أثار تصريح حديث للفنان اللبناني ملحم زين، يرفض فيه احتراف ابنته للغناء، اتهامات ضده بـ"التطبيع مع العنف ضد النساء وفرض الوصاية الذكورية عليهن"، لكن الأهم من ذلك أنه جدد النقاش حول "ازدراء" بعض الفنانين للفن كمهنة واعتباره "معيباً" إذا عملت فيه "نساؤهم" بذريعة "الأفكار الشرقية".
جاء التصريح خلال استضافة ملحم ببرنامج "غنيلي بالجو" الذي يقدمه وسام بريدي عبر قناة "إم بي سي 1" يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
كان السؤال الموجه للفنان: "ملحم زين، بنتك زينب وصلت وسمعتك غنيتين؛ واحدة باللغة العربية والتانية باللغة الغربية، وقالتلك نقيلي واحدة لنزلها عالسوق، شو بتنقيلا؟".
وكان رد ملحم: "شو بنقيلا؟ بنقيلا أقرب مستشفى"، ترتفع ضحكات الحضور، بينما يستطرد ملحم: "لأ مش وارد. لا غربي ولا عربي… أبداً، كبنت أبداً. ولا واردة (حتّى) إذا بتكون أم كلثوم".
يعود المحاور، بريدي، للاستفسار أكثر عن السبب، فيقول ملحم: "ما فيني. ما بتحمل هالشي ع بنتي بصراحة. إذا أنا شب وبلاقي أنه أنا تعبت. أنا شخصياً تعبت وضحيت بوقت وتعب ومجهود. البنت ما فيها".
"(حتى) إذا بتكون أم كلثوم"... ملحم زين يرفض احتراف ابنته للغناء، ويقول "على سبيل المزح" إنه يفضل "ينقيلا أقرب مستشفى". كيف ينظر إلى زميلاته الفنانات إذاً؟
لأنه "شرقي"
مثل هذا التصريح ليس بجديد على الفنان اللبناني الذي يُغني للمرأة في جُل أغانيه تقريباً وترتسم حوله هالة رومانسية طاغية. خلال استضافته في برنامج "تفاعلكم" عبر قناة العربية، في أيلول/ سبتمبر 2021، سُئل ملحم هل يوافق على احتراف أحد أبنائه الغناء، فقال: "ولاد إيه إذا فيه موهبة... بنات؟ عندي تجربة عندي أخت عندها موهبة صوت أكتر من رائع. ملتزمة ومحجبة، ما فكّرت (في احتراف الغناء) أصلاً… لا هي فكرت ولا إحنا بنسمح لها لأنو شوي شرقي، هالمخ الشرقي شوي بيلعب دور".
ولدى سؤاله في المقابلة نفسها إلى أي مدى يعتبر نفسه "رجلاً شرقياً من الطراز القديم"، منح نفسه تقييم "10/ 10"، قائلاً إنه لا يتخلى عن "المبادئ والتقاليد أبداً". علماً أنه قال إنه في تعامله مع أولاده "جداً منفتح" وإنه يتركهم يتخذون قراراتهم بحرية.
كما قال: "لازم في حدود للمرا مع الاحترام الكامل لإلها"، واكتفى بتسمية زوجته طوال المقابلة بـ"أم علي".
التعبير عن مثل هذه الأفكار، بما يصل أحياناً إلى وصم المنتميات للوسط الفني من الإناث بـ"العُهر"، أمر متكرر في لبنان، والدول العربية بوجه عام أيضاً. أحد أحدث الأمثلة على ذلك كان وصف الفنان فارس كرم لمواطنته الفنانة ميريام فارس بـ"قحبة آخر زمن" بسبب تصريح لها عنه لم يعجبه.
في تصريح سابق، قال ملحم زين: "عندي أخت عندها موهبة - صوت أكتر من رائع. ملتزمة ومحجبة، ما فكّرت (في احتراف الغناء) أصلاً… لا هي فكرت ولا إحنا بنسمح لها لأنو شوي شرقي، هالمخ الشرقي شوي بيلعب دور"
"منّه مزحة بتقطع"
بعد مرور أيام على تصريح ملحم، ظل التفاعل حوله واسعاً باعتبار أنه "منّه مزحة بتقطع"، على حد تعبير الصحافية اللبنانية سناء خوري.
شاركت سناء المقطع عبر حسابها في تويتر وعلقت عليه: "يمكن كتير أهل بيمزحوا هيك مزح، ويمكن ملحم زين يكون أحنّ وألطف أب. ما رح نحكم عليه من جملة واحدة ونختصره فيها. بس لي قاله منّه حالة خاصة للأسف ومنّه مزحة بتقطع. كفنان واصل لشريحة واسعة، وشايف البنات بمجتمعنا كيف بتنضرب وبتنقتل وبتتودى عالمستشفيات، كان عليه مسؤولية يفكر أكتر بمزحته".
ولفتت الصحافية اللبنانية إلى مشكلة أخرى في "مزحة" ملحم، وهي ما تعكسه من "تصالح الأغلبية معها اجتماعياً، بشكل بيضيّع الفاصل بين المزح والجد". ظهر ذلك جلياً في ردة فعل الحضور من خلال الضحك عالياً على إثر ما قال ملحم.
عدة سجالات أخرى يُثيرها التصريح، أوضحتها سناء، من بينها "أنه الأهل، آباء وأمهات، بيعتقدوا أنهم بيملكوا خيارات بناتهم (بشكل خاص)، وإنه الضغط والعنف والمحاصرة هو ‘حقهم الطبيعي‘ و‘التربية السليمة‘" و"أنه حتى الفنانين الرجال، بينظروا لمهنتهم باحتقار. يعني ملحم زين ما بيقبلها على بنته، لكن كيف نظرته لزميلاته الفنانات؟ إنه مش متربايين؟ وإذا في مواقف معينة بينحطوا فيها النساء بالوسط الفني ليش الرجال ‘المتربايين‘ متله ما بيساهموا بتنضيف هالوسط من الأذى؟".
بالنسبة لجنان دياب، لم يكن حديث ملحم الأمر الأكثر إزعاجاً بل "ومش شي مستغرب من ملحم زين والله يعين بنتو على هيك أب، بس تعنيف النّساء بعمره ما كان ولا حيكون مادّة للضحك"، في إشارة إلى ردة فعل وسام بريدي وبقية الحاضرين.
عقبت جنان، وهي ناشطة مجتمعية، عبر فيسبوك: "هو مش حر بقرارات بنته وخياراتها الشخصية بعد ما تصير راشدة! هو حر بالقرارات اللي بتتعلق فيه شخصياً بس… فكرة أنو يكسّرها ويبعتها عالمستشفى مفترض أنو شي بديهي مرفوض".
من هذا المنطلق، جاء تعليق الباحثة السياسية اللبنانية لاريسا أبو حرب، في منشور وجّهته إلى وسام بريدي، قالت فيه: "من أكتر الإعلاميين يلِّي بحترمهن بلبنان والوطن العربي هوِّي وسام بريدي. ولأن عتبي على قدر محبّتي، ما فيِّي خبِّي صدمتي بس شفتك عم تضحك لمَّا ملحم زين قال هيك جملة... بتمنَّى توضيح واعتذار لأن جعل العنف ضدّ النساء وقمع أحلامهن أمر طبيعي، ما بحياتو رح يكون طبيعي".
سجالات عديدة يجددها تصريح ملحم زين، أبرزها تطبيع المجتمع مع تعنيف النساء، واعتقاد الأهل بأن التحكم في خيارات بناتهم عبر الضغط والعنف والمحاصرة هو "حقهم الطبيعي"
مجرد "ببغاء"؟
في الأثناء، مال فريق من المعلقين إلى التماس العذر لملحم على اعتبار أن بيئته المنحازة جندرياً ضد الإناث. من هؤلاء الصحافية اللبنانية أماني إبراهيم التي غردت عبر تويتر: "يُشهد للفنان ملحم زين أنه أحن أب وأنه يكرس وقته لعائلته ولا يعيش حياة النجوم. بدلاً من جلد هذا الأب الخائف على أسرته، يجب أن يكون النقاش كيفية تغيير مفرداتنا اليومية التي نرددها بصورة ببغائية دون أن ندرك فداحة ما تعكسه من مفاهيم قد لا نؤمن بها أصلاً".
حساب الناقد الفني باسم مستعار "هوت نيوز"، الذي يتابعه نحو 85 ألف شخص في تويتر، هو الآخر حاول التبرير لما قاله ملحم، فكتب: "هلأ #ملحم_زين يمكن من باب المزح غلط بس بجملة ‘بنقلها ع أقرب مستشفى‘ وأكيد مش قاصدها بالنهاية ما حدا رح يحب بنتو أكتر منو، أما بخصوص دخول ابنته الفن أنو هو حر يربي بنته بالطريقة يلي بلاقيها مناسبة. ويمكن لأنه فنان وعارف الخبايا والأسرار والكواليس بفضل يخليها بعيدة عن هالوسط".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...