يعود الأردني سامر عمر* (28 عامًا) إلى مسكنه في محافظة الزرقاء، وسط الأردن، بعد فشل استمراره بالعمل في إيلات الإسرائيلية، جراء الانتهاكات التي تعرض لها خلال عمله الذي استمر ستة أشهر.
بعد محاولاته البائسة في الحصول على عمل في الأردن، اتجه سامر للعمل في مجال تنظيف الغرف بأحد فنادق إيلات، رغم مخاوفه من نظرة المجتمع إليه في حال معرفتهم أنه يعمل عند عدو، وقد تحققت لاحقاً.
وقعّ الشاب العشريني العقد عبر شركة أردنية وسيطة، مقابل حصولها على نسبة شهرية 7% من مجمل الراتب، وخصم ثابت للمواصلات بين العقبة جنوب المملكة وحدود إيلات المحتلة، والتي تقدر بـ15 كيلومتراً، إضافة لخصم بدل الفنادق الذي يبيت فيه، وشرط جزائي في حال تركه العمل بدفع 1500 دينار (2115 دولاراً).
يقول سامر لرصيف22 إنه تردد كثيرًا قبل توقيع العقد، لكن بسبب البطالة وقلة العمل، "لا مفر أمامي إلا العمل لدى الجانب الثاني، الذي لطالما اعتبرته عدوا أزليّاَ". ويؤكد أن العمل بدأ سهلًا، حتى تعرض لإهانة من مديره الإسرائيلي جراء نسيانه ترتيب إحدى الغرف، ولم يعرف كيف يتصرف معه أو يرد له الإهانة بآخرى: "تمنيت الأرض لو تبلعني وقتها".
بعد محاولاته البائسة في الحصول على عمل في الأردن، اتجه سامر للعمل في مجال تنظيف الغرف بأحد فنادق إيلات، رغم مخاوفه من نظرة المجتمع إليه في حال معرفتهم أنه يعمل عند عدو
يرى الأردني سامر أن بعد ذلك الموقف، بدأ يرد الإهانة بمثلها حتى تخاصم مع مديره المباشر، الذي طلب منه مغادرة الفندق، ما سبب له صدمة نفسية لم يتوقعها "بقبل أني ما اشتغل بس ما أتعرض للإهانة والذل، ومثلي كثير من العمال الأردنيين".
تلك الإهانة كانت من ضمن الدوافع التي دفعت سامر لترك العمل والعودة إلى بيته بخفي حنين، من دون تحصيل حقوقه حتى، وهو الحال الذي يتعرض له عدد من العمال الأردنيين.
انتهاكات تلاحق أكثر من ألفي أردني
موقف سامر لا يختلف عما شهده بعض العاملين الأردنيين في إيلات، الذين يبلغ عددهم أكثر من 2000، ويتم توظيفهم عبر ثلاث شركات أردنية وسيطة، تعمل وفق بروتوكول موقع بين الأردن وإسرائيل منذ العام 2000، كخطوة لترجمة اتفاقية "وادي عربة" الموقعة في تشرين الأول/أكتوبر 1994، وبدأ العمل فيها العام 2015.
يعمل الأردنيون في إيلات بمجالات الفنادق والإنشاءات بأدنى الرواتب، مقارنة مع العمالة الإسرائيلية أو الفلسطينية أو حتى الأفريقية، كما يؤكد عاملون أردنيون لرصيف22. ولا يسمح للعمالة الأردنية المبيت داخل الحدود الإسرائيلية، إذ يعودون يومياً إلى فنادق العقبة، ويتم التدقيق عليهم صباحاً بشكل يومي، لدى دخولهم معبر الكرامة/وادي عربة.
الانتهاكات تبدأ عند إجراءات التعيين، إذ أن العقد يشترط وجود نسبة اقتطاع لصالح الشركة بنسبة 7%، كما يتم خصم شهريًا مبلغ 200 شيكل (40 ديناراً/ 56 دولاراً) بدل سكن، و100 شيكل (20 ديناراً/28 دولاراً) بدل مواصلات
يشير عامل أردني إلى أن سلطات الاحتلال ترغب في تشغيل المتقاعدين العسكريين لديها، لانضباطهم في العمل وعدم معارضتهم الطلبات والأوامر، كما شغَّلت إسرائيل نحو 10 نساء أردنيات، إلا أنهن تركن العمل نتيجة "ظروف صعبة" تعرضن إليها على يد مديرين إسرائيليين.
ويؤكد عامل آخر أن الانتهاكات تبدأ عند إجراءات التعيين، إذ أن العقد يشترط وجود نسبة اقتطاع لصالح الشركة بنسبة 7%، كما يتم خصم شهريًا مبلغ 200 شيكل (40 ديناراً/ 56 دولاراً) بدل سكن، و100 شيكل (20 ديناراً/28 دولاراً) بدل مواصلات.
لا تستطيع العمالة الأردنية تقديم شكاوى في حال تعرضهم لمظلمة داخل فنادق إيلات أو من قبل الشركات المشغلة، إذ أن وزارة العمل تعتبر التشغيل في إيلات خارج سلطتها وقانونها، ويعتبر العمال أن السبيل الوحيد لحل أي أزمة يواجهها العامل الأردني ستكون على حسابه أو التوجه للقضاء الإسرائيلي، بعد توكيل محامٍ، الأمر الذي يشكل معضلة للعمال.
مدير المرصد العمالي الأردني، أحمد عوض، يقول إن "الأردنيين يتقاضون ثلث الحد الأدنى للأجور بدولة الاحتلال ( 1200 دولار) بدون اقتطاعات، وهو شكل بشع من التمييز الذي يمارس ضدهم، إضافة لتعرضهم للتهديد بالفصل بأي وقت، وحرمانهم من أبسط حقوقهم، مثل الضمان الاجتماعي.
ويتابع عوض لـرصيف22 أن مجرد الاقتطاع من راتب العامل لشركة توظفه "هو من أشكال الانتهاكات التي يمكن أن تصل بمرحلة ما إلى الاتجار بالبشر"، رغم أن الاقتطاع الحالي بنسبة 7% يتم وفق التعليمات الأردنية، مشددًا على أن العامل يجب عليه ألا يدفع للشركة 7%، لأنه يعمل بشركة أردنية، وموقع العمل بإسرائيل، فالعامل تائه بين القانونين الأردني والإسرائيلي.
سلطات الاحتلال ترغب في تشغيل المتقاعدين العسكريين لديها، لانضباطهم في العمل وعدم معارضتهم الطلبات والأوامر. كما شغَّلت إسرائيل نحو 10 نساء أردنيات، إلا أنهن تركن العمل نتيجة "ظروف صعبة" تعرضن إليها على يد مديرين إسرائيليين
وانقطع العمال الأردنيون عن الذهاب إلى إيلات، خلال جائحة كورونا، ولحقت بهم خسائر فادحة، لانقطاعهم عن العمل، من دون تعويضهم من قبل الشركات المشغلة أو الفنادق التي كانوا يعملون بها، ويتحدث عامل حول ذلك بالقول، "كنّا نتوقع أنه نترك الشغل في أي لحظة، وكل العمال الأردنيين عندهم هالشعور، لكن خلال كورونا، تضررت عائلاتنا بشكل كبير، واللي ما عنده راتب تقاعدي أكل هوا، لأنه لا الأردن معترف فينا كعمال ولا إسرائيل".
وأعلنت السلطات الإسرائيلية عودة العمالة الأردنية إلى العمل في إيلات بداية من الأول من أغسطس/آب الماضي.
مخاوف تطبيعية
أغلب العمالة الأردنية، الذين التقاهم رصيف22، يؤمنون أن العمل لدى إسرائيل، يشكل "وصمة" أمام المجتمع الأردني، بما في ذلك أسرهم. واتفق معظم من تحدثنا إليهم على أنهم أخبروا أسرهم أنهم يعملون في العقبة، لا في إيلات.
ويوضح أحد العمال أن رغبته بإخفاء طبيعة عمله، يعود إلى عدم تقبله هو ذاته بأن يعمل لدى من يقتل أشقاءه الفلسطينيين، في حين هو يعمل لديهم بأقل الأجر ومن دون احترام أو تقدير، إلا أن ليس لديه سبيل سوى الاستمرار في تلك الدوامة حتى إيجاد بديل أفضل.
وشهدت إيلات عدة حوادث أمنية بعد مناوشات عدة بين العمالة الأردنية وسياح ومديرين إسرائيليين، فيما يتم استبعاد العامل مهما كانت ظروف الحادثة، بحسب تأكيدات العمال.
وترى أصوات مناهضة للتطبيع في الأردن أن العمل في إسرائيل قد يكون أخطر مشاريع التطبيع الساعية لتحقيقها سلطات الإحتلال، فهي تعمل على إخضاع اليد العاملة الأردنية تحت سلطتها، في ظل الحديث عن زيادة في استقطاب العمالة الأردنية خلال السنوات المقبلة.
أغلب العمالة الأردنية، الذين التقاهم رصيف22، يؤمنون أن العمل لدى إسرائيل، يشكل "وصمة" أمام المجتمع الأردني، بما في ذلك أسرهم. واتفق معظم من تحدثنا إليهم على أنهم أخبروا أسرهم أنهم يعملون في العقبة، لا في إيلات
تكتُّم أردني
يتعامل الأردن مع العمالة الأردنية في إسرائيل، على إنه ملف أمنيّ بحت وليس عمالياً، فرفض وزراء حاليون التصريح حول الانتهاكات، فيما ترمي وزارة العمل الكرة في ملعب سلطة إقليم العقبة، التي تعيد الكرة ذاتها إلى الوزارة.
ويضيع العمال الأردنيون بين العقبة - إيلات، فلا مظلمة تُسمع لهم من قبل أي جانب، جراء الانتهاكات الواقعة عليهم سواء من الشركات الأردنية أو من الإدارة الإسرائيلية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...