في الوقت الذي تدّعي فيه إسرائيل بأنها دولة القانون والمساواة بين الأفراد، تظهر ممارسات بشعة من قبل الحكومة الإسرائيلية، تتجسد بمحاصرة مئة وأربعين ألف مواطن فلسطيني من سكان مخيم شعفاط، وتطبيق فعل الانتقام الجماعي من السكان هناك، بعد عمليّة قتل لمجندة إسرائيلية عند حاجز شعفاط العسكري وإصابة جنديين آخرين، نفذها الفلسطيني عدي التميمي السبت الماضي.
تبدو الصورة موحشة، بأن يتمّ هذا الحصار بإغلاق منافذ المخيّم، والخروج منه أو الدخول إليه، وذلك بحجة وجود عديّ التميمي داخله، والادعاء بأنّه يتلقّى المساعدة من السكّان هناك، من أجل الهرب للضفّة الغربيّة. هذه العنصرية في التعامل مع سكان شعفاط تكشف عن مخزون همجي وعدواني تمارسه دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين، وتتنافى مع المعايير والقوانين الإنسانية الموثقة من قبل الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
الحصار الذي يستمر لليوم السادس على التوالي، يترك آثاراً كارثية على وضع السكان في مخيم شعفاط، ناهيك بالوضع الأمني المخيف للأطفال والنساء وكبار السن، من خلال المداهمات الليلية لحي عناتا، ومنطقة تجمع الإسكان حيث يقيم عدي التميمي، وكذلك حي الضاحية على بعد عشرة كيلومترات من المسجد الأقصى. فمنذ ما يقارب الأسبوع لا غذاء يدخل للسكان في المخيم، ضمن سياسة الانتقام الجماعي من سكّانه، ولا أدوية تمرر للعيادات الصغيرة، وتم كذلك تعطيل المدارس والمراكز الصحية، وهو ما يعرض حياة المواطنين المدنية والصحية للخطر الشديد.
منذ ما يقارب الأسبوع لا غذاء يدخل للسكان في المخيم، ضمن سياسة الانتقام الجماعي من سكّانه، ولا أدوية تمرر للعيادات الصغيرة، وتم كذلك تعطيل المدارس والمراكز الصحية، وهو ما يعرض حياة المواطنين المدنية والصحية للخطر الشديد
الأكثر خطورة هو منع قوات الاحتلال والشرطة العسكرية الإسرائيلية لوسائل الإعلام الدولية والمحلية من دخول المخيم لتغطية الحالة الإنسانية لعموم سكان الحي، حسبما أخبرنا المحامي الفلسطيني محمود جابر، وهو من سكان مخيم شعفاط ويقيم فيه، وقد نقل لرصيف22 مدى خطورة الوضع في المخيم.
يقول محمود جابر: "نحن نخضع داخل مخيم شعفاط لسياسة تصفية جماعية من قبل قوات الاحتلال، عبر منع موارد الحياة وحجزها عن السكان، فهنا الكثير من المرضى الذين لا يتلقون المتابعة الصحية، ويواجهون خطر الموت بسبب عدوانية المحتل، كما أن الأطفال والسيدات وكبار السن يتلقون جرعات عالية من السموم جراء الإطلاق المستمر والغزير لقنابل الغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة الإسرائيلية وجنود الاحتلال".
وتهدف إسرائيل من سياسة تسميم الهواء ضد سكان المخيم إلى إرهاب السكان، وتحجيم روحهم المعنوية، وزيادة الضغط عليهم... يضيف جابر: "نواجه على مدار الساعة خطر الموت، فالكثير من حالات الاختناق والإغماء يتعرض لها الأطفال والسيدات المرضعات والحوامل، وكذلك كبار السن. هذا بالإضافة للإحساس بالقلق النفسي للسكان، نتيجة محاصرة غير محسوبة من قبل المحتل، لا يعرف كيف ستكون لحظتها الأخيرة".
المستشفى ليست بعيدة
وفي الوقت الذي تمنح الحقوق الإنسانية المرء حق العلاج وقت الأزمات والحروب، فإن سكان مخيم شعفاط لا يتلقون الحد الأدنى من الرعاية الصحية، ويمنعون من حقهم في الوصول للمراكز الصحية المجاورة للمخيم، وهو ما أدى لزيادة الخطر الصحي عليهم.
يقول جابر:"نحن نبعد عن مستشفى المقاصد مسافة ليست بالطويلة لكننا ممنوعون من الوصول إليها، فالأمر يحتاج لتصريح من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لمغادرة المخيم، وهو ما يقلل من فرص النجاة للمرضى ذوي الحالات المستعصية، وقبل يومين وضعت سيدة فلسطينية مولودها على حاجز شعفاط، لتعذر مرورها في انتظار الحصول على تصريح".
وتعمل كلاب الأثر ليل نهار، مع قوات الاحتلال في جنبات المخيم من أجل العثور على التميمي، واكتشاف المكان الذي يختبئ فيه، بالإضافة إلى تحليق مكثف للطوافات في سماء مخيم شعفاط، بالإضافة إلى طائرات الاستطلاع، وهو ما يشكل إرهاباً منظماً تجاه السكان، وتصفية بطيئة للحالة المعنوية.
يكمل جابر:"قامت قوات الاحتلال بفصل كامل لمخيم شعفاط عن مناطق القدس، وتم تنفيذ حالة شلل للطرق المؤدية للمخيم، وبطريقة همجية يمنع دخول أي شخص سواء من أبناء المخيم، أو من المؤسسات الدولية، أو من الصحافيين، وحتى الفرق الطبية، ونحن نعيش هنا أجواء حرب حقيقية جراء التحليق المكثف والدائم للطائرات، التي تضع السكان تحت ظروف نفسية غير محتملة".
ويروي:" المداهمات العسكرية لقوات الاحتلال المكونة من الشرطة وقوات اليمام (قوات مكافحة الإرهاب) حسب التسمية الإسرائيلية، تقتحم المخيم مراراً وتكراراً وتروع السكان بشكل جماعي، ولا أحد يعلم إلى أي مدى من الممكن أن تصل هذه الهبة الأمنية، وكيف يمكن أن يستغل الاحتلال غياب الصحافة والمؤسسات الدولية، لارتكاب جرائم إنسانية ضد سكان شعفاط".
قامت قوات الاحتلال بفصل كامل لمخيم شعفاط عن مناطق القدس، وتم تنفيذ حالة شلل للطرق المؤدية للمخيم، وبطريقة همجية يمنع دخول أي شخص سواء من أبناء المخيم، أو من المؤسسات الدولية، أو من الصحافيين، وحتى الفرق الطبية، ونحن نعيش هنا أجواء حرب حقيقية جراء التحليق المكثف والدائم للطائرات، التي تضع السكان تحت ظروف نفسية غير محتملة
ويضيف جابر: "قبل أيام اقتحمت قوات الاحتلال منطقة الإسكان حيث يسكن التميمي، وأنا أسكن في الطابق العلوي، وجاءت بصحبة القوات الهندسية الإسرائيلية، ومواد متفجرة من أجل هدم بيت منفذ العملية، لكنهم واجهوا اعتراض السكان فكيف يتجرأون على هدم عمارة سكنية من أجل شقة يقيم بها المطلوب".
ابتزاز وسطو
ولا يتوقف الاحتلال عن التنصل من الاتفاقات الدولية التي تمنح الإنسان حق الحماية وقت الخطر، وحق الاستقلالية ومنع المعاقبة الجماعية والمعاقبة نظراً لصلة القرابة مع شخص ما، لكن قوات الاحتلال في مداهماتها المستمرة لمنطقة الإسكان وضاحية السلام قامت باعتقال والد عدي التميمي ووالدته ومن ثم إخوانه، من أجل التحقيق معهم، والحصول على معلومات عن عدي، وكذلك ابتزازه من أجل تسليم نفسه.
يحكي لنا المحامي محمود جابر:"لو افترضنا جدلاً أن ما حدث جريمة جنائية، فمن المفترض أن يلاحق القاتل وحده، لا أن ينجر 150 ألف مواطن معه للعقاب والتنكيل، فهذا جرم في حق القانون الذي وضعته أصلاً إسرائيل في جانب المواطنة، فما بالك القوانين الإنسانية، إن ما يحدث جنون لا يمكن استساغته أو تتقبله نهائياً".
وحول مشاعرها في الأيام الأخيرة في المخيم، تفيدنا أماني التميمي 38 عاماً، وهي من سكان مخيم شعفاط: "لا يمكن وصف مشاعر الخوف التي أشعر بها على حياتي وحياة عائلتي، نحن هنا ممنوعون عن كل شيء، فجأة توقفت الحياة دون أدنى سبب منطقي، لقد حاصرنا الاحتلال في بقعة ضيقة مكتظة بالسكان، تعاني من الأصل نقصاً للخدمات الصحية في الوضع الطبيعي، فنحن نحتاج إلى الذهاب لمستشفى المقاصد للعلاج والولادة وتلقي الخدمات الصحية، وهذا ممنوع الآن".
وتكمل:"أطفالي هنا يبكون وتصيبهم حالات الارتجاف جراء مشاهدتهم قوات الاحتلال وهي تقتحم المنازل وتنكل بسكانها، وتضربهم، وتكسر الأثاث، وابنتي تالين لأكثر من مرة أصابتها حالات صرع خلال الأيام الماضية، أمام المشاهد البشعة التي تمارسها قوات الاحتلال، بالإضافة لأصوات القنابل الغازية والصوتية التي تطلق خلال المداهمات".
لا يمكن وصف مشاعر الخوف التي أشعر بها على حياتي وحياة عائلتي، نحن هنا ممنوعون عن كل شيء، فجأة توقفت الحياة دون أدنى سبب منطقي، لقد حاصرنا الاحتلال في بقعة ضيقة مكتظة بالسكان، تعاني من الأصل نقصاً للخدمات الصحية في الوضع الطبيعي
تقول أماني التميمي:"إن ما يحدث هو إرهاب جماعي غير منصف، ولا يمت للإنسانية بصلة، ويحمل إيذاءً نفسياً وصحياً للجميع، والدي يعاني من أزمة صحية بالصدر، ويعاني من حالات اختناق بسبب مرض الربو، وتعرضه لمثل هذا الكم من الغازات، يعرض حياته للخطر الشديد، ولأكثر من مرة تم اللحاق به قبل أن يتلقط أنفاسه الأخيرة، من خلال الإسعافات الأولية، فلا يعقل أن يتعرض مسن مريض لمثل هذا العداء من دولة تدعي حفاظها على القانون، هذا هزل كبير".
وتكمل:"هنالك الكثير من المواد الغذائية بدأت في النفاد داخل المخيم، وصرنا نخشى على أطفالنا من التأثر بهذا، فأصناف مثل الحليب والسكر والدقيق شارفت على النفاد، وهو ما يعرض أطفال مخيم شعفاط للتجويع القسري من قبل الكيان الإسرائيلي، ومخاطر صحية غير محسوبة العواقب".
وتختم:"أشعر بالعجز في نقل الأمان لأطفالي، فلا علاج للخوف في مثل هذه الظروف، خاصة أنني أشعر بالخوف مثلهم، ولا أستطيع السيطرة على مشاعري في مثل هكذا ظروف قاسية. هذا وضع لا إنساني يستدعي التدخل الدولي لحماية أهل مخيم شعفاط".
عصيان مدني
واستدراكاً لما يحدث، بدأ سكان مخيم شعفاط بتوجيه دعوات للعصيان المدني، فهم يخضعون للمؤسسات المدنية الإسرائيلية وبلدية القدس التابعة للاحتلال، في الوضع الطبيعي، فجاءت الاستجابة من سكان المخيم وسكان المخيمات المجاورة، مثل مخيّم العيسوية، وكذلك بلدة العيزرية، وقرية شعفاط، حيث أعلنوا جميعاً العصيان المدني ضد دولة الاحتلال من خلال إيقاف عمل المحلات التجارية، ومنع الطلاب من الدوام اليومي في المدارس، وتوقف الأطباء الفلسطينيين عن العمل في مستشفيات الداخل الفلسطيني المحتل، ضمن المؤسسات الصحية التابعة لإسرائيل، وهي خطوة تأتي من أجل إجبار إسرائيل على فك هذا الحصار وإعادة الحرية لمجتمع كامل من السكان المدنيين.
وقد جددت لجنة العشائر ووجهاء مخيم شعفاط تمديد هذا العصيان المدني المفتوح ضد المؤسسات التعليمية والصحية والمدنية الإسرائيلية، اليوم الخميس، بهدف إجهاض الخطوة الإسرائيلية الهمجية، وتفادياً للرضوخ للسياسة القمعية والعنصرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في مخيم شعفاط، والتي زادت في قسوتها، فاتبعت سياسة الحجز والحصار والترهيب للسكان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع