شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لنكن جدّيين لمرة واحدة ونسأل: ماذا لو مات الرئيس حقاً؟

لنكن جدّيين لمرة واحدة ونسأل: ماذا لو مات الرئيس حقاً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الثلاثاء 14 يونيو 202211:54 ص

في البداية لم يكن الأمر سهلاً. حدث ذلك قبل سنوات، عندما مات الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأول مرة. أذكر ذلك اليوم تماماً، قرأت الخبر ووقفت على أربعتي مثل حيوان بليد يتضخم ويتنفس بصعوبة داخل غرفته الصغيرة. لقد مات الرئيس إذاً، لكنها لم تمض ساعات قليلة، حتى ظهر بكامل قيافته المعتادة ليطمئننا نحن الفلسطينيين بأنه لا يزال على قيد الحياة. لا أخفيكم، أنني بعد هذه العودة الميمونة، شعرت براحة هائلة تستريح في خلايا جسدي. لقد استرحت من عبء أسئلة كثيرة كانت ستلتهمني لو لم يعد الرئيس… أسئلة تفضي في كل مرة إلى حفرة سوداء مضيئة بعنوان "وهسا شو؟".

منذ ذلك الوقت، تتردد الشائعات بين فترة وأخرى حول وفاة سيادته، وفي كل مرة، يقوم بحول الله من بين الأموات، ونردد نحن شعبه المسكين: قام قام حقاً قام، حتى أن الأمر أصبح يشبه إلى حد ما، لعبة بين شياطين حارتنا الصغار "اللي بيندهس مرتين بيطلع برة اللعبة".

أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، كان قد غرد عبر "تويتر" بأنه "لا صحة للأخبار الصفراء المتداولة حول صحة السيد الرئيس محمود عباس، وهو يتمتع بصحة جيدة، ويزاول عمله كالمعتاد، وما يروج له، الهدف منه العبث بالوضع الداخلي الفلسطيني". بالطبع، جميعنا نصدق هذا الكلام، خاصة أن سيادة الرئيس لا يزال شاباً نشيطاً في السابعة والثمانين من عمره، ويشغل كافة مناصبه بكفاءه عالية؛ رئيساً للسلطة الوطنية، ورئيساً لحركة فتح، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. الرجل يجلس على الكراسي الثلاثة في آن معاً، ولكن كذلك، لا يجب أن ننسى، أنه حين ينهض أيضاً، سوف ينهض عن هذه الكراسي الثلاثة دفعة واحدة.

كلما حاولت التفكير في هذا الأمر بجدية، أجد نفسي عاجزاً عن الكلام حتى. يبتل لساني في فمي ويذوب مثل محرمة رقيقة ويختفي، وفي هذه الأثناء، تنشر وسائل إعلام إسرائيلية، بضعة أخبار حول خطتين عسكريتين للتعامل مع سيناريو وفاة الرئيس محمود عباس. الأولى بعنوان "خطة كسوف الشمس"، والتي تناقش إمكانية أن تقوم قوات الاحتلال بمرافقة نعش الرئيس الفلسطيني، وذلك بعد نقله إلى مستشفى في الأردن ووفاته هناك، ثم مرافقة الجثمان إلى حاجز عسكري عند رام الله، وتشمل نشر قوات الاحتلال في الضفة والسيطرة على مفترقات طرق مركزية، بينما تتناول الخطة الثانية، والتي جاءت بعنوان "صراع العروش"، الفترة التي "تلي دفن الرئيس إلى حين تولي قائد فلسطيني آخر".

 الرجل يجلس على الكراسي الثلاثة في آن معاً، ولكن كذلك، لا يجب أن ننسى، أنه حين ينهض أيضاً، سوف ينهض عن هذه الكراسي الثلاثة دفعة واحدة

أنا أيضاً لدي خطة، خطة أخرى محكمة اسمها "القمر الطالع"، وهي أن لا يموت الرئيس أبداً. نعم، أحياناً أشعر بعاطفة هائلة تجاه هذا الرجل. أريده أن يبقى بيننا حتى يطفئ شمعة عيد ميلاده الـ120، وفي تلك اللحظة فقط، يمكننا أن نلتف حوله والسعادة تملأ وجوهنا السخيفة ونقول: انشالله للـ240 يا جدو.

أنتهي من مطالعة الأخبار الإسرائيلية حول صحة الرئيس، وتهجم علي الأسئلة الكثيرة مثل جرذان جائعة، تتسرب إلي من كل مكان، من تحت أصابعي وأقدامي ومن تحت إبطي. طيب… ماذا لو استيقظنا صباحاً ولم نجد إسرائيل؟ ماذا لو شلحنا أوسلو قليلاً؟ ماذا لو لم يُقتل نزار بنات؟ ماذا لو لم تجد إسرائيل الأسرى الستّة؟ ماذا لو نهضت شيرين عن الأرض ونفضت ملابسها واستمرت في نشرتها كما تفعل دائماً؟ ماذا لو أن الرئيس لا يموت بالفعل؟ ماذا لو أضفنا للسلطة الفلسطينية القليل من الخس والليمون والنعنع الناشف؟ ماذا لو تحررنا قليلاً؟

لطالما كان التخبط إستراتيجية تنتهجها السلطة مع نفسها حتى. لقد رأينا ذلك نحن الفلسطينيين وحفظناه عن ظهر قلب. سنذهب إلى المحكمة الجنائية الدولية… أو قد لا نذهب. سوف نوقف التنسيق الأمني مع الإسرائيليين… أو قد لا نوقفه. سوف تجري الانتخابات في موعدها… أو قد تتأخر 30 عاماً أخرى.

إنه سيرك صاخب وملون لا يهدأ، ونحن نجلس فيه ونتفرج على بضعة مهرجين دمويين ظُرفاء، مهرجين يمكن أن ينهالوا عليك بالعصي والعتلات إذا لزم الأمر، وهم يضحكون، تماماً كما حدث مع الناشط الفلسطيني نزار بنات.

كلنا أبطال ومهزومون في الوقت ذاته. حزننا يفيض عن الحاجة، وكذلك فرحنا يفيض عن الحاجة، حتى كراهيتنا تفيض عن الحاجة. لكننا نحب الحياة، هكذا ببساطة وعفوية كما قالها محمود درويش ذات يوم من خلف نظاراته السميكة، وفي نهاية المطاف، لا يمكننا القول إلا أن الرئيس مزهريتنا الكبيرة، مزهريتنا التاريخية الثمينة، وكما علمتنا أمهاتنا، نحن لا نطفئ سجائرنا في المزهريات.

يمكننا أن نستمر في السخرية من هذا الأمر حتى الصباح، ولكن، مرة بعد أخرى، وشائعة بعد أخرى، علينا أن نقف قليلاً ونسأل السؤال المخيف الذي نؤجله منذ مليون عام… ماذا لو تهور الرئيس ومات حقاً؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard