رغم كل الدراسات والندوات التي تقوم بها المنظمات الحقوقية بشكل مستمر، والجهود التي يحاول المغرب القيام بها من أجل إدماج المهاجرين الأفارقة، لا زالت هذه المشكلة تطرح نفسها بشدة، بسبب تباعد ثقافة المجتمع المغربي مع نظيره الأفريقي من جهة، وبسبب عدم وجود منهجية تواصلية معتمدة من طرف الدولة والمؤسسات العامة تساهم في تقليص هذا التباعد الثقافي، من جهة أخرى.
مؤخراً، أثار إعلان منشور بواجهة إحدى وكالات الشركة الفرنسية الحافلات (CTM) نقاشاً حاداً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. حيث ينص هذا الإعلان على منع بيع أي تذكرة للسفر إلى المدن المغربية الحدودية لأي "إفريقي" دون الإدلاء بأوراق إقامته أو جواز سفره. طبعاً بعد تعرّضها لكم هائل من الانتقادات، قامت الشركة المعنية بالتملص من مسؤولية الإعلان المنشور في إحدى وكالاتها، وحمّلت المسؤولية كاملة لموظف من موظفيها.
من المعروف أن الموظف يستحيل أن يلصق إعلاناً مماثلاً في الواجهة دون طلب، أو على الأقل إذن، من مدرائه من ناحية، ومن المعلوم أيضاً أن الجهة المسؤولة عن الإعلان في الحقيقة هي لا محالة جهة أمنية، بما أن الدولة تحاول الحد من عبور المهاجرين القادمين من عمق إفريقيا عبر الحدود إلى الدول الأوروبية، وتسمح لنفسها في سبيل ذلك بنهج جميع الطرق.
ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، رجال الأمن المنتشرين في الغابات المجاورة للمناطق الحدودية، والنار التي سبق أن اشتعلت في المحطة الطرقية "ولاد زيان" بالقرب من مكان كان يخيم فيه المهاجرون، ولازالت علامات الاستفهام حتى الآن تطوف حول الحادث، ناهيك عن حوادث العنف والعنف المضاد بين المغاربة والمهاجرين التي نسمع عنها دائماً في الأخبار.
أي أن الأمر أعمق من كونه عنصرية ضد المهاجرين القادمين من أفريقيا من طرف المجتمع أو الأشخاص، بل إن المشكلة الحقيقية تتجلى في عدم قدرة الدولة على الوصول إلى حلول حقيقية من أجل تدبير مشكلة الهجرة، ومحاولة تدارك هذا الفشل عن طريق نهج مقاربة أمنية ضعيفة تصل لحد مصادرة حق التجول والسفر لمهاجر يعيش فوق أرضها.
من الممكن أن نلتمس العذر للمسؤولين لو تعلق الأمر بتدبير إشكالية مستحدثة، أو جديدة لم يسبق التعامل معها من قبل، لكن تاريخ المغرب والمهاجرين القادمين من القارة الأفريقية ليس بالجديد نهائياً، فموقعه الاستراتيجي جعله منذ مدة نقطة العبور نحو "فردوس أوروبا"، كما أن قضايا الهجرة واللجوء كانت من أهم المواضيع التي تطرق لها الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، وتم تضمينها في خمس مقتضيات تعنى باحترام حقوق الإنسان، خصوصاً اللاجئين، وتشجيع الهجرة النظامية مع محاولة التقليص طبعاً من الهجرة غير النظامية.
أضف إلى ذلك الكثير من الاتفاقيات الدولية التي وقّعها المغرب، والتي كان آخرها، الميثاق العالمي للهجرة الذي اعتمد بمدينة مراكش، والذي ينص على "تخفيف المخاطر التي يواجهها المهاجرون في طريقهم لبلدان الهجرة من خلال احترام حقوقهم الإنسانية وتوفير الرعاية اللازمة لهم، ونبذ خطاب العنف والكراهية إلخ إلخ…".
أفلا يعتبر إعلان شركة الساتيام، أياً كانت الجهة المسؤولة عنه، إخلالاً بمقتضيات جميع الاتفاقيات الموقع عليها، وطعناً في أفكار مؤتمر الهجرة الذي نظم في المغرب وحضره قادة العالم؟
وما فائدة كل هذه الإمكانيات المرصودة من أجل قضية للهجرة إذا كنا لحد الآن نعجز عن إيجاد مقاربة أمنية واجتماعية ناجعة من أجل إدماج الوافدين من إفريقيا؟ هذا فيما يتعلق بمسؤولية الدولة.
أثار إعلان منشور لإحدى وكالات الشركة الفرنسية نقاشاً حاداً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. حيث نص الإعلان على منع بيع أي تذكرة للسفر إلى المدن المغربية الحدودية لأي "إفريقي" دون الإدلاء بأوراق إقامته أو جواز سفره
يبدو أن بعض المغاربة، وبسبب التطلع لسنوات نحو الاتحاد الأوروبي، وسهولة تعايشهم مع السياح القادمين من أوروبا، نسوا أو تناسوا عمداً، أنهم جغرافياً ينتمون للقارة الأفريقية، حتى لو تباعدوا ثقافياً مع باقي سكانها نوعا ماً
من ناحية أخرى نلاحظ أن شركة الحافلات تعمدت، بحسن نية، استعمال مصطلح "إفريقي" ظناً منها أنها تجنبت السقوط في فخ العنصرية، بما أن المصطلح ليس مبنياً على اختلاف اللون أو الدين أو اللغة...، هذا الخطأ الذي قامت باقترافه تكرر عدة مرات سابقاً من طرف بعض الجرائد الوطنية، في مفارقة مفادها أن المغاربة ليسوا "أفارقة"، وهذا التنكر للانتماء في نظري أنكى من العنصرية نفسها.
لكن يبدو أن بعض المغاربة، وبسبب التطلع لسنوات طويلة نحو الاتحاد الأوروبي، وسهولة تعايشهم مع السياح القادمين من أوروبا، نسوا أو تناسوا عمداً، أنهم جغرافياً ينتمون للقارة الأفريقية، حتى لو تباعدوا ثقافياً مع باقي سكانها نوعا ماً، فلا لون بشرتنا المختلف، ولا لغتنا المختلفة ولا دياناتنا المختلفة ستمحي حقيقة أصولنا وانتماءاتنا.
لذا يجب على الدولة والمجتمع المدني، وبدل محاولة التصدي للهجرة نحو أوروبا عن طريق منع السفر، أن يفهموا أن أوّل مشكل تطرحه الهجرة قبل المشكل الأمني هو المشكل الاجتماعي، الذي يجب محاربته عن طريق تقليص التباعد الثقافي بين الناس ورفع الوعي المجتمعي بضرورة التعايش بين مكوناته الأفريقية، بدل تكريس هذا الاختلاف عن طريق منع فئة منه أمام أنظار الأخرى.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.