شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مع الست نجاة في سكة العاشقين والضنك والمحاكم (3 من 3)

مع الست نجاة في سكة العاشقين والضنك والمحاكم (3 من 3)

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الاثنين 31 أكتوبر 202201:53 م

لم تكن حياة نجاة مقتصرة على الأزمات الشخصية الأليمة، بل حفلت أيضاً بأزمات فنية اكتوت بنارها من كثيرين خذلوها وحاولوا تحجيم انطلاقها، ولم تكن تتصور أن يكون أبرز هؤلاء الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كانت تعتبره أباً لها، تعودت أن تلجأ إليه لتشكو مرارة حياتها خاصة بعد أن تركت منزل والدها. كان عبد الوهاب قد أعجب بأداء نجاة للحن كمال الطويل في أغنية (أسهر وأنشغل أنا) التي كان يفترض أن تغنيها ليلى مراد، فطلب من الشاعر مأمون الشناوي أن يكتب أغنية خاصة لنجاة لكي يلحنها لها، وكتب مأمون رائعته (كل ده كان ليه)، ولحنها عبد الوهاب وبدأت نجاة تتردد عليه لحفظ اللحن، ثم سجلته تمهيداً لبثه، وقبل أيام من إذاعة الأغنية في الإذاعة المصرية، طلب عبد الوهاب من المسؤولين عدم بث اللحن زاعماً أن هناك عيباً يتطلب إصلاحه بتسجيل آخر، ثم فاجأ الجميع وقام بتسجيل الأغنية بصوته وأذاعها ثم غناها على المسرح بصوته لتحقق نجاحاً ساحقاً غطّى على أصوات اعتراض وشكوى نجاة من خذلان عبد الوهاب لها.

يروي الصحفي السعودي محمد العمري أن عبد الوهاب أحس بالذنب خصوصاً بعد أن فشلت أغنية نجاة (اوصفوا لي الحب) التي لحنها لها الفنان الكبير محمود الشريف، ولذلك لحّن عبد الوهاب لنجاة من كلمات إسماعيل الحبروك أغنية (أما غريبة) التي حققت نجاحاً كبيراً، تواصل بمجموعة حفلات ناجحة في الدول العربية وتضاعف مع أغنية جديدة من ألحان عبد الوهاب هي (العوازل يا ما قالوا)، لتطير بعدها إلى المغرب في أيلول/ سبتمبر 1958 لتغني في حفلة خيرية نظمتها الأميرة عائشة، وفي أيار/ مايو 1959 غنت لأول مرة من ألحان شقيقها عز الدين وكلمات علي مهدي أغنية (خايفة)، وبعد موجات متعاقبة من النجاح الجماهيري والفني شعرت نجاة أن ما تحصل عليه من أجر من شركة (كايروفون) لم يعد يناسب مكانتها، ففسخت عقدها مع الشركة وتعاقدت مع شركة مصرفون ليرتفع أجرها من 200 جنيه إلى 450 جنيها في التسجيل الواحد وهو رقم كان ضخماً وقتها.

لم تكن حياة نجاة مقتصرة على الأزمات الشخصية الأليمة، بل حفلت أيضاً بأزمات فنية اكتوت بنارها من كثيرين خذلوها وحاولوا تحجيم انطلاقها، ولم تكن تتصور أن يكون أبرز هؤلاء الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كانت تعتبره أباً لها

خاضت نجاة أزمة جديدة عندما تم إنشاء اتحاد شباب خريجي الجامعات في مطلع الستينات، وتمت دعوتها للغناء في حفل مع هدى سلطان وشريفة فاضل وفايدة كامل وسعد عبد الوهاب وشكوكو، وحضرت نجاة إلى مسرح الحفل لكنها انصرفت قبل أن تغني لتثير علامات استفهام لدى عشرة آلاف متفرج على رأسهم كمال الدين حسين، عضو مجلس قيادة الثورة، وتدخل بعدها عزلة طويلة في بيتها تفاقمت خلالها مشاكلها مع زوجها كمال منسي، ولم تقطع عزلته إلا لتغني أغنية (عالشوك ماشي) من كلمات إسماعيل الحبروك وألحان بليغ حمدي الذي خرجت من عزلتها تقديراً لصداقته القوية.


حين تلقّت نجاة دعوة فنية للسفر إلى لبنان، فوجئت بضياع جواز سفرها، وحين ذهبت إلى مصلحة الجوازات فوجئت حين طلبوا منها موافقة زوجها على استخراج الجواز، واتضح أنها لن تستطيع أن تسافر بدون إذنه، فاستعانت بصديق مشترك أقنعهما باللقاء في كازينو الفونتانا، وكان لدى كمال منسي أمل أن يتمكن من إقناعها بالرجوع إليه، ولذلك قام بالتوقيع على أوراق تفيد إذنه لها باستخراج الجواز والسفر، لتسافر إلى لبنان وتحيي عدة حفلات لمدة شهر، وتوقع عقداً بعد عودتها لبطولة فيلم جديد مع أحمد رمزي وعبد السلام النابلسي، وتتبدد آمال زوجها كمال منسي في العودة إليها.

قبل أيام من إذاعة أغنية (كل ده كان ليه) في الإذاعة المصرية، طلب عبد الوهاب من المسؤولين عدم بث اللحن زاعماً أن هناك عيباً يتطلب إصلاحه بتسجيل آخر، ثم فاجأ الجميع وقام بتسجيل الأغنية بصوته وأذاعها.

تواصلت نجاحات نجاة الغنائية مع عبد الوهاب حين قدمت رائعة (ساكن قصادي وباحبه) من كلمات حسين السيد، ثم تعثر تسجيل أغنيتها (وقدرت تنام) بسبب تصاعد مشاكل الطلاق، واستمر تعثر مشوارها بسبب مشكلة أخرى أكثر إيلاماً هي الدعوى القضائية التي رفعها والدها محمد حسني وشقيقتها الكبرى خديجة ضدها وضد أشقائها الملحن عز الدين والخطاطين فاروق وسامي ونبيل، طالبين في الدعوى أن يقوم الأشقاء الخمسة بالإنفاق على والدهم الذي بلغ الستين من عمره وأصبح عاجزاً عن الكسب.

يروي محمد العمري كيف تسابقت الصحف والمجلات على تصوير الأب وهو يقف في المحكمة ليقول للقاضي بصوت متهدج: "زمان كنت أتضايق من زحمة الخدامين في شقتي، وكان لي تلاميذي في الخط هم السخيلي والمرصفي والقليوبي ومحمد إبراهيم وجميعهم من أشهر خطاطي مصر الآن، ومعهم أولادي سامي وفاروق ونبيل الذي يمتلك ورشة زنكوغراف، كان دخلي في السابق لا يقل عن 200 جنيه شهرياً، وكنت أنفقه كله على أولادي أرعاهم وأربيهم وأعلمهم، ثم تركوني عندما كبر سني وغطى الشيب رأسي مثلما تركتني أمهم من قبل فطلقتها بعد ما اختارت رجلاً غيري".

لم يكن غريباً أن تقر المحكمة لمحمد حسني نفقة قدرها خمسة جنيهات شهرياً يدفعها أولاده، مع أن نجاة قالت في شهادتها إنها كانت تعطيه دائماً ولا تبخل عليه، إلا أنه كان دائماً يطلب منها المزيد ويستغل كل فرصة ممكنة لتشويه سمعتها، وأنه كان يطلب منها خمسين جنيها، ويغضب حين تعطيه عشرين جنيهاً فقط مع أنه مبلغ أكثر مما يكفيه، وقالت شقيقتها الممثلة الناشئة سعاد حسني إنها أيضاً كانت تعطيه عشرين جنيهاً كل شهر، بينما قال الملحن عز الدين أنه كان يعطيه 3 جنيهات شهرياً، وهو ما لم تبرزه الصحف التي انشغلت بذم سلوك نجاة وأشقائها وجحودهم للأب وتنكرهم له في شيخوخته.

لم يكن غريباً أن تقر المحكمة لمحمد حسني نفقة قدرها خمسة جنيهات شهرياً يدفعها أولاده، مع أن نجاة قالت في شهادتها إنها كانت تعطيه دائماً ولا تبخل عليه

بعد أن انتهت أزمة نجاة مع أبيها، عادت إلى الساحة الغنائية برائعة (أيظن) من ألحان عبد الوهاب وكلمات نزار قباني، وكان عبد الوهاب قد أهداها اللحن بعد أن طلب منها أن تسند له اللحن الذي تلكأ في تنفيذه ملحن آخر، وحققت الأغنية نجاحاً مدوياً جعلها تذاع أكثر من مرة في اليوم الواحد، وحصلت نجاة بفضل الأغنية على المركز الأول في مهرجان الأغنية الذي أقامته جريدة (الأنوار) اللبنانية ونالت جائزة قدرها عشرة آلاف ليرة، فيما تقاسم عبد الوهاب ونزار مبلغ عشرة آلاف ليرة، لكن الجوائز والليرات لم تمنع من حدوث مشكلة جديدة مع عبد الوهاب الذي قام بتسجيل الأغنية بصوته على أسطوانات أنتجتها شركة كايرو فون التي كان شريكاً فيها، لتعترض شركة مصرفون التي كانت تحتكر صوت نجاة، وحسم نزار المشكلة حين جاء إلى القاهرة وأقر بوصفه كاتب الأغنية أنها من حق نجاة فقط، لكن الأغنية كانت على موعد مع أزمة جديدة، حين تعرضت لهجوم كاسح من عدد من الكتاب على رأسهم الشاعر أحمد فتحي، الذين شنوا حملات من السخرية على كلمات الأغنية، وتأثرت نجاة بالهجوم فطلبت وقف إذاعة الأغنية حتى تهدأ الزوبعة الصحفية.


بعد (أيظن) توالت أغاني نجاة الناجحة مع بليغ حمدي مثل (مش هاين أودعك ـ سامحني ـ وحديّا وحديّا ـ الطير المسافر ـ في وسط الطريق) ومع محمد الموجي الذي أعطاها في تلك الفترة أكثر من لحن ناجح على رأسها أغنية (انت فاكر) التي اشتهرت بكوبليه "يا حبيبي قول لي آخرة جرحي إيه"، وبعدها تركت نجاة شركة مصرفون ووقعت عقداً مع شركة (صوت الفن) التي احتكرت أصوات كبار مطربي مصر ما عدا أم كلثوم ومحمد فوزي، وشهدت حل مشكلتها مع زوجها بحصولها على حكم الطلاق، وسافرت إلى الكويت لتحيي حفل زفاف أحد أفراد أسرة الصباح الحاكمة وتحظى هناك باستقبال حافل، وتعود بعزم أقوى على بدء مرحلة فنية أكثر نجاحاً.

لكن الجوائز والليرات لم تمنع من حدوث مشكلة جديدة مع عبد الوهاب الذي قام بتسجيل الأغنية بصوته على أسطوانات أنتجتها شركة كايرو فون التي كان شريكاً فيها، لتعترض شركة مصرفون التي كانت تحتكر صوت نجاة

لم تكد نجاة تلتقط أنفاسها من معركة طلاقها، وتعيش 3 أعوام من الهدوء الذي حرمت منه سنين طويلة، حتى فوجئت بأزمة جديدة تهزها من الأعماق عندما نشرت صحيفة (الأهرام) خطاباً موجهاً ضدها وضد شقيقتها سعاد حسني، كتبه شقيقها الخطاط نبيل قال فيه بالنص: "شقيقتي نجاة... أختي سعاد: اسمحا لي بأن أهمس في أذن كلتيكما بكلمة صغيرة علها توقظ الضمير وتحرك الماضي الذي هو ليس ببعيد. هل نسيتما حين كنتما في مستهل نشأتكما تحاولان الوقوف على أول درجة من سلم المجد والشهرة، فإذا بكما تتعثران وتسقطان من الذي أخذ بيديكما؟ من الذي ضحى بمجهوده وماله وأخذ يرقى بكما السلم درجة درجة حتى وصلتما إلى ما أنتما فيه من مجد وعز وشهرة؟ هل نسيتما أخاكما نبيل الذي كان يبادر بمساعدتكما مالياً حينما كانت المادة تقف حجر عثرة في سبيل تقدمكما؟ هل جزاء الإحسان الإساءة؟ يا للأسف زرعت طيبا فجنيت جحوداً ونكراناً".

لم تكد نجاة تلتقط أنفاسها من معركة طلاقها، وتعيش 3 أعوام من الهدوء الذي حرمت منه سنين طويلة، حتى فوجئت بأزمة جديدة تهزها من الأعماق.

ويضيف نبيل في رسالته: "أنا يا أيتها السيدتين العظيمتين لا أطرق بابكما مستجدياً، بل مطالباً بالمبالغ التي سلمت إليكما كسلفة عام 1960 ولم أطالبكما بما صرفته عليكما وأنتما في باكورة مجدكما. كنت أنتظر أن أجد منكما كل معاملة طيبة ورد المعروف الذي أسديته إليكما، ولكني وجدت معاملات فاترة وكلمات جارحة توجه إليّ في كل مرة أطلب فيها رد الدين، لدرجة أنك يا سعاد قلت بمنتهى الكبرياء والعظمة أنت لست من مركزنا ووسطك ليس من وسطنا، لمن تقولين ذلك، لأخيك؟ سبحان الله".

ثم يختم نبيل صاحب ورشة الزنكوغراف رسالته قائلاً: "أيتها السيدتان الجليلتان لا تلوماني على تقديم شكواي للعدالة وعلى صفحات الجرائد لأنني حاولت بشتى الطرق العادية أن أتحصل على حقي منكما، وتدخلت شخصيات عظيمة بيننا ونصحوكما دون أي جدوى. هل تظنان أن مالكما ومركزكما وأصدقاءكما يحولون دون حصولي على حقوقي، كلا سوف أحصل عليها كاملة مهما كلفني الأمر وما ضاع حق وراءه مطالب، أيها القارئ هل تتصور أنه في آخر مرة ذهبت فيها لمنزل أختي نجاة للمطالبة بالدين، قامت بإخفاء جهاز التسجيل الذي كان معي"، ولم يكتف نبيل بنشر رسالته المدوية في الصحافة، بل قام بتقديم بلاغ إلى نيابة قصر النيل ضد نجاة وسعاد، لم يسفر عن قرار واضح، ولم يشر محمد العمري إلى وجود نتيجة ملموسة لذلك البلاغ في كتابه.

في وسط صدمة نجاة مما قام به أخوها، تلقت خبراً مفرحاً هو حصولها على الجنسية المصرية بعد موافقة وزارة الداخلية المصرية على طلبها بالحصول على الجنسية بعد أكثر من 13 سنة من الانتظار، ظلت فيها حتى نهاية عام 1962 تقدم طلباً إلى وزارة الداخلية لتجديد إقامتها بشكل سنوي، وكانت نجاة قد اكتشفت بالصدفة أنها غير حاصلة على الجنسية المصرية حين سافرت إلى دولة عربية لإحياء بعض الحفلات، ففاجأها موظف بالمطار بضرورة استخراج إقامة لأن والدها يحمل الجنسية الفلسطينية، وكانت نجاة تظن أن والدها يحمل الجنسية المصرية إلى جوار جنسيته الأصلية، لتفاجأ بذلك الوضع الغريب الذي ظل يزعجها ويعطل حركتها في عز شهرتها.

في وسط صدمة نجاة مما قام به أخوها، تلقت خبراً مفرحاً هو حصولها على الجنسية المصرية بعد موافقة وزارة الداخلية المصرية على طلبها بالحصول على الجنسية بعد أكثر من 13 سنة من الانتظار،

كانت نجاة على موعد جديد من الأزمات بعد غنائها أغنية (لا تكذبي) من كلمات كامل الشناوي وألحان عبد الوهاب، حيث أثارت الأغنية بعد نجاحها الساحق سلسلة من الأقاويل والشائعات حول سر كتابة كامل الشناوي لها، وتواتر أنه كان يعيش قصة حب عنيفة مع نجاة من طرفه، وحين دعي إلى حفل أقامته نجاة بمناسبة عيد ميلادها ودعت إليه عدداً من أبرز نجوم مصر في الفن والصحافة والأدب، اشترى كامل تورتة عيد الميلاد بنفسه تعبيراً عن خالص حبه لها، لكنها تجاهلته وأخذت تتحدث مع باقي الضيوف، وحين جاء موعد تقطيع التورتة، مالت نجاة على الكاتب الشهير يوسف إدريس واختارته من بين الحضور ليشترك معها في تقطيع التورتة وهو ما أشعل النار في قلب كامل، لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد لكتابة قصيدته المعبرة عن لوعته وحزنه، فحين عاد إلى شقة نجاة بعد انتهاء الحفل وجدها منفردة بشخص وبدا له أنهما في حالة عشق، يقول البعض إن ذلك الشخص كان نزار قباني، ويقول آخرون إنه كان شقيقه صباح قباني، مدير تلفزيون دمشق، وقد سمعت من الكاتب الكبير رجاء النقاش أن ذلك الشخص كان الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي كان في زيارة إلى القاهرة وإن كان البعض يرد على ذلك بالقول إن درويش لم يكن قد جاء وقتها إلى القاهرة.


ينكر يوسف إدريس في شهادة ينقلها محمد العمري أنه كان المعني بقصيدة كامل الشناوي، ويقول إن الأمر اقتصر على مساعدة نجاة في تقطيع التورتة التي كانت ضخمة جداً، ويروي الصحفي كمال الملاخ الذي انصرف في منتصف الليل ولم يكمل السهرة في بيت نجاة أنه لاحظ بالفعل ظهور مشاعر الغيرة والارتباك على كامل الشناوي، وحين ذهب في الصباح الباكر إلى فندق الهيلتون ليتناول الإفطار، وجد كامل الشناوي يجلس هناك وأمامه مطفأة سجائر ممتلئة على آخرها، رغم أنه لم يكن من عادة كامل الاستيقاظ مبكراً، وأسمعه كامل بعض أبيات القصيدة التي لم يستطع أن ينام إلا بعد كتابتها.

وحين جاء موعد تقطيع التورتة، مالت نجاة على الكاتب الشهير يوسف إدريس واختارته من بين الحضور ليشترك معها في تقطيع التورتة وهو ما أشعل النار في قلب كامل الشناوي

يقول كمال الملاخ إن كامل الشناوي بعد أن شهد ما أثار استياءه في بيت نجاة، نزل إلى الشارع متأثراً بجراحه العاطفية، التقى ببليغ حمدي وسارا معا على كورنيش النيل، وشهد بليغ ميلاد القصيدة، ليقول له بليغ بخبث إنها تنفع أغنية وتناسب نجاة، فيقول كامل بحماس شديد: "نعم إنها لها، إنني أعشق صوتها كعشقي للحياة"، وذهب كامل إلى منزل مصطفى أمين القريب وأنهى كتابة القصيدة هناك، واتصل بنجاة من بيت مصطفى، وأخذ يقرأ القصيدة لها، بينما مصطفى وأحمد رجب يستمعان إلى المكالمة من سماعة ثانية، وبعد أن انتهى كمال من قراءة القصيدة قالت له نجاة: "كويسة قوي، تنفع أغنية، لازم أغنيها"، وظلت القصيدة فترة لدى عبد الوهاب إلى أن لحنها وغنتها نجاة.

يروي محمد العمري أن كامل الشناوي حين استمع إلى نجاة وهي تغني الأغنية قبل إذاعتها، بكى بشدة، وانزعجت نجاة من بكائه وسألته عن سر بكائه، فقال لها: "وماذا يضيرك من بكائي؟" فقالت له: "الناس يظنون أنني أبكيك"، فرد قائلاً: "الناس يعرفون أنك ملهمتي"، فقالت له: "ولكن الناس لا يعرفون شاعريتك ولا خيالك ويتصورون أشياء لا أصل لها"، فرد كامل: "هم يقولون، دعيهم يقولون"، وهو حوار ربما لا يكون دقيقا أو ربما لا يكون قد حدث أصلاً، لكن الكثيرين سيحبون تصديقه لأنه يتماشى مع أجواء الأغنية ويزيدها درامية.

يروي محمد العمري أن كامل الشناوي حين استمع إلى نجاة وهي تغني الأغنية قبل إذاعتها، بكى بشدة، وانزعجت نجاة من بكائه وسألته عن سر بكائه، فقال لها: "وماذا يضيرك من بكائي؟" فقالت له: "الناس يظنون أنني أبكيك"

بعد الضجة التي أحدثها غناء نجاة لـ (لا تكذبي) عاشت فترة من الاستقرار ساعدها على التفرغ لرعاية ابنها وليد، والتركيز على نشاطها الفني الذي تضاعف بعد النجاح الكبير لفيلمها (الشموع السوداء) مع المخرج اللامع عز الدين ذو الفقار، حتى أنها أعلنت أنها ستقدم فيلماً كل عام، لكن حالة الانتعاش السينمائي لم تستمر، حين دخلت نجاة في خلافات حادة مع عدلي المولد منتج فيلم (شاطئ المرح)، لتعلن عن نيتها في اعتزال السينما وتتخلى عن مشروع فيلم كان سيخرجه لها حلمي حليم، وتقرر نجاة أن تغير استراتيجيتها في التعامل مع الصحافة والشائعات، فتتجاهل تماماً كل ما ينشر عنها من أخبار، كان من أكثرها انتشاراً ما نشر عن أنها ستتزوج رجلاً ثرياً اشترط عليها التفرغ للبيت، أو أنها أصيبت بمرض خطير في كليتها، أو أنها وقعت في حب جديد مع نجم كبير.

وجدت نجاة أن سياسة "الصمت الرهيب" أكثر راحة لنفسها، وقررت أن تلحق ابنها وليد بمدرسة داخلية في بريطانيا، رغبة منها في تعليمه على أعلى مستوى وإبعاده عن جوها الصاخب المليء بالأزمات والشائعات والتشنيعات، وقبل أن تعود للتركيز في مشاريع فنية جديدة أصيبت بآلام حادة في المرارة، فسافرت إلى لندن في أيار/ مايو 1970 لكي تجري عملية إزالة المرارة في أحد مستشفياتها على يد الطبيب المصري صلاح خاطر المقيم في بريطانيا منذ ربع قرن، والذي كانت قد تعرفت عليه خلال إحدى زياراتها المتكررة لابنها في لندن.

وجدت نجاة أن سياسة "الصمت الرهيب" أكثر راحة لنفسها، وقررت أن تلحق ابنها وليد بمدرسة داخلية في بريطانيا.

بعد أن أزالت نجاة مرارتها، كانت على موعد مع مرارة جديدة تسبب فيها أستاذها عبد الوهاب وشركته (صوت الفن). كان بليغ حمدي قد اقترح على نجاة أن تعيد طبع أسطوانات جديدة تضم أغانيه التي لحنها لها والتي سجلتها شركة (صوت الفن) والتي كان عقد نجاة معها قد انتهى، واقترح بليغ أن يتم الاتفاق مع الشركة على أن تقوم بتوزيع الأغاني فقط، ليذهب النصيب الأبرز من الأرباح لنجاة وله، وبدا الاتفاق معقولاً ويعم بالخير على الكل، لكن الشركة التي كان يديرها المحامي مجدي العمروسي رفضت التخلي عن الأسطوانات التي طلبتها نجاة.

قررت نجاة رفع دعوى قضائية على الشركة في آب/ أغسطس 1970، وخرجت عن صمتها في حديث صحفي اتهمت فيه شركة صوت الفن بأنها تحكم على أغنياتها بالسجن إلى أجل غير مسمى، وروت نجاة كيف دأبت الشركة على مضايقتها في أكثر من أغنية، على رأسها أغنية (الطير المسافر) التي سجلتها ولم يصلها من أرباحها شيء، وأغنية (في وسط الطريق) التي أنهت مونتاجها، وعندما طلبت منحها نسخة لتقديمها للإذاعة رفضت الشركة، وحين حاول المنتج والمخرج حلمي حليم شراء الأغنية لفيلم جديد ينوي إنتاجه طلب منه العمروسي دفع 500 جنيه للملحن بليغ حمدي، وحين فعل، طلب منه دفع نفقات التأليف والتسجيل، وهو ما بدا رغبة في التعجيز، لذلك حلمي وافق على دفع نصف النفقات فرفض مجدي وقال له حتى لو وافقت على عرضك فلن تتسلم الأغنية إلا بعد شهرين حين ننتهي من إعادة مونتاجها، فرفض حلمي حليم وخسر الـ 500 جنيه التي دفعها لبليغ حمدي.

قالت نجاة إن شركة صوت الفن تعاملت بنفس المنطق مع أغنية (ليلة من الليالي)، وأن ذلك يؤكد رغبة الشركة في حجب صوتها عن المستمعين، وهو ما كان يشكل اتهاماً صريحاً لعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ الشريكين الأبرز في الشركة، والذين يعلم الجميع أن مجدي العمروسي لا يتصرف دون الرجوع إليهما، ومن جانبه رد مجدي العمروسي على نجاة فاتهمها بالكسل والانكفاء على ذاتها، قائلاً إنها لم تكمل عمليات مونتاج الأغنيات الثلاث، ولذلك لم يتم نزول الأغنيات إلى السوق، مؤكداً أن أسطوانات نجاة مربحة للشركة ولا يوجد مبرر لتأخير طبعها وتوزيعها.

قالت نجاة إن شركة صوت الفن تعاملت بنفس المنطق مع أغنية (ليلة من الليالي)، وأن ذلك يؤكد رغبة الشركة في حجب صوتها عن المستمعين، وهو ما كان يشكل اتهاماً صريحاً لعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ الشريكين الأبرز في الشركة

قررت نجاة أن ترد على اتهامها بالكسل لتعود إلى الساحة الغنائية التي تسيدتها وردة وفايزة أحمد في مطلع السبعينات، وأعلنت عن عودتها للغناء أمام الجمهور في حفل كبير يقام أول أيام العيد، وحين طلب منها مسئولو الإذاعة تأجيل حفلها لأن فريد الأطرش كان قد أعلن عن قيامه بحفل غنائي في نفس اليوم، رفضت نجاة التنازل، وهاجمتها الصحف والمجلات الفنية، لكن أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الماسية نجح في إقناعها بتأجيل حفلها لليوم التالي.

قررت نجاة أن ترد على اتهامها بالكسل لتعود إلى الساحة الغنائية التي تسيدتها وردة وفايزة أحمد في مطلع السبعينات.

بعدها دخلت نجاة معركة مع منافستها وردة بسبب أغنيتي (كان يا ما كان) و (العيون السود) اللتين كان بليغ قد لحنهما لنجاة ثم قدمهما لزوجته وردة دون موافقة أو علم نجاة، فقررت نجاة رفع دعوى قضائية لإثبات حقها في الأغنيتين اللتين سارعت وردة بالنزول بهما، لتستمر قضية نجاة في المحاكم حتى أيار/ مايو 1974، حين أصدر إبراهيم رشدي قاضي الدائرة 22 بمحكمة شمال القاهرة حكماً باستمرار تنفيذ الأمر الوقتي الصادر لصالح نجاة بمنع وردة من تقديم الأغنيتين للإذاعة والتلفزيون، وحذفهما أيضاً من فيلمي وردة الذين قدمتهما فيها، وهو ما لم يحدث في نهاية المطاف لتبقى الأغنيتان الجميلتان في ذمة وردة، ويبقى الكثيرون يتساءلون عما إذا كانتا ستكونان أجمل لو غنتهما نجاة، وأنا شخصياً برغم محبتي لنجاة لا أتصور أن أحداً سيغنيهما بالجمال الذي غنته وردة.

بعد فترة بسيطة من هدوء خلافها مع وردة، أثارت نجاة أزمة مع المؤلف والمخرج الإذاعي اللامع سمير عبد العظيم الذي حصل منها على موافقة على مشاركة حسين فهمي في المسلسل الرمضاني الإذاعي (الحب رواية ممنوعة)، واختارت نجاة الشاعر الكبير محمد حمزة ليكتب أغاني المسلسل، واتفق سمير مع كمال الطويل ومحمد عبد الوهاب على تلحينها، وذهب سمير مع محمد حمزة إلى الإسكندرية ليأتيا بكمال الطويل من عزلته ويعودا به إلى القاهرة، وحين عادا به فوجئ الثلاثة بسفر نجاة إلى الخارج دون أن تعتذر لهم، وتمر الأيام ويقترب رمضان دون أن يظهر لها أثر، ليجد سمير نفسه في مأزق كبير ويضطر لإلغاء المشروع ويقوم بصنع مسلسل (برديس) من بطولة نبيلة عبيد وأحمد مظهر وصلاح قابيل.

ويبقى الكثيرون يتساءلون عما إذا كانتا ستكونان أجمل لو غنتهما نجاة، وأنا شخصياً برغم محبتي لنجاة لا أتصور أن أحداً سيغنيهما بالجمال الذي غنته وردة

بعد عامين كاملين وعندما قررت نجاة العودة إلى جمهورها بإحياء حفل مهرجان القاهرة السينمائي الأول عام 1976 الذي أعدت له مجموعة من الأغنيات الجديدة الجميلة، كررت خطأها بالاعتذار في آخر لحظة بحجة غياب ستة عناصر أساسية من الفرقة الماسية وعدم اقتناعها بالبدائل الموجودة، لتزداد الفجوة بينها وبين جمهورها الذي زادته تغطيات الصحافة غضباً من نجاة، لكن ابتعاد نجاة وخفوت نجمها لصالح أصوات نسائية أخرى، لم يستطع سد الفراغ الذي أحدثه غياب نجاة التي ظلت الآذان مشتاقة لصوتها الجميل.

لكن ابتعاد نجاة وخفوت نجمها لصالح أصوات نسائية أخرى، لم يستطع سد الفراغ الذي أحدثه غياب نجاة التي ظلت الآذان مشتاقة لصوتها الجميل.

حين تواصل توهان نجاة وطال ابتعادها، عبّر الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين عن اشتياق جمهورها لها في مقال نشره في عموده (يوميات) بصحيفة الأهرام بتاريخ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1984، قال فيه: "أين نجاة ومن يمكن أن يملأ مكانها الخالي في الصف الأول؟ إنها الوحيدة الباقية في أوج قدرتها على العطاء، المحتفظة باحترامها لكلمات الأغنية واللحن الذي تقدمه للأذن وحاسة الصوت وعذوبته، فهي لم تتحول إلى عالمة ولا إلى مونولوجست، إنما بقيت الهمسة الجميلة وسط هذا الصراخ الهائل الذي يصم الآذان، ومع أن أرشيف التلفزيون والإذاعة مليء بأشرطة لحفلاتها الغنائية وأغانيها التلفزيونية والسينمائية فإننا لا نراها إلا مرة كل ستة أشهر، وخطر لي سبب غريب لذلك، ربما السبب أن شعرها ما زال على لونه القديم أسود فاحم، وهذا ضد الموضة التليفزيونية الحاضرة حيث صارت كل المطربات والممثلات والمذيعات تقريبا شقراوات غيرن لون شعورهن إلى الأصفر والأحمر والبنفسجي حتى يخيل لمن لا يعرف مصر أن الشعب المصري شعب نحاسي اللون، أو ربما لأنها تبدو في ثياب بسيطة نظيفة أنيقة ليس فيها دندشة العوالم ولا زغللة اللون ولا جونلات ماري أنطوانيت".

يروي محمد العمري أن نجاة تأثرت بمقال أحمد بهاء الدين، وبدأت في تجديد اتصالاتها بالشعراء والملحنين، لكن حماسها سرعان ما فتر حين عادت أغنية (لا تكذبي) إلى صدارة حياتها بعد سنوات طويلة من رحيل كامل الشناوي وغناء عبد الحليم وعبد الوهاب للأغنية، لكن عودتها هذه المرة ذهبت بنجاة إلى أروقة المحاكم، حدث ذلك بعد أن كتب الصحفي الكبير مصطفى أمين مقالاً نشرته (أخبار اليوم) حكى فيه قصة أغنية (لا تكذبي) وإن كان قد تجنب ذكر اسم نجاة، ونشر مع المقال رسماً لملامح وجهها ولكن بدون أن تظهر عيناها فيه، ووصفها مصطفى في المقال بأوصاف قاسية، وحكى أنه قابلها بعد سنوات من موت كامل وقال لها إنه يكرهها لما فعلته بأستاذه وصديقه، فقالت له إنها لم تكن تحب كامل إلا كصديق، وأنها رفضت طلبه بالزواج، فقال لها مصطفى: "أنتِ قتلتيه"، فقالت: "لا، هو انتحر"، فقال لها: "هل انتحر حباً؟" فقالت: "لا، بل انتحر غيرة"، وبعد أن نقل مصطفى أمين هذا الحوار، قال إنه لا يصدق ما قالته هذه المطربة التي قتلت كامل الشناوي.

فقالت له إنها لم تكن تحب كامل الشناوي إلا كصديق، وأنها رفضت طلبه بالزواج، فقال لها مصطفى: "أنتِ قتلتيه"، فقالت: "لا، هو انتحر"، فقال لها: "هل انتحر حباً؟" فقالت: "لا، بل انتحر غيرة"

رفعت نجاة دعوى قضائية على مصطفى أمين واعتبرت أن المقال والرسم المصاحب له بمثابة اتهام يستحق المحاسبة، وطلبت اعتذار مصطفى أمين كشرط للتنازل وهو ما رفضه مصطفى، كما رفضت نجاة محاولات الوساطة التي قام بها عبد الوهاب ومأمون الشناوي شقيق كامل، بل قالت إنها مستعدة للتنازل عن الغناء لكنها لن تتنازل عن القضية، واستمرت الدعوى وأحيل مصطفى إلى محكمة جنح آداب قصر النيل، ليطلب محامي نجاة حبس مصطفى أمين وتعويضاً قدره نصف مليون جنيه، لكن نجاة خسرت القضية بعد أن دوى صوت فريد الديب محامي مصطفى أمين في المحكمة قائلاً: "لقد تحدث مصطفى أمين في مقاله عن امرأة عاهرة تحدث كامل الشناوي في التليفون ولم يذكر اسمها كما لم ينشر صورتها فهل تستطيع نجاة أن تقول لنا إنها هي تلك المرأة التي قصدها أم أنها تريد الشهرة على حساب مصطفى أمين"، وبعد أن خسرت نجاة القضية لامها أصدقاؤها الذين نصحوها بأن تصمت لكي تمر كلمات مصطفى أمين في هدوء دون أن تلفت لها الانتباه، لكنها أصرت على حضور الجلسات بنفسها، لتظهر في الصحف وهي ترتدي نظارتها السوداء في المحكمة، ولا ينوبها إلا المزيد من الإزعاج والتوتر والاستنزاف النفسي والعصبي.

وبعد أن خسرت نجاة القضية لامها أصدقاؤها الذين نصحوها بأن تصمت لكي تمر كلمات مصطفى أمين في هدوء دون أن تلفت لها الانتباه

لم تمهل الأقدار نجاة فرصة لالتقاط أنفاسها بعد خسارة قضية مصطفى أمين، ولم تفرح طويلاً بنجاح مجموعة من الأغنيات الجميلة التي قدمتها وعلى رأسها أغنية (عيون القلب) مع عبد الرحمن الأبنودي ومحمد الموجي، حيث أعلن الإذاعي وجدي الحكيم عن انتزاعه لحكم قضائي ضد نجاة بعد جولات قضائية استمرت 3 سنوات وبدأت حين اعتذرت نجاة في عام 1983 عن استكمال تصوير المسلسل التلفزيوني (ماما نور) والذي اتفقت عليه مع المنتج السوري ماجد الأتاسي ووجدي الحكيم على أن تصوره بأستوديوهات إمارة عجمان ويخرجه حسين كمال، لكن نجاة اختلفت مع حسين كمال الذي طلب منها عدم التدخل في رؤيته الفنية، فقررت شراء المسلسل من منتجيه لكي تنتجه وتختار مخرجاً جديداً ينفذ رؤيتها الفنية، وبالفعل سلمها المنتجان ما تم تصويره من مشاهد وأغان، لكنها لم تدفع لهما مستحقاتهما فرفعا عليها قضايا في المحاكم انتهت بإلزامها بدفع 39 ألف جنيه و24 ألف جنيه لوجدي الحكيم، وكل ذلك لأنها لم تستطع التفاهم مع مخرج كبير مثل حسين كمال.

كعادتها، قررت نجاة مواجهة هذه الخسائر بالعودة إلى العزلة والصمت الرهيب، وحين خرجت من عزلتها بعد عدة أعوام بأغنية (أسألك الرحيلا) مع نزار قباني وعبد الوهاب، تعرضت الأغنية لسوء حظ قاتل، حين نزلت إلى الأسواق مع اندلاع حرب الخليج عام 1990، فيزيد فشلها الذريع من اكتئاب نجاة ورغبتها في العزلة التي استمرت حتى قدمت في عام 1992 أغنية دينية بعنوان (لبيك اللهم لبيك)، ولم تدم فرحتها بردود الفعل المرحبة بالأغنية، حيث أحزنها هجوم حاد شنه الصحفي محمد صالح في الصفحة الفنية بصحيفة (الأهرام)، وبدلاً من أن تتجاهله، أرسلت رداً إلى إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام تستنكر ما كتبه محمد صالح وتتهمه بالمس بسمعتها ومكانتها لأنه يصور أنها معتادة على عدم الرد على من يتصل بها، معتبرة أن استخدامه لكلمة "كعادتها" يعني أنها ليست على مستوى المسئولية وهو ما يضر بسمعتها، وبالطبع لم يتفهم أحد سر ثورتها العارمة على نقد كان يمكن أن تتجاهله بسهولة.

عادت نجاة من جديد إلى الصمت والعزلة، وبعد مضي 5 سنوات أعلنت أنها تستعد لتقديم سبع حلقات تلفزيونية درامية تحكي مواقف مهمة وطريفة في مشوارها الفني يخرجها يحيى العلمي، وتصاحبها فيديو كليبات يخرجها هاني لاشين، واستقبل الجمهور الخبر بشوق عارم، لكن الأيام والشهور مرت دون أن يظهر المشروع إلى النور أو يعلن أحد عن بدء تصويره، وبدا أنه تأجل بعد أن أعلنت نجاة عن قرب ظهور أغنية (لا تنتقد خجلي الشديد) من كلمات الشاعرة الكويتية الشيخة سعاد الصباح والتي كانت ستعيد نجاة إلى الغناء وتعيد الملحن الكبير كمال الطويل إلى التلحين، لكن الأغنية لم تظهر إلى النور، بل ظهرت بدلاً منها أخبار عن تصاعد الخلافات بين نجاة والطويل حول أسباب فنية تتعلق بتوزيع الأغنية وأسباب مادية تتعلق بمستحقات كمال الطويل، ويتطور الخلاف ويصل إلى القضاء ويشن كمال الطويل هجوماً حاداً على نجاة قابلته بصمتها المعتاد، وحين قام هاني لاشين بتصوير الأغنية أرسل كمال إنذارات إلى جميع قنوات التلفزيون العربية طالباً منع إذاعة الأغنية، لتستجيب أغلب القنوات لطلبه، وتؤثر الضجة العارمة على تلقي المشاهدين للأغنية في القنوات القليلة التي أذاعتها.

وحين جاء اليوم الموعود لجمهور نجاة وظهرت أخيراً على خشبة المسرح أمام جمهورها في مصر الذي لم يرها منذ حفلة أقامها النادي الأهلي قبل 15 سنة، خذل الميكروفون نجاة إما عمداً كما رأت هي

بعد فترة من الاحتجاب عادت نجاة لتطل على جمهورها من تونس بحفلتين ناجحتين كانت موفقة فيهما، وزاد نجاح الحفلتين بعد إذاعتهما في أكثر من قناة فضائية، لتنشر في أكثر من صحيفة انتقادات حادة، ليس لنجاة هذه المرة، ولكن لوسائل الإعلام المصرية التي تجاهلت نجاح نجاة في الحفلين، ولم تقم لنجاة حفلات تليق بها مثلما تفعل لمطربين أقل منها شأناً، وتجاوبت رئاسة الجمهورية مع الانتقادات المنشورة، فصدرت أوامر لوزارة الإعلام بأن تكون نجاة نجمة الاحتفالات الرسمية بنصر أكتوبر عام 1999، وأعلنت نجاة موافقتها على الطلب الذي اعتبرته تكريماً لها وتحقيقاً لحلم العودة للغناء أمام الجمهور المصري، وتأخر ظهور الحفل بسبب إجراء استفتاء على رئيس الجمهورية، ثم إجراء تغيير وزاري، وحين جاء اليوم الموعود لجمهور نجاة وظهرت أخيراً على خشبة المسرح أمام جمهورها في مصر الذي لم يرها منذ حفلة أقامها النادي الأهلي قبل 15 سنة، خذل الميكروفون نجاة إما عمداً كما رأت هي، وإما استمراراً لمسلسل سوء الحظ الذي رافقها في محطات كثيرة من حياتها.

ولعلنا لو حدث ذلك نستمع إلى المزيد من الأغنيات التي تزيدنا حباً لنجاة وصوتها الجميل الذي نجح في مقاومة كل الإحباطات والأزمات، وأسكنها في موقع خاص في وجدان الملايين

حين عادت نجاة إلى الغناء بعد سنوات طويلة بأغنية وطنية كتبها عبد الرحمن الأبنودي ولحنها صلاح الشرنوبي، كانت قد جرت في نهر الحياة مياه ودماء كثيرة، وتغيرت في البلاد أشياء كثيرة على رأسها صوت نجاة الذي لم تساعده الكلمات والألحان على تقديم جديد يقنع سمّيعتها القدامى أو يجذب لها مستمعين جدد، فعادت ثانية إلى الاحتجاب، ولم يكن غريباً بعد كل ما رأته طيلة حياتها من أزمات ومشاكل، أن يأتي ظهورها الجديد مؤسفاً، بعد أن تعرضت العمارة التي تسكنها في الزمالك لخطر الانهيار، ونشرت الصحف صورة لها وهي تجلس على كرسي إلى جوار العمارة المتداعية وهي ترتدي عباءة سوداء ونظارة سوداء وإيشارب أسود في محاولة لإخفاء ملامحها وإبعاد الفضوليين عنها، وحين حاول المذيع عمرو أديب تخفيف وقع ذلك الظهور الحزين باتصال هاتفي معها، بدت نجاة مستعدة لحديث ودود مرح، ربما لو كان قد طال وأحسن الإعداد له، لجاء الحوار أكثر تأثيراً ونجاحاً، ومن يدري، ربما يحدث ذلك قريباً، حين تقرر نجاة الإفراج عن أغنيات كثيرة نشرت الصحف أخبار تسجيلها لها ثم قرارها بحجب تلك الأغاني طيلة السنين الماضية، ولعلنا لو حدث ذلك نستمع إلى المزيد من الأغنيات التي تزيدنا حباً لنجاة وصوتها الجميل الذي نجح في مقاومة كل الإحباطات والأزمات، وأسكنها في موقع خاص في وجدان الملايين، الذين لا يعرفون الكثير عن كل ما عانته في سكة العاشقين والضنك والمحاكم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image