شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"تذوقت آلام الاغتراب وأنا في وطني"... كلمات عنصرية متداولة في الشارع الجزائري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 14 أكتوبر 202201:00 م

قبل عشرين عاماً من هذا التاريخ، قَدِم نور الدين (40 عاماً)، من بلدة مروانة في محافظة باتنة، إلى العاصمة الجزائرية، وبالتحديد إلى بلدة الرويبة (الضاحية الشرقية للجزائر العاصمة) من أجل العمل في مجال زراعة الخضار والفواكه واستصلاح الحقول، لانعدام فرص العمل في مسقط رأسه.

لم يكن نور الدين يعلم أنه سيكون شخصاً منبوذاً في محيطه العملي، رغم أنه أثبت قدرته على العمل، ففي كل مرة كان يصطدم بعبارة "أنت براني، ماشي وليد البلاد"، أي نعته بالدخيل والأجنبي القادم من المدن الداخلية.

الجهوية

يستحضر نور الدين مقولة الروائي المصري نجيب محفوظ: "أشدّ أنواع الغربة هو ما تشعر به في وطنك"، ليُعبّر لرصيف22 عن الغربة التي تذوّقها في وطنه: "تذوّقت آلام الاغتراب وأنا في وطني بسبب هذه المصطلحات".

لم يكن نور الدين يعلم أنه سيكون شخصاً منبوذاً في محيطه العملي، رغم أنه أثبت قدرته على العمل، ففي كل مرة كان يصطدم بعبارة "أنت براني، ماشي وليد البلاد"، أي نعته بالدخيل والأجنبي القادم من المدن الداخلية

ويتابع بالقول: "رغم أنني استقرّيت في إحدى بلدات العاصمة الجزائرية وكوّنت أسرة، غير أنني لا زلت أشعر بأنني غريب في وطني، لأن مسقط رأسي ومرابع صباي من مدينة داخلية، وفي كل مرة يحدث خلاف بيني وبين أحد الزملاء في العمل تتردّد عبارة: (كابتك ولايتك الحافلة لي جابتك)، أي (احمل حقيبتك وعد إلى مسقط رأسك) رغم أن دزاير (الجزائر) والتي هي عاصمة الوطن عاصمة كل الجزائريين، فيها يلتقي قاطنو المهجر والقادمون من الجنوب والشرق والغرب الجزائري، فهي ملك لنا جميعاً، والوضع ذاته ينطبق على باقي المحافظات".

مرارة أخرى تذوقتها إيمان، وهي شابة في العقد الثالث من عمرها، لكن ليس في الشارع، بل داخل أسرة زوجها القاطنة في برج الكيفان (في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية)، وتسرد لرصيف22 أن أصولها من إحدى قرى بلدية قدارة أو بوزقزة، والمعروفة أيضاً بـ "ثالثة خليفة" (إحدى البلديات الريفية المتواجدة في محافظة بومرداس شرقي الجزائر العاصمة) بينما عائلة زوجها عاصمية المولد والمنشأ.

تتابع إيمان حديثها بالقول: "كانوا ينعتونني ببوبلاد أو جبايلية، لأنني أنحدر من منطقة جبلية، أفتقر لكل معايير التقدم ولا أواكب صيحات الموضة، حتى أنهم كانوا يسخرون من لهجتي، بينما هم يتفوقون عليّ جغرافياً وحضارياً فهم يلقبون بـ (لي زالجِيغوا) أو العاصميين الذين يتقنون فن الحديث والحوار، راقون وأنيقون، يحترمون قواعد اللباس حسب المكان والزمان، فهم المتحضرون ونحن الريفيون، رغم أننا أبناء وطن واحد لا حدود فاصلة بيننا".

وتشير إلى أنها أصبحت تتقزّز كلما تردّد هذا المصطلح على مسامعها، رغم أنها تفتخر بأنها امرأة ريفية المولد والمنشأ: "الريفيون هم المزارعون الذين يخدمون الأرض، وبفضل مجهودهم نقتات اليوم ونتجه نحو تحقيق الأمن الغذائي، فلا عيب إذا كنت ابنة فلاحة أو فلاح، كما أنهم أدركوا الثورة التحريرية ضد المستعمر الفرنسي، وساهموا بشكل كبير في إنجاحها، ومن الريف أيضاً لمع عدد كبير من العلماء والباحثين والأطباء".

غير أن إيمان أصبحت قليلة الظهور في المناسبات العائلية وتفضّل العزلة الاجتماعية حتى تتحاشى سماع مثل هذه العبارات العنصرية.

هل يعاقب القانون على استخدام مثل هذه التعابير؟

للتوضيح أكثر، نستعرض هنا عبارات قد تتناهى على مسامعكم/نّ وأنتم/نّ في أي شارع أو مقهى أو مدرسة: "بوبلاد"، "كابتك ولايتك"، "جبايلي"، "براني"، "كافي"، "الكعبة"، "لعروبي" و"الشبرق"، ناهيك عن عبارات أخرى ترسّخ الجهوية.

