حسن طاطاناكي المعروف باسم "حسونة" سليل عائلة طاطاناكي شرق ليبيا، المعروفة بالثراء الفاحش وانتمائها للطبقة البرجوازيّة التي ضرب بها المثل على مر الزمان. وعلى سبيل الدعابة إذا ما طرح أمر ما يحتاج دعماً مادياً يكون الرّد بالمثل "شن تحسابني ولد طاطاناكي".
بالعودة لسبعينيات القرن الماضي وبعد تولّي معمّر القذافي الحكم في ليبيا قام بإيقاف نشاطات عائلة حسن ومنعهم من ممارسة أعمالهم المدنيّة المتعلقة بالمقاولات والاستيراد والتصدير وأبرزها العمل في القطاع النفطي، الأمر الذي أجبر العائلة على المغادرة إلى مصر والاستقرار بها فمنحته الجنسيّة لحسن ومنحته مناخاً مريحاً لممارسة أعماله.
كيف جنيت ثروة حسونة؟
خلال سنوات إقامته في مصر وبعد هروب عائلته من بطش النظام بدأ طاطاناكي شق طريقه في عالم الأعمال التي تنوعت بين استثمارات عقاريّة وبناء وتشييد ولكن الشائعات حول طبيعة أعماله واستثماراته رافقت وجوده طيلة تلك السنوات بالقضايا العديدة التي رفعت ضده في المحاكم المصريّة، ولكن خلال نفس الفترة كان طاطاناكي يسعى لإصلاح علاقاته بالنظام حتى استطاع العودة إلى ليبيا عن طريق العمل كوسيط دولي لتليمع صورة معمّر القذافي ودعم صورته لدى الغرب تحديداً واشنطن العاصمة الأمريكية والتي بدأت عام 2008 بإشراف سيف الإسلام القذافي نجل معمّر ورئيس مشروع ليبيا الغد في حينها، الغطاء الذي عمل من خلال طاطاناكي خلال السنوات الماضية هو شركة شالنجر ليميتيد المتخصصة في الأعمال النفطية والتي أسسها عام 1991 ونفّذت أوّل تعاقد بين النظام الليبي وشركة براين لويد جيمس بتكلفة مليون و 829 ألف دولار.
ما هي حقيقة ترشّح طاطاناكي لدخول المسار السياسي في ليبيا، وهو الرجل الذي قضى سنوات يقدّم الدعم من وراء الستار؟
ضمن نفس السياق اتسمت بعض الأنشطة التي يقوم بها طاطاناكي بالريبة والشّك مثل عمليّات البيع التي يقوم بالتنسيق لها فيما يخص النفط الخليجي الذي تعود ملكيته لحكّام وأمراء دول الخليج والذين بدورهم ينفذون عمليات البيع في السوق السوداء العالمية عن طريق حسونة الذي يشرف على عمليات التهريب والبيع وفق مصادر عدّة.
كيف تدار الثروة؟
كشف تقرير نشرته شبكة OCCRP مؤشّرات عدّة وملابسات جنائية حول مصادر الدخل والتمويل الخاصة بحسونة، فقد أوضح التقرير أنّ طاطاناكي يمتلك في بنك Credite Swiss - المعروف والمشتبه بهه في عدّة عمليات غسيل وتبيض أموال لقادة وسياسيين عالميين- وحده أكثر من ثمانية حسابات بنكيّة تتجاوز القيمة المودعة في أحدها النصف مليون دولار. التقرير ذكر أيضاً عمليّات الدعم المادي التي نفذها طاطاناكي عبر حساباته المختلفة للنظام في ليبيا قبل الثورة وانتقاله إلى الضفّة المعاكسة فور قيام ثورة فبراير بدعمه للانتفاضة انتهاء بدعمه لخليفة حفتر في عملياته العسكرية الأخيرة التي نفذها في شرق وغرب ليبيا.
في صلب التقرير أيضاً معلومات عن طبيعة العلاقة التي تجمع حسونة بأطراف دوليّة كالإمارات التي تحصّل على جواز سفره جرّاء العلاقات التي ربطته بالعائلة الملكية أثناء دراسته في بريطانيا, وأيضاً حصوله على جوازات سفر أخرى.
اتسمت بعض الأنشطة التي يقوم بها طاطاناكي بالريبة والشّك مثل عمليّات البيع التي يقوم بالتنسيق لها فيما يخص النفط الخليجي الذي تعود ملكيته لحكّام وأمراء دول الخليج والذين بدورهم ينفذون عمليات البيع في السوق السوداء العالمية عن طريق حسونة الذي يشرف على عمليات التهريب والبيع وفق مصادر عدّة
ولعلّ أبرز الأحداث التي استعرضها التقرير هو فضيحة عام 2004 التي تورّط بها طاطاناكي رفقة المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الكويت الناجمة عن منحة قدّمتها الأخيرة لدولة الأردن بقيمة تكلفة 25 ألف برميل نفط بشكل يومي لمدّة عام كامل كتعويض عن خسارات الأردن للنفط أثناء حرب تحرير العراق وفق تصريح وزير النفط الكويتي آنذآك أحمد الفهد.
المفاجأة كانت أنّ القيمة المدفوعة لم تدخل يوماً إلى حسابات المملكة الأردنية وإنّما انتهت في حساب شركة مسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية، طاطاناكي أحد المساهمين بها تسمى Free Market Petroleum
فنزويلا أيضاً كان لها دور في دائرة تجاوزات طاطاناكي غير القانونية فيما يتعلّق بقطاع النفط مجدداً عبر Free Market Petroleum التي عملت كوسيط بين الشركة الفنزويلية PDVS والطرف المقبل على عمليّة الشراء وهو الأمر الذي لم تقم PDVS بتنفيذه من قبل وهو إدخال وسيط في عمليات الشراء. الصفقة التي بلغت قيمتها أكثر من مليار دولار كانت مثيرة للشبهات على حد وصف التقرير بسبب وجود اسم جاك كيمب وزير الإسكان والتنمية الحضرية بالولايات المتحدة الأمريكية في حقبة الرئيس جورج بوش الأب.
أتت ردود فعل طاطاناكي على التقرير بنفي الاتهامات والتبرير بأنّ جميعها صفقات لم تكتمل وكانت مقترحة فقط لا غير، في حين أن التقرير أشار إلى عمليات تبديل للحسابات بإغلاق بعضها وتحويل المال لأخرى تحمل أسماء جديدة ومختلفة ولكنّها جميعاً مرتبطة بشكل ما أو بآخر بطاطاناكي.
طاطاناكي رئيس ليبيا القادم
22 نوفمبر/ تشرين الأول 2021 كان موعد هبوط الطائرة التي حطّت بطاطاناكي على أراضي العاصمة الليبية طرابلس التي قصدها من أجل الترشّح في السابق الانتخابي للرئاسة الذي كان من المقرر عقده في 24 ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، طاطاناكي الذي تعرّض لعمليّة احتجاز في مطار معيتيقة – الذي يقع تحت سيطرة تشكيلات مسلّحة ذات إيدلوجيّة إسلامية- سرعان ما أطلق سراحه دون الإفصاح عن سبب الاحتجاز في حينها وبدوره توجّه إلى مقر المفوضيّة العليا للانتخابات ليقدّم أوراق ترشّحه ليعقبها بخطاب عبر صفحته الرسميّة واصفاً فيه أسباب رغبته للترشّح".
ولكن ما هي حقيقة ترشّح طاطاناكي لدخول المسار السياسي في ليبيا، وهو الرجل الذي قضى سنوات يقدّم الدعم من وراء الستار؟
في تصريح لـرصيف22 حدثنا أحمد -الذي رفض الإفصاح عن كنيته- الذي عمل ضمن فريق الحملة الإعلامية لحسونة وعضو الدائرة الشبابية للحزب الذي أسسه طاطاناكي عام 2018 تحت اسم "التجمّع الليبي الديمقراطي" -سابقاً- خلال تلك الفترة واصفاً دوافع الترشّح:
"باعتبار حسن طاطاناكي هو أحد داعمي خليفة حفتر خلال مسيرته ما بعد الثورة بالمال والعلاقات فقد كان الجميل مردوداً بطرح حفتر لحسن كأحد أبرز مرشحيه على الرغم من وجود حفتر نفسه في السباق الانتخابي في حينها. إلا أنّ وجود طاطاناكي كان يرفع من فرصة حضور حفتر في هرم السلطة. وهكذا كنّا نبني فكرة الدعاية الانتخابية المستندة على مواجهة المد الإسلامي في ليبيا".
وأضاف: "في أحد الإجتماعات التحضيريّة التي كنّا نخوض فيها نقاشات حول كيفية عملنا خلال الفترة التي تلت فكرة الترشّح، تطرّق حسونة إلى مفهوم شراء الذمم كقوّة مؤثرة ضارباً مثالاً بوصول عبد الحميد الدبيبة إلى كرسي الحكومة بواسطة المال الذي وصفه حسن بالعصا السحرية التي تستطيع أن تصنع الفرق المطلوب والتي استعملها حسن بالفعل حينما تم إيقافه بمطار معيتيقة ليصنع طريقه وصولاً إلى المفوضية، كما أنّ عمليات الترويج على مواقع التواصل في حينها كان يتم التنسيق لها بالتواصل مع أطراف مصرية وإماراتيّة تربطها علاقة وطيدة بحسونة".
رغم فشل مشروع الانتخابات في ليبيا صرح حسن في تقرير OCCRP بأنّه ما زال عازماً على الوجود في الانتخابات إذا ما حدث ونفذت، ما دام طاطاناكي حاضراً في الخارطة السياسية الليبية بطريقته الخفيّة التي لعب بها أدواراً كثيرة. ولعلّ علاقاته المصرية القويّة تصف معسكره السياسي بوضوح إلا أنّ التصفيات السياسية الإقليمية من شأنها أن تعيد هيكلة المعسكرات المحليّة التي تستمد قوّتها منها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...