجة تحقيق مكاسب مدنية دون التنبه إلى طبيعة العلاقة بين الحقوق القومية الجماعية والحقوق المدنية المعيشية وكيف تشتق الأخيرة من الأولى".
وحول السيناريوهات المطروحة في ظلّ غياب الصوت العربيّ والدعوات إلى المقاطعة، قال مجادلة: "لا أرى أن هناك توسعاً استثنائياً لحركة المقاطعة الأيديولوجية لانتخابات الكنيست، وذلك في ظل غياب طرح مشروع سياسي جامع بديل بعيداً عن الكنيست. خصوصاً أن هناك قوائم عربية مرشحة كحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يولي الهوية القومية للفلسطينيين في الداخل والحفاظ عليها، أهمية قصوى، في مواجهة نزعات الأسرلة المتصاعدة. وهنا يطرح السؤال الآتي: ما هو الأجدى للحفاظ على الهوية القومية للفلسطينيين في الداخل، مقاطعة انتخابات الكنيست أم الحفاظ على تمثيل عربي في الكنيست يحقق هذه المعادلة الصعبة، عبر الربط بين الحقوق المدنية والهوية القومية؟
وتابع مجادلة: "لطالما كانت هناك شرائح سياسية ومدنية داخل المجتمع العربي الفلسطيني في أراضي الـ48، رافضة مبدئياً المشاركة في العملية الانتخابية، بحجة عدم توفير مصداقية لنظام عنصري يعامل السكان الأصلانيين معاملة مواطنين من الدرجة الثانية. لكني أرى أن هذه الشرائح محدودة أو على الأقل ثابتة من حيث الحجم. ولعل معظم العازفين عن المشاركة في الانتخابات يتبنون هذا الموقف كردة فعل على أداء الأحزاب العربية في الكنيست والهوة الشاسعة بين ما تحققه عملياً وما وعدت به هذه الأحزاب خلال حملاتها الانتخابية. هناك من يرى أن ليس هنالك ممثل حقيقي ينطق باسمهم في الكنيست، وهناك من يستهجن الخلافات على توزيع المقاعد بين الأحزاب المختلفة في القائمة الانتخابية للمشتركة على سبيل المثال، كما أن هناك الكثير من الرافضين للطرح السياسي الذي عكفت المشتركة على الترويج له في حملاتها الانتخابية منذ العام 2015، والتلويح بوهم "التأثير" وإسقاط اليمين، الأمر الذي لم يتحقق. للمثال، اعتمدت القائمة المشتركة في حملتها لانتخابات آذار/ مارس 2020 شعار إسقاط نتنياهو، وأوصت على غانتس رئيساً للحكومة، ليعود بحكومة وحدة شكلها بالشراكة مع نتنياهو.
واختتم مجادلة: "سيكون للصوت العربي في انتخابات الكنيست الحالية تأثير واسع على تحديد وجهة السياسة العربية للفلسطينيين في الداخل خلال المرحلة المقبلة، إذ يتمحور الصراع السياسي حقيقة بين توجهين، خصوصاً في ظل غياب مشروع سياسي بديل تقدمه الشرائح المقاطعة. التوجه الأول يتمحور حول نهج الاندماج في اللعبة السياسية الحكومية الإسرائيلية؛ والتوجه الثاني ذاك الذي يعارض اصطفاف السياسة العربية ضمن لعبة المعسكرات الإسرائيلية أو لعبة اليمين واليسار".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...