شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
فجر سويدي جديد... سؤال الهجرة كان حاسماً في الانتخابات

فجر سويدي جديد... سؤال الهجرة كان حاسماً في الانتخابات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الثلاثاء 18 أكتوبر 202212:28 م

"فجر جديد" رواية تدور أحداثها في المستقبل. إنه العام 2046 في السويد حيث يحكم البلاد حزب معادٍ للأجانب وصل إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية قبل عدة دورات انتخابية واستطاع على امتداد تلك السنوات تحويل سياساته إلى قوانين.

يقسّم المواطنون في البلاد على النحو التالي: الطبقةA للمولودين من أبوين بيولوجيين سويديين وجدّين مولودين في السويد، ويتمتع المنتمون إليها بكافة الحقوق دون قيود. الطبقة B للمولودين من أبوين بيولوجيين سويديين لكن الجد أو الجدة مولود خارج السويد، وهناك بعض القيود على هذه الطبقة في ما يتعلق بالاستفادة من الرعاية الصحية وصحة الأسنان وبعض القوانين التي تخص أحقيتهم بالاستفادة من نظام الرفاه الاجتماعي في البلاد. الطبقة C لمَن كان أحد أبويه سويدياً، وهنا تضاف بعض القيود على قيود الطبقة السابقة كالقيود على التعليم الجامعي والقيود على المسكن. وتزداد القيود والموانع على المنتمين إلى الطبقتين D وE.

ترفض إيسا المنتمية إلى الطبقة B أن تدفن رأسها في رمل، وتقوم مع رفاقها في منظمة سرية بأعمال شغب في مقرات حكومية وتخريب لمواقع الحزب الحاكم على الإنترنت، في محاولة لمواجهة فاشية الحكومة. ستلاحق الشرطة إيسا ورفيقيها سوميتا وفابيان على امتداد أحداث الرواية في حبكة بوليسية تشويقية تدور في أجواء مشحونة بيأس وحزن وخوف وترقب ومطاردة وحنين لبلد تغيرت ملامحه. الصدمة التي ستشلّ أبطال العمل هي اكتشافهم أن الحزب الحاكم لم يزوّر البيانات الانتخابية في العام الذي فاز فيه بأغلبية منحته حكم البلد. ظِلّ التشاؤم الثقيل يخيم على أجواء الرواية، ونرى سويداً باردة ومظلمة وعنصرية واستبدادية.

واقع الحال

الرواية هي الأولى للكاتبة كاميليا ستين وصدرت عام 2016. وكُتبت بعد عامين من حصول حزب ديمقراطيي السويد اليميني المتطرف على أكثر من 12% من أصوات الناخبين.

في الانتخابات الأخيرة، حصل هذا الحزب على أكثر من 20% ويشكل مع أحزاب يمينية الكتلة البرلمانية الأكبر التي تشكل الحكومة لتحكم البلاد لأربع سنوات.

هل تغيّرت السويد؟ يبدو أن التغيير كان قد بدأ منذ عام 2010 حين تخطى الحزب ذو الجذور النازية حاجز الـ4% من الأصوات الذي أهّله لدخول البرلمان. عمّت المظاهرات ستوكهولم احتجاجاً وغضباً حينها. اليوم، لا مظاهرات احتجاجية، باستثناء بعض المقالات الساخطة التي يكتبها داعمو الكتلة البرلمانية الخاسرة ذات التوجهات الاجتماعية الاشتراكية.

يستعير أحدهم صورة كاريكاتيرية نشرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية تُظهر صليب النازية على العلم السويدي مع صورة لشخصية بيبي لونغ سترومب (ذات الجوارب) الشهيرة، في إشارة إلى أن سويداً جديدة تولد غير تلك التي رسختها الكاتبة أستريد ليندغرين في كتاباتها للأطفال والتي تُرجمت إلى لغات كثيرة.

كاتب آخر استعار سخرية صحيفة أوروبية أخرى على نتائج الانتخابات حين ربطت النتائج بمتلازمة ستوكهولم الشهيرة، حين يتعاطف الضحايا مع خاطفيهم وجلاديهم.

المهاجرون

شكل سؤال الهجرة الثقل الأكبر للحملة الانتخابية للحزب المتطرف، وها هي بعض سياساته تدرج في خطة الحكومة المقبلة: لا يكتفي بأن السويد هي صاحبة أدنى نسبة يقرّها الاتحاد الأوروبي لأعضائه في ما خص استقبال اللاجئين بل يطمح إلى صفر لاجئين، إلغاء الإقامة الدائمة في البلاد، بناء سجون خارج البلاد، إدراج شروط جديدة للحصول على الجنسية السويدية.

هل كان سؤال الهجرة حاسماً في الانتخابات؟ يبدو أن الأمر كذلك، إذ أن البرنامج الانتخابي لحزب ديمقراطيي السويد المتطرف يتقاطع ويتشابه في كثير من القضايا الأخرى، كالرعاية الصحية ومكافحة الجريمة والتعليم والطاقة، مع أحزاب أخرى في الكتلتين المتنافستين، ولو كان التصويت للحزب قد انطلق من تلك القضايا لكان الناخبون صوّتوا للأحزاب التقليدية التي تتبنى هذه القضايا.

"يبدو أن النكتة التي تحكي عن التصورات المسبقة والخاطئة غالباً والتي يحملها الغربيون عموماً والسويديون خصوصاً عن تقديم الشرق أوسطيين جِمالاً كمهر للعروس تقابلها تصورات مسبقة حملناها كسكان للشرق عن ثقافة المجتمعات الغربية ووعيها وتعليمها العالي"

التصويت استند على ما يبدو على الاقتراحات الشعبوية للحزب في ما خص قضايا معقدة، كالاكتفاء بتشديد العقوبة على الجريمة والعصابات الإجرامية بدل الرهان في الوقت نفسه على تشديد العقوبة على الجريمة والنهوض المجتمعي بالمناطق الضعيفة التي تسكنها أكثرية مهاجرة عن طريق اقتراحات تشمل تقوية المدرسة والمجتمع المدني والإنماء في تلك المناطق والتي تبنتها أحزاب أخرى.

هل كل واحد من خمسة سويديين هو عنصري متطرف؟ يحاول حتى أشد المتشائمين من الكتّاب والصحافيين إبعاد هذه التهمة وإرجاء ذلك إلى عدم الرضى عن سياسات الحكومات السابقة لدى فئات كبيرة من الناس. لكن الحقيقة الباردة تقول إن واحداً من خمسة صوّت للمتطرفين وإن 51% من المواطنين الذين صوتوا للكتلة البرلمانية اليمينية التي ستحكم ليست لديه مشكلة في وصول المتطرفين إلى الحكم.

 أخبار وأسئلة وانطباعات

ـ زميل عمل يخبرني أنه قطع علاقته بأبيه لأن الأخير صوّت للمتطرفين. "هل تريد لأحفادك أن يكبروا في مجتمع فاشي"، قال لأبيه في نقاش بينهما.

ـ في المقهى: نقاش بين شخصين يظهر جهلاً مطبقاً بالفَرق بين توجه الكتلتين المتنافستين، أي ذات التوجه الليبرالي البرجوازي وذات التوجه الاشتراكي الاجتماعي. أحدهما يعترف بأنه صوت لحزب المحافظين لأن كلبه يشبه إلى حد كبير كلب رئيس الحزب.

ـ يبدو أن النكتة التي تحكي عن التصورات المسبقة والخاطئة غالباً والتي يحملها الغربيون عموماً والسويديون خصوصاً عن تقديم الشرق أوسطيين جِمالاً كمهر للعروس تقابلها تصورات مسبقة حملناها كسكان للشرق عن ثقافة المجتمعات الغربية ووعيها وتعليمها العالي، وتعكسها النكتة السمجة عن فروقات الأرقام الهائلة في معدلات القراءة بين سكان "الكوكبين". صديق شرق أوسطي يرد على نكتة الجِمال: "إن أول جَمل رأيته في حياتي، كان هنا في أوروبا".

"هل يشنق المتطرفون أنفسهم بحبل الديمقراطية الذي أوصلهم للمشاركة في السلطة أو يستمر السويديون في تسمين الوحش حتى يأكلهم؟ أعطونا عمراً لنرى"

ـ كاتبة الروايات البوليسية الشهيرة كاميلا ليكبيرغ، أكثر الكتّاب مبيعاً، تكتب ساخطة قبل يوم الانتخابات، عندما أظهرت استطلاعات الرأي تقدم المتطرفين: "أعطوهم السلطة، أعطوهم الحبل ليشنقوا أنفسهم".

ـ عام 2013، كتب الروائي السويدي ذو الجذور العربية يوناس حسن خميري رسالة مفتوحة إلى وزيرة العدل بعنوان "إلى بياتريس الأفضل"، يحكي لها كيف سمعها في الراديو تجيب عن سؤال حول تعرض مواطنين من أصول مهاجرة للإيقاف من الشرطة والسؤال عن الهوية أو عن وثائق تثبت الشخصية. سيشارك الرسالة 180 ألف شخص على مواقع التواصل الاجتماعي كهاشتاغ متحدثين عن تجاربهم مع مواقف عنصرية. تطلب الوزيرة اللقاء بخميري لكنه يرفض.

ـ هل يمكن أن تتعايش العنصرية والتقدم العلمي والديمقراطية؟ السويد بلد هائل ومذهل من ناحية الإنتاج والمشاركة في إنتاج آخر ما وصلت إليه العلوم والتكنولوجيا. مذهل نظام عمل وإدارة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي لا تعتمد على كفاءة الأشخاص وإنما على متانة النظم والقوانينِ، إذ يمكن الاستغناء عن أي شخص في أي مؤسسة أو دائرة أو بلدية أو شركة مهما علت كفاءته دون أن يتأثر سير العمل، وكأن البلد آلة عملاقة مبرمجة والعاملون براغٍ صغيرة لا يؤثر استبدالها على عمل الآلة. السويد مذهلة من ناحية إدارة المال والإمكانيات الاقتصادية ونظام الرفاه الاجتماعي الذي تأُسس منذ وقت طويل وتطور لاحقاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. السويد مذهلة وفريدة من ناحية قدرتها على الحفاظ على حيادها السياسي (قبل الحرب في أوكرانيا وتقدمها بطلب للانضمام إلى حلف الناتو) والعيش بعيداً عن الحروب لما يقارب القرنين من الزمن.

لكن من جهة أخرى، أظهرت الانتخابات الأخيرة أن البلد يعيش في عالمين متنافرين: الواقع الاجتماعي والسياسي الذي أظهر صعود شعبية اليمين المتطرف، والواقع الأكاديمي وآخر ما توصلت إليه بحوث علم الاجتماع والتربية عن أهمية الاستثمار في التعدد الثقافي والتعدد اللغوي في بلد يبلغ عدد مواطنيه المولودين في الخارج ربع السكان.

ـ أهي خطوة أولى صوب جحيم سويدي قادم، أم تخطئ الروائية الرائية في نبوءتها؟ هل يشنق المتطرفون أنفسهم بحبل الديمقراطية الذي أوصلهم للمشاركة في السلطة أو يستمر السويديون في تسمين الوحش حتى يأكلهم؟

أعطونا عمراً لنرى.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard