شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"تسليم أهالي"...تفجير الكوميديا من الاعتياد والملل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 30 أكتوبر 202203:32 م

ليست المرة الأولى التي يقدم فيها السيناريست "شريف نجيب" كوميديا ذكية وطازجة، وتمثل قفزة نوعية مختلفة في مسار السينما المصرية الضاحكة.

فقبل فيلمه الأحدث "تسليم أهالي" من بطولة دنيا سمير غانم وهشام ماجد، يمكن اعتبار فيلمه " لا تراجع ولا استسلام" لأحمد مكي ودنيا أيضاً، واحداً من أهم الأفلام الكوميدية للسينما المصرية على مدار تاريخها، وجاء في المركز السادس والأربعين للقائمة التي أعدها عدد كبير من النقاد في مهرجان الإسكندرية لأفضل 100 فيلم كوميدي.

في "تسليم أهالي" تأتي الكوميديا من إدراك الملل والروتين والكليشيه في الرحلة العادية لزواج الصالونات والزواج بشكل عام

أما شخصية "حزلقوم " التي قدمها للمرة الأولى في ذاك الفيلم، قبل أن يتم استحضارها في مسلسل الكبير أوي، فهي بلا شك شخصية ستظل خالدة في أذهاننا، وتكاد أن تقاسم شخصية " اللمبي" عرش الشخصيات التي لا تنسى في العشرين سنة الأخيرة.

حتى وإن جاءت بعض أفلامه غير موفقة، سواء لطموحها في التجريب كما في فيلم "سيما علي بابا" أو لسبب احتياج الفكرة شديدة الذكاء إلى تطوير أكبر كفيلم " كلب بلدي" الذي قام ببطولته أحمد فهمي، فيظل شريف نجيب ضمن الدائرة الأهم التي تأخذ الكوميديا المصرية إلى مساحات أكثر جرأة، وهي دائرة تضم أحمد مكي ودنيا سمير غانم وأكرم حسني وأحمد أمين والثلاثي هشام ماجد وشيكو وأحمد فهمي كممثلين ومؤلفين، والمخرجين أحمد الجندي ومعتز التوني وخالد الحلفاوي.

إدراك الملل

في فيلمه "تسليم أهالي"، تأتي الكوميديا من إدراك الملل والروتين والكليشيه في الرحلة العادية لزواج الصالونات والزواج بشكل عام.

طموحات البطلين في الزواج نفسها عادية، الرجل يريد أن يتزوج من فتاة بمواصفات محددة ترفع من تقييمه الاجتماعي، والمرأة ترغب في الزواج من أي رجل يضمن لها تحقيق كل كليشيهات "الزواج السعيد" في مخيلتها، ما يفعله شريف هو تفجير كل ذلك الملل بوضع الأبطال في رحلة استثنائية.

عائلة "أبو الزواحف" التي ينتمي إليها الزوجين، يظهر أفرادها في البداية كحفنة من موظفين حكوميين مملين، يتضح فيما بعد أنهم يخفون تحت كل أقنعة الملل والروتين حياة سرية أكثر تشويقاً، فالعائلة وأصدقائها ليسوا إلا أعضاء عصابة كبرى تمارس "جريمة منظمة".

لعبة تفجير الملل، تبدو المحرك القوي لأغلب أفلام شريف، ماذا لو كان كل ما يحيطنا من مظاهر روتينية وبلادة وكليشيهات ميتة، يخفي تحته حياة نشطة؟ ماذا لو تحول يومنا العادي المكرر إلى سلسلة مغامرات استثنائية؟ فالجدات المسنات في فيلم "أعز الوِلْد" يتورطن في مجابهة عصابة خطفت أحفادهن، وينجحن عبر أكثر أساليبهن مللاً واعتيادية في الانتصار عليهم، تتحول الكلاب الضالة إلى سر قوة خارقة لصعلوك فقير باكتسابه قوى الكلب وقدرته على تنظيم الكلاب تحت قيادته، وكذلك فعل بحياة حزلقوم في فيلم لا تراجع ولا استسلام.

هذا المحرك الذي ينتج الكوميديا عند شريف، لا ينكر الملل، بل يقر بوجوده، ويستخدم السينما كحلم لتحطيمه، فجيل الثمانينيات يعلم أي عالم راكد وجد نفسه فيه، عالم لم يتبدل بعد.

في تسليم أهالي، ثمة ثنائية بالغة الانسجام بين دنيا سمير غانم وهشام ماجد، ليست أكثر أو أقل أهمية من ثنائيتها مع مكي، لكنها تحقق لها كل ما افتقدته مع مكي، أن تكون كتفاً بكتف مع شريك بطولة العمل الفني، لا وراءه بخطوة. وأظن أن هذا ما هربت منه في الأساس، رغم أن مكي قدمها إلى الجمهور بأفضل شكل ممكن من خلال كوميديا حيوية، تترك لها المساحات وتكشف مواهبها المتعددة، سواء في لعب أدوار مختلفة بمنتهى السلاسة والإتقان أو الغناء، لكن من دون أن تقارع البطل الرجل البطولة.

هذا المحرك الذي ينتج الكوميديا عند شريف، لا ينكر الملل، بل يقر بوجوده، ويستخدم السينما كحلم لتحطيمه، فجيل الثمانينيات يعلم أي عالم راكد وجد نفسه فيه، عالم لم يتبدل بعد.

وربما من ذكاء دنيا سمير غانم، أنها في أول فيلم من بطولتها لم تسع للانفراد بتلك البطولة، ربما لتجربة موطأ قدمها، لكنها قررت أن تقدم ثنائية متوازنة بينها وبين هشام ماجد الذي يفتقر للكثير من مواهب مكي المتعددة، لكنه لا يفتقر للأصالة والتعبير الكوميدي المبتكر المحفور باسمه، والذكاء اللازم لتقديمهما. ورغم ذلك تظل مغامرة نجاح الفيلم من عدمه، مرتبطة بها وباسمها.

فيلم جديد ذكي لا يضاف فقط لقائمة شريف نجيب وهشام ودنيا من الأفلام الكوميدية الجيدة، لكنه يمثل أيضا إضافة لأفلام الكوميديا في السينما المصرية التي - وفق الناقد السينمائي الشاب محمد سيد عبد الرحيم- تميزت عبر تاريخها وحتى الآن بقدرتها على إنتاج أفلام كوميدية متميزة لا تقل عن أفلام هوليود، وربما هي الفئة الوحيدة التي تحافظ فيها السينما المصرية على تميزها، رغم أن العكس حاصل في الدراما التلفزيونية والمسرح غير القادر على إنتاج كوميديا جيدة إلا باستثناءات معدودة، نتيجة لسيطرة قبضة الرقابة بشكل أكبر عليهما.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image