شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لبنان بؤرة جوع ساخنة"... صحة المواطنين والمقيمين في خطر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 8 أكتوبر 202202:45 م
Read in English:

"A hunger hotspot": Extreme hunger threatens Lebanon's residents

لا تزال القدرة الشرائية للمواطنين في لبنان، تأخذ مساراً انحدارياً في ظل أزمة اقتصادية صُنّفت من بين أقسى الأزمات عالمياً، وهي تدخل في هذا الشهر، تشرين الأول/ أكتوبر 2022، عامها الثالث. 220 ألف أسرة في لبنان تعيش تحت خط الفقر، وهذه الأسر تواجه صعوبات في تأمين أساسيات حياتها تصل إلى قوتها اليومي، في ظل تضخم غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية، ما يضع الأمن الغذائي في لبنان تحت الخطر.

"لبنان بؤرة جوع ساخنة"؛ هذا ما خلص إليه تقرير للبنك الدولي عن الأمن الغذائي وأثر التضخم على الأسعار، خاصةً في ظل الحرب الروسية في أوكرانيا. فبحسب التقرير، تُعدّ منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي من أكثر المناطق تأثراً بالحرب الدائرة، ويأتي لبنان في صدارة القائمة التي فيها 10 دول، إذ ارتفع مؤشر المستهلكين الغذائي فيه إلى 216% وهو المعدل الأعلى لتضخم أسعار المواد الغذائية، وقد تخطى به فنزويلا. وأشار التقرير إلى أن 19% من سكان لبنان يواجهون نوعاً من نقص الغذاء بسبب الارتفاع غير المسبوق للأسعار.

تقرير البنك الدولي لم يأتِ وحيداً، إذ أوضح تقرير آخر صادر عن منظمة الأغذية العالميةFAO ، أن الأسر اللبنانية بعد الأزمة الاقتصادية بدأت تتجه إلى شراء المواد الغذائية الأرخص، وهي قليلة الجودة الغذائية. وحذرت المنظمة من خطر توسع سوء التغذية خاصةً أن معدلات الفقر في لبنان أصبحت تقريباً 50% عام 2022، والعائلات غير قادرة بدخلها الحالي على تأمين احتياجاتها الغذائية بسبب تضخم الأسعار.

ارتفع مؤشر المستهلكين الغذائي فيه إلى 216% وهو المعدل الأعلى لتضخم أسعار المواد الغذائية، وقد تخطى به فنزويلا

الغذاء ترف

"وجبة الغذاء قد تكون عبارةً عن مكوّن واحد، مثل البطاطا المشوية بالفرن أو الحمص المسلوق مضافاً إليه مكعب التوابل الذي يأتي مع صندوق الإعاشة". هذا ما تشرحه نور عن وجبة العائلة اليومية. اللحم والدجاج مقطوعان عن المنزل منذ سنة ونصف تقريباً، ويعتمدون بشكل أساسي على صندوق إعاشة يأتيهم بشكل شهري وفيه مختلف أنواع الحبوب و"الباستا"، بالإضافة الى المساعدات من الجيران.

نور، ربة منزل تعيش في إحدى أكثر المناطق تهميشاً في بيروت، منطقة حيّ السلّم. لا يوجد راتب شهري مخصص للعائلة المكونة من 5 أفراد، ويعمل زوجها بشكل متقطع في البناء، يوميته تصل إلى 250 ألف ليرة كحد أقصى، ولا كهرباء في المنزل منذ سنتين.

"لا نتكبر على النعمة، ولكن الحبوب ليست دائماً حلاً للوجبات اليومية. نحتاج إلى الغاز لسلقها، ومع رفع الدعم ارتفع سعره بشكل كبير، وحتى الخضار أيضاً أصبح شراؤها ترفاً لا نستطيع تأمينه كل يوم، كذلك طبخ وجبة يومية كاملة من دون مكونات ناقصة. زوجي يعمل بشكل متقطع. أحياناً يمر أسبوع كامل بلا عمل وتالياً من دون أي راتب"، تقول.

وتضيف: "في مناسبة عاشوراء، كان يصلنا الكثير من وجبات الطعام اليومية من الموائد والمجالس الدينية في الحي وخارجه، وفي شهر رمضان أيضاً. وكنا نعتمد على هذه الوجبات لإطعام أولادي وجبةً كاملةً مع لحم ودجاج. نحن على هذه الحال منذ سنتين أو أكثر بقليل".

لا نتكبر على النعمة، ولكن الحبوب ليست دائماً حلاً للوجبات اليومية. نحتاج إلى الغاز لسلقها، ومع رفع الدعم ارتفع سعره بشكل كبير، وحتى الخضار أيضاً أصبح شراؤها ترفاً لا نستطيع تأمينه كل يوم

لنور 3 أولاد، اضطر أحدهم (10 سنوات)، إلى أن يعمل في مطعم فول في الحي لفترة شهر في الصيف، وتقاضى 100 ألف ليرة يومياً، ولكنه توقف عن العمل، بعدما تخوفت والدته من أن ينغمس في العمل ولا يكمل دراسته. تقول نور: "هذه القصص أراها كثيراً في الحي. الأطفال تركوا المدارس وبدأوا يعملون في عمر الـ10 سنوات. لا أريد هذا الأمر لابني أيضاً. لن يضيع مستقبله بسبب الفقر وسيكمل تعليمه مع أخوته".

مع بداية فصل الشتاء، يتوقف أيضاً عمل زوج نور، وستبقى العائلة بلا أي مدخول، وعلى الرغم من أنها قد سجلت سابقاً على المنصة الحكومية للحصول على البطاقة التمويلية التي أقرّتها الحكومة اللبنانية بالتعاون مع البنك الدولي عام 2021 لدعم الأسر الأكثر فقراً، إلا أنه إلى الآن لم تحصل العائلة على البطاقة.

لا لحوم منذ سنتين

من بيروت إلى بيصور، حيث تقطن هبة (اسم مستعار)، مع عائلتها المكونة من 4 أفراد، والتي تعاني كالكثير من العائلات في تأمين قوتها اليومي.

"كان لدينا مطعم صغير في القرية قبل الأزمة الاقتصادية، ولكن بعد الأزمة والحجر الصحي بسبب كورونا، تراكمت الخسائر واضطررنا إلى إقفاله، ومن وقتها انقلبت حياتنا. كنا تقريباً كل أسبوع نذهب إلى السوبر ماركت لنبتاع حاجياتنا الغذائية اللازمة للطبخ لمدة أسبوع، ولكن الآن لا نستطيع شراء احتياجات الوجبة الكاملة ليوم واحد فقط، ونكتفي بشراء حاجياتنا البسيطة والتي نقدر على تأمينها من الدكان الذي بجانب المنزل". بهذه الكلمات تصف هبة كيف تأثرت مائدتهم الغذائية مع بداية الأزمة الاقتصادية.

يعمل معيل العائلة بشكل يومي في "الدهان" (أي طلاء المنازل)، ولكن هذه المصلحة لا تؤمّن المردود المالي اللازم لعائلة مكونة من 6 أفراد، خاصةً أنهم يقطنون في قرية صغيرة لا يوجد فيها الكثير من البيوت لطلائها. تقول هبة: "اعتمادنا الأساسي في الغذاء على صندوق الإعاشة الذي نحصل عليه كل شهرين، وأيضاً على مساعدات من الأهالي في المنطقة وأحياناً أتقاسم حصةً غذائيةً مع جارتي تصلها من صندوق التغذية العالمي".

أحضر حالياً نشاطاً تقيمه البلدية في بيصور عن "التربية الذكية". سيعطوننا 300 ألف تقريباً بعد حضور 20 جلسةً أونلاين. أفكر مليّاً في ماذا يمكنني أن أشتري بهذه الـ300 ألف

لا لحوم تدخل إلى الوجبة الغذائية اليومية لهذه العائلة منذ سنتين تقريباً، والوجبة الأساسية اليومية بحسب هبة هي الحبوب التي يحصلون عليها من المساعدات مثل الأرز المسلوق مع البهارات أو المعكرونة مع الصلصة فقط.

تضيف: "أحضر حالياً نشاطاً تقيمه البلدية في بيصور عن "التربية الذكية". سيعطوننا 300 ألف تقريباً بعد حضور 20 جلسةً أونلاين. أفكر مليّاً في ماذا يمكنني أن أشتري بهذه الـ300 ألف. هو مبلغ صغير ولكن قد أقدر من خلاله على تأمين الزيت أو الطحين للمنزل".

تجربة هبة مع البطاقة التموينية هي نفسها مثل تجربة نور، فهي أيضاً قد سجلت في المنصة ولكنها إلى الآن لم تحصل على البطاقة. المبلغ الذي يمكن أن تحصل عليه العائلة عبر البطاقة قد يصل إلى 150 دولاراً (25 دولاراً للفرد)، وهو مبلغ بسيط لكن قد يؤمّن احتياجات العائلة الغذائية الأساسية.

ضعف الجهاز المناعي

لا بد من أن أزمة الغذاء لها آثارها الصحية على صحة المواطنين الجسدية، وهذا ما حذرت منه تقارير منظمة الأغذية العالميةFAO . إذ توضح أخصائية التغذية غنوى مهتار، لرصيف22، أن الفئات الأكثر تضرراً من أزمة الغذاء على الصعيد الصّحي هم الأشخاص من الطبقة الفقيرة والأكثر فقراً، وتحديداً "النساء الحوامل، والأطفال، وكبار السن ومن يعانون من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكري والكوليسترول وانسداد الشرايين".

مرضى السكري هم بحاجة إلى غذاء تتوفر فيه الخضروات، وبسبب عدم قدرة الكثيرين على شراء هذه الخضروات ستتأثر صحتهم الجسدية

فمثلاً، مرضى السكري هم بحاجة إلى غذاء تتوفر فيه الخضروات، وبسبب عدم قدرة الكثيرين على شراء هذه الخضروات ستتأثر صحتهم الجسدية وتحديداً منسوب السكر والكوليستيرول عندهم، وأيضاً مع ارتفاع سعر المخبوزات بالطحين الأسمر، بدأ مرضى السكري يأكلون الخبز الأبيض ما أثّر أيضاً على صحّتهم، تقول مهتار.

وتضيف: "بالنسبة إلى الحوامل، فهنّ بحاجة إلى كميات عالية من الحديد، وأيضاً كل ما يتوفر من فيتامين س، لرفع المناعة، وهذا الفيتامين لا يتوفر بالحبوب مثل العدس وغيره فقط، بل بالخضروات والفواكه، ومن دونها تبقى مناعة المرأة الحامل منخفضةً، كما أن سعر المتممات الغذائية ارتفع ولا قدرة للكثير من النساء الحوامل على تأمينها".

أما بالنسبة إلى الأطفال، فشرحت الأخصائية أنهم بحاجة بشكل أساسي إلى الحليب المدعّم، وهو غير متوفر في معظم الأوقات في الحصص الغذائية، محذرةً من لجوء بعض العائلات إلى حليب البقر الطازج على أنه بديل كونه غير مدعّم بمتممات غذائية، ويسبب نقصاً حاداً في الحديد ويحتوي في المقابل على كميات عالية من البروتين، فضلاً عن أن الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر لا يمكنهم أن يؤمّنوا الألبان والأجبان، أي لا يوجد أي شيء من مشتقات الحليب لديهم، وهم لا يأكلون الفواكه وهذا سيؤثر على جهاز مناعتهم وأيضاً سيتسبب لهم بمشكلات في النمو.

ما ذكرته أخصائية التغذية يبيّن أن صحة المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر مهددة بالخطر، وهنا تحذر مهتار، من أنه على المدى الطويل وفي ظل الأزمة الاقتصادية، سيتزايد عدد مرضى السكري، والكوليسترول والقلب، وقد نواجه مشكلات نموّ لدى الأطفال.

وتعطي الأخصائية مثالاً: "بعض العائلات لا تستطيع تأمين زيت بسبب ارتفاع سعره، وتتم الاستعاضة عن اللحوم والدجاج بالسمن المعلب"، وفضلاً عن أن هذا الصنف غير صحي، فإن جودة السمنة المعلبة الموجودة حالياً في الأسواق ليست جيدةً، وتسبب مشكلات صحيةً في نسب الكوليسترول وقد تؤدي إلى أمراض انسداد الشرايين".

تم إنتاج هذا المحتوى بدعم من برنامج النساء في الأخبار.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image