قد يعتقد البعض، أن هذا العنوان يصلح لمادة تُنشر في موقع غير معروف يُريد جذب القراء و الحصول على "ترافيك" عال، أو ربما دراسة تنبؤية عن حالة السويد بعد 100 عام، لكن في الواقع، ما حدث ويحدث بين جمعية المالكين للعقار الفخم "فال بيهوغات" على شاطئ هورنشبري، في العاصمة السويدية ستكهولم من جهة، والمستأجر المباشر، أصحاب مطعم الميدان الذي يقدم وجبات سورية من بينها الشاورما والكباب، من جهة ثانية، يثبت صحة فرضية العنوان.
بعد أن تحول المطعم إلى رمز لصراع أخذ أبعاداً متعددة على مستوى العرق والطبقة، بين سكان المدينة والضواحي، وبين المجموعات الاجتماعية والاقتصادية والجندرية المختلفة، بالإضافة إلى التفضيلات الاجتماعية الأخرى، و التي أدت إلى ظهور نوع جديد من الكراهية كان غير معروف من قبل: "كراهية الشاورما".
يُضاف إلى ذلك دخول الإعلام في السويد، الرسمي و الخاص، على الخط، أعضاء الأحزاب من اليمين واليسار، سكان الضواحي التي تقطنها أغلبية مهاجرة بالإضافة إلى الشركة المشغلة لخطوط الميترو، ولن ننسى الشرطة، سلطة الخدمات الاجتماعية، كتّاب الأعمدة الصحفية في الصحف الكبرى ومهندسي الحي الذي يشبه وسط البلد في بيروت (الداون تاون)، أو منطقة برج خليفة في دبي، أو البوليفارد في العاصمة الأردنية عمان.
لكن إذا كنت، عزيزي القارئ، تعتقد غير ذلك، إليك القصة إذن:
تقرير عن الرعب في نفوس السكان
سكان الحي السويدي: لم ندفع كل هذه المبالغ ثمناً للشقق في هذه المنطقة، حتى يأتي إليها المهاجرون الذين يقطنون في الضواحي، لأكل الشاورما و توسيخ الأرصفة بدهن الكباب. عدا عن صوت الضجة العالي الذي يصدره هؤلاء الدخلاء بلغات ولهجات غير مفهومة
في صباح يوم السبت الموافق لـ2019-10-12 نشرت جريدة "أفتون بلادت"، الصحيفة الأولى في البلاد، تقريراً مطولاً عن نزاع قائم بين الجمعية المالكة والمستأجر، نزاع تطلب فيه الجمعية من المستأجر إخلاء المحل بتهم إزعاج الجوار، استخدام المستودع المخصص لتخزين البضائع الجافة في الطبخ وانتشار بقايا الطعام على الرصيف المقابل المواجه للبحر، كذلك عزّز الصحفي التقريرَ بشهادات من سكان الحي، الذين يستنجدون بالدولة والقضاء لإنقاذهم من هذه المطعم الذي لا يتناسب مع طبيعة المنطقة التي يسكنها فقط سويديون.
ويذكرون من جملة مايذكرون، أنهم لم يدفعوا كل هذه المبالغ ثمن شقق في هذه المنطقة، حتى يأتي إليها المهاجرون الذين يقطنون في الضواحي، لأكل الشاورما و توسيخ الأرصفة بدهن الكباب. عدا عن صوت الضجة العالي الذي يصدره هؤلاء الدخلاء بلغات ولهجات غير مفهومة، وهم في معظمهم يأتون من مناطق الخط الأزرق للمترو: تينستا، رينكيبي وغيرها من الأحياء الخاصة بالمهاجرين.
أصوات ومشاهد تُثير الرعب في نفوس القاطنين في الأدوار العلوية من البناء، وصلت إلى حد وصف إحداهن، بأن صوت الأشخاص في الخارج أدى إلى إصابتها باضطراب النوم الذي تتعالج منه الآن. كما طلب البعض من الشرطة تسيير دوريات يومية في الشارع، لمواجهة القادمين من الضواحي الذين لا يحبون النظام، على حد وصفهم.
كذلك قام حساب على الإنستغرام، يحمل اسم الحي ويتابعه أكثر من عشرة آلاف متابع، بنشر صور من الحي، تظهر الحالة التي وصلت إليها الأمور، من رمي لمخلفات الطعام على الأرض، سيارات يقودها شباب مهاجرون تغلق الممر الخاص بالدراجات الهوائية وصورة لحاوية قمامة محروقة.
يتساءل مهندس الحي: لماذا يريد الكثيرون الهدوء والنظام في ستوكهولم؟ فالمدن الحقيقية تشجع الاجتماعات الصاخبة والحيوية، وتدفع البشر إلى الرقص في الشارع، الرقص المعقد والمتوازن الذي يعطي حركة للمدينة.
قرار المحكمة
بعد نشر التقرير، رفعت الجمعية دعوى لفسخ العقد وإغلاق المطعم الذي افتتح أبوابه في أبريل 2019، مستندة إلى شهادات القاطنين، لكن محكمة ستوكهولم المحلية التي ترى أن صاحب المطعم تصرف في إطار عقد الإيجار الخاص به وفي ظل الشروط المقدمة، وأن الصوت المتعلق بالإعداد والخدمة والغسيل والتنظيف والتسليم، يمكن اعتباره جزءاً طبيعياً من هذا النشاط، وبناء عليه، قررت أن الميدان يمكن أن يستمر في تشغيل مطعمه، بالإضافة إلى ذلك، ستدفع الجمعية التكاليف القانونية للمطعم، البالغة 586 566 كرونة سويدية.
الشريك المؤسس للمطعم، سام الشوبكي، وفي حديث لصحيفة استكهولم دريكت، يعتقد أنهم لم ينتهكوا أي قواعد، وأن ما يحدث له دوافع عنصرية، ويرى أن القرار أنصفهم، وأن هذا الحكم يبعث وقبل كل شيء على الراحة، ويضيف: "لقد فعلنا الشيء الصحيح منذ اليوم الأول، ومن الجميل أن نؤكد ذلك".
حملة لدعم مطعم الميدان
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل خرج إلى الفضاء العام، حيث خُصصت له مدة مهمة في نشرة الأخبار الرئيسة، ووصل النقاش إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث صدر بيان يدعم المطعم بمواجهة الأصوات التي تدعوا إلى إغلاقه، وأتهم البعضُ السكانَ بالعنصرية ومعاداة اللاجئين، أو رهاب اللاجئين.
نظمت بعض الفعاليات الشعبية والأحزاب دعوات للذهاب إلى مطعم الميدان، و إظهار الدعم والمساندة في مواجهة الفصل العنصري في العاصمة استكهولم
كذلك نظمت حملة على الفيس بوك تحمل عنوان: "قنبلة من الحب إلى الميدان"، بهدف جمع أكبر عدد ممكن من الأشخاص لتناول الطعام في المطعم، حيث استجاب أكثر من 5000 شخص للدعوى.
ومن بين أمور أخرى، تم تنظيم بيان وقع عليه العديد من الشخصيات المعروفة لدعم المطعم، كذلك أظهر بعض الجيران دعمهم لميدان، من خلال الظهور في لقاء صحفي، يقولون فيه إنهم من الطبقة الوسطى، وهذا النزاع يؤثر على سمعتهم و سمعة المكان، وأنهم ليسوا طرفاً في النزاع.
كذلك نظمت بعض الفعاليات الشعبية والأحزاب دعوات للذهاب إلى المطعم، و إظهار الدعم والمساندة في مواجهة الفصل العنصري في العاصمة استكهولم.
بينغت إيسلينج، مهندس الحي وبانيه دخل على خط النزاع أيضاً، ففي مقابلة معه في صحيفة "داغنيس نيهتير"، يرى أن "من الإيجابي التقاء مختلف المجموعات في مكان واحد، لكن لا أريد أن يدخل الناس إلى غرفة المعيشة الخاصة بي".
بينغت الذي أشرف على تخطيط وبناء المنطقة بين 2002-2014، يرى بأن البيئة الجميلة لها أيضاً نتائج غير متوقعة.
ورداً على سؤال كيف ترى أن بعض السكان يشكون من أنها تحولت إلى مكان شعبي؟
يجيب: "ربما ظنوا أنهم سيحصلون عليها لأنفسهم؟ كان بإمكانهم الذهاب إلى هنا والنظر قبل شراء شقتهم باهظة الثمن بالفعل".
أعترف بأن التنظير للحرب أو التنبوء بالصراع ليس بالأمر السهل، لذلك أشغل نفسي بقراءة كتاب عالم الاجتماع ريتشارد سينيت، "المدينة المفتوحة: أخلاقيات للبناء والإقامة "، في انتظار معرفة لماذا يريد الكثيرون الهدوء والنظام في ستوكهولم؟ فالمدن الحقيقية تشجع الاجتماعات الصاخبة والحيوية، وتدفع البشر إلى الرقص في الشارع، الرقص المعقد والمتوازن الذي يعطي حركة للمدينة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...