شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"فاك يو" ليست شتيمةً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات الشخصية

الخميس 6 أكتوبر 202212:43 م


هل الكلمات النابية تدل على قلة أخلاق قائلها؟ لست هنا للدفاع عن بذاءة اللسان، ليظهر لي أحدهم أو إحداهن ويتفلسف أو تتفلسف بأمثلة مثل: "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك"... إلخ، فآتي أنا -سليطة اللسان- وأسأل: وإن ركبته؟ وهنا تتزاحم في عقليات المتلقين صور إباحية لامرأة تركب لساناً!

طبعاً صورة سريالية لا تقدم ولا تؤخر في خيال المتلقي "الطبيعي". ولكن عند الكثير من المتلقين، تُعدّ هذه الجملة الصادرة من امرأة دليلاً على بجاحتها وتربيتها العاطلة. أما لو أتت هذه النكت -التي تلعب على الكلمات- من رجلٍ، لضحكت الأكثرية وعدّته سريع البديهة وواثقاً من نفسه وغيرها من الترّهات.

ولست هنا أيضاً كي أستعمل المرأة كضحية لإيصال فكرتي، ألا وهي أن الشتائم والتنكيت الجريء وتسمية الأشياء بأسمائها هي جزء من واقع ليس إلا، فلنخفف تقييمنا واستنادنا إلى هذه الكلمات كي نأخذ دور الأنقياء الطاهرين، فكم من أشخاص يختبئون تحت لباس محتشم، ويلفظون كلمة الله مع كل جملة، وهم أبعد ما يكون عن الله ومفهومه.

"لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك"... إلخ، فآتي أنا -سليطة اللسان- وأسأل: وإن ركبته؟ وهنا تتزاحم في عقليات المتلقين صور إباحية لامرأة تركب لساناً!

أتذكر حادثةً حصلت معي وأنا معلمة في مدرسة خاصة، حين حادثة انفجار المرفأ. كتبت وقتها على صفحتي في فيسبوك: "فاك كل السياسيين". بعدها تفاجأت بطلب إدارة المدرسة أن أحذف كلمة "فاك"، لأن هذا لا يتناسب مع صورة المعلمة الفاضلة المهذبة التي تتلفظ بكلمات بذيئة. والخوف كان مما إذا قرأها أهل طلابي، فأكون القدوة السيئة لهم.

وإن فكرنا قليلاً بهذا المثل، فأنا أراه كمربية، مثالاً على الجرأة، مثل أن تقول "لا" في وجه الظالمين، ومثل أن يكون لك رأي وألا تكون مع القطيع. هناك قديس سيقفز، ويقول لك: "ولكن كان بإمكانك إعطاء رأيك بطريقة نقدية من دون استعمال كلمات بذيئة".

فكم من أشخاص يختبئون تحت لباس محتشم، ويلفظون كلمة الله مع كل جملة، وهم أبعد ما يكون عن الله ومفهومه.

جوابي هو: "لا يا حبوب لا!"، مواجهة البذيئين تكون باستعمال لغتهم أولاً، وثانياً هذا الطفل الذي تخاف أنت على مشاعره من كلمة، يسمع طوال الوقت هذه الكلمات في بيته ومحيطه وفي كل وسائل التواصل ولا يعرف متى تُستعمل، ووظيفتي هنا كمربية أن أوجهه في عملية تحرير عقله ليعرف كيف ومتى وبأي صورة يمكن له أن يستعملها، فهي ليست غريبةً على مسمعه كما يدّعي هؤلاء الأتقياء.

المدرسة ليست عالم أفلاطون للقيم، كما أن الشارع يمكن له أن يكون أفلاطونياً، أيضاً، إذ يجب على الصغار فهم ما هي الأخلاق الحقيقية من دون أقنعة وخبث. نعم، أنا مربية فاضلة عندما أبقى طوال ساعة كاملة لشرح قبول شكل الآخر، أو التوقف عند جملة قالها تلميذ لصديقه: "لا تبكِ مثل البنات..."، وشرح أن البكاء هو تعبير عن مشاعر ما ليس إلا، وهي ليست دليلاً على ضعف ما، وبعدها فكرة أن الفتاة ليست أضعف من الرجل ويحق للاثنين أن يبكيا من دون أن نعدّهما في مكانة أقل عند حدوث البكاء، وغيرها من الأمثلة التي يرددها الصغار كالببغاوات عن ذويهم من دون التفكير فيها، وعدم تصحيحها لهم في هذا العمر يشكل لديهم عقليةً غير منفتحة على الآخر. هذا هو دور المعلم الأساسي ولو كتب مليون "فاك" على صفحته.

لاحظت أيضاً أن وقع الشتائم باللغة الأجنبية أسلس على الأذن من اللغة الأم! فأنا شخصياً إن قال لي أحدهم: "فاك يو بيتش"، لن أتأثر ما لو قال لي:.....*، املأ الفراغ بالجملة العربية المناسبة كترجمةٍ للجملة السابقة.

المدرسة ليست عالم أفلاطون للقيم، كما أن الشارع يمكن له أن يكون أفلاطونياً، أيضاً، إذ يجب على الصغار فهم ما هي الأخلاق الحقيقية من دون أقنعة وخبث

أكره من يختبئون وراء إصبعهم، وينظّرون على الآخرين بأنهم الأنقى والأفضل بسبب كلمات كلنا نستعملها داخل بيوتنا، والواقعي يستعملها هنا كي يقرأها الجميع فيوافقوا أو يهرولوا ويردوا: لوين وصلنا!! معلمة تدعو إلى الـ"فاك"؛ هذا ما شرحه له عقله الصغير وجهله الكبير بمعنى كلمة أخلاق وحجمها.

لاحظت أيضاً أن وقع الشتائم باللغة الأجنبية أسلس على الأذن من اللغة الأم!

تنبع الأخلاق من داخل كل إنسان بناءً على عوامل عدة، فالطفل لا يفهم ماذا تعني الأخلاق ولا من أين يستقيها، بل يصبّها المجتمع داخل وعيه، حتى يصل البعض إلى سنّ معيّنة إذا اتّسع أفقه وتعددت مداخل مداركه، فإنه سينتقد، حتماً، ما صبّه المجتمع داخل رأسه ويصل إلى معنى جديد للأخلاق، وحينها يصبح منبع الأخلاق هو عمق كل كائن بشري، يختلف معناها من شخص إلى آخر، حسب الطبقة الاجتماعية ومستوى الوعي، والثقافة، والتعلم، والانفتاح على مجتمعات أخرى، فالأخلاق ليست بتعريف واحد جامد، يتفق عليه المجتمع الإنساني، بل تتغير لدى الشخص نفسه بناءً على تأثره وتطوره. وهذا ما يجب على المربّين أن يفهموه، كي لا يشوشوا عقول الصغار ويتركوا لهم الحرية في بناء عقول قادرة على مواجهة تحديات هذا العالم الجديد، العالم شديد الصعوبة الذي يواجهه كبار السن بنوع من الحيرة ويخوض فيه الأصغر سنّاً حرباً ضروساً لفرض قيم الحرية.

كما نجد أن بعض الألفاظ النابية في مجتمع ما متعارفة ومتداركة في مجتمع آخر، وهو ما يؤكد نظرية تعدد معاني الأخلاق وأحكام القيمة، وأن ما جعلها نابيةً هو اتفاق المجتمع عليها، لا أنها نابية في حقيقتها.

كما نجد أن بعض الألفاظ النابية في مجتمع ما متعارفة ومتداركة في مجتمع آخر، وهو ما يؤكد نظرية تعدد معاني الأخلاق وأحكام القيمة، وأن ما جعلها نابيةً هو اتفاق المجتمع عليها، لا أنها نابية في حقيقتها

بالعودة إلى المجتمع الحميد، فإن حماة القيم والأخلاق ليسوا بالضرورة ذوي أخلاق، فغالبية مدّعي الفضيلة، ذئاب في ملابس حملان، يرددون جمل العفة والطهارة كصورة رسمية، ويطعنون في كل من يختلف معهم حفظاً لمجتمع دعائمه راسية تحفظ استمرارهم على حقيقتهم الذئبية في الخفاء. إذ لو انفتح المجال لحرية الكائن البشري تماماً، لتصبح الأخلاق منبعها من كل شخص، فسينكشف حماة القيم وتتعرى سوءاتهم أمام المجتمع، ويصبحون عاطلين بلا قيمة، لأن قيمتهم تتأتى من داخل وظيفتهم كحراس للفضيلة المزيفة.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image