والحقيقة أنه لا يوجد في الجزائر أي قانون يجرّم استخدام هذه الكلمات العنصرية التي ساهمت بشكل كبير في التفرقة، لكن بين الحين والآخر تبرز دعوات ناشطين/ات على المنصات الاجتماعية لنبذ هذه العبارات ومحاربتها.

واللافت أنه من بين الردود القوية على هذه الكلمات الجارحة، برز ثلاثة نشطاء على المنصّات الاجتماعية: الإعلامي الجزائري حسين الجيجلي، الشيف عمار (أحد أبرز الطهاة في الجزائر) والناشط الجزائري باسم، الذين ردّوا على مستعملي هذه المصطلحات بالقول: "كل محافظة من هذا الوطن تمثل الجزائر بأكملها، أوقفوا العنصرية والتنمّر وأساليب الإكراه، يجب علينا محاربة التمييز على أساس اللون والانحياز للبشرة".

وانتقد أحد النشطاء الثلاثة بشدّة العبارة التي يتداولها سكان العاصمة "احنا أولاد 16" (نسبة إلى ترقيم محافظات الوطن)، "احنا أولاد دزاير نتاع الصح" (السكان الأصليين للعاصمة الجزائرية)"، وردّ الناشط الجزائري باسم: "الجزائر ملك لنا جميعاً".

ظاهرة قديمة

في حديثه مع رصيف22، يؤكّد الأستاذ الجامعي المختص في تدريس اللغة العربية، الشاذلي سعدودي، أن "ظاهرة استخدام الكلمات العنصرية قديمة وموجودة في كل المجتمعات عبر الأزمان، تكثر في المدن وترتبط أساساً بما يسمى شرعاً التنابز بالألقاب والهمز، وقد نهت الشريعة الإسلامية عن ذلك بالنصوص في القرآن والحديث النبوي الشريف".

ويشرح سعدودي أن أهم مظاهرها قديماً وحديثاً، اتهام أهل المدينة لأهل الريف، بقلة المعرفة وعدم مواكبة الحضارة المدنية: "يستحدثون ألفاظاً للسخرية والاستهزاء، وحديثاً تغذّيها الطبقية في بعض المجتمعات"، على حدّ قوله.

لكن يوضح الشاذلي أنه "في الجزائر، أكثر ما غذّاها الفكر الاستعماري لغرض ضرب المقاومات الشعبية والثورة التحريرية التي ارتبطت بالجبال والريف خاصة أكثر من المدينة، والدليل على ذلك ما يتداول إلى الآن، والغرض من هذا خبيث، ولكن الناس لا يعون ذلك، وخير مثال على ذلك مصطلح المعسكري (نسبة إلى مدينة معسكر المجاهدة)، وفي الحقيقة هذا شتم فرنسي لرمزية المدينة التي تعتبر بلدة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، الأمير عبد القادر الذي قاد الحرب ضد الاحتلال الفرنسي".

"كل محافظة من هذا الوطن تمثل الجزائر بأكملها، أوقفوا العنصرية والتنمّر وأساليب الإكراه، يجب علينا محاربة التمييز على أساس اللون والانحياز للبشرة"

ويوضّح الأستاذ الجامعي أنه "لا سبيل لمعالجة هذه الظاهرة إلا بأمرين أساسين، يتمثل الأول في توعية الأبناء في الأسرة والمدرسة أن هذه المصطلحات ليست من الإنسانية ومحرّمة في شريعتنا الإسلامية، أما الثاني فيتمثل في زرع الأخلاق الفاضلة التي تنبذ العنصرية وتنشر التفاضل على أساس الخير ونفع الناس، وإشاعة الكلمات الطيبة ذات المعاني اللطيفة التي تجلب المحبة والألفة بين مختلف شرائح المجتمع الجزائري".

في السياق نفسه، يؤكد الأستاذ الجامعي في الأدب العربي القديم، أمين بركة، لرصيف22، أن "الظاهرة قديمة وليست حديثة، فهي من مخلفات الاستعمار الفرنسي، إذ كان يسخر من الجنود الجزائريين بوصفهم بشتى الألفاظ العنصرية، كفلاقي (مصطلح يطلق على أشخاص من عامة الناس، استطاعوا حمل السلاح والقتال تلبية لنداء الوطن) وجبايلي (الأشخاص الذين ينحدرون من أصل ريفي)، وبعدها تطور الأمر للأسوأ، وأصبح بعض الجزائريين يقولونها عن أخوتهم الجزائريين".

هذا ويذكر بركة أنه من أبرز أسباب تفشي هذه الظاهرة: "انعدام الثقافة ونقص في التربية الدينية، إضافة إلى غياب التوعية ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تفاقم من هذه الظواهر بسبب التنكيت وجعل الأمر في قوالب كوميدية، ما يرسّخ الأمر ويوسّع الهوّة بين أفراد المجتمع الجزائري". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image