شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
رجال يمارسون العادة السرّية علناً في شوارع بغداد... صوت النساء بدأ يعلو

رجال يمارسون العادة السرّية علناً في شوارع بغداد... صوت النساء بدأ يعلو

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 6 أكتوبر 202204:44 م

جلس "متحرّش الكرادة"، وهو أحد أشهر أحياء بغداد، في باص يبدو فارغاً. أخرج عضوه الذكري وبدأ بممارسة العادة السرّية بعد أن حاول التحرّش بفتاة تجلس وحيدةً بالقرب منه في الباص. صوّرت الفتاة المشهد الذي يبدو فيه المتحرّش وهو يداعب عضوه على أنغام الرادود الحسيني باسم الكربلائي في قصيدة حلمي.

بعد توثيقها للحادثة، قامت الفتاة بنشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي، في 22 أيلول/ سبتمبر الماضي، وتحوّل الفيديو إلى تراند في العراق واجتاح هاشتاغ #أوقفوا_متحرش_الكرادة، مواقع التواصل، وطالب ناشطون وحقوقيون بتوقيف المتحرّش ومعاقبته على فعلته.

بعد يومين من الفيديو الأول، وفي 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، انتشر مقطع آخر لشاب يعمل سائق أجرة في منطقة المنصور، يمارس العادة السرية في أثناء عمله، والفتاة المتحرَّش بها تجلس في المقعد الخلفي، وهي توثّق المشهد قبل أن تعود وتنشر مقطع الفيديو على حسابها الشخصي على تويتر وأرفقته بتغريدة كتبت فيها: "التصوير كان لغرض أن تتم محاسبة قانونية، لكن حصلت على الكثير من الانتقادات لدرجة أنني تركت الموضوع".

هذه التغريدة مع الفيديو أديا إلى موجة احتجاج كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "افضحي المتحرش"، كانت نظّمتها سابقاً فرق نسوية وناشطات وتم تفعيلها من جديد على إثر الفيديوهات المنتشرة، وبدأت النساء بنشر ما تم توثيقه من تحرش حصل في حقهن وبالطريقة نفسها أي ممارسة العادة السرية أمامهن، إلى أن وصلت المقاطع حتى 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى 6 مقاطع موثقة ومنتشرة.

تحوّل الفيديو إلى تراند في العراق واجتاح هاشتاغ #أوقفوا_متحرش_الكرادة، مواقع التواصل، وطالب ناشطون وحقوقيون بتوقيف المتحرّش

العقلية الذكورية

تقول سارة جاسم، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة، إن "السبب الرئيسي في هذه الأفعال الذكورية التي لا تمت إلى الحياء بصلة، هو تربية الذكور بصبغة ذكورية تلوّنها العوائل بمعنى ‘إنت رجال ماكو شيء يعيبك’، وإذا كان الفرد الذكر في العائلة متحرشاً أو متعدد العلاقات، يتم تشجيعه وتلقيبه بالذيب باللهجة العراقية، أو إن قام رجل بفعل منافٍ للأخلاق وأقبل أحد من العائلة على تصحيح الخطأ أو توبيخه، ستكون الردود من المتلقين من بعض أفراد الأسرة: ‘يا معود قابل هو بنية خلي ياخذ راحته’".

وتضيف: "هذه العادات البالية أدت إلى نتائج سلبية، وهي تمادي الذكور في الوقاحة، فكل هذه العوامل هي نتائج لتربية ذكورية، وظاهرة التحرّش ليست جديدةً، بل الجديد هي الجهود النسوية والمجتمعية التي ترفض مقولة إنها مذنبة بالرغم من أنها ضحية، والنساء أصبحن مدافعاتٍ عن حقوقهن من دون الاتكاء على قانون لا ينصفهن"، مشيرةً إلى أن "حملة افضح المتحرش هي حملة عربية انتقلت إلى العراق، وبفضل السوشال ميديا استطعنا أن نعبر شوطاً مهماً في إقناع الفتيات بأنهن الضحية والمجرم هو المذنب".

محاربة التحرّش

شهباء (53 عاماً)، من حي الكرادة في بغداد، كانت تعمل في قطاع التعليم سابقاً، تقول لرصيف22: "في تسعينيات القرن الماضي، كان يُفرض علينا أن نمارس عملنا في المناطق الريفية وأغلب المعلمات يستخدمن المواصلات العامة من أجل التنقل، وهذا المشهد كان مألوفاً فمعظم المتحرشين يلوّحون لنا بأعضائهم الجنسية، أو يقومون بلعق أصابعهم أو أي فعل فاضح آخر".

تروي شهباء التي رفضت وضع اسمها الكامل: "في إحدى المرّات، انتهى رجل من ممارسة العادة السرية في الباص ليقوم من بعدها بمسح المني بملابسنا ونحن جالسات نرجف خوفاً، وكان رد الفعل الأولي هو التجاهل أو تغيير مكان جلوسنا مع تحاشي الجلوس على المقاعد الأخيرة".

برأيها، فإن تمادي المتحرش ينبع من إدراكه ردود أفعالنا، وأن المجتمع يلقي باللوم على الضحية عبر المثل الشعبي "الّي ميدني بزبيله محد يعبيله"، وهذا المثل رافقنا طوال حياتنا، وإن أخبرنا أهالينا على الفور، فجلّ ما سيفعلونه محاسبتنا نحن الضحايا من خلال إيقاف مسيرتنا المهنية لأن الحديث عن هذه المواضيع لا يجوز وعيب".

في إحدى المرّات، انتهى رجل من ممارسة العادة السرية في الباص ليقوم من بعدها بمسح المني بملابسنا ونحن جالسات نرجف خوفاً

تقول شهباء إنها تشعر بالسعادة اليوم نتيجة حادثتين؛ الأولى، ابنتي التي تبلغ من العمر 24 عاماً والتي لقنتني درساً لن أنساه يوم كنا ذاهبين للتبضع في منطقة المنصور في بغداد، وكان الشارع مزدحماً نوعاً ما، وأقبل شخص على التحرش بها، وإذ بها تصرخ وتتهجم عليه بصورة فوجئتُ بها، وبعدها قلت لها: "بنتي منو ياخذج بعد هل الموقف"، فكان ردها: "لو أبقى طول عمري بلا زواج ولا واحد يقلل من كرامتي"، والحادثة الثانية مع فتاة لا أعرفها كانت تقود سيارتها ورجل ما يلاحقها فما كان منها إلا أن ركنت سيارتها ونزلت لتصور رقم سيارته وتتوعده بالمحاسبة، فأيقنت أن هذا الجيل سيغير العادات البالية".

"شوفي شكد حلو"

رشا، اسم مستعار (23 عاماً)، وهي من بابل، تقول إنها تعرضت للتحرش الجنسي من قبل سائق التاكسي الذي طلب منها ممارسة الجنس معه، وبعد أن رفضت فتح سحاب بنطاله وقال لها: "شوفي شكد حلو تعاي انطيجيا"، علماً أنها كانت في طريقها إلى الجامعة، لكنه اقتادها إلى طريق آخر، وبعد أن أخبرته بأنها ستعود وتقضي معه وقتاً ممتعاً لاحقاً لأنها على عجلة من أمرها بسب الامتحان، انطلت عليه الحيلة بعد أن أخذت رقمه وأنزلها من السيارة.

تقول: "قررت أن أرفع شكوى بحقه، لكن طلبات القانون تعجيزية؛ شاهدان اثنان، بالإضافة إلى الإهمال في المحاكم وهدر الوقت، وتالياً اكتفيت بفضحه على مواقع التواصل الاجتماعي".

المبررون وأذيّتهم

صاحب باص الكرادة تابع للداخلية، ومغتصب الطفلة حوراء التي تبلغ من العمر ثماني سنوات منتسب في الداخلية

بعد ان انتشر مقطع الفيديو لمتحرش الكرادة، وتلته مقاطع أخرى بالظهور، تضاربت الآراء حول قبول تصوير الفتيات للمتحرش وفضحه أو رفضه، وتمحورت التعليقات حول تصوير الفتاة للمشهد، فالمعارضون راحوا يتحدثون عن ثقة الفتاة بنفسها لتصوير هذه الأمور وبعضهم تساءل عن حياء الفتاة، وأنها في نظرهم "وضيعة تسمح للرجل بأن يفعل هذا الأمر رغبةً منها"، حتى وصل هذا الجدال إلى محطات تلفزيونية محلية.

وقال الإعلامي حسام البهادلي، في برنامجه على قناة الآي نيوز: "الفتاة لم يظهر عليها أنها كانت مجبرةً، وتالياً من المفترض أن تنزل من الباص، وإن خجلت وهي مؤدبة وشريفة، فمن المفترض أن تسكت، لكن أن تلازم الموبايل وتصوّر الواقعة بحذافيرها فهذا يعني أن الفتاة خبرة".

وعلى إثر الحلقة، ردت الناشطة إسراء سلمان، على مقدمة البهادلي في برنامج آخر، وعلى قناة محلية، قائلةً: "الفتاة كانت في مواصلات عامة، وتم التحرش بها علناً والإعلامي حسام البهادلي اتهم الفتاة بشرفها. لو أن شقيقتك من تم التحرش بها بالطريقة نفسها، والقانون لا يحميها، فماذا كانت لتفعل؟"، مضيفةً: "القول إن الفتاة لو كانت شريفةً فعليها أن تسكت، هو موروث خطأ وأنا أتعرض لحملة إسقاط كوني اتخذت أسلوب التشهير بالمتحرش وهو الحل الأنسب وأنا أشجع الفتيات من خلال تواصلي معهن على الدفاع عن حقوقهن وأنصحهن بتوثيق كل متحرش يسيء إليهن والتشهير به".

كذلك، ردت سلمان على المفاهيم التي خلقها الإسلام السياسي ومحطاته ووسائله الإعلامية، بالقول: "هل الإسلام يبيح لك أن تخرج عضوك الذكري وتقوم بالعادة السرية علناً. إنني لا أستغرب كون مفاهيمكم التي تلقيتموها هي أن الرجل لا ضرر عليه فشرفه مرتبط بجسد أخته أو قريباته وليس بتصرفاته وأفعاله السيئة".

تروي سلمان أن فتاةً كانت ذاهبةً إلى جامعتها صباحاً، فركبت الباص وفي منتصف الطريق كان الباص فارغاً فقام السائق بنزع ملابسه وبعد صراخها موثِقةً ما يحصل من خلال تصوير السائق من خلال هاتفها، ركن الباص وأنزلها ولم يكترث إلى تصويرها له، بل كان ينظر إلى كاميرا الهاتف ويبتسم لأنه يُدرك أنه لن يتعرض للمحاسبة كونه رجلاً ويحق له فعل ما يريد".

تؤكد الناشطة والمدافعة عن حقوق النساء، أن "هذا الفعل يعدّ أشبه بالاغتصاب"، مطالبةً السلطات المعنية بتوفير الأمان لهن: "أغلب المغتصبين والمتحرشين من الجهات الأمنية كون هذه الجهات تهمل سيرة العنصر الأمني عند التوظيف، فصاحب باص الكرادة هو تابع للداخلية، ومغتصب الطفلة حوراء التي تبلغ من العمر ثماني سنوات منتسب في الداخلية، وحتى الحيوانات لن تجد الأمان في ظل غياب تطبيق القانون".

تعرضت رشا للتحرش الجنسي من قبل سائق تاكسي طلب منها ممارسة الجنس معه، وبعد أن رفضت فتح سحاب بنطاله وقال لها: "شوفي شكد حلو تعاي انطيجيا"

تقول ناشطات بارزات في الدفاع عن حقوق المرأة، إن "معظم المتحرشين محصنون بالقانون وبالمجتمع، لكن نحن سنستمر بالمطالبة بمحاسبتهم في حملاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي"، بالإضافة إلى نشرهن اسم متحرش الكرادة ويُدعى رعد قاسم محمد حسان من مواليد 1981، منتسب إلى الشرطة الاتحادية، الفرقة الثانية اللواء السابع -الفوج الثالث- السرية الرابعة.

صوت من لا صوت له

استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي إيصال صوت الفتاة المتحرَّش بها، تاركةً أثراً إيجابياً، إذ وصل صوت الفتاة المتحرَّش بها في باص الكرادة إلى الجهات المعنية، وأعلنت وزارة الداخلية على مواقعها الرسمية أنها ألقت القبض على المتحرش المنتسب إلى الشرطة الاتحادية.

وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنة، على ازدياد هذه الظواهر المجتمعية، مشيراً إلى أن الوزارة لا تمتلك أي إحصائية رسمية بسبب أن تحرش الشوارع قضية لا يمكن إحصاؤها، والوزارة تعمل على مكافحتها خاصةً من قبل الشرطة المجتمعية، و"ننشر دائماً المفارز بجانب مدارس الفتيات، والأسواق العامة، فضلاً عن الحملات التثقيفية التي نقوم بها".

وأضاف: "إلقاء القبض على المتحرش رسالة واضحة لكل من تسوّل له نفسه القيام بهذه الأعمال المشينة"، مطالباً المواطنين بأن "يتحلوا بالشجاعة ويتواصلوا مع الشرطة عبر الأرقام المنشورة من قبلهم، مؤكداً أن أحد الأسباب المهمة في انتشار هذه الظواهر هي "انعدام القيم الأخلاقية التي كانت تتحلى بها العوائل العراقية"، مشدداً على استمرار التحقيقات مع المتحرش، ومنوهاً بـ"أهمية توثيق الفتيات لمثل هذه الحالات"، واليوم هذه الظاهرة هي الوجه الإيجابي لمواقع التواصل الاجتماعي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image