شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
بين مأزق المشروع الوطني وخطابة الرئيس العالية… يعيش الوهم

بين مأزق المشروع الوطني وخطابة الرئيس العالية… يعيش الوهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 28 سبتمبر 202201:47 م

ليس معلوماً إذا كان يجب أن نشعر بالشفقة تجاه القضية الفلسطينية، أم تجاه الساسة الذين يديرونها وهم لا يزالون يحملون نفس الإيمان بأن الأمل في الحل السياسي يمكن أن يخرج من قاعة يجلس على مقاعدها أناس لديهم اهتمامات مخالفة لكل السلع والبضائع التي يطرحها قادة وزعماء الدول، وأن الاعتقاد بأن مجرد القبول بسماع محاضرة تاريخية عن طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يمكنها أن تثير المشاعر وتغرق القاعة في دموع ذرفت. هذا الفهم الخاطئ ربما أبعدنا عن فهم الدرس الحقيقي وهو يمكن أن تعالج القضايا وسبل طرحها التي تحتاج إلى بصيرة. هذا وما زلنا نجهل قراءة شكل الخطابات ذات التأثير الكبير ونكتفي بإظهار أنفسنا ضحايا متعايشة مع كوارثها، وأن دروس الحياة والتجربة لم تتشكل بعد، لأن نظام الحكم لدينا مبهم وفضفاض إلا أنه يمتلك قدرات هائلة لاستيعاب أي مصيبة، فلا الشعب يعي مشكلته الحقيقية ولا حكامه بقادرين على التصدي، لتنشأ علاقة سريالية في إدارة شؤون البلاد وفق رؤية يحددها من يجلس على الكرسي.

محاضرات أمام قادة حكومات!

الرئيس أبو مازن حاول أن يتقمص دور محاضر جامعي ذي ذاكرة منتعشة بالكثير من الأحداث، فلقد برع في شرح الظروف الحياتية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بأدلة دامغة وبينات لا تقبل الجدل ولا الدحض، ولربما يكون الخطاب وما تضمنه من معلومات هو الأكثر إبداعاً ودقة على الإطلاق، إلا أن كل ذلك ليس خافياً ولا يأتي بجديد على قادة دول لديها مراكز بحثية ووزارات خارجية وأجهزة مخابرات وصحافة حرة، لذا فإن عنصر الصدمة حال تلقيهم تلك الأخبار وما يفعله الجيش الإسرائيلي لا يمكنه أن يشكل حافزاً لقول أو فعل ما يخالف توجهاتهم السياسية.

الرئيس أبو مازن حاول أن يتقمص دور محاضر جامعي ذي ذاكرة منتعشة بالكثير من الأحداث، فلقد برع في شرح الظروف الحياتية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بأدلة دامغة وبينات لا تقبل الجدل ولا الدحض، ولربما يكون الخطاب وما تضمنه من معلومات هو الأكثر إبداعاً ودقة على الإطلاق، إلا أن كل ذلك ليس خافياً ولا يأتي بجديد

لذا فإن محاولة النظر إلى الحكومات على أنها جمعيات خيرية أو مراكز لحقوق الإنسان أمر شديد الغرابة، فهذه دول بمجملها استمدت شرعية خطابات زعمائها من صناديق انتخابية عامة وبرلمانات وإرادة شعبية تجعل لهم ولما يقولون وزناً، ولا يمكن لهذا العالم الذي يخاطبه الرئيس أن يقر بصحة موقف رجل يعتلي سدة الحكم منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ويتفرد بإصدار القرارات والقوانين، بل تجاوز الأمر ذلك، فعلمهم اليقين أن من يخاطبهم يفتقر إلى المد الشعبي بفعل غياب العملية الديموقراطية ويعاني حكمه من الانقسامات السياسية التي أصبح عمرها من عمر وصوله إلى سدة الحكم، حتى الحركة الثورية التي يتزعمها فقدت مكانتها الطليعية.

أزمة مشروع وليس خطاب

أما الحقيقة التي يتجاهلها كلا الفريقين في الموالاة والمعارضة بعدما تورطا في المشروع السياسي ذاته، فهي أنه ليس مهماً ما قال أو سيقول الرئيس أبو مازن، إذ ثمة تساؤلات يجب أن تسبق تقييم الخطاب وغيره من التصريحات والتهديدات التي لوح بها "المهلة التي منحها للاحتلال مثالاً"، لربما أهم تلك التساؤلات: ألا يزال المشروع السياسي الذي ينطلق منه الرئيس أبو مازن في حديثه وتصوراته وخطواته، مجدياً وقائماً؟

الإجابة عن هذا السؤال أولاً تستدعي أن نعود إلى بناء جدار الفصل العنصري داخل الضفة الغربية، وشبكة المستوطنات الإسرائيلية التي وصلت إلى أكثر من 196 مستوطنة و232 بؤرة استيطانية موزعة في جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها شرق القدس. وتشكل هذه المستوطنات ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية ويقيم داخلها قرابة المليون مستوطن، لتشكل هذه الأرقام عقبة مادية جوهرية في فكرة إنشاء الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية والذي يقوم على أساس الاعتبارات الدينية والسياسية والاقتصادية والأمنية والإستراتيجية التي ساهمت في تشكيل الانجذاب الذي يعبر عنه المجتمع الإسرائيلي في الاندفاع نحو اليمين المتطرف، وهذا ما دللت عليه نتائج الانتخابات العامة في السنوات الأخيرة.

ومن ثم نستذكر ما فعله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وصفقة القرن التي أعلن عنها، ودمرت آخر ما تبقى من هذا المشروع، بعدما منح الاعتراف بسيادة القدس لإسرائيل بوصفها عاصمتها الأبدية، والسماح لها بضم منطقة غور الأردن كاملة، بالإضافة إلى ضم جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والتي على أثرها أعلنت إسرائيل " خطة الضم ".

وهذا ما يوصلنا، وكذلك ما أوصل القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن، الذي عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة، إلى أن هناك قناعة تامة بصعوبة التوصل إلى حل الدولتين، بسبب العوامل التي ذكرت سابقاً، بالإضافة إلى وصول المفاوضات إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإسرائيلي، وضعف أدوات المفاوض الفلسطيني الذي سلب نفسه أوراق قوته بفعل الأوضاع الداخلية المزرية وحالة العداء وكيل وتبادل الاتهامات وتمترس كل طرف خلف ما حققه من غنائم في حكمه.

ليبقى السؤال المتجدد: على ماذا يبقى الرهان ضمن إطار هذا المشروع؟ وأي كان شكل الخطابات التي سنعلنها، إلى أي شكل من أشكال التغيير ستقودنا؟ وهل أننا كفلسطينيين لم ندرك بعد معادلة "أن من يدخل نفس المدخلات سيجد نفس المخرجات دائماً".

جدوى التهديدات

حتى بالعودة إلى المهلة التي تم تغييب ذكرها عن الخطاب والتي لوح بها الرئيس أبو مازن قبل عام وعدة أيام للإسرائيليين، وحدد فيها مطلبه بشكل واضح بأن ينسحب الإسرائيليون إلى حدود الأراضي المحتلة عام 67 دون أن يوضح ما هي القرارات التي سيتخذها في حال عدم امتثال الاحتلال لهذا التهديد، الذي بالفعل لم يمتثل لشيء، والذي ربما أخذ هذا التهديد من باب الكوميديا السوداء، وأنه مجرد تكرار لسيناريوهات عدة لم يعد أحد يأخذها على محمل الجد، وقد عبر عن ذلك وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس عندما تحدث لـ"قناة 13" الإسرائيلية، ساخراً من المهلة التي قال اختصرها بأن "عباس تسلق شجرة يصعب النزول عنها".

هذا يُلزمنا أن ننظر إلى الحالة الفلسطينية التي تم تطويعها والتخلي فيها عن نهج وأهداف ومضامين التحرر الوطني، وذلك قبل اكتمال أركان السيادة والوصول إلى الدولة، حتى انتقلت الإستراتيجية السياسية الفلسطينية إلى الرهان على السياسات الأمريكية والمجتمع الدولي، وأضحت القضية وكأنها صراع بين كيانين، وكأن ثمّة طرفين يمتلكان حقين متساويين ضمن إطار خصومة على الأرض، وليس طرف ظالم وطرف مظلوم، وأضعنا الهدف والمعنى وأصبحنا مشغولين بقضايا شكلية تتعلق بالحكم، وأفرزت هذا القضايا الانقسامات السياسية وحرف البوصلة نحو اللهاث على المناصب والألقاب دون المضامين، لنعيش الاقتتال الفلسطيني وانعدام فرص الوصول إلى المصالحة الفلسطينية، دون أن يذكر أحد من أجل ماذا هذا كله. ومن ثم أين القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين الذين من أجلهم ومن أجل الأرض قامت الثورة الفلسطينية؟

حتى بالعودة إلى المهلة التي تم تغييب ذكرها عن الخطاب والتي لوح بها الرئيس أبو مازن قبل عام وعدة أيام للإسرائيليين، وحدد فيها مطلبه بشكل واضح بأن ينسحب الإسرائيليون إلى حدود الأراضي المحتلة عام 67 دون أن يوضح ما هي القرارات التي سيتخذها في حال عدم امتثال الاحتلال لهذا التهديد، الذي بالفعل لم يمتثل لشيء، والذي ربما أخذ هذا التهديد من باب الكوميديا السوداء

كذلك إن حالة عدم تجديد الأفكار والتمسك بفكرة واحدة سبق أن أثبتت فشلها في محطات عدة، أوصلت إشارات مهمة إلى متخذ القرار في إسرائيل بأن التمسك الفلسطيني بحقوقه كما يزعم يمكن أن يقود ويدفعه للتخلي عن الكثير منها، وأن الأحاديث المعلنة تتناقض مع الإشارات التي يلمح بها العديد من المسؤولين إلى إسرائيل، فهي تعرف عنا الكثير وتعرف ما يؤلمنا ومناطق أوجاعنا، لذا لا تبدي مرونة إلا في بعض الأحوال التي تعود عليها بالمكاسب، وتظهر أنها رضخت لطلبات السلطة كنوع من تسجيل المواقف، ولنا في قبول العودة لتشغيل الاَلاف من الفلسطينيين رسالة مهمة.

تغيير الإستراتيجية

لذا أصبح من باب أولى علينا نحن الفلسطينيين التفكير الجاد والحقيقي في تغيير التكتيك ولربما الإستراتيجية العقيمة التي نتبناها، وأن ندرك أن الرهان على المجتمع الدولي والسياسة الأمريكية وحدهما لن يكون مجدياً ولن يقود لأي تغيير، لا من خلال الخطابات الرنانة ولا التهديدات الفارغة المضمون، خصوصاً إذا ما أخدنا بعين الاعتبار إمعان الإسرائيليين في ابتلاع الأرض في الضفة الغربية والمضي قدماً في تهويد القدس وإكمال الحفريات تحت المسجد الأقصى، وكذلك انشغال الولايات المتحدة الأمريكية في أمور تتعلق بترتيباتها الاقتصادية في منطقة شرق اَسيا وعلاقاتها بالصين، بالإضافة للأزمة الروسية الأوكرانية، حتى عربياً لم يعد الأمر مجدياً بعد اتفاقيات التطبيع التي أبرموها وانشغالهم بإصلاح ما يسمى بالربيع العربي.

أصبح من باب أولى علينا نحن الفلسطينيين التفكير الجاد والحقيقي في تغيير التكتيك ولربما الإستراتيجية العقيمة التي نتبناها، وأن ندرك أن الرهان على المجتمع الدولي والسياسة الأمريكية وحدهما لن يكون مجدياً ولن يقود لأي تغيير، لا من خلال الخطابات الرنانة ولا التهديدات الفارغة المضمون

ولا يخفى على أحد أن أول عوامل التغيير التي نحتاجها كفلسطينيين تتمثل في استعادة ورقة القوة الأكثر أهمية والتي تتمثل بالعودة إلى مربع الوحدة الفلسطينية ووضع الاَليات وصولاً للقرار الفلسطيني الموحد، ضمن خطط وبرامج مختلفة عن السياقات التي أثبتت فشلها، ولربما يكون البديل الدائم الطرح، والذي تحدث فيه صائب عريقات عام 2009 حول الدولة الواحدة ، وكذلك ذكره أحمد قريع بعد مؤتمر أنابوليس ولوح فيه عدد كبير من الساسة الفلسطينيين في مقدمتهم الرئيس أبو مازن، ليعتبر الحل الأمثل بالإضافة إلى حلول كثر يجب أن يتم إعادة طرحها على الطاولة جدياً.

وفي النهاية أقول إن الاحترام يبدأ عندنا ولن تطربنا اللغة وتدفعنا للتراقص أمام عظمتها وقدرتها، وما قاله الرئيس أبو مازن بالرغم من دقته ليس جديداً ولا بعيداً عن فهمنا ولا فهم العالم، وإذا لم ننتبه لكل المعطيات التي أغرقنا أنفسنا وأغرقونا فيها ومع غياب انعقاد الانتخابات، والتنبؤ الكبير بحالة الفوضى التي ستلي رحيل أبو مازن والتي ستوفر غطاء لتدخل الجيش الإسرائيلي لنزع فتيلها، سيكون ثمنها تعيين رؤساء مجالس لروابط قرى قادم لا محالة، فهل هذا ما ناضلنا ونناضل لأجله كفلسطينيين؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard