شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المدارس الثانوية للبنات في قطاع غزة... مراكز إصلاح ديني أم مؤسسات تعليمية؟

المدارس الثانوية للبنات في قطاع غزة... مراكز إصلاح ديني أم مؤسسات تعليمية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 1 أكتوبر 202211:11 ص

بينما يحضرن طالبات المرحلة الإعدادية اللواتي أنهين دراستهن في المدارس المتوسطة أنفسهن للانتقال إلى المرحلة الثانوية، ويجهزن أطقم الجينز الجديدة، والحقائب الملونة، والأحذية اللامعة، وربما يهاتفن بعضهن بعضاً حول الميك أب المناسب للمدرسة الثانوية، يُفاجأن بحقيقة مغايرة تماماً عن تصوراتهن حول المرحلة الثانوية، التي شكّلنها عبر متابعة الأعمال الدرامية المختلفة، ومتابعة نظيراتهن من الطالبات في المرحلة الثانوية في مختلف البلدان حول العالم عبر السوشيال ميديا، أو قراءة الأدب، وغيرها من المصادر التي شكلت من خلالها كل طالبة تصورها الخاص عن شخصيتها ومظهرها في مرحلة الثانوية، والتي تجيء بعد مرحلة الدراسة المتوسطة، والطفولية بعض الشيء، إذ مرحلة الثانوية بالنسبة لجميع الطالبات هي مرحلة الانعتاق من الطفولة نحو تشكيل هوياتهن الخاصة، والبدء في حياة جديدة تماماً يلعبن فيها أدواراً أكثر نضجاً، وأكثر أهمية بالنسبة للمستقبل.

أما تلك الحقيقة الغريبة، التي يمكن اعتبارها أولى الصدمات الحقيقية التي تواجهها الطالبات في قطاع غزة عند أول تجربة للانخراط في مؤسسات المجتمع، فهي أن وزارة التربية والتعليم تضع قرارات صادمة إلى حدٍ ما، بالنسبة للطالبات المتحمسات لعالم جديد يمارسن فيه حياة دراسية أكثر انفتاحاً من تلك التي عهدنها في مراحل دراستهن السابقة. وإن كانت تلك القرارات تربوية في مجملها، إلا أن بعض البنود لا بد من التوقف عندها ومناقشتها بشكل جدي على مستوى أولياء الأمور والمجالس المجتمعية، وهيئات التدريس في المدارس الثانوية للبنات، تلك البنود مثل:

1. التأكيد على الزي المدرسي الموحد، على الرغم من أن المدارس الحكومية ليس لها زي مدرسي موحد، هذا البند الذي سنتناوله بالتفصيل في هذا التقرير، خاصةً أنه يتيح لإدارات المدارس ممارسة السلطة الأبوية - الذكورية على الطالبات، ومظهرهن وسلوكهن، وهذا يتنافى مع رسالة المدرسة، أو هذا المفترض.

2. الالتزام بالمظهر العام اللائق ومنع مستحضرات التجميل، يمكننا فهم الالتزام بالمظهر العام على أنه عدم الظهور بمظهر خليع مبالغ به، أو "إباحي"، بحيث يتعارض مع البيئة المفترضة للدراسة، ولكن ما هو مقياس ومعايير إدارات المدارس للمظهر العام الملائم، ومستحضرات التجميل الممنوعة؟

3. حمل الهواتف الذكية داخل المدرسة، ربما شغلت هذه النقطة بعض الجدل بين التربويين حول العالم، وأفضى ذلك الجدل إلى أن استخدام تلك الهواتف أثناء الحصة الدراسية هو ما يجب منعه، أما خارج الغرف الدراسية فلا يمكن فهم منع استخدام الهواتف الذكية إلا على أنه حالة من القمع، خاصة هذه الأيام التي لم تعد فيها الهواتف الذكية مجرد رفاهية.

4. حيازة المواد الإعلامية والصور والمجلات المنافية للقيم والأخلاق وتعاليم الدين الإسلامي، هذه نقطة أخرى تتركها وزارة التربية والتعليم عائمة ومرهونة بقناعات وتوجهات إدارة المدرسة، وهيئة التدريس، فما هو منافٍ للقيم من وجهة نظر الكادر التعليمي ليس بالضرورة أن يكون منافياً للقيم بمفهوم القيم العام، مع الكثير من الأسئلة حول عبارة "تعاليم الدين الإسلامي".

الجدير بالذكر أن في نهاية هذه اللوائح تشير الوزارة إلى أن هذه البنود شاملة لأي قرار تراه إدارات المدارس الثانوية مناسباً طالما أنه يتناسب مع طبيعة البنود المذكورة، وهذا ما يشكل أزمة حقيقية، لأن كل إدارة مدرسية تتبع لمجموعة من المعايير والمقاييس المختلفة، إذ إن الاختلاف الاجتماعي للمدارس باختلاف مناطقها، يفرض وجود إطار موحد للوائح والتعليمات تحدده وزارة التربية والتعليم، بحيث لا تترك القرار لتفضيلات الإدارات المدرسية الذاتية، كما يحدث في جميع مدارس البنات الثانوية.

وبالرغم من محاولات وزارة التعليم لتعزيز الدافعية لدى الطالبات للتعلم وتشجيعهن من خلال بعض الفعاليات والأنشطة تبقى تلك الفعاليات محصورة في إطار اللوائح والبنود الصارمة والمشددة فيما يتعلق بالحرية والإرادة الفردية.

مجتمع غزة وانعدام التنوع الثقافي

إن من الصعب الحديث عن تنوع ثقافي في منطقة مساحتها 360 كم مربع فقط كقطاع غزة، بالإضافة إلى أنها لم تجد متسعاً للاستقرار، إذ هي على مر السنوات كانت محوراً رئيسياً للأحداث والصراعات على المستوى الفلسطيني بعد عام النكبة 1948، انتهاءً بتولي حكومة الأمر الواقع زمام الأمور، وتقلد الحكم فيها، ولا ننسى أن حصاراً إسرائيلياً يخنقها من جميع الاتجاهات، وإن كان ذلك الحصار دافعه محاربة حكومة حماس، إلا أن من دفع الثمن بقسوة هو الشعب، وفقط الشعب في قطاع غزة.

 الحقيقة الغريبة التي يمكن اعتبارها أولى الصدمات الحقيقية التي تواجهها الطالبات في قطاع غزة عند أول تجربة للانخراط في مؤسسات المجتمع، فهي أن وزارة التربية والتعليم تضع قرارات صادمة إلى حدٍ ما، بالنسبة للطالبات المتحمسات لعالم جديد يمارسن فيه حياة دراسية أكثر انفتاحاً من تلك التي عهدنها في مراحل دراستهن السابقة

ولقد كان انعدام التنوع الثقافي في غزة، وضعف سير عمل مؤسسات المجتمع المدني، والحاجة إلى وجود طبقات اجتماعية فكرية مختلفة في منطقة قطاع غزة، نتيجة لذلك الثمن الذي ما زالت غزة تدفعه، وتسميه حماس التفافاً حول مشروع المقاومة، لكن في حقيقة الأمر دائماً للشعب رأي آخر ينكره مشروع المقاومة.

لقد أدى هذا الانطواء على الذات في قطاع غزة، بفعل ما ذكرناه من عوامل، إلى تحجيم الرؤية وتضييق مساعي الإنسان، إذ انحصرت الحياة في المتطلبات اليومية والآنية، هذا ما أدى إلى خلق ثقافة غزية متقاربة تتمحور حول جدلية المقاومة والرغبة في الحياة، وصعوبات الحياة والبطالة والفقر، وتناقض الفئات المسحوقة، مع الطبقات المحدودة شبه البرجوازية، فتكاد إذا قضيت بعض الوقت في شوارع القطاع، لا تسمع سوى نفس الأحاديث، أينما ذهبت، سواء خاطبت سائق التاكسي، أم رجل الأعمال.

على الرغم من ذلك، فإن بعض التمايز في الطبقات الاجتماعية قد تلاحظه بشكل خافت، لأن بعض المناطق تعيش حالة مغايرة قليلاً، عن الوضع العام في قطاع غزة، مع ضرورة ذكر أن الأوضاع الخانقة في القطاع باتت تطال الجميع دون تفريق، ولكن هذه المناطق المختلفة اجتماعياً تفرض ثقافتها المختلفة إلى حدٍ ما على المؤسسات الحكومية، والجهات الرسمية، والمؤسسات التعليمية العام، كالمدارس الثانوية على سبيل المثال، فربما في محافظة غزة نفسها، قد ترى بعض طالبات الثانوية يرتدين ما لا يسمح بارتدائه في المحافظات الوسطى، أو الجنوبية أو الشمالية، ذلك الظهور المختلف لطالبات الثانوية في محافظة غزة سببه أن هذه المنطقة هي القلب النابض لقطاع غزة، ووسطه، فتجد أن سكان المنطقة يفرضون ثقافة معينة، لأنهم هم أنفسهم من يديرون المؤسسات والمدارس والدوائر الحكومية، حتى مراكز الشرطة والأمن، ولكن ذلك الاختلاف لا يمكن اعتباره اختلافاً، إذ إن ثقافة القمع والتقييد حاضرة دوماً في الوعي الجمعي لقطاع غزة، نظراً للإدارة الدينية - الرجعية التي تحكم القطاع كاملاً، فإذا كانت العائلة في محافظة غزة تسمح لإبنتها في الثانوية أن ترتدي "طقم جينز" للمدرسة فهذا فقط لأن الأمر ليس عيباً في المنطقة، وقطعاً إن ضحكت تلك الابنة نفسها بصوت عالٍ في الشارع فسوف توبخها العائلة وربما تعاقبها، هذه هي المفارقة التي لا بد من إيضاحها في محور انعدام التنوع الثقافي.

مراكز إصلاح دينية أم مؤسسات تعليمية؟

"الجلباب الفضفاض الكحلي أو الأسود أو الكابوي الخالي من أي زركشات أو قصات أو ألوان مغايرة ومخالفة للنظام المدرسي"، هكذا افتتحت إحدى المدارس الثانوية للبنات في محافظات شمال قطاع غزة قائمة التعليمات بخصوص مظهر الطالبات في المدرسة، بالإضافة إلى فرض الحجاب كزي مدرسي، وفرض اللون الأبيض فقط كلون للحجاب، أما الحذاء، فتمنع الأحذية الملونة، هكذا كانت "تعليمات النظام والانضباط المدرسي" كما أسمتها إدارة المدرسة.

هذا ما يبدو كخلط بين المؤسسة الدينية والمؤسسة التعليمية. إن اختيار الطالبة لطريق الدراسة، فهذا يعني أنها لا ترغب في الرهبانية، ولديها أحلام وطموحات أخرى، فكيف يمكن تخيل الحياة الدراسية للطالبة الثانوية في ظل هذه البنود الصارمة والأشبه إلى أن تكون لوائح لمؤسسة دينية إصلاحية، أكثر من كونها لوائح وتعليمات مدرسية.

أما الثقافة الدينية لمجتمع غزة فهي ما تحجب عائلات الطالبات عن الشعور بالمشكلة، إذ هناك أجيال من الطالبات تعرّضن للسلطة الذكورية والقمع وتقييد الحريات، وما زالت أجيال أخرى تتعرض للسلطة والعنف نفسيهما، والأذى النفسي والعقلي، حتى وإن لم يكنّ الطالبات أنفسهنّ يشعرن بذلك، فمما لاشك فيه أن قمع الحرية الذاتية حتماً يطفئ شرارة الإبداع، ويبدأ بصناعة حالة من عدم الاتزان النفسي، ربما تلمسه هذه الطالبات مستقبلاً عند الانخراط في المجتمع الفعلي وأسواق العمل، وربما لا، إن تزوجن مبكراً وبدأنَ يدرن في نفس الدائرة مع بناتهن وأبنائهن.

هناك أجيال من الطالبات تعرّضن للسلطة الذكورية والقمع وتقييد الحريات، وما زالت أجيال أخرى تتعرض للسلطة والعنف نفسيهما، والأذى النفسي والعقلي، حتى وإن لم يكنّ الطالبات أنفسهنّ يشعرن بذلك، فمما لاشك فيه أن قمع الحرية الذاتية حتماً يطفئ شرارة الإبداع، ويبدأ بصناعة حالة من عدم الاتزان النفسي

إن هذا الفكر الديني الذي تم التخطيط والبناء للعملية التعليمية في قطاع غزة على أساسه، لا يمكن إلا أن يسفر عن لوائح غريبة وصادمة، تتضمن بنوداً مثل: منع مضغ العلكة في المدرسة! إضافةً إلى البنود الأخرى، والتي تناولناها بإيجاز في المقدمة، كالزي المدرسي الموحد، والذي تجمع أغلب المدارس الثانوية للبنات في غزة على أن يكون جلباباً فضفاضاً واسعاً أسود، وشالة بيضاء تغطي الرأس والشعر بالكامل، مع منع أي اكسسوارات أو مستحضرات تجميل، حتى أن تلك القيود قد وصلت إلى لون الحذاء، هذا الجنون في فرض القيود لا عجب أن يصدر عن فكر ديني متحجر لا بد من النظر بأمره من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، إذ تجدر الإشارة إلى أن وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة وإن كان هناك بعض التنسيق بينها وبين وزارة التعليم الفعلية في رام الله، تتبع بقراراتها الفكر الإسلامي الحاكم والمهيمن على العقل الكلي لقطاع غزة.

لقد كانت المقولة الشائعة "إن عُرف السبب، بطُل العجب"، أما في حالة إدارات مدارس الثانوية للبنات، ووزارة التربية والتعليم في غزة، فإن عرف السبب زاد العجب.

هذه القرارات والبنود واللوائح المقيدة للحريات والهويات الشخصية للإناث في المرحلة الثانوية، يتم تبريرها من قبل إدارات المدارس، على أنها تأتي في سياق حماية الطالبات من المجتمع، ومن الفتنة، ومن الضرر، ومن المعاكسات التي قد تحدث من قبل طلاب المدارس الثانوية للذكور، فالحل من وجهة نظر من يقومون بالتخطيط وإدارة قطاع غزة هو قتل الحريات بدلاً من إيجاد أسباب للمشكلة الحقيقية وهي حاجة طالبات المرحلة الثانوية إلى حماية تكفل لهن حرية الظهور والسلوك، وحاجة المجتمع إلى وعي الحرية والتحرر، وما أحوج المجتمع لذلك الوعي عندما نتذكر أننا تحت الاحتلال. ولكن لا عجب من استخدام الإدارات الحكومية العامة، وإدارات المدارس الحكومية، والوزارات، حتى نظام الحكم ذاته، لأسلوب إغماض الأعين عن الحريق كحل لمشكلة أن هناك حريق.

تحجيم حيوية المجتمع وقتل الجمال من أجل جعل الإخضاع أسهل

ما يقارب 75 مدرسة حكومية ثانوية للبنات موزعة على محافظات قطاع غزة، شمالاً وجنوباً وفي المنطقة الوسطى، ومحافظة غزة، والشيء المشترك بين كل هذه المدارس على اختلاف المناطق، هو حالة تحجيم حيوية المجتمع. قد تبدو العبارة مبالغاً بها إلى حدٍ ما، خاصة عندما نفكر باحتمال أن الأمر مقصود أو مخطط له، وإن أضفنا مفهوم قتل الجمال إلى تلك الحالة، قد يبدو من الصعب التصديق بأن هناك من يخطط حقاً لإخضاع المجتمع في قطاع غزة لفكره وعقيدته وتحالفاته، ولكن هذا هو الأمر، فعندما تمنع وزارة التربية والتعليم في غزة ارتداء "أطقم الجينز" لبنات المدارس الثانوية الحكومية بقرار رسمي، وتعمم القرار حتى على محلات بيع المدارس، فهنا ندرك أن الأمر مخطط من قبل نظام الأمر الواقع الحاكم للقطاع، في حين تنكر وزارة التربية والتعليم بغزة فرضها لذلك القرار. إلا أن القرار مدرج ضمناً في بند الالتزام بالمظهر اللائق بالمجتمع، والتأكيد على الزي الموحد، مع ترك الأمور مفتوحة لإدارات المدارس لتمارس سلطتها الأبوية - الذكورية كما ترى، وكما يتناغم مع رؤية وزارة التربية والتعليم – غزة، ممثلة بأفرادها أصحاب الفكر الديني.

لقد كانت المقولة الشائعة "إن عُرف السبب، بطُل العجب"، أما في حالة إدارات مدارس الثانوية للبنات، ووزارة التربية والتعليم في غزة، فإن عرف السبب زاد العجب

فإذا كان الحكم يستند على جهل الشعوب، فتحرر الشعوب من الجهل هو العدو الأول لذلك الحكم، والمهدد الرئيسي لوجوده، ولذا تعمل الحكومات الرجعية جاهدة من أجل بسط سيطرتها على الشعوب من خلال إشاعة القبح وقتل الجمال، وسحق الحريات، وتقييد الإرادة الفردية، وفي منطقة كغزة تحكمها حركات المقاومة الإسلامية التابعة لحلفائها الإقليميين كإيران، فإنها لن تدخر جهداً في إبقاء قطاع غزة منطقة متأهبة للموت، كارهة للحياة والجمال والفن والموسيقى، ومضطهدة لحرية النساء والطالبات (سواء في الثانوية أو الجامعة) بشكل خاص، لما تشكله حرية النساء من رمزية للحضارة، لذا فهم سيحرصون دائماً على إخفاء المرأة، إذ هي تعيق عملهم كأرباب خراب وموت.

سياسة التخطيط وفق الأوضاع القائمة والبناء عليها

في كثيرٍ من الأحيان تتحول قضية الزي المدرسي، وفتاة الثانوية الحالمة، والمجتمع المحافظ، إلى تحدٍ بين إدارة المدرسة (التي ترتكز على قرارات وزارة التعليم المبطنة) والطالبات، هذا ما يحدث عند التخطيط الوزاري على أساس الوضع القائم، لا على أساس عقلية الوزارة ورؤيتها لكيفية إحداث التغيير وخلق ما هو أفضل.

هذا ما يفسر بعض التباينات المناطقية في قطاع غزة، فربما تهتم بلديات محافظة غزة بنظافة شوارعها أكثر من بلديات منطقة أخرى من القطاع، حيث أن هذا هو الوضع القائم في محافظة غزة، وربما تسمح – كما ذكرنا - إدارات المدارس الثانوية للبنات في محافظة غزة الرئيسية للطالبات بارتداء ما لا يسمح لغيرهن في المناطق الأخرى، ولكن لن تفكر الوزارات والبلديات بخلق التغيير، وصناعة المظهر الحضاري العام لجميع المحافظات، فالأمر دائماً متروك لما هو قائم.

وعلى الرغم من ذلك، وبعيداً عن الحكم المحافظ، قد يكون الأمر أكثر شخصية، فقد تعين الوزارة مديرة بفكر ديني رجعي لمدرسة في منطقة متقدمة اجتماعياً، وستستطيع بكل سهولة ممارسة سلطتها الدينية، دون أن يجرؤ أحد على مجابهة المنظومة المتشابكة من الحكم الديني-الرجعي، المتداخل مع الثقافة الدينية التي عززتها الحركات الإسلامية في قطاع غزة لدى الشعب البسيط في كثير من المناطق، فأصبحت تلك الثقافة حالةً عامة.

وعند الحديث عن شخصنة الأمور وعدم الحيادية لدى مديرات المدارس الثانوية للبنات يجب ذكر مرح كارم نشوان كمثال، الطالبة ذات الـ16 عاماً، التي منعت من دخول المدرسة لعدم ارتدائها الحجاب في العام 2015، في ظل عدم وجود قانون دستوري ينص على ارتداء الحجاب كشرط لدخول المدرسة، وكانت تلك الحادثة مواجهة فعلية لعائلة ليبرالية متحررة ضد الأنظمة البالية في القطاع، حيث اصطفت وزارة التعليم بجانب مديرة المدرسة، بحجة أن المديرة يحق لها أن تمنع وتسمح بما تراه مناسباً لمصلحة مدرستها وطالباتها، وأنها ترفض إشاعة الفاحشة بين الطالبات!

وفي نهاية المطاف أُجبرت نشوان على الانصياع، فهي تريد أن تكمل تعليمها، حتى وإن كان في مدرسة تديرها التوجهات الدينية، والنزعات الشخصية لمديرة تعتبر أن مدرستها هي مملكتها، ولم تكن هذه الحادثة الأولى في قطاع غزة ولا الأخيرة، فكثيراً ما نسمع عن مديرة تهدد، ومديرة تطرد، ومديرة تضرب طالباتها لعدم انصياعهن للّوائح التي هي في كثيرٍ من المرات نتاج خيال المديرة نفسها، فهي في حماية العادات والتقاليد والحكم الديني القمعي للقطاع والذي يستفيد من هذه الحالة لضمان بقائه واستمراره.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard