شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بعنا أرواحنا لنحصل عليه... في سرير المومس الإسبانية

بعنا أرواحنا لنحصل عليه... في سرير المومس الإسبانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 8 أكتوبر 202202:00 م

سرير الورد

 

عندما تفكر في النوم الجيد تفكّر في "إيكيا". هل تعرف فنغ شوي وفاستو شاسترا؟ هل تعرف ما هو تدفّق الطاقة؟ هل تعرف كيف نام علي بن أبي طالب في فراش الرسول واستخدم ملاءاته وفنجان قهوته المصنوع في ستاربكس؟

جميع منتجاتنا مصنوعة من مواد طبيعية: حليب الشجر المطاطي من غابات مطيرة، جلود حيوانات نصف منقرضة، شحوم خنازير (لكنها حلال)، أغصان أشجار من غابات كينيا، جلود بشر وشعورهم وخصاهم المتدلية (لا تخافوا، كلها معالجة صحياً وخالية من الكيماويات) أخشاب صلبة وأقطان عضوية، أي كل ما من شأنه أن يضمن لك نوماً مريحاً وأبدياً، فقط انخرط في حروبنا من أجل التحرير. عالم واحد، شركة واحدة ومجلس إدارة واحد.

جثتان على سرير واحد

يعتبر السرير أهم قطعة أثاث في المنزل وربما باع أشخاص أرواحهم ليحصلوا على سرير، وكلما ازداد علواً وحجماً، كلما ازدادت أهمية الشخص ومكانته الاجتماعية، وأي عريس جديد يولي أهمية قصوى لمادة السرير أكثر من "مادة" المرأة التي تنام عليه، فعليه سيقوم بكل "العمليات" التي تثبت رجولته ومركزيته المنزلية، وإذا كان في السابق امتيازاً للأغنياء، مدّته الثورة الصناعية بعناصر رخيصة الثمن، كالحديد والخشب المضغوط، جعلته متاحاً للجميع. فأصبح الباشا يضطجع على سريره مثله مثل أي بوّاب أو عامل بالفعلة، بل ويموت أيضاً على السرير نفسه في تلاش طبقي مذهل.

نمنا في أسرّة المقامرين الذين كانوا يلعبون على حيواتنا بأوراق الحظ، واستيقظنا لنجد أنفسنا ملك أحد غيرنا، ملك إله آخر غير الذي "لا إله إلا هو، الحي القيّوم". وضعنا آية الكرسي فوق سرير في مزبلة، في المخيمات وفي الدروب الوعرة، نمنا واقفين ونمنا جالسين، نمنا حائضين ونمنا عاقرين ونمنا كمن لا أجفان لهم... مجاز

من وجهة نظر تاريخ الحضارة، يشكّل السرير ومجموعة الأنسجة المرتبطة به عنصراً ثابتاً، كان السرير فيه مسرحاً للعديد من القصص والتي في غالبها ترتبط بالخيانة، المؤامرات، السرية والحميمية، يعمل كمساحة صغيرة، كمنزل صغير، كفسحة تضمّ اليومي واللانهائي. على سرير جلست شهرزاد وأجلست شهريار معها، حكم الملوك مساحات شاسعة وهم على الأسرّة. السرير يستقبل المواليد ويودع الموتى، يجدّد الاحتجاج على الهيمنة كما يمثل الامتثال للقوة، وبينما يمثل السرير الفوضوي دلالة سلبية لطبيعة الشخص، يقترن السرير المرتب بالهندسة والتنظيم.

دخول لعالم الأسرّة النادرة

"محمد دريوس، الغرفة الثانية في الجناح الثالث"...  

دخلت الغرفة بحذر الأرنب وتوقّع القطط. صادف دخولي مدفع الإفطار. كانت غرفة ضيقة مضاءة بمصباح أصفر اللون وتضم ما يزيد عن سبعين شخصاً، أغلبهم صائمون ويرغبون في الإفطار في نفس اللحظة، فمن الممكن أن يغضب الله إذا لاحظ عبداً سورياً في سجن في أطراف دمشق، تأخر في الإفطار دقيقة. وقفت باحثاً عن مكان أضع فيه كيس أغراضي القليلة. قال أبو أحمد، الذي عرفت لاحقاً أنه رئيس الغرفة: "جديد؟". قلت: "نعم". قال: "ابحث لك على مكان للنوم، قرب المراحيض أو على طاولة المطبخ". قلت: "أريد سريراً". نظر إلي. نظر إلى الجراب المتسخ الذي استخدمته لوضع ممتلكاتي الشخصية، نظر إلى الأشخاص التسعة المتحلقين حوله استعداداً لغمس أيديهم بصحن واحد: "سرير؟ أن تجد ستنا عائشة في هذا المكان أسهل من أن تجد سريراً". وغابوا في ضحكة جماعية وصل صداها إلى الغرف الأخرى.

سريري صديقي

في عام 1882، كتب موباسان: "السرير يا صديقي هو حياتنا كلها. هذا هو المكان الذي نولد فيه، هذا هو المكان الذي نحب فيه، هذا هو المكان الذي نموت فيه. لو كان لدي قلم كريبيليون (كاتب مسرحي فرنسي)، لكنت أكتب قصة سرير. ويا لها من مغامرات مؤثرة، رهيبة، وكذلك مغامرات رشيقة، مثل العديد من المغامرات المؤثرة! ما هي الدروس التي لا يمكن أن نستخلصها من هذا للجميع؟ أنت تعرف سريري يا صديقي. لن تتخيل أبداً عدد الأشياء التي اكتشفتها هناك في الأيام الثلاثة الماضية، وكم أحبها كثيراً. يبدو لي أنه مسكون، مسكون، كما أقول، من قبل الكثير من الناس الذين لم أشتبه بهم، والذين مع ذلك تركوا شيئاً من أنفسهم في هذه الطبقة".

العالم بأكمله مقسوم بين من ينامون على الأسرّة ومن ينامون على الأرض، ويتفرّع عن القسمين أقسام أصغر بتفاصيل أخرى، تتعلّق فيما يخصّ القسم الأول: الأسرّة الكبيرة، الصغيرة، العالية، المُحاطة بأعمدة نحاسية والمغطاة بأوشحة بيضاء شفافة، المرتبات المحشوة ريشاً أو صوفاً أو قطناً خفيفاً أو اسفنجاً مضغوطاً، أما أولئك الذين ينامون على الأرض، فمنهم من لا يجد حتى عازلاً خشناً بسمك الإصبع ينام عليه، أسرّة حجرية بالكاد ترتفع عن الأرض بوصة أو اثنتين، وبالكاد تميّزها عن القبور، لكنك تموت أيضاً مثل الجميع، تموت مثل كلب نافق وتدفن مثله.

سرير بروكرست

قالت المومس الإسبانية: "لماذا يبدو هكذا؟ (مشيرة إلى عضوي) كأنه يرتدي قبعة لاعبي بيسبول؟". قلت: "كان ضابطاً في الجيش السوري". قالت: "هل يرتدي كل الضباط نفس الخوذة؟". قلت: "الأذكياء فقط، مثله". قالت: "وهل هو ذكي؟". قلت: "عرف كيف يصل إلى كسّك، أليس كذلك؟". قالت: "هل أنت يهودي؟ أقصد أنه لا مانع لدي مع كل الأديان، حتى أني نمت مرة مع مسلم، لكن أصدقني القول".

استلقى أوليس مع بينيلوبي على سريره ليخبرها عن رحلته، فغيّرت مكان السرير لتختبر فيما إذا كان يعرف سريرهما السابق، سرير الزوجية، ويأتي السرير هنا كمجاز آخر، مجاز النشاط الزوجي المشترك، فقال، وبكل حماقة الرجال: "يا امرأة، من حرّك سريري من مكانه؟"... مجاز

قلت: "هل ترين ورقة الخمسين يورو هذه؟ هل تحفظ (السلام عليك يامريم)؟". قالت: "نعم نعم. دعني من هرائك هذا. سأنام معك حتى لو كنت قرداً. أعلم أني أبيع جسدي ولا أبيع الوصايا العشر، لكن يمكنك أن تكون يهودياً أيضاً، أو حتى عربياً. لا أهتم ما دمت نظيفاً. لكنك مختون كاليهود". قلت: "أنا مهاجر فقط". قالت: "وأنا أيضاً، جاء جدي من بلدة صغيرة تدعى لاتاكيا على البحر المتوسط، هرباً من الفقر ومن الطغيان الديني. كان، كما أخبرني أبي، من طائفة دينية غنوصية صغيرة تدعى العلويين. هل سمعت عنهم؟". قلت: " Oh, Mierda".

فراش الموت

المثير فيه أنه ليس فراشاً حقيقياً، إنه مكان فحسب، تُقبض فيه روح أحد، مكان قد يكون ظل شجرة أو خندق مائي أو حافة سريعة، وأيضاً هو وقت، فترة يقضيها الشخص قبل أن يخرج من العالم، وعندها تبدأ الحياة بالمرور، الإنجازات، المعارك الفاشلة والرابحة، الأبناء الذين فشل الشخص في تربيتهم أو إنجابهم حتى.

صنع أوليس سريراً أوّل ليختفي في جزيرة شيري من غضب بوسيدون، صنعه من أوراق شجر الزيتون، وتغطى بها حتى كأنه أصبح جزءاً منها واختار إخفاء رجولته كمحارب ماهر خلف الأوراق الخضراء، في السرير الأول، وهذا السرير هو مجاز الخشية، التهرّب من الانكشاف، أي عكس السرير الذي يعلو الأرض ليظهر ويتم التباهي بالإنجازات فوقه، عندما يكون الرجل مع امرأة على سبيل المثال، وكما فعل هو شخصياً مرة أخرى عندما استلقى مع بينيلوبي على سريره ليخبرها عن رحلته، فغيّرت مكان السرير لتختبر فيما إذا كان يعرف سريرهما السابق، سرير الزوجية، ويأتي السرير هنا كمجاز آخر، مجاز النشاط الزوجي المشترك، فقال، وبكل حماقة الرجال: "يا امرأة، من حرّك سريري من مكانه؟".

سرير النازح

ننام في أسرّة الخالدين، في أثر أجسادهم على أغطية مزركشة، خرجنا من بيوتنا على عجل وكانت أسرّتنا لمّا تستيقظ بعد، استيقظنا نحن وكانت هي معفّرة بالنوم وبأحلامنا التي تركناها بين ثناياها كفاكهة مجففة.

على سرير جلست شهرزاد وأجلست شهريار معها، حكم الملوك مساحات شاسعة وهم على الأسرّة. السرير يستقبل المواليد ويودع الموتى، يجدّد الاحتجاج على الهيمنة كما يمثل الامتثال للقوة، وبينما يمثل السرير الفوضوي دلالة سلبية لطبيعة الشخص، يقترن السرير المرتب بالهندسة والتنظيم... مجاز

نمنا في أسرّة أعدائنا، في شفقتهم، في قرفهم من رائحتنا الشنيعة، نمنا في أسرّة الوحوش، وكسوريين، وجدنا كل الأسرّة ملائمة لأجسادنا المشوّهة، في أسرّة الفقهاء نمنا وفي عطاياهم البخيلة، في أسرّة الكبريت وفي علب الطماطم الجافة. وعندما أتى الليل في كل ليل، جافانا النوم، "سيّد الفضائل". نمنا في أسرّة البخل والحسرة، الانقطاف والتفجّع، أسرّة الخيلاء والانكسار، بلا رغيف أخير وكأس شاي، نمنا كمن لن يستيقظ واستيقظنا كمن لم ينم، نمنا بعيون مفتوحة وقلوب مغلقة.

وجدنا لأطفالنا أسرّة في آباء غيرنا، ووجدت نساؤنا رجالاً في أسرتهن، وانتظرنا كالخدم انتهاء اغتصاب نسائنا على أسرّة المجد، حاملين الفوط للسيّد الذي اغتصب وغضب ثم اغتصب ورضي.

نساؤنا اللواتي يئسن من استعادة رجالهن على مختبر الفحولة، رضين، وأرسلننا لنخفي ذلّنا الأبيض وعارنا الكئيب في كوبونات الإعاشة.

نمنا في أسرّة موتى أيضاً: تستيقظ الجثّة لتعطي مكانها لجثة أخرى ويستيقظ الميت بأكتاف متهدّلة. نمنا في أسرّة المقامرين الذين كانوا يلعبون على حيواتنا بأوراق الحظ، واستيقظنا لنجد أنفسنا ملك أحد غيرنا، ملك إله آخر غير الذي "لا إله إلا هو، الحي القيّوم".

وضعنا آية الكرسي فوق سرير في مزبلة، في المخيمات وفي الدروب الوعرة، نمنا واقفين ونمنا جالسين، نمنا حائضين ونمنا عاقرين، ونمنا كمن لا أجفان لهم. نمنا في يأسنا العاري وخوفنا العاري، ونزوحنا من سرير طاغية إلى سرير طاغية آخر، لا تغطي أجسادنا سوى الرغبة بالإمحاء وثياب صيفية سرقناها من حبال غسيل طارئة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard