تصاعد في الأيام الأخيرة الجدل في تونس في شأن الطلبة العائدين من أوكرانيا، الذين عجزت السلطات عن إيجاد حل لهم، ما أرغم العشرات منهم على العودة إلى أوكرانيا بالرغم من تصاعد القتال هناك مع الروس.
منذ أن أطلق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ما وصفها بالعملية العسكرية الخاصة، وهي عملية متعثرة ضد أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، أثير ملف الطلبة التونسيين الذين يدرسون في أوكرانيا، وخاصةً كيف سينهي هؤلاء الذين يُقدَّرون بأكثر من 1،000 طالب، دراستهم.
''الحرب ولا البقاء في تونس"
الجدل في شأن الطلبة التونسيين العائدين من أوكرانيا، تم إحياؤه في أعقاب إعلان السلطات عن السماح للمتخصصين في الطب منهم بالقيام بتدريبات في مستشفيات بلادهم، وهو ما جوبه برفض من قبل منظمة الأطباء الشبان، وكذلك ممثلي الطلبة في الجامعات التونسية.
دفع الغموض الذي يلف مستقبلهم، العديد من الطلبة التونسيين للعودة إلى أوكرانيا بالرغم من استمرار آلة الحرب في حصد الأرواح هناك، حيث يستمر القصف الروسي العنيف للعديد من المناطق في شرق البلاد.
يقول الطالب والمهندس التونسي الحاصل على شهادة ماجستير في أوكرانيا، عادل بوغانمي، لرصيف22، إنه "بالنسبة إلى الوضع الحالي، أن تموت بصاروخ في أوكرانيا أفضل من الموت مشلولاً في تونس بسبب ما يحدث".
تابع بوغانمي: "حالياً أقيم في دنيبرو التي تتعرض للقصف من حين إلى آخر، والمشكلة أن وزارة التعليم العالي في تونس لا تعرف أصلاً عدد الطلبة التونسيين في أوكرانيا، وما ينقصهم وما يمكن أن تساعدهم فيه. الدولة التونسية تتجاهل تماماً ملفنا ولا تريد القيام بدراسة جديّة له".
دفع الغموض الذي يلف مستقبلهم، العديد من الطلبة التونسيين للعودة إلى أوكرانيا بالرغم من استمرار آلة الحرب في حصد الأرواح هناك، حيث يستمر القصف الروسي العنيف للعديد من المناطق
نبّه بوغانمي إلى أن "هناك أيضاً نوعاً من الاحتيال من قبل أشخاص يدّعون في تونس أنهم يمثلون الجالية التونسية في أوكرانيا، لكن هذا غير صحيح".
من جهته، يقول الطالب التونسي كريم، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته الحقيقية، لرصيف22، إن "إحساسنا الوحيد هو أننا منبوذون ومطرودون من بلدنا، لا السلطات تحركت للبحث عن حلول عملية لمستقبلنا ولا الطلبة التونسيون داخل البلاد كفوا عن مهاجمتنا سواء عبر بيانات رسمية أو تعليقات مشينة على مواقع التواصل الاجتماعي".
وشدد كريم على أن "الحرب في أوكرانيا والموت فيها يصبحان إذاً أرحم من البقاء في تونس في ظل هذه التعليقات. نحن لم نطالب بالإدماج ولا يوجد لدينا هدف للتضييق على زملائنا داخل تونس، بل العكس نحن لا نسعى إلى العودة أصلاً بحكم أن شهادات أوكرانيا معترف بها من قبل عشرات الدول التي من شأنها أن تؤمّن لنا مستقبلاً أفضل بكثير من تونس".
وأشار إلى أنه "طالب في كلية الصحة يدرس في مدينة دنيبرو، وأصبحنا نتعايش مع القصف الذي أصبح أفضل بكثير من مستقبل مجهول في تونس".
ورفضت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس، المعنية بالملف، التعليق لرصيف22، على مصير هؤلاء الطلبة.
وكان الوزير منصف بوكثير، قد كشف في وقت سابق، أن عدد الطلبة العائدين من أوكرانيا يُقدّر بـ1،400 طالب، غير أن بعض الطلبة يشككون في هذا الرقم، عادّين أنه أقل بكثير. ولفت الوزير إلى أنه من المستحيل إدماجهم جميعاً في الجامعات التونسية.
"احتيال وحقد وكره"
سلّط ملف الطلبة العائدين من أوكرانيا، الضوء على العديد من الظواهر في تونس، من بينها مهنية الإعلام في معالجة مثل هذه المواضيع، وخطاب ممثلي الطلبة تجاه زملائهم الذين يدرسون في الخارج وغيرهما.
قالت الطالبة في قسم الطب في أوكرانيا، تسنيم النصيبي، إن "ما نشعر به اليوم بسبب التهجم علينا هو أن هناك حسداً وغيرةً وحقداً وربما حتى كرهاً من قبل البعض لنا. هؤلاء لا ينظرون أبداً إلى ما عانيناه نحن وأُسَرُنا من أجل الدراسة في أوكرانيا والصعوبات التي واجهناها للعودة إلى تونس بعد اندلاع الحرب".
أضافت النصيبي لرصيف22، أن "الطلبة لم يطلبوا أبداً الإدماج. قلة قليلة جداً طلبت ذلك وهي التي يتم استدعاؤها في الإعلام لخلق الإثارة حول موضوعنا، لكن نحن نطلب من الوزارة فقط أن تقوم بفتح حوار معنا يقود إلى إيجاد حلول في شأن مستقبلنا لا أكثر".
"حالياً أقيم في دنيبرو التي تتعرض للقصف من حين إلى آخر، والمشكلة أن وزارة التعليم العالي في تونس لا تعرف أصلاً عدد الطلبة التونسيين في أوكرانيا، وما ينقصهم وما يمكن أن تساعدهم فيه. الدولة التونسية تتجاهلنا تماما
وشددت على أن "هناك أيضاً احتيالاً يقوم به البعض بالظهور في المنابر الإعلامية والتحدث باسمنا وباسم الجالية التونسية في أوكرانيا بالرغم من أننا لم نفوّض أحداً لذلك. هناك من يحتال ويزايد ويستغل ملفنا في تونس".
أوضحت النصيبي أن "النظام التعليمي في تونس يشكو من هنّات عدة، لذلك طموحي مثل طموح غيري ليس العودة إلى تونس بل العكس، نريد أن تتحرك وزارة الخارجية أو الدبلوماسية التونسية ككل من أجل أن ننتقل إلى دول أخرى بتكاليف أقل مثل رومانيا، لأن رومانيا مثلاً تكلفة الدراسة فيها باهظة جداً".
ومن جهتها، تقول الطالبة رحاب جماعي: "غادرت تونس وعُدت إلى كييف قبل أربعة أشهر من الآن. لست الوحيدة التي عادت إلى أوكرانيا بالرغم من أنني غادرتها في ما بعد، إذ عاد كثيرون وبدأوا الدراسة بشكل حضوري (...) تجاهلتنا الدولة وتالياً الحرب أهون (أرحم) من أن أخسر كل ما درسته".
وتضيف جماعي، وهي طالبة في السنة السادسة قسم الطب، لرصيف22، أن "الدولة أبلغتنا بأنه ليست لديها طاقة استيعاب وهي لا تعرف أصلاً عددنا، لذلك عُدت إلى كييف لأستخرج وثائقي من هناك تحسباً لأي احتمال في ظل استمرار الحرب".
وشددت على أن "الدولة في تونس تتجاهل مصيرنا ونحن أيضاً لم نعد نكترث بها، ولا نطلب أي شيء منها الآن. نحمد الله أننا خرجنا منها وهناك من بيننا من لم يعد إليها أصلاً وسنحدد مصيرنا بأنفسنا".
وفي ظل تصاعد الأزمات التي باتت تحاصر السلطات التونسية على غرار النقص الفادح في المحروقات الذي خلق اضطراباً كبيراً على مستوى النقل وأيضاً المواد الأساسية، فمن المستبعد، بحسب كثيرين، أن تولي السلطات أهميةً لملف الطلبة التونسيين العائدين من أوكرانيا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...