شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
آخرهم فاطمة كريم... سجن ناشطين مغاربة بتهمة المسّ بالمقدسات

آخرهم فاطمة كريم... سجن ناشطين مغاربة بتهمة المسّ بالمقدسات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 11 أكتوبر 202205:07 م

في شهر آب/ أغسطس الماضي، أدانت المحكمة الابتدائية في واد زم، الناشطة فاطمة كريم، وحكمت عليها بسنتين سجناً نافذاً، بتهمة "المسّ بالمقدسات"، استناداً إلى الفصل 267 من القانون الجنائي.

اعتُقلت كريم، مباشرةً بعد نشرها تدوينةً تُعلّق فيها على الآية "حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان"، عادّةً إياها "دليلاً على أن من كتبها من 'الصحراء، وبالضبط السعودية'"، ما جعل النيابة العامة تتحرك، لأن التدوينة، حسب النيابة العامة، ترقى إلى جُنحة "المسّ بالمقدسات".

أعادت القضية إلى الأذهان قضايا سابقةً، وطرحت تساؤلات حول جدية الدولة في احترام الحريات، ومن ضمنها حرية المعتقد.

حق شخصي؟

رأت الناشطة في أثناء التحقيق معها من قبل الشرطة القضائية، أن ما تكتبه يدخل ضمن خانة "حرية التعبير التي يضمنها الدستور"، مبرزةً أنها "تؤمن بالفكر العلماني ولا تدين بدين الإسلام"، وهو الأمر الذي تشبثت به في جميع مراحل التحقيق وكذا أمام المحكمة.

تعليقاً على ذلك، وصف شقيق الناشطة، كريم بوعزة، في تدوينة له على صفحته في فيسبوك، الحُكم الذي صدر في حق شقيقته بأنه "قاسٍ رغم ما قدّمه المحامي من دفوعات وتوضيحات في الموضوع، وما صرحت به أمام الهيئة القضائية"، مشدداً على أن قضية فاطمة كريم، وحرية التعبير والمعتقد، تستدعي المزيد من النقاشات والإشكاليات التي نتمنى أن يعالجها إصلاح القانون الجنائي القادم.

أعادت قضية "ازدراء الأديان" التي سجنت بسببها فاطمة كريم إلى الأذهان قضايا سابقةً، وطرحت تساؤلات حول جدية الدولة المغربية في احترام الحريات، ومن ضمنها حرية المعتقد والتعبير

وفي تصريح خصّ به رصيف22، عَبّر كريم بوعزة، عن استغرابه اعتقال شقيقته بسبب تدوينة فيسبوكية، مؤكداً على أنه كان حريّاً بالقضاء أن يترفع عن ذلك، لكن القاضي طبّق الفصل 267 من القانون الجنائي. وأضاف: "نرى أن الحكم قاسٍ، لكننا نحترم مؤسسة القضاء".

وأضاف: "نعدّ أن هذه النصوص القانونية لا تتلاءم والاتفاقيات الدولية في شأن حقوق الإنسان التي انخرط فيها المغرب، ووقع عليها، وهذه النصوص ما زالت تسيئ إلى بلادنا، مع العلم أن بلادنا تقدمت في هذا الميدان، انطلاقاً من دستور 2011، الذي شكل قفزةً نوعيةً في مجال حقوق الإنسان والحرية حسب المهتمين، لكن من بعد الحكم على مدوّنين بسنتين سجناً، فإننا نتراجع إلى الوراء".

"ردة حقوقية"

في حديث إلى رصيف22، يرى الفاعل الحقوقي، أحمد عصيد، أنه من حيث سبب الاعتقال، وطبيعة الحكم الصادر وعدد السنوات، يبدو أن الدولة مصرّة على خرق التزاماتها بشكل سافر، خاصةً بعد توقيعها على القرار الأممي المتعلق بحرية المعتقد والضمير سنة 2014. فالتهمة الموجهة إلى السيدة فاطمة كريم، تتعلق في الواقع بـ"خروجها من الإسلام ومغادرتها إياه وتعبيرها عن أسباب ذلك".

وأضاف المتحدث أن "السلطة، حسب ما نرى، لا تقبل بأن يتحدث أحد عن تركه الإسلام، فهي تسمح لك بالاختيارات الشخصية شرط أن تبقى في السرّ، ولا تسمح بحرية التعبير عن تلك الاختيارات، وهذا تناقض واضح".

أحمد عصيد، لا يُخفي من جانب آخر، أن يكون هناك سبب آخر للمحاكمة غير مصرَّح به، وخاصةً سبباً سياسياً

أحمد عصيد، لا يُخفي من جانب آخر، أن يكون هناك سبب آخر للمحاكمة غير مصرَّح به، وخاصةً سبباً سياسياً. يضيف أحمد عصيد: "في حالة مماثلة سابقاً، حوكمت فتاة بالسجن بتهمة إساءتها إلى الإسلام، ليتبيّن في ما بعد أنها معارضة للنظام خارج الوطن، وكان الدين مجرد ذريعة للاعتقال والمحاكمة عند زيارتها المغرب، وذلك كما يحدث للحقوقيين والإعلاميين الذين يُعتقلون بتهم أخلاقية، بينما السبب الحقيقي مواقفهم السياسية؛ لأن التهم التي وُجّهت إلى السيدة فاطمة واهية جداً، ولا يمكن على أساسها الحكم بعامين سجناً نافذاً، لأن الكثير من الشباب ينتقدون اليوم المعتقدات والأديان جهاراً، بما فيها الإسلام، ويعبّرون عن مواقفهم بحرية من دون أن يتابَعوا بسبب ذلك".

وأضاف المُتحدث أن مثل هكذا أحكام، "تسيئ إلى بلدنا وإلى علاقاته الخارجية، كما تجعل ثقة المجتمع الحقوقي الدولي بالمغرب ضعيفةً، وهذا ينعكس على الملفات السياسية والاقتصادية التي يحرص المغرب على إنجاحها مع البلدان الأجنبية وخاصةً الاتحاد الأوروبي الذي يفرض شروطاً تتعلق بحقوق الإنسان. من جانب آخر، مثل هذه المحاكمات الجائرة تجعل بلدنا يتراجع في الترتيب العالمي لحرية التعبير والتفكير، ويُنعَت بأنه بلد يقمع حرية الرأي والمعتقد، وهذا لا يليق ببلد يسعى إلى أن يلعب دوراً إقليمياً رائداً".

مع كل حُكم يُضيّق هامش الحريات والحقوق، يعود جدل القانون الجنائي، والمطالبة بإعادة النظر في بعض مواده، التي لا تتواءم مع ما جاء به دستور 2011

ضمن السياق نفسه، أبدى عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الشأن الديني، استغرابه من متابعة هذه السيدة، وتابع المتحدث قائلاً: "أجد في الوقت نفسه مجموعةً من المغاربة يعبّرون بكل حرية وينتقدون الدين الإسلامي نفسه، ويتهكمون، وبعضهم له قناة على اليوتيوب يبث من خلالها نقده للكثير من أسس الإسلام، ومع ذلك لا يتابعهم أحد ولا يعتقلهم أحد، ولا تقام عليهم الحدود القانونية، وهذا ما يدفعنا إلى التريث في الموضوع".

وأضاف رفيقي: "أعدّ هذا الحكم ردةً في المجال الحقوقي، بحكم أنني أرى نوعاً من التوسع في هامش الحريات، وبكل موضوعية ألحظ بشكل كبير ما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي وهوامش الحرية في انتقاد كل الأفكار بما فيها الأديان".

القانون الجنائي... المراجعة الضرورية

مع كل حُكم يُضيّق هامش الحريات والحقوق، يعود جدل القانون الجنائي، والمطالبة بإعادة النظر في بعض مواده، التي لا تتواءم مع ما جاء به دستور 2011، الذي حقق قفزةً نوعيةً في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة. في هذا الصدد، يؤكد أحمد عصيد، على ضرورة مراجعة النصوص القانونية.

وأضاف عصيد قائلاً: "بالفعل نحن في فترة عرفت نقاشاً حاداً حول القانون الجنائي منذ 2016، حتى تتم مراجعته بشكل شامل لما يتضمنه من نصوص لم يعد لها محل من الإعراب في ظل دستور 2011، ووسط عالم متغير. فالقانون الجنائي المغربي كما هو معلوم، يعود إلى سنة 1962، حين كان المغرب ما زال غارقاً في التقليد من حيث العلاقات الاجتماعية ونظام القيم، أما اليوم فأنماط الحياة التي يعيشها المغاربة لم تعد لها علاقة بالنظام الاجتماعي السابق، ولهذا نحن أمام وضعية سريالية تتمثل في قانون غريب ومتناقض مع ما يعيشه الناس، ومن الطبيعي أن يؤدي إلى الظلم في موضوع الحريات الفردية تحديداً، مما يستوجب استكمال مسلسل المراجعة الشاملة بإلغاء النصوص المجرّمة للحريات".

كما دعت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب، إلى مراجعة شاملة لقانون المسطرة الجنائية، من خلال ملاءمتها مع المستجدات المتعلقة بحقوق وحريات المواطنين والمواطنات.

دعت اللجنة كذلك، إلى مراجعة تقدمية حداثية، تستند إلى نسق مفاهيمي حداثي وعصري يتلاءم وروح الدستور المغربي، وينسجم ومقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب من أجل تعزيز الحقوق الفردية والجماعية.

أزمة مصطلحات

ازدراء الأديان، والمسّ بالمقدسات، مفهومان أصبحا لصيقين بكلّ من ينتقد الدين الإسلامي. من هذه الزاوية، أكد عبد الوهاب رفيقي، رفضه التام للاعتقال بسبب متابعات تدخل ضمن خانة "ازدراء الأديان"، لأن هذه التهمة، وفق المتحدث، تهمة فضفاضة، ومن الصعب تحديد المقصود منها. يضيف عبد الوهاب: "هل ادّعاء المسلمين بأن المسيحيين في ضلال، ازدراء للمسيحيين؟ مع العلم أن العديد من الشيوخ والفقهاء، يسفّهون الديانات الأخرى، لذلك من الصعب ضبط مثل هذه المصطلحات".

تابع رفيقي: "مصطلحات مثل هذه تجب إعادة النظر فيها، وهي مصطلحات فضفاضة، فما هو ازدراء عند البعض هو نقد عند البعض الآخر".

وأضاف أن المقدس الديني لا يلزم الجميع بالأخذ به، فما هو مقدّس عند طرف، غير مقدّس عند الآخر. لا بد للدولة أن تحمي السّلم، وإذا رأت أن بعض الاستفزازت قد تسبب خللاً في هذا السلم، فبإمكانها التدخل، لكن، عموماً تجب إعادة النظر سواء على المستوى القانوني أو على مستوى التداول الاجتماعي، بخصوص هذه المصطلحات وعدم تحميلها ما لا تحتمل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image