شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

غيّروا، لا تتأقلموا!
لمَن تحاربون؟

لمَن تحاربون؟

أجفان أسياد الممانعة لا يهزّها قتل مهسا أميني وعشرات من المنتفضين في شوارع إيران. اعتادوا القتل داخل بلادهم على وقع خطابات فارغة يوجّهونها إلى الغرب. ولكن غير المعتاد هو مشهد تكاتف الشباب في المدن الإيرانية لخلق قوّة تصرخ وتنتفض في وجه القمع والعنف.

كثيرون داخل وخارج إيران يطالبون بسقوط حكم الملالي. فلِمَن تحاربون إذا كان شعبكم يتوق للحريّة ويربطها بإسقاطكم؟

أغلبية الشعب تنتفض على سلطتكم وهذا لا يعني إلّا أنّها رافضة لسياساتكم الفظّة. لمَن تحاربون ووضع شعوبكم مرير، مسلوب الحقوق ومجرّد من أولويّات الحياة. يحارِب المرء للحياة فإذ به معكم يحارَب ليموت. لمَن تحاربون إذا كان مَن تحاربون من أجله يخافكم أولاً.

تهتفون بالعدالة لشعب فلسطين. كيف لظالم بحقّ شعبه وأهله داخل وطنه أن ينصر المظلوم في بقعة مختلفة من الأرض؟ وكيف تبررون محاربة ظالم بحقّ شعبٍ آخر وأنتم تقمعون شعوبكم؟

تقولون إن أمريكا هي العدو الأول للبشرية، كما كان قد صنّفها الخميني. كيف تحاربون أنظمة تكابر لمنح شعوبها الرفاهية وشعوبكم تُذبح بسيوف طغيانكم يوميّاً؟ كأنّه حُكِم على شعوب المنطقة التقلّب الدائم بين مستبد وبين طاغية من طراز مختلف.

في سوريا، لا يزال النظام الديكتاتوري يقترف الجرائم بحقّ شعبه، للتصدّي لما يقول إنه مؤامرات غربية تستهدف محور الممانعة، المحور الذي يتذرّع بعدوّ في الخارج ليحكم قبضة الجزّار في الداخل.

"تهتفون بالعدالة لشعب فلسطين. كيف لظالم بحقّ شعبه وأهله داخل وطنه أن ينصر المظلوم في بقعة مختلفة من الأرض؟ وكيف تبررون محاربة ظالم بحقّ شعبٍ آخر وأنتم تقمعون شعوبكم؟"

الدولة بتعريفها القانوني هي مساحة حدودها معروفة تضمّ مجموعة من السكان تتشارك القيم والثقافة وأسلوب العيش نفسه، وتخضع لقوانين متّفق عليها تتغير باستمرار مع التطوارات الفكرية والاجتماعية. والدولة بتعريفها الشعري والأدبي أمّ حاضنة متصلة بجميع أفرادها تحرس عدالة نابعة من محبة العيش المشترك والكريم.

حكمكم يناقض كل تعريفات الدولة التي تنطلق من تحسين وضع الأفراد وخلق مساحة آمنة للحياة والإبداع. تغتصبون مفهوم الدولة قولاً وفعلاً. بئس دولة تحتقر أولادها وتذلّ مواطنيها. هل تحاربون من أجل مَن توجّهون بنادقكم عليهم؟

لمَن تحاربون وبلادكم تتصدر ترتيب دول العالم في الحزن وقلّة السعادة والغضب؟ "نموت كي يحيا الوطن/ يحيا لمَن؟ (...)/ تف على هذا الوطن! (...)/ من بعدنا يبقى التراب والعفن/ نحن الوطن!"، قال الشاعر العراقي أحمد مطر. البلاد تقوم على الشعوب فأيّة بلاد ستحكمون وأيّة بلاد ستحاربون لأجلها إنْ جعلتم البلاد تراباً وعفن؟

"لمَن تحاربون إنْ كان الفقر يلتهم بلادكم وأنتم ترعبكم خصل شعر؟ نساء إيران تحجبن خلال الثورة ضد الشاه عمداً ودعماً لحريّة المرأة، وها هنّ الآن ينتفضن من جديد بأسلوب آخر"

لمَن تحاربون وأنتم تدوسون بأطماعكم وظلمكم وظلمتكم وظلّكم على مطالب كلّ مَن تجرّأ على البحث عن الحقيقة؟ تهرعون لاتّهام الغرب بالتآمر عليكم وتتحجّجون بالظروف الغامضة عندما توجّه المعطيات أصابع الاتهام إليكم في العديد من الاغتيالات، لا سيّما التي طالت الفكر المعارض لمنهجيّتكم.

لمَن تحاربون إنْ كان الفقر يلتهم بلادكم وأنتم ترعبكم خصل شعر؟ نساء إيران تحجبن خلال الثورة ضد الشاه عمداً ودعماً لحريّة المرأة، وها هنّ الآن ينتفضن من جديد بأسلوب آخر.

احذر: المطالبة بالإصلاح ستودي بكم خلف القضبان. هكذا هو الحال في بلادنا وهو حال نرفضه. شاركونا في أن نكون النسخ التي نسعى أن نكونها ضمن مجتمعاتنا، أن نتجرأ على البوح، وعلى العمل، وعلى إحداث الفرق من دون أن نرتعب من العواقب. شاركونا بما يدور في رؤوسكم حالياً. غيّروا، ولا تتأقلموا!

* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

شكل حياتنا اليومية ستتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!

Website by WhiteBeard