شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
نحن لسنا وقوداً... دعوى قضائية لتأميم الفيسبوك

نحن لسنا وقوداً... دعوى قضائية لتأميم الفيسبوك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 29 سبتمبر 202212:56 م

هل من الضروري أن نكتب مقدمة عن شركة "فيسبوك" أو "ميتا"؟ وهل من داع للحديث عن أثر الموقع الأزرق على حياتنا، وكيف تحولنا إلى "وقود/بيانات" نتعرض للانتهاك والمراقبة والعنصرية ونوبات الفزع من أجل شركات الإعلان؟ أظن أنه لا داع! أما من لا يزال ساذجاً، وغير مدرك لما نختبره من هندسة اجتماعيّة، فليسترخِ! أو لينتبه قليلاً إلى أن هناك من يحاول إنقاذنا، وكل ما يجب على الغافلين فعله هو التوقيع على عريضة "تأميم فيسبوك".

ما نحاول الحديث عنه هو العمل الفني القانوني الذي يحمل عنوان "تأميم فيسبوك"، المبادرة التي بدأت عام 2020 وما زالت مستمرة حتى الآن، بإشراف الفنان الهولندي جوناس ستال والمحامي البلجيكي جان فيرمون، والهدف منها أن يقوم البلايين الثلاثة من مستخدمي فيسبوك، برفع دعوى قضائيّة جماعية (Collective Action lawsuit) في سبيل تأميم فيسبوك، أي أن تتحول ملكيته إلى مستخدميه، ليصبح جزءاً من الفضاء العام.

لكن كيف يتم ذلك؟ أي مقاضاة فيسبوك. الشأن بسيط، يكفي المشاركة بالاسم الحقيقي والبريد الإلكتروني على موقع الدعوى الرسمي، ليصبح المستخدم واحداً من المدّعين في القضية التي سترفع عام 2023 أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. القضية التي استفاد ستال وفيرمون من المسارح والصالات والاجتماعات العلنية للقيام بمحاضرات عنها أو "بروفات عن المحاكمة" من أجل تثقيف الجمهور وحثّه على المشاركة.

بدأ مشروع "تأميم فيسبوك" منذ عام 2020، ويهدف إلى تحويل موقع التواصل الاجتماعي الشهير من شركة خاصة إلى ملكية جماعية يحمل أسهمها المستخدمون

تستند الدعوى في حججها على أن فيسبوك يهدد حقَّ تقرير الأفراد لمصيرهم، خصوصاً أنه يستفيد من المستخدمين وبياناتهم، جاعلاً ممارستنا التواصلية "جهداً" يَربح منه الموقع ويراكم الثروة، سواء عبر بيع البيانات، أو مراقبة سلوكنا، ناهيك عن دوره في نشر الكراهية والعنصرية والتلاعب في بعض الأحيان بالانتخابات الرئاسيّة، كما حصل في الولايات المتحدة زمن دونالد ترامب.

اقتصاد البيانات

تنطلق الدعوى في نصها من الشكل الاقتصادي الجديد الذي غزا العالم بداية الألفية الثالثة، أي اقتصاد المعلومات وتحول البيانات إلى "نفط جديد". هذا الشكل من الاقتصاد لا يقوم على "العمل" بصورة مباشرة، بل نقتبس هنا من دراسات المراقبة مصطلح "اللعب" المرتبط باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والمقصود به تحولُ الحياة اليومية إلى شكل من أشكال اللعب الذي توفره وسائل الاتصال الآني، تلك التي نقدم لها بياناتنا مجاناً في سبيل متعة آنية، ضريبتها إعلانات تبث في وجهنا وخوارزميات تتحكم بما نفكر به.

ينتهك فيسبوك حق المستخدمين بممارسة النشاط الاقتصادي بشكل حرّ، بل يمكن وصف ما يقوم به من حصاد للبيانات بالعمل القسري

يشير نص الادعاء أن فيسبوك لا يعتبر الشركة الأولى والأقوى في مجال اقتصاد تبادل المعلومات. لكن يمكن وصفه بالأداة الأشدّ لحصد البيانات وتحويلنا إلى "مجموعات "، يتم استهداف كل واحدة منها (عبر الخوارزميات) بما يُظن (نركز هنا على المبني للمجهول) أنه يفيد كل جماعة، سواءً كنا نتحدث عن الإعلانات، أو الأخبار، أو المنشورات. أي يتم "تنميط" الأفراد في سبيل حشدهم واستهدافهم بما يخدم رأس المال، ما يحولهم إلى بيانات يقوم فيسبوك/ميتا ببيعها لمن يدفع أكثر.

العمل القسري

تتهم الدعوى فيسبوك بأنه خلق ما يمكن تسميته بـ" العمل القسري"، فاستخدام الموقع ومشاركة البيانات يُنتج "مادة خام" تستفيد منها الشركة وشركاؤها. بكلمات أخرى نقوم (نحن) بتغذية الخوارزميات بالبيانات ونحصل على مقابل زهيد يتمثل بـ"آنية التواصل". والحجة هنا أننا "نعمل" من أجل مدّ الموقع بالبيانات مجاناً. هذا العمل، كما ذكرنا سابقاً يتقنّع باللعب والمشاركة الآنية والتواصل، وهنا تستخدم الدعوى المادة الثامنة من المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسيّة، التي تضمن حرية الأفراد في اختيار نشاطهم الاقتصادي، وهنا بالضبط يظهر الانتهاك الذي يمارسه فيسبوك؛ استخدامنا للموقع نشاط اقتصادي لا نحصل مقابله على أجر.

بنك فيسبوك المركزي

يشير نص الدعوى أيضاً إلى إمكانية تحول فيسبوك إلى بنك مركزي عالمي، يأتي ذلك بعد إطلاق شركة ميتا عٌملتها الرقمية الخاصة المُسماة "ليبرا". وهنا إشارة إلى خطورة إمكانية تحولِ فيسبوك إلى مسيطر على "الاتصال" والتعاملات المالية لمستخدميه. وهنا نشير إلى أن ليبرا تختلف عن العملات الرقمية، فالأولى لا تُستخدم في الحياة اليومية، وتبادلها محصور فقط بمنتجات فيسبوك وعالمه الافتراضي، في حين أن العملات الرقمية (بيتكوين، إيثريوم.. إلخ) صالحة في الحياة اليومية. ما يعني أن ليبرا مشروع مالي لا يخضع لرقابة دولة أو جهة ديمقراطية، بل لشركة ومدير تنفيذي.

هل التأميم هو الحل؟

لن نشير إلى باقي بنود الدعوى كونها تحوي الاتهامات التقليدية لفيسبوك موثقة بالأرقام والمعطيات، والتي تكرر بلاغةَ التحكم بالمعلومات، والانحياز، والعنصرية. لكن هناك بعض التساؤلات التي لا تجيب عنها الدعوى؛ مثلاً ما هو شكل فيسبوك بعد التأميم؟ ألا يعتبر تأميمه انتهاكاً للملكية الخاصة؟ ألسنا نحن بأنفسنا من نوافق على شروط الاستخدام دون قراءتها؟

ملكية (الجميع) للمنصة تتركنا أمام سؤال يخص حرية التعبير، أي، في حال صعود اليمين المتطرف، أو اليسار الراديكالي، أو الحمقى والمغفلين والسفلة والساخرين، كيف يمكننا التعامل معهم، هم "ملاك لأسهم" في الموقع، ولهم الحق بالتعبير عن آرائهم والحديث عن معتقداتهم. صحيح أننا قد نتخلص من الإعلانات الموجهة والخوارزميات التي تتنصت على ما نقوله، لكننا في ذات الوقت أمام سؤال: هل نحن جاهزون للديمقراطيّة الراديكاليّة؟

في إشكالية (الجميع)

يشير الفيلسوف الفرنسي جاك راسينير في كتابه "كراهية الديمقراطيّة" المنشور عام 2005، إلى إشكالية عميقة في مفهوم الديمقراطية، وهي وجود فئتين متخيلتين كل منهما ترى أنها الأحق بالممارسة الديمقراطيّة، والأخرى لا تستحقها، أي هناك من يليق بهم أن يحكموا أنفسهم وآخرون لا يليق بهم حكم أنفسهم ويمكن تسميتهم بـ"الدهماء، الغوغاء... إلخ".

تأميم فيسبوك فكرة جذابة، لكن هل نحن مستعدون لسماع أصوات جميع المستخدمين/مالكي الأسهم؟ وهل الملكية العمومية انتصارٌ لراديكالية حرية التعبير؟ 

تأميم فيسبوك لا يشير إلى المفارقة السابقة؛ فحق الجميع بالتعبير يجب أن يكون (نظرياً) مضموناً كونهم ملّاكَ أسهم. لكن مفهوم "حق الجميع" نفسه يخلق إشكالية شديدة الخطورة، ولا نحاول هنا التنازل عن راديكالية الحق بالتعبير عن الرأي مهما كان، لكن ما هي الضوابط التي ستحكم فيسبوك المؤمم؟ لا نمتلك جواباً. ما نعرفه هو أن فيسبوك نفسه بشكله الحالي، وبكل ما يحويه من إشكاليات تسبب باقتحام الكونغرس، وشبهة تزوير الانتخابات الأمريكية، ونشر الأخبار الزائفة عن الربيع العربي، فما الذي يمكن أن يحصل في حال كان ملكاً للجميع، والأهم، هل يمكن مثلاً نزع الملكية من "أحدهم" بسبب رأيه؟

نقارب محاولة التأميم بمفهوم شق الطرقات. هو جهد سيادي الدولة مسؤولة عنه، تبيح إثره "للـجميع" التنفّع من نتائجه، أي "كلنا" نمتلك الطريق و"نتواصل" عبره، سواءً كنا مواطنين، لاجئين، أو هاربين. وتعطل الدولة دورها هذا إن أرادت محاربة فئة ما، عبر عزلها ومنعها من التنقل (مثال المهربين وعابري الحدود). مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدولة نفسها ناظمة لكيفية تدفق الناس في الطريق لأسباب سياسية وعملياتية، ومن النادر منع استخدام الطريق إلا في حالات حظر التجول أو السياسات العداونية ضد المشردين.

يمارس فيسبوك سلطات المنع، أي الحرمان من النشر وتعليق الحسابات وغيرها، وغياب هذه السلطة عبر التأميم وميوعة الخوارزميات، يعني نظرياً منع المنع، فالكلُّ مباحٌ له كلُّ شيء كونهم مُلاكَ لأسهم، ويمكن محاسبتهم بعد النشر ضمن القوانين التقليديّة، لا قبله أو أثناءه. بالتالي، في حال التأميم، هل سيتم منع المواد الإباحية؟ في حال تم التصويت العالمي مثلاً على منع استخدام كلمات محددة، ألا يعني ذلك منع فئة ما من التعبير عن رأيها أو استخدام "الطريق"؟

الأسئلة السابقة لا تحاول الانتصار لفيسبوك بشكله الحالي، ولا دعوى للانفلات التام، لكن لا بد من أخذ موقف نقدي من هكذا جهد فني-قضائي، يشير إلى عطب في المنظومة القائمة، وهو في ذات الوقت، يفترض أن البديل، أي التأميم، سيحررنا من هيمنة الخوارزميات والعمل/اللعب القسري دون الأخذ بعين الاعتبار الخيار الديمقراطي الإشكالي، هل نحن مستعدون لـ"سماع" أصوات الجميع دون أي استثناء؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard