في ساحة مدرسة في خان يونس في قطاع غزة وقف أمجد محسن (14 عاماً)، وحيداً، معاقَباً، ينتظر قدوم والده، بعد أن استدعته إدارة المدرسة لأمر جلل، ليُفاجأ الأب عند وصوله بالمرشد التربوي في المدرسة الإعدادية لابنه، يقول له: "ابنك عامل مصيبة، ابنك متحرش".
"من وقع الصدمة لم أستطع التفكير. وجدتني أتصبّب عرقاً وكأني بلعت لساني وبت عاجزاً عن الرد "، يقول محسن والد أمجد.
أخذ المرشد الأب بعيداً، وشرح له ما حدث، عندما جاء طالب في الصف الثالث يزعم أنّ أمجد أنزل سرواله في الحمام، وتحرش به، وبعد سؤال أمجد، تلعثم، وأنكر، ثم سكت "سكوت المعترف".
"أول ما فكرت به هو هاتفه المحمول".
يضيف والد أمجد (63 عاماً) يعمل سائق: "اعتذرت للمدرسة، ووعدت بمتابعة الأمر، وعندما عدت للمنزل، جلست أفهم منه ما حدث، وأول ما فكرت به هو هاتفه المحمول".
يؤكد الأب أنه صدم بمحتوى "إباحي" من صور وفيديوهات في رسائل يتداولها ابنه مع أصدقائه، لافتاً إلى أنها السبب وراء فعلة ابنه "الشنيعة"، على حد وصفه.
"بوابة جهنم"
ويبدو أن الانفتاح التكنولوجي أمام المراهقين عبر الأجهزة الذكية، في أجواء منغلقة ومحافظة، لا وجود فيها للتربية والتوعية الجنسية بشكل مستمر، تأخذ هذا الجيل نحو منحدر سلوكي وأخلاقي مريع، وتفتح أمامهم "أبواب جهنم"، حسب ما يقول الدكتور في الطب النفسي فضل عاشور.
يشير عاشور في حديث لرصيف22 إلى أن العديد من المراهقين في زمن الانفتاح التكنولوجي أضحت لهم حياة غير سوية، إذ انكسرت "كافة المحرمات، وأصبح كل شيء متاحاً أمامهم، من الحوار مع آخرين إلى مشاهدة مواد وأفلام إباحية، خصوصاً أن الجوال سهّل الوصول إلى تلك المواقع".
"كان الطفل يقلد أصواتاً أشبه بلحظات العلاقة الحميمية، لم أعط الموضوع حقه، حتى اشتكت إحدى الطالبات في الصف الثاني أنه حاول تقبيل فمها، وقتها فهمت أنه يوجد شيء غير طبيعي"
ويؤكد أن أخطر ما في التعرض للمواد الإباحية، أن يصل المراهق إلى درجة يصعب فيها السيطرة على نفسه، في ظل غياب رقابة وتوعية الأهل.
بدأ يظهر تحرش المراهقين والطلبة واضحاً في المدارس أو في شوارع غزة خصوصاً أن تصورات بعضهم تجاه بعض "لا تكون طبيعية، وتسيطر عليهم نزعة تدفعهم للتحرش بفتيات أو بأولاد"، بحسب عاشور.
ويضيف: "الضرر لا يطال المتحرش بهم وأسرهم فقط بل كذلك يطال المتحرش نفسه وعائلته، لأن السمعة مهمة جداً في المجتمعات العربية المحافظة كقطاع غزة، وكل شيء اليوم مكشوف وسريع الانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يمكن إخفاء أي جريمة تحرش".
مقاطع إباحية عبر يوتيوب
ورغم أن الأجهزة الإلكترونية ممنوعة داخل الحرم المدرسي إلا أن وائل سمير (اسم مستعار) لم يتردد في إخفاء هاتفه في حقيبته المدرسية، ليتصفح هو وزملاؤه مقاطع إباحية في الساحة الخلفية للمدرسة، ممّا استوجب فصله لمدة أسبوع، واستدعاء ولي أمره، فما كان من الأخير إلا تكسير هاتفه المحمول وحرمانه من المصروف، ومن نزول الشارع، وحتى من مشاهدة التلفاز.
تقول لينا (42 عاماً)، تعمل ممرضة في مستشفى حكومي، وانفصلت عن والد وائل قبل عامين: "اشتريت لابني الجوال حتى يسهل التواصل بيني وبينه، وظننت أن الجوال سيعوضه عن غياب أبيه، ويحفزه على الدراسة، كان يقضي ساعات بغرفته، ولا أعرف كيف أتابعه، ولما أسأله يقول لي أنه يتحدث لأصدقائه، حتى اكتشفت مرة أنه بحكي مع بنت عربية من كندا، وليتني ما رأيت المحادثات".
وتشير لينا إلى أن ابنها يخضع لتقويم سلوك عبر مرشد المدرسة، إضافة إلى أنها تجلس معه، وتوجهه.
إيحاءات جنسية بين الطلاب
يقول محمد عبد الكريم ( 45 عاماً)، وهو مدرس في مدرسة للبنين: "الأهل باتوا يستسهلون أن يحمل أبناؤهم الهواتف الذكية، معتقدين أنهم كبروا ويفهمون ماذا يفعلون، ولكن للأسف نحن في المدرسة غالباً نكتشف مساوئ التكنولوجيا عبر مشاهداتنا وملاحظاتنا سلوكيات الطلاب".
ويضيف: "كثيرون منهم يستخدمون ألفاظاً نابية وإيحاءات جنسية، وبعضهم يؤدي حركات أيضاً تحمل إيحاءات جنسية، ونحن كمعلمين ننهرهم، ولكن في النهاية سلوكهم لن يستقيم بدون مراقبة الأهل".
وتقول دنيا الخالدي (24 عاماً)، معلمة في مدرسة ابتدائية: "أغلب الأطفال لديهم جوال أو تابلت، وغالباً يتابعون اليوتيوب، وتظهر بعض المقاطع دون انتباه الأهل، وتعلق في ذهنهم".
"لا أعرف ما كان يحدث معي، تمنيت أن أجرب هذا الشعور، الذي يسمونه النشوة، رأيت فيديوهات كانت تظهر لي على اليوتيوب، وشعرت أني أرغب في التجربة"
وتتذكر واقعة جرت لطفل كان خلال الحصة يؤدي أصواتاً أشبه بلحظات العلاقة الحميمية، وتقول لرصيف22: "لم أعط الموضوع حقه حتى اشتكت إحدى الطالبات في الصف الثاني أنه حاول تقبيل فمها، وقتها فهمت أنه يوجد شيء غير طبيعي فجلست معه مرة في ساحة المدرسة، واشتريت له الحلوى، وفهمت من حديثه أنه شاهد مقطعاً جنسياً وهو يتابع اليوتيوب من خلال جوال والدته".
"حسيت نفسي أجرب"
وبصعوبة بالغة وافق أبو أحمد أن نجري حديثاً مع ابنه الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة، وقد تعرض مرة لابن الجيران في مدخل العمارة وتحرش به حتى افتضح الصغير أمره، وشكاه لوالده، يقول أحمد: "لا أعرف ما كان يحدث معي، تمنيت أن أجرب هذا الشعور، الذي يسمونه النشوة، رأيت فيديوهات كانت تظهر لي على اليوتيوب، وشعرت أني أرغب في التجربة".
"أخاف على سمعتي وسمعة أهلي".
ويضيف: "مستحيل أعيدها ثانية، خصوصاً أني أخاف على سمعتي وسمعة أهلي".
يقول الدكتور عاشور: "ينعكس التحرش على الحالة النفسية للمتحرش بهم، ويعيشون حالة مرضية تؤثر على علاقتهم بالعائلة، ويصبحون غير قادرين على الإنتاج والدراسة والتفاعل،ويفقدون الشعور بالأمان. في المناسبة كل هذه الآثار تصيب المتحرش نفسه أيضاً إذا ما افتضح أمره وتصبح لديه عقدة نفسية واجتماعية كبيرة".
ويشدّد عاشور على ضرورة متابعة الأهل مبكراً سلوكيات الأطفال ومراقبة ما يشاهدون عبر وسائل التكنولوجيا.
تغيب في غزة المحافظة مطالبات بضرورة تدريس "التربية الجنسية"، ويربط كثيرون ممن حاورتهم رصيف22 زيادة تحرش الطلبة والمراهقين بغياب الرقابة الشديدة، أو ضعف النزعة الدينية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...