شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"تهكّم عليّ الضابط وسخر منّي"... برامج ومطالبات بتطوير أداء السلطات المعنية بحماية النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Egypt's administration must rethink its behaviour towards women and their protection policies

"تعرضتُ للتحرش اللفظي من سائق، وطلبت شرطة النجدة بعد أن صوّرت المتحرش. حاول الهروب ولكنّي منعته. وفي الطريق إلى قسم الشرطة، أجبروني على ركوب سيارة ‘البوكس’ بجوار المتحرش، وبدأ يحدّثني أحدهم ولا أعلم رتبته لارتدائه ملابس مدنيةً، وقال لي: ‘لو عملتي محضر هتباتي في القسم’".

هذا ما جرى عام 2022، مع الطالبة في كلية الهندسة مريم سمير. وفي بقية تفاصيل قصتها، تروي لرصيف22: "بعد سيل من النصائح الأخوية بعدم تحرير محضر، اتّهمني بأنني عنيدة، وفور الوصول وجدت كل أمناء الشرطة ينصحونني بالانصراف والاكتفاء بالرعب الذي عاشه المتحرّش!".

وتتابع: "بعد تبادل السجائر بين الجاني والأمناء، تحول الضباط فجأةً ضدي وطردوا شقيقتي من القسم وسلّموها حقيبتي وهاتفي وخاطبوني بالقول: ‘بقالنا ساعات بنكلمك إحنا مش شغالين عندك إنتِ لو ‘شمال’ (منحرفة)، هنعملّك المحضر ونرميكي في الحجز. إنتِ لسه بنت. محضر تحرّش هيسوّئ سمعتك’".

مريم التي حررت محضراً تحت رقم 4،291، في قسم الشرطة في المنصورة، تحوّلت فجأةً إلى متّهَمة. تقول: "بعد مرور ساعات طويلة، تفاجأت بتحرير محضر يتهمني بالسبّ والقذف واضطررت في الفجر إلى التنازل عن المحضر والعودة إلى منزلي مهزومةً".

محاضر لتكذيب النساء

كثيرات من الفتيات والنساء يتعرضن لمضايقات في أثناء توجههن لتحرير محاضر أو حتى لبدء إجراءات تقاضٍ، وهذا لأن القائمين على إنفاذ القانون لديهم خلفية ثقافية ميالة إلى التمييز ضد النساء وتكذيبهنّ.

عندما توجّهت ربّة المنزل س. ح. (40 عاماً)، إلى قسم الشرطة، بعد تعرّضها هي وأطفالها للعنف الجسدي على يد زوجها وأشقائه، لأنها طلبت الطلاق، كانت تظن أن القوة المنوطة بها حماية المواطنين ستحميها، لا بل ستأخذ لها حقها. ولكن الأمور سارت بعكس ما اشتهت.

"اعتقدتُ أن تحرير محضر بعدم التعرّض لي سينهي الخوف، ويكون وثيقةً تساعدني في طلب الطلاق"، تقول لرصيف22، "ولكن داخل القسم استدعوا الزوج والأشقاء، ولأنه إمام مسجد في القرية تعاطفوا معه، وإذا بالدفة تنقلب عليّ، وإذ بي أتحوّل إلى زوجة سيئة السلوك، وبدأ عناصر الشرطة يتساءلون: لماذا اضطر الزوج إلى ضربها؟ ولماذا تطلب الطلاق؟ وهل ترغب في سلوك طريق الشيطان؟ في النهاية، لم يحرَّر المحضر وسمعت تهديدات وعبارات مهينةً من الضابط بالرغم من شهادة أطفالي لصالحي".

الصحافية ف. ص. (28 عاماً)، شاهدة أخرى على السلبية التي تواجَه بها النساء في أقسام الشرطة. تعرضت الشابة للتحرش والاعتداء بالضرب داخل مترو الأنفاق، وحررت محضراً برفقة شهود على الواقعة، واعترف الجاني بالواقعة، ووكّل أحد المراكز الحقوقية محامياً للدفاع عنها ولكن...

تروي ف. أنه "صادف أن المحامي مسيحي. أخبرني بضرورة حضور التحقيقات بملابس قاتمة وكمّين طويلين وشعر غير مصفف، وقال لي ساخراً: ‘إنتِ مسيحية وحظك إنو المحامي مسيحي، وكيل النيابة هيحبسنا وهيتعاطف مع المتحرش وهيلتمس له العذر لأنك غير محجبة، وتالياً متبرجة’".

على مضض، أخذت الشابة بنصيحة المحامي في لباسها، "ولكن بالرغم من وجود شهود على الواقعة التي تطورت من تحرش إلى ضرب، صدر الحكم بالحبس ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ في القضية رقم 5،932 لعام 2013، جنح قصر النيل".

لا مكان آمناً للنساء في مصر. تعرّضت خديجة شمس (23 عاماً)، لتحرش لفظي وجسدي من أحد أطباء الجلد في شهر أيار/ مايو 2022، فتوجهت إلى قسم الشرطة لتحرير محضر ضده، وهنالك، "وجدتُ الضابط يتهكم عليَّ ويتعامل بسخرية بحكم أن الطبيب له سمعته، فكيف سيغامر ليلمس جسدي؟ ثم وجه إلي أسئلةً من نوعية: هل بينكم أي خلافات شخصية أو مشكلات سابقة؟ وفي نهاية الأمر ادّعى أن المحضر لا يمكن تحريره إلا في حالة حضور المدّعى عليه".

هذا الواقع معروف لكل المهتمين بأحوال النساء وبالقضايا الحقوقية في مصر، ومؤسسات الدولة تعرفه أيضاً، وبذلت جهوداً رسميةً لتغييره، إلا أن عملية إنفاذ القانون تصطدم أحياناً بعائق انتماء القائمين عليها إلى ثقافة مجتمعية ميّالة إلى التمييز ضد النساء، خاصةً في حالات مواجهة التحرش والعنف الأسري.

"أجبروني على ركوب سيارة ‘البوكس’ بجوار المتحرش، وبدأ يحدّثني أحدهم ولا أعلم رتبته لارتدائه ملابس مدنيةً، وقال لي: ‘لو عملتي محضر هتباتي في القسم’"

ولذلك، وفي سياق إعلان عام 2017، عاماً للمرأة، انطلقت ورشة تدريبات رسمية تستهدف رجال الشرطة ووكلاء النيابة والقضاة المتعاملين مع النساء في حالات العنف والتحرش، وذلك لتقديم الخدمة بشكل قانوني وفصل الثقافة الشعبية والذكورية، التي قد تكون أميل إلى تحميل النساء أخطاء الذكور، سواء في وقائع التحرش أو العنف العائلي والزوجي وحتى في حالات الاغتصاب الزوجي التي يصعب حتى الآن تقبّلها من جهات كثيرة، لأن العلاقة الزوجية تسمح بالجنس بغض النظر عن رغبة الزوجة، ولمجرد توافر احتياج لدى الزوج.

تدريبات للأجهزة المعنية

عن هذه التدريبات، تقول نورا محمد، مديرة المشاريع في "مؤسسة قضايا المرأة المصرية" (سيولا)، وهي منظمة غير حكومية تسعى إلى الدفع في اتجاه تحقق منظومة قانونية تكفل المساواة وحقوق الإنسان للجميع، إنها جاءت بعد مطالبات طويلة دامت سنوات، بتطوير أداء الجهات المعنية بحماية النساء، وبنشر الوعي الحقوقي فيها، خاصةً في أقسام الشرطة، وبتعيين ضابطات للتعامل مع حالات العنف، مثل وقائع التحرش أو العنف التي قد تجد المرأة حرجاً شديداً في الحديث عنها أمام رجل، في وقت تؤثر تفاصيل ما ترويه على المسار القضائي، وبتوفير أخصائيين نفسيين داخل أقسام الشرطة "لأن بعض الحالات قد تذهب وهي في حالة نفسية غير مستقرة وغير قادرة على التركيز وبالأخص في حالات العنف الأسري والاعتداءات الجنسية".

منذ عام 2015، صدرت قوانين وقرارات عدة تهدف إلى تطوير منظومة حقوق النساء في مصر وحمايتهن، منها تغليظ العقوبات في وقائع التحرش الجنسي (2016)، وفي جرائم ختان الإناث (2021)، وفي قضايا حجب الميراث عن كل من له الحق فيه (2017)، ومواجهة المتهربين من دفع النفقة أو المتعنّتين في السداد (2020)، وعدم الكشف عن بيانات المجني عليهم في جرائم التحرش والعنف وهتك العرض وإفساد الأخلاق (2020)، وتخصيص حصة لا تقل عن 25% من مقاعد البرلمان للنساء (2020)، وتخصيص نسبة لا تقل عن 10% من مقاعد مجلس الشيوخ للنساء (2020).

وفي هذا الصدد، يلفت المتحدث باسم النيابة الإدارية، المستشار محمد سمير، إلى أن سَنّ القوانين وحده ليس ضمانةً لتطبيق العدالة، بل "لا بد من آلية لإنفاذ التشريعات"، ومن هنا "أتت فكرة تدريب رجال السلطة التنفيذية ممثلةً في الشرطة، ورجال السلطة القضائية ممثلةً في أعضاء النيابة والقضاة".

ويشير إلى أن طريقة صياغة محضر الشرطة للواقعة قد تحوّل الاعتداء من جنحة إلى جناية، ما يؤكد على أهمية تدريب المتعاملين مع بلاغات العنف ضد المرأة بوجه عام، سواء متلقّي البلاغات داخل أقسام الشرطة أو العاملين في النيابة والقضاء على بلاغات وقضايا قائمة على استهداف قائم على النوع الاجتماعي.

عملية إنفاذ القانون تصطدم أحياناً بعائق انتماء القائمين عليها إلى ثقافة مجتمعية ميّالة إلى التمييز ضد النساء، خاصةً في حالات مواجهة التحرش والعنف الأسري

عام 2017، بدأت بالفعل هذه التدريبات، "بتوقيع اتفاقية بين المجلس القومي للمرأة ومركز الدراسات القضائية والجهات المعنية بإنفاذ القانون والمتمثلة في وزارتي الداخلية والعدل"، يروي سمير لرصيف22، و"كان دور المجلس القومي للمرأة توفير المدربين في هذا المجال من قضاة لهم باع طويل في قضايا النوع والأسرة ومختصين مصريين. كما وفر مركز الدراسات القضائية العناصر اللوجستية من قاعات تدريب وأدوات".

وكان "أول الحصاد"، بحسب تعبيره، ظهور اتجاه داخل الشرطة لتعيين ضابطات وخريجات حقوق، داخل أقسام الشرطة لاستقبال بلاغات النساء وتحرير المحاضر لهن. ويضيف أن عام 2021، شهد تعيين عضوات في النيابة العامة وقاضيات وهو ما سيتيح الفرصة أمام وزارة العدل لتشكيل وحدة أو دوائر داخل النيابات والمحاكم المتخصصة في العنف ضد النساء "مثلما فعلنا في السابق وأنشأنا محاكم الأسرة".

ويلفت سمير إلى أن "تدريب الرجال على التعامل بشكل حساس مع قضايا النوع الاجتماعي قد يجعل الرجل أكثر عدلاً مع المعنّفات"، وإلى أن "الهدف خلق حالة وعي وحساسية تجاه قضايا النوع الاجتماعي".

ويدعو كل امرأة تعرّضت للتعامل بعنف أو بشكل غير قانوني من جهات إنفاذ القانون، سواء في أقسام الشرطة أو النيابات والمحاكم، إلى التقدم بشكوى، و"هذه الشكاوى يُنظر فيها بالفعل وتُراجَع وتتم محاسبة أي شخص يرتكب خطأً أو تقصيراً".

ما الذي تحقق؟

تشرح مديرة مشروع تدريب رجال القضاء والشرطة في المجلس القومي للمرأة، لانا أبو ناهض، لرصيف22، كيف أن "المجلس من خلال وحدة الشكاوى الخاصة به تعرّف بالمشكلات التي تقابل النساء، سواء في أثناء تحرير محضر شرطة أو خلال مراحل التقاضي، بدءاً من التعامل بعنف أو ذكورية أو حتى في طول الإجراءات وهو ما ركّزنا عليه خلال التدريبات".

وتضيف أن التدريب الذي يقدّمه "رجال قضاء وقانون وحقوق إنسان مصريون"، يتضمن تعريفاً بحقوق المرأة والقوانين المتعلقة بها والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والمرأة والطفل. وبالنسبة إلى القضاة، "نهتم بالتعريف بمواد مناهضة العنف وأشكاله وكذلك الإتجار بالبشر وكل المستجدات في القوانين على المستويين المحلي والدولي".

ويشرح تقرير صدر في نيسان/ أبريل 2021، عن "الإستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة/ 2015-2020"، وهي الإستراتيجية التي خرجت منها فكرة التدريبات، أن إجمالي عدد المتدربين حتى ذلك الوقت، وصل إلى 5،150 متدربةً ومتدرباً من بينهم 140 من رجال الشرطة، و400 من مراجعي ومراجعات نيابات الأسرة، ومن أعضاء النيابة العامة 509، و611 قاضياً، و66 قاضيةً، ومن أعضاء هيئة النيابة الإدارية 127.

سَنّ القوانين وحده ليس ضمانةً لتطبيق العدالة، بل لا بد من آلية لإنفاذ التشريعات... ماذا أنتج تدريب رجال الشرطة وأعضاء النيابة والقضاة على كيفية التعامل مع النساء ضحايا العنف في مصر؟

كما يلفت إلى صدور 6 أدلة استرشادية لتعزيز مهارات مقدّمي الخدمات في التعامل مع العنف ضد المرأة، منها دليل وكتيّب جيب لرجال الشرطة، "الاستجابة الشرطية الفعالة في جرائم العنف ضد المرأة"، ودليل وكلاء النيابة "الاستجابة القضائية الفعالة لجرائم العنف ضد المرأة"، ودليل المعايير والضوابط للقضاة.

كما تضمن التقرير معلومات عن إنشاء إدارة مكافحة العنف ضد المرأة في وزارة الداخلية، تتبعها فروع في مديريات الأمن ومراكز الشرطة في كافة المحافظات مع خط ساخن مرتبط بإدارة العنف ضد المرأة في الوزارة، مع تواجد شرطيين ممن تلقوا التدريبات في كل وحدة.

محدودية التدريبات

ترى نورا محمد، أن هذه التدريبات "ربما تكون قد حققت بعض النتائج النوعية، ولكنها ما زالت محدودةً لأنها مركزية تستهدف العاصمة القاهرة فحسب، بينما لم تشهد الأقاليم والقرى والصعيد في جنوب مصر هذا التطور، ما يعني أن المشكلة لم تُحلّ بعد، لأن تلك المناطق هي الأكثر عرضةً للعنف والتحرش والاعتداءات بكافة أنواعها مع انتشار أوسع للزواج المبكر وتشويه الأعضاء التناسلية (الختان)".

وتلفت محمد، إلى "ضرورة تكثيف الجهود في تطوير الأداء للوصول إلى أفضل النتائج، كما نأمل بأن يتم التنسيق والتشبيك بصورة أكبر مع المؤسسات الأهلية، وهذه هي الفقرة الغائبة، خاصةً أن مساهمة المجتمع المدني في التدريبات ستكون أكثر واقعيةً لأن لدينا تجارب عمليةً على أرض الواقع... أو على الأقل أن تؤخذ في الحسبان التوصيات التي نقدّمها".

هذه المحدودية يعترف بها سمير محمد. يقول إن "الجانب السلبي في التدريب، أنه مركزي يتم في القاهرة فقط بنسبة 99% تقريباً، بينما تظل الأقاليم فقيرةً نظراً إلى التكلفة العالية وأعباء التنقلات والإقامة وتوفير أماكن التدريبات".

ويتابع: "كنا نأمل بأن نستهدف جميع رجال السلطة التنفيذية والقضائية، ولكن التكلفة المالية كبيرة للغاية".

بالرغم من هذه التدريبات، تؤكد الباحثة والناشطة في قضايا النوع الاجتماعي في "مؤسسة المرأة الجديدة"، نيفين عبيد، أنه "ما زلنا نرى أن القائمين على تحرير المحاضر في أقسام الشرطة ووكلاء النيابة يلعبون دور القيّم على أخلاق الأسرة المصرية، ولا يزال بعض القضاة يقولون للسيدة التي تعرضت لعنف أو لإهانة لفظية: ‘حافظي على بيتك يا بنتي’. لمسنا قدراً من التطور ولو طفيفاً ولكنها بداية جيدة".

التقييم نفسه يكرره ياسر سعد، المحامي في وحدة المساندة القانونية في مؤسسة المرأة الجديدة. يقول لرصيف22: "عملياً التدريبات أفرزت تطوراً لا ننكره، لكنه غير قائم على أسس علمية، وما زال الأمر خاضعاً للتوجهات الشخصية لجهات التحقيق والاستدلال، ولذلك الخيار الوحيد هو تكاتف كل المؤسسات لإنتاج مشروع تدريبي حقيقي قائم على التفاعل والخبرة، كما نتمنى توفