عمد المخرج اللبناني عمر غابريال والمنتج سيريل باسيل، إلى خلق محتوى فيه الكثير من الرقة والحب، وفق ما جاء في حديثهما عن سلسلة "رسالة مني إليّ" التي أطلقاها مؤخراً على منصتي الانستغرام واليوتيوب: "تعمّدنا ألا نخلق محتوى صادماً أو فيه مواجهة، السلسلة هي طريقة لطيفة جداً ومحبة لسرد قصصنا".
دشنت السلسلة المكوّنة من سبع حلقات وثائقية سرديةً تتحدث فيها شخصية واحدة مع أحد من أفراد عائلته/ها، يتحدثوا/ن عن أنفسهم/نّ بطريقة شخصية وحميمية، تتضمّن شجوناً وألماً وقوةً وتحدياً لما قد يواجهه أفراد مجتمع الميم- عين من قمع مجتمعي، نفسي وجسدي، في الـ23 من سبتمبر/أيلول 2022، وهي متوفرة مجاناً على الإنترنت لمشاهدتها من قبل الجميع.
عن هذا العمل، قال سيريل باسيل لرصيف22: "هدفنا أن نقدم شيئاً مختلفاً للجمهور في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويجب أن نطرحه بصيغة تكون قريبة من الناس، لذلك ارتأينا تقديم أفلام قصيرة أو حلقات وثائقية، لا تكون للنخبة، ولا مطروحة على نتفلكس أو منصات أخرى بحيث لا يتمكن للجميع من الوصول إليها، بل على انستغرام ويوتيوب، فكل ما يحتاجه المرء هو إنترنت بسرعة جيدة لكي يشاهدها، مع العلم بأن هذا الأمر قد لا يتوافر في الكثير من الدول، ومنها لبنان".
تتراوح الحلقات بين الـ5 والـ10 دقائق، وهناك تنوّع في الشخصيات بالنسبة للجندر والجنسانية، كما يشمل العمل أمهات لأشخاص كوير، داعمات لأبنائهم/نّ: فاليري وهي أم لمثلي الجنس، دومينا وهي امرأة پان ساكشوال، تعمل كمغنية ومؤدية، مو صبّاح، وهو فنان ورجل كوير، سهى بشارة التي تتحدث عن ابنها العابر، إيزابيلا وهي امرأة مزدوجة الميل الجنسي ومصممة أزياء، ليّا وهي امرأة عابرة، أما الحلقة الأخيرة فهي مخصصة لعمر غابريال.
التعاون
في السابق، تعاون عمر غبريال وسيريل باسيل في عدد من المشروعات التي يحب سيريل تسميتها بـ"الحملات"، حيث أنه يُعرّف عن نفسه كـ "ناشط" أكثر من منتج وكاتب سيناريو: "ما يهمّني كمنتج أن أعمل مع مخرج/ة لتسليط الضوء على القضايا المجتمعية والظلم الاجتماعي، خاصة أن الواقع اليوم في لبنان صعب جداً، والناس المهمّشون أصبحوا أكثر تهميشاً، وعندما ألتقيت عمر، أحسست أن لديه عالماً خاصاً، لذلك تشجّعت للعمل معه، كما وجدته يعالج القضايا المتعلقة بمجتمع الميم-عين بطريقة واضحة وصريحة وتدخل القلب".
عمد المخرج اللبناني عمر غابريال والمنتج سيريل باسيل، إلى خلق محتوى فيه الكثير من الرقة والحب، وفق ما جاء في حديثهما عن سلسلة "رسالة مني إليّ" التي أطلقاها مؤخراً على منصتي الانستغرام واليوتيوب
وأسهب بالقول: "تعودنا أن نرى المواد التي تُطرح في السينما البديلة والبرامج المتعلقة بمجتمع الميم-عين تحوي الكثير من العنف، وهذا شيء ليس غير حقيقي، فالمجتمع عنيف لفظياً وجسدياً، لكن لدى عمر شيئاً مميزاً، وهو أن يُظهر الأشخاص من الداخل عندما يصورهم، وكمشاهد/ة يصبح لدينا مقعد في الصف الأول للمس مشاعر هذا الشخص، مهما كان موقفنا من مجتمع الميم-عين، سوف نشعر بشيء معيّن، وهذه هي المناصرة الحقيقية، فأنا كناشط، بالإضافة لكوني منتج أفلام، أعمل بطريقة تقاطعية، لأنني لا أرى القضايا منفصلة عن بعضها البعض".
بالفعل، عمل سيريل وعمر خلال العامين الماضيين على عدد من المشروعات المتعلقة بمجتمع الميم-عين، منها وثائقي أصبح حالياً في مرحلة ما بعد الإنتاج، وحملة "أم إلى أم"، بالإضافة لـ "رسالة مني إليّ" السلسلة الوثائقية القصيرة.
درس عمر غابريال السينما في الجامعة اليسوعية في لبنان، وهو صانع أفلام ومصوّر، يعمل منذ 6 سنوات على أعمال ومشاريع لها علاقة بالهوية الجندرية والجنسية: "أغلب الموضوعات التي أعمل عليها نابعة من منطلق شخصي، كشخص كوير، عشت وتربيت وكبرت في لبنان، والمجتمع حولي غير متقبّل أو متفهّم لي، ولفترة طويلة من حياتي، تركت هذا الموضوع لنفسي، ويهمني من خلال أعمالي الحديث عن الجنسانية والجندر، النابعة من إحساس الشخص بأنه مختلف أو غير قادر أن يكون في بيئة تفهمه، وليس لديه تواصل مباشر بلغة وتفكير ومبادئ واعتقادات تشبهه".
وتابع لرصيف22: "كل حياتي أحسست أنني غريب شخصياً، فقرّرت أنه عبر هذه المشاريع يمكن أن أعطي فرصة لغيري للحديث عن قصصهم/نّ وحياتهم/نّ الخاصة، ولكنني اكتشفت أنني من خلال هذا المشروع أعطي فرصة لنفسي لتقبّل قصص غضيت النظر عنها أو لم أنتبه لها، فأنارتني".
وأضاف: "كبرت وأنا أرى الإعلام يتناول هذه القضايا بطريقة سلبية، ويُظهر هؤلاء الأشخاص على أنهم مريضون/ات نفسياً، يحتاجون لعلاج، ناس (مسكونة)، ودرست السينما لسرد القصص لإخبار الناس، لتغيير هذا السياق الذي لا يشبهنا، فيصبح لدينا مدخلاً لنخبر قصصنا نحن، ومن هنا جاء مشروع (رسالة مني إليّ)".
أما سيريل باسيل، فهو منتج وكاتب سيناريو وممثل لبناني، يعمل على العديد من الموضوعات ذات العلاقة بلبنان، بالهوية والهجرة ومفهوم الوطن والبيت والانتماء، ويقول عن ذلك: "أنا من جيل ما بعد الحرب، جيل التسعينيات، ولدت وتربيت في بلد جميل جداً ومتعب جداً، في الوقت ذاته، هناك حاجة كبرى للفرح ولكن هناك الكثير من الموت والحزن أيضاً، وأصبح كل ذلك جزءاً من عملي".
فشّة خلق
يرى سيريل باسيل أن كل شخصية من الشخصيات في هذه السلسلة هي لسان حاله: "تتحدث عن شي عنّي، جميعهم/نّ مروا/رن بمواقف تشبه تلك التي مررت بها شخصياً، وهذا ما يجعل المشروع قريباً من كثير من الناس، لأنه يتطرّق لقصص ناس تعرّضوا للعنف أو سوء المعاملة، وكيف أكملوا حياتهم/نّ بعد تعرضهم/نّ لذلك. وهذا الشيء الذي أستطيع أن أعرف نفسي من خلاله، هو كيف نهضنا بعد تعرّضنا لعنف جسدي أو نفسي، كيف نبني أنفسنا في بلد لا يعطينا شيئاً، بلد ليس فيه كهرباء أو اقتصاد، يواجه أزمات متعددة، وعلينا في ظل كل ذلك أن نبني أنفسنا، فهذا المشروع هو بالنسبة لي (فشّة خلق)".
"أغلب الموضوعات التي أعمل عليها نابعة من منطلق شخصي، كشخص كوير، عشت وتربيت وكبرت في لبنان، والمجتمع حولي غير متقبّل أو متفهّم لي، ولفترة طويلة من حياتي، تركت هذا الموضوع لنفسي، ويهمني من خلال أعمالي الحديث عن الجنسانية والجندر"
وفي السياق نفسه، يشرح غابريال تفاصيل هذا العمل: "سافر المشروع من منطقة لمنطقة، ورغم إنه لا يتعلّق بالمساحة الجغرافية، إلا إنه يسلّط الضوء على تقاطعاتنا وأن كنا نعيش في مناطق مختلفة".
ويضيف: "ننتقل بين صربا، فرن الشباك، طريق الجديدة، فالرسائل عبارة عن كشف لنقاط الضعف، الأشخاص كشفوا/ن عمّا يدور في قلوبهم/نّ، عبّروا/ن عن أنفسهم/نّ بشفافية وبصدق وحب، وفي نفس الوقت تظهر قوتهم/نّ بحيث لا يكون الهدف الحصول على شفقة المشاهدين/ات، هم/نّ يعبروا/ن عن أنفسهم/نّ وتوجيه رسالة مفادها كيف أن الوجع يولّد القوة. الهدف ألا يكونوا ضحايا، بل أن يكونوا صادقين/ات مع أنفسهم/ن في مجتمع قامع".
كما ذكرنا في السابق، تم تخصيص الحلقة الأخيرة من الوثائقي لمخرج السلسلة، عمر غابريال: "لقد ألهموني لأجمع شجاعتي، وأقف أمام الكاميرا لأروي قصتي أيضاً، لم يكن هذا الأمر مخططاً له، إلا إنه حدث بالصدفة".
ويوضح عمر: "زرنا كل الأشخاص في بيوتهم/نّ، وطلبنا منهم/نّ أن يعبروا/ن عمّا بداخلهم/نّ، وعن أحداث مروا/رن بها، ومصاعب تخطوها/ينها، للوصول إلى من هم/ن اليوم، في كل قصة هناك الجسر بين الحزن والألم والظلم والقوة والتقبّل، وهذا ما صورناه".
تحديات العمل
بدأ العمل على السلسلة الوثائقية في صيف 2020، وكان لبنان يمرّ بأزمة اقتصادية شديدة أدت إلى نقص في إمدادات البنزين وبالتالي الكهرباء، وغيرها من المصاعب، أعمها انفجار مرفأ بيروت.
تعليقاً على هذه النقطة، يقول سيريل باسيل: "لم يكن لدينا بنزين للانتقال من منطقة لأخرى ولا كهرباء، فإذا وجدنا شخصاً ما مستعداً للحديث والتسجيل معنا، لم يكن لدينا وسيلة مواصلات للوصول له/ا، وليس لدينا إنترنت للتواصل عبره، ثم وقع الانفجار، حيث تدمر بيتي شخصياً، وبيت عمر، وبعض الأشخاص المشاركين في العمل تضرّروا كثيراً، فخروج هذه السلسلة من الحلقات للحياة هي معجزة، فقد تم العمل عليها خلال سياق صعب جداً".
ويضيف: "كل ذلك بالإضافة لتروما ما بعد الانفجار، إلا أن المشروع أصبح سبباً لنكمل حياتنا، فلبنان بلد عبثي، لا يحكمه نظام، ولا نعلم متى سيقع انفجار، وهذا المشروع كان طريقتنا في خلق نظام، وخلق قصص وأن نقود سياقنا الخاص، في زمن لا نقود فيه مصيرنا الخاص، فقد أعطانا الحماس لاستكمال العمل".
"قد نفكر أن قصصنا تحدث معنا فقط، ولكن عندما نسمع قصص الآخرين نكتشف أننا لسنا لوحدنا في هذا الصراع. بعد الانتهاء من التصوير أصابني حزن شديد ولكنه كان بمثابة ولادة جديدة، لأنني اكتشفت أن كل القصص التي اخفيتها داخلي، وجدتها في أشخاص آخرين، هناك جزء مني طاب عندما واجهته مع الألم، وأنا شخص جديد اليوم"
وبدوره، يوضح عمر غابريال: "الأشخاص الذين شاركوا في هذه السلسلة هم أشخاص من الفئات المهمشة الذين/اللواتي ليس من السهل أن يعبروا/ن عن أنفسهم/نّ، كما أن ما حدث جعل منهم/نّ فئات أضعف مما كانوا/نّ عليه من قبل، فكيف نستطيع أن نضمهم/نّ للمشروع وفي نفس الوقت نحميهم/نّ نفسياً، ونقف إلى جانبهم/نّ ونواسيهم/نّ، فنحن من خلال هذا المشروع نسعى لتقوية هذا المجتمع وليس الإضرار به أكثر، فقد وجدنا طرقاً ونظاماً لنستطيع خرق هذه الهواجس والصعوبات التي واجهتنا، لأننا مؤمنون باستكمال عملنا، وكنا مصرين على الاستمرار في المشروع".
وأكد سيريل أن موضوع الأمان هو من أهم المواضيع التي حاولوا الحفاظ عليها خلال هذا المشروع: "من المهم بالنسبة لنا أن نحمي الأشخاص بعد نشر الحلقات في حال تعرضهم/نّ لأي نوع من التحرّش، التهديد أو الاعتداءات، لذا عملنا مع منظمة مؤسسة هينرش پول الألمانية لتوفير الحماية القانونية، في حال تعرّض أي شخص منهم/ن لمضايقات بسبب هذا المشروع".
هذا وقد عملا مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني، كحلم وموزاييك: "ليكون هذا المشروع ملكاً لمجتمع الميم-عين، ونابعاً منه وليكون ملك الناس وليس النخبة"، حسب تأكيد سيريل.
وفي الختام، تمنى كل من عمر وسيريل أن تنتشر السلسلة على أوسع نطاق، وأن تصل للشركاء وصانعي القرار وصانعي التغيير، للمنظمات المحلية والدولية، وفق باسيل: "هذا المشروع هو حملة لإحداث أثر، جاء في صيغة سلسلة أفلام وثائقية، ليس الهدف منها هو الشهرة ولكن إحداث التغيير".
وفي نهاية الحديث مع رصيف22، أعرب عمر عن تأثره شخصياً بهذه التجربة: "قد نفكر أن قصصنا تحدث معنا فقط، ولكن عندما نسمع قصص الآخرين نكتشف أننا لسنا لوحدنا في هذا الصراع. قصصنا متشابهة، ولكننا نخاف من مشاركة نقاط ضعفنا مع الآخرين، نحتاج للمزيد من المساحات الآمنة، بعد الانتهاء من التصوير أصابني حزن شديد ولكنه كان بمثابة ولادة جديدة، لأنني اكتشفت أن كل القصص التي اخفيتها داخلي، وجدتها في أشخاص آخرين، هناك جزء مني طاب عندما واجهته مع الألم، وأنا شخص جديد اليوم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع