شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بالعضلات والأرداف والابتسامة الهوليوودية نصبح أساطير... هذا ما تخبرنا به الأعمال الفنية

بالعضلات والأرداف والابتسامة الهوليوودية نصبح أساطير... هذا ما تخبرنا به الأعمال الفنية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 25 أكتوبر 202203:27 م

"شو مفكّرة حالك أنجلينا جولي؟"، "روق علينا يا دنجوان"، "يعني إذا صبغتي شعرك أشقر بتصيري مارلين مونرو؟"، كم مرة سمعنا مثل هذه العبارات وصادفنا أشخاصاً يحاولون التقليل من شأننا أو من مظهرنا عن طريق السخرية؟

وفي بعض الأحيان، قد يكون الأمر إيجابياً عن طريق تشبيهنا ببعض المشاهير أو ربما الزعم بأننا نتفوّق عليهم في الجمال، فنسمع مثلاً عبارة "أنت أجمل من صوفيا لورين بعزّها"، كنوع من المجاملة لإثبات جمال الشكل.

قد يلجأ الإنسان للتعبير عن اعجابه بالآخر عن طريق توصيف الأشخاص بعناصر الطبيعة كجمال القمر أو نور الشمس، وأحياناً يأخذ البعض أسماء لامعة لجعلها أمثولة للجمال والقوة والصبا، وكأن الشخص المشهور هو بمثابة "المسطرة" التي يجب أن يقاس عليها كل البشر.

الأسطورة الفنية... من الصناعة إلى التأثير

إن صناعة الفنان/ة ليكون أسطورة ليس جديداً، ويتم اختيار أكثر المؤهلين/ات من وجهة نظر صنّاع الفن والمنتجين، ممن يتوافقون والمقاييس الفنية لصناعتهم كأساطير ليُستفاد منهم تسويقياً، وهم لا يؤثرون بشكل مباشر على المتلقي، ولكن المعنى الذي يشكلونه بالنسبة إليه هو الذي يعطي لهم أهمية بالغة، وذلك حين ننسب الجمال لمارلين مونرو، والجاذبية لدونجوان، والقوة لجاكي شان وغيرهم ممن تركوا انطباعاً سلبياً أو إيجابياً لدى جماهيرهم، ما يدفع البعض لمحاولة تقليد ما يمتلكه هؤلاء النجوم في الشكل أو الأداء أو الانطباع.

قد يلجأ الإنسان للتعبير عن اعجابه بالآخر عن طريق توصيف الأشخاص بعناصر الطبيعة كجمال القمر أو نور الشمس، وأحياناً يأخذ البعض أسماء لامعة لجعلها أمثولة للجمال والقوة والصبا، وكأن الشخص المشهور هو بمثابة "المسطرة" التي يجب أن يقاس عليها كل البشر

وتختلف أنواع الأساطير من حيث الصفات، فتأتي مارلين مونرو أو حسين فهمي كنموذج عن الجمال الأشقر المثالي، أو رشدي أباظة وصوفيا لورين كنموذج عن الجمال الأسمر، أو ريتا هيوارث للشكل الأرستقراطي الكلاسيكي، أو هيفاء وهبي وهند رستم عن شكل المرأة المغرية "السكسي"، وبروسلي في القوة، وجيمس بوند في التخطيط، والنظرية تقول إن كل من يرغب في اكتساب صفات مماثلة لهذه الأساطير يجب أن يحاول التشبّه بهم أو تقليدهم ومحاكاة تصرفاتهم.

تقول دنيا (30عاماً): "والدي كان مهووساً لدرجة كبيرة بالممثلة المصرية آثار الحكيم، وكان يعتبرها أيقونة الجمال بين النساء، لدرجة أنه فكّر في أن يسافر من سوريا لمصر ليتعرّف عليها، وعندما وُلدت، اختار اسم (دنيا) تيّمناً باسم شخصية لعبتها في أحد الأفلام السينمائية".

وتابعت دنيا بالقول: "كانت العائلة تخشى أن يتحوّل هذا الهوس لحالة مرضية غير قابلة للتدارك، ولكن مع مرور الوقت وتقدّم آثار الحكيم في السن وظهور نجمات آخريات بأشكال مختلفة عصرية، لم يعد والدي معجباً بها".

لا يدرك البعض حقيقة أن حتى صناعة الفنانين/ات كأساطير لا يعني بالضرورة استمرارهم/نّ على هذه الحالة طيلة العمر، بل قد تكون حالة مؤقتة تناسب الواقع وقتذاك، وبمجرد الانتقال لمرحلة جديدة تبدأ رحلة البحث عن اسم جديد أكثر شباباً ليكون نموذجاً قريباً من الجيل الجديد، بالإضافة لاختلاف المقاييس بين فترة وأخرى، فمثلاً كانت المرأة الممتلئة هي نموذج الجمال، كالفنانة ليلى علوي مثلاً والتي كانت أيقونة الجمال خلال فترة الثمانينيات، وكانت الصحافة تشير إلى أنها فتاة أحلام كل شاب.

ولكن مع دخول الألفية الثالثة لم تعد الفتاة الممتلئة هي التي تجذب العيون وتحرّك القلوب، بل أصبح نموذج عارضات الأزياء واللواتي وزنهنّ "زيرو" هو المعيار الجمالي الجديد، ما جعل معظم الممثلات والمغنيات يسعين لممارسة الرياضة والالتزام بنظام غذائي للحفاظ على الصورة الرشيقة التي يحلم بها معظم الناس، حتى أن بعض الفتيات عمدن إلى عمليات تكسير الأضلع لتنحيل الخصر قدر المستطاع، ثم أصبحت الجاذبية تكمن في الفتاة التي تمتلك انحناءات في شكلها، مثل كيم كارديشيان وهيفاء وهبي، أي نموذج المرأة الممتلئة من ناحية الصدر والأرداف، ونحيفة في بقية المناطق، كما شاع شكل الشفاه الكبيرة، والحواجب العريضة، والاثداء الكبيرة، وابتسامة هوليوود والتي يثبت اسمها صحّة تبني أطباء الأسنان لمفهوم الأسطورة الهوليوودية التي تفترض أن الأسنان يجب أن تكون ناصعة البياض.

كما وأن العضلات المفتولة والـ "SIX PACKS" هي النموذج الأسطوري للرجال على عكس السابق، والشاب الذي لا يمتلك عضلات تامر حسني وعمرو دياب وسواهما، يعني أنه خارج مفاهيم الجمال، وحتى الأساطير القديمة كحسين فهمي ورشدي أباظة أصبحا بنظر البعض "دقة قديمة" ولا ينفعان لجمال اليوم.

بين عكيد الحارة وكاساندرا

لا ترتبط الأسطورة بالفنان/ة نفسه/ا فقط، بل تتجاوز هذا المفهوم أحياناً لتقتصر على شخصية درامية ظهرت في السينما والتلفزيون، وأصبحت هي النموذج الذي يجب علينا أن نقتدي به، فحين عرض فيلم "تايتانيك"، بات جاك نموذج الحب والتضحية عند الجميع وليس ديكابريو بحدّ ذاته، وحينها كانت كل فتاة تخرج من صالة العرض تسأل حبيبها: "لو كنّا بسفينة متل روز وجاك وغرقت السفينة بتضحي بحالك كرمالي؟"، والصدمة الكبرى حين عرضت مواقع التواصل الاجتماعي كواليس تصوير العمل، ليكتشف الجميع بأن كل هذا المحيط المترامي الأطراف في الفيلم ما هو إلا بركة ماء صغيرة.

"أحرص في أعمالي على كتابة شخصية تكون (قدوة) في الزمن الذي وجدت فيه، مثل (نصار بن عريبي) في مسلسل الخوالي، أو (المعلم عمر) في مسلسل ليالي الصالحية، أو (رضا الحر) في مسلسل أهل الراية"

والتعلّق بالشخصيات لا يقتصر فقط على عالم الحب، بل هناك انجذاب نحو نموذج المرأة خفيفة الدم، مثل شخصية "خلي بالك من زوزو" التي لعبتها سعاد حسني، أو الأنثى المتمردة مثل نادية الجندي في معظم أفلامها، أو الشخصية القوية مثل معظم الرجال في أعمال البيئة الشامية، وقد تكون الشخصية نموذجاً في الإرهاب والتعدي على الغير، مثل "جبل شيخ الجبل" التي لعبها تيم حسن في فيلم الهيبة.

يقول الكاتب أحمد حامد لرصيف22: "أحرص في أعمالي على كتابة شخصية تكون (قدوة) في الزمن الذي وجدت فيه، مثل (نصار بن عريبي) في مسلسل الخوالي، أو (المعلم عمر) في مسلسل ليالي الصالحية، أو (رضا الحر) في مسلسل أهل الراية، هذه الأعمال كُتبت دون توجيه من الشركة المنتجة، وأنا ككاتب حين أرغب بصناعة نموذج أو أسطورة يجب أن أنظّف هذه الشخصية وأبيّضها، لأنه إذا كانت تشبه سائر الناس في الشكل والطباع والسلوك فلا نستفيد شيئاً، ولا يمكن لكل صفات تلك الشخصيات الدرامية أن تجتمع في شخص واحد في الواقع".

ويضيف: "لا تُصنع العديد من الشخصيات النسائية كأساطير في الأعمال الدرامية إلا مثل شخصية (تمر حنة) في المسلسل الذي يحمل اسمها، وهي فتاة قوية ومناضلة وجميلة في نفس الوقت"، مشدداً على أنه لا يُفرّق بين النساء والرجل و"لكن الحكاية تفرض البطل"، على حدّ قوله.

يلعب صنّاع الأعمال التلفزيونية والسينمائية على الحالة العاطفية للمشاهد ليصل إلى حالة التعلّق بالشخصية المفترضة وتصديقها والتعايش معها، ليقتنع في النهاية أنها موجودة ويتعاطف معها، آملاً أن تكون النهاية سعيدة، ويحاول البعض تقليد تلك الشخصيات لو في الملابس، وذلك مثلاً حين انتشرت ملابس "عكيد الحارة" أو "تنورة كاساندرا" رغبةً من الرجال في أن يصبحوا بقوة وفتوة "العكيد أبو شهاب"، ورغبةً من الفتيات أن يصبحن بأنوثة وجمال "كاساندرا"، ولو في الشكل العام على أقل تقدير.

تقول المحللة النفسية الاجتماعية، زهراء الغول، لرصيف22: "إن الخبرات المعاشة في الطفولة أو الصدمات التي تترك أثرها داخل الناس تُعالج من قبل الفرد تلقائياً، وهذا ما يُسمى (رأب الصدع) أي التئام الجرح النفسي، وبعض الحالات المرضية التي أصيبت بالولع لأسطورة فنية لا تكتفي بالتذكر بل بالتعلّق نتيجة تراكمات وتحولات حدثت في النفس، فهيّأت لعصاب أو ذهان نتيجة الولع والعشق دون تحكيم العقل".

وتضيف: "لا يمكن التخلص من هذه الظاهرة، فالإنسان بطبيعته يميل للحب والتعلق بالأرض والرغبات والنزوات، رغم أن هذه الظاهرة سببت خلافات اجتماعية كالانفصال أو الطلاق، وهذا ليس بسبب المتلقي الذي أحب أسطورة فنية، بل بسبب المجتمع الذي لو فهم اضطرابه لساعده قبل أن يدمر حياة الشريك/ة".

ممثل "البورنو" حين يصبح أسطورة

قد يضيع مفهوم الأفلام الجنسية بين العمل الفني أو الملاذ لتحقيق النشوة الجنسية، ولكن في معظم الأحوال، يصنع أساطير جنسية من رجال أقوياء، لديهم قدرة عالية على إتمام العملية الجنسية في كل مراحلها وبكامل الشهوة والانتصاب، ونساء فاتنات مغريات في كامل الأنوثة والأجساد المتناسقة المثالية، وقد يسبب كل ذلك صدمة لدى المشاهد/ة، لأنه/ا في الغالب تأتي قبل الممارسة الفعلية للعلاقة الجنسية، وهنا تعرف الفتاة أن مدة العلاقة وشكلها وجسم الشريك وتفاعله ليس بمستوى ممثل "البورنو"، ويكتشف الشاب أن الفتاة ليست بجمال الممثلة أو بنعومة جسدها، ما يسبب أزمة في العلاقة وشرخاً بين ما شاهداه في الأفلام وما شاهداه في الواقع، أو حتى أزمة ذاتية حين يقارن المشاهد/ة بين قدراته وقدرات الممثل أو جسده، أو حتى طول القضيب أو شكل المهبل.

ولا يعرف البعض أن هذه الأفلام تأتي على مراحل متعددة، وقد يأخذ الممثل فيها عقاراً دوائياً أو هرمون، كما تساعد الإضاءة والماكياج واللقطات على تحسين الصورة العامة، وبأن كل ما شاهده هو سيناريو مكتوب من الألف إلى الياء مع كل حركة وتنهيدة.

في هذا الصدد، تقول زهراء الغول: "لا شك أن الأفلام الجنسية تصوّر العلاقة بطابع غير واقعي مبالغ فيه، حيث تخلق هوامات في خاطر المتلقي، تجعله يتوق إلى الإحساس بلذة لا تشبع عند المشاهدة مرة واحدة، فيكرّر الحصول على المتعة مرة تلو الأخرى، وهنا يرفض العلاقة العادية التي تغيب عنها بعض الممارسات غير المنضبطة، ولا يعود يرضى بما هو أدنى من ذلك، كالمدمن على المخدر الذي يطلب جرعة أكبر مع مرور الوقت".

باختصار، حين نتحدّث عن صناعة الأساطير المؤثرة في حياة المتلقي، ننسى أن هذه الأسطورة على اختلاف أشكالها ما هي إلا وهم زرعه البعض في عقولنا، والهدف منه تسويقي بحت، لزيادة المبيعات وليصبح الفنان "شباك تذاكر" ليزيد العائدات المادية، ومهما بلغت شهرة الأسطورة تبقى مرحلية، فقد تكون صوفيا لورين أسطورة في السينما، ولكن لمرحلة مؤقتة، بخلاف ميريل ستريب التي حافظت على النجومية والنجاح رغم تقدمها في السن، لأنها اعتمدت على الخصوصية والتفرّد الإنساني، وقد ننسى أن أهم النجوم العرب، كأم كلثوم ووديع الصافي ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، أو أديت بياف وويتني هيوستن وشارل أزنافور، لم تكنّ أشكالهم/نّ مبهرة، ومع ذلك عشّاقهم بالملايين حول العالم، لأن النجاح والشهرة يضفيان خصوصية على الفنان.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard