في السنوات الأخيرة زاد إقبال بعض المصريين على تربية الحيوانات الأليفة، ولم تعد هذه العادة مرتبطة بطبقة دون سواها في الذهن الجمعي.
بسبب التكاثر السريع لتلك الحيوانات وإنجابها على فترات قصيرة، يلجأ الكثير ممن يربونها إلى عملية التعقيم الجراحي؛ أي إزالة العضو التناسلي للحيوان الأليف بإشراف طبي وداخل عيادة بيطرية مرخصة.
هذه العملية تحمل معها جدلها الأخلاقي الحاد في العالم كله، حتى في الدول التي تعتبرها قانونية أو إلزامية لمن يرغب باقتناء حيوان. البعض يعتبرها الحل الأمثل دون إرهاق أو إزعاج وبكلفة أقل، والبعض الآخر يراها جريمة بشعة يجب عدم اقترافها تجاه أي كائن تحت أي سبب.
من أعطى الإنسان هذا الحق؟
الممثل والمخرج علي شوقي من القاهرة عُرف بين أصدقائه بعشقه للكلاب منذ طفولته؛ فهو يربيها منذ العام 1975 حينما كان طفلاً في السادسة، وعلى الرغم من تلك العلاقة الطويلة بينه وبين الكلاب بأنواعها المختلفة لم يفكر ولو للحظة في إجراء هذه العملية لأي منها.في تصريحه لرصيف22 يقول: "أملك كلبين ذكرين لم يتزاوجا حتى الآن، ويمران بطبيعة الحال بمراحل هرمونية من وقت إلى آخر، وهو ما دفع بعض الأصدقاء لطرح فكرة التعقيم علي، لكنني أرفضها بشدة، فليس من حقي أن أغير في طبيعة كائن حي، ولمجرد أني قررت الاعتناء به وتربيته في منزلي، أرى هذا الأمر يتنافى تماماً مع فكرة الرحمة والرفق بالحيوان التي تحثنا عليها إنسانيتنا وتوصينا بها الأديان، لن أقدم عليه أبداً".
علي... أرفض التعقيم بشدة، فليس من حقي أن أغير في طبيعة كائن حي لمجرد أني قررت الاعتناء به وتربيته في منزلي
تتبنى الرأي المخالف له هبة القاضي التي تعمل مدققة لغوية وتربي القطط منذ 25 عاماً، إذ ترى أن التعقيم هو الحل الأنسب حفاظاً على صحة الحيوان، تقول لرصيف22: "علاقتي بالقطط بدأت مع قطة كنت أستضيفها من الشارع في المنزل لتأكل وتنام بأمان ثم تعود إلى الشارع، ورأيت كيف تنجب على نحو متكرر على مدار العام، وكيف يعود أطفالها دوماً إلى الشارع، الآن لدى أطفالي قطة، وأنوي إجراء عملية تعقيم لها، فصحتها لن تحتمل تكرار الحمل والولادة، كما أن منعها من التزاوج دون تعقيم سيصيبها بالأمراض، وعدد القطط الصغيرة التي ستلدها إذا تركتها لدورة التزاوج فالحمل والولادة سيتخطى قدرتي المالية مهما كان لدي من أصدقاء وأقرباء على استعداد لاستقبال الصغار، كما أن تلك القطط الصغيرة بدورها ستكبر وتتزاوج وتنجب، نحن إذن نتحدث عن زيادة كارثية".
لا ترى هبة أنها بإجرائها عملية التعقيم تحرم قطتها من الأمومة، فالقطط "لا تتشوق للأمومة مثل إناث البشر. هي فقط تمارسها حين تضطر إلى ذلك" على حد تعبيرها، تقول: "لدى صديقي قطة تم تعقيمها، ومنذ أن حدث ذلك صارت هادئة وخفيفة الطباع وتتصرف كقطة صغيرة، وصارت صحتها أفضل، ولم تعد ترغب في التزاوج. التعقيم مجرد خطوة للحفاظ على صحة القطط من ناحية، ومحاولة منع الزيادة الكارثية في أعدادها في الشوارع من ناحية أخرى، ولن يؤدي ذلك إلى الإخلال بالتوازن البيئي، فقطط الشارع تتوالد بانتظام".
قلبي مطاوعنيش...
أما جيهان طمان وهي مدرسة من مدينة دمياط الجديدة، فتربي القطط منذ ثلاثة أعوام، تقول "قلبي مطاوعنيش"، فهي ترفض مسألة التعقيم على الرغم من نصيحة الكثيرين لها بذلك، لتخفيف أعباء تربيتها، لكنها كلما فكرت في الألم الذي ستعانيه قططها بسبب استئصال جزء من جسدها ترفض الفكرة تماماً، وتؤكد أن اللجوء للحلول البديلة والتعامل مع الأزمات التي تسببها تربية الحيوانات الأليفة في المنزل أهون عليها ألف مرة من لحظة ألم تصيب حيوان مسكين لا يملك من أمره شيئاً.
"حب الحيوان الأليف والتعلق به لا يتعارضان مع تقبل صاحبه لفكرة التعقيم" هذا ما تقوله هبة ياسين التي تعمل في مجال السياحة في مدينة القاهرة، والتي وقعت في غرام القط سكر الذي تربيه منذ ثلاثة أشهر. تقول لرصيف22 إنها قد قرأت كثيراً في الموضوع قبل اتخاذ قرارها استعداداً لتلك اللحظة، ومع معرفتها أن العملية قد تكون مرفوضة من المنظور الديني، لكنها ترى أن الضرورات تبيح المحظورات.
تقول جيهان إن اللجوء للحلول البديلة والتعامل مع الأزمات التي تسببها تربية الحيوانات الأليفة في المنزل أهون عليها ألف مرة من لحظة ألم تصيب حيوان مسكين لا يملك من أمره شيئاً
فهبة ولأسباب صحية لن تتحمل بعض علامات الرغبة في التزواج المعروفة عند القطط كالتبول في أي مكان وهو الأمر الذي يستلزم نظافة تامة طوال الوقت بمطهرات يمنع عليها استخدامها، كما أنها إن تركته بلا زواج فسوف يصاب بالعديد من الأمراض، وهي ترى أن في هذا الأمر إيذاء جسدياً يفوق التعقيم.
قد تكون مسألة تعقيم الحيوانات الأليفة او إخصائها محل جدل في مصر، لكن مي سامي المصرية المقيمة في لاس فيغاس في ولاية نيفادا، تؤكد أن التعقيم في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد في نيفادا أمر أساسي تفرضه قوانين الولاية، فلا يتبنى شخص حيواناً أليفاً أياً كان نوعه إلا اذا كان مقعماً.
تقول مي لرصيف22: "أربي ثلاثة كلاب حصلت عليها من الملجأ، حيث يوجد في كل مدينة عدة ملاجىء تجمع حيوانات الشارع وتقوم بتنظيفها ورعايتها وتعقيمها، كذلك تودع بها الحيوانات الأليفة التي يرغب أصحابها في التخلي عنها لظروف صحية أو لدواعي السفر".
وتوضح مي أن قانون الولاية الأمريكية يفرض غرامة كبيرة على من يقتني حيواناً يبلغ من العمر أربعة أشهر ولم يعقم بعد، وعلى من يرغب في ترك الحيوان الأليف ليتكاثر لإقامة مزرعة او للتجارة مثلاً الحصول على ترخيص رسمي بذلك.
وعلى حد تعبيرها لا يتنافى التعقيم الإلزامي مع حقوق الحيوان بل هو في صميمها، فمن خلال احتكاكها بملجأ الحيوانات في مدينتها وحرصها على زيارته بين فترة وأخرى، عرفت أنه في الفترة الأخيرة دخل لملاجىء الحيوانات في مدينتها أكثر من 2000 حيوان مشرد. من وجهة نظرها، فإن التعقيم ضرورى للحفاظ على الحيوانات أولاً، ولمنع المتاجرة وجني المكاسب منهم ثانياً.
هل المقصود راحة الحيوان أم راحة الإنسان؟
الطبيب البيطري محمود تغيان وصاحب عيادة خاصة بمدينة دمياط الجديدة يؤكد لرصيف22 أن ثقافة التعقيم انتشرت في مصر مؤخراً بنسبة كبيرة، وهو أمر تسمح به جمعيات الرفق بالحيوان في كل مكان، لكنه ليس شرطاً للتبني.
هبة... صحة قطتي لن تحتمل تكرار الحمل والولادة، كما أن منعها من التزاوج دون تعقيم سيصيبها بالأمراض، وعدد القطط الصغيرة التي ستلدها إذا تركتها لدورة التزاوج فالحمل والولادة سيتخطى قدرتي المالية
يقول: "هي عملية تترتب عليها آثار إيجابية كثيرة على العكس مما يظنه البعض، فبعدها تتحسن الحالة المزاجية للحيوان وتختفي العداونية تماماً، كما أن معدل التمثيل الغذائي للحيوان المعقم أفضل بكثير من غير المعقم وهذا ينعكس على صحته ووزنه وطول عمره".
أفضل فترة لإجراء عملية التعقيم كما يؤكد تغيان هي قبل البلوغ مباشرة، أي في عمر الستة أشهر للذكور والعشرة للإناث.
وعلى الرغم من أن مالكي الحيوانات يلجأون للتعقيم غالباً لتجنب أعراض التزاوج المزعجة كالتبول في غير الأماكن المخصصة، وإصدار الأصوات المزعجة، وعدوانية السلوك، لكنه كطبيب ينصح بالتعقيم لأسباب إضافية.
وبرأيه تساهم العملية في تقليل أعداد الحيوانات، وتقليل إصابة الكلاب بالسعار، كما أنها تحل مشكلة عدم قدرة مالك الحيوان على رعاية القطط الناتجة عن عملية التزاوج وتوفير البيئة المناسبة لها.
التعقيم مفيد كي لا يهرب الحيوان إلى الشارع في فترة التزاوج وهو ما يتسبب عادة بالأذى له ولمالكيه، وهنالك أيضاً حالات الدهس وحالات الكسور التي تتعرض لها بسبب قفزها من النوافذ العالية وتؤدي لموتها
ويقول: "التعقيم مفيد أيضاَ كي لا يهرب الحيوان إلى الشارع في فترة التزاوج وهو ما يتسبب عادة بالأذى له ولمالكيه، هنالك حالات الدهس وحالات الكسور التي تتعرض لها بسبب قفزها من النوافذ العالية وتؤدي لموتها، وهنالك الأمراض التي تصيبها أو قد تجلبها إلى المنزل".
وأخيراً ينصح تغيان أصحاب الكلاب والقطط التي تقدمت في السن بضرورة التعقيم لتقليل إصابتها بأورام الأعضاء التناسلية وعدوى الرحم الصديدية التي تزيد نسبة حدوثها مع التقدم في السن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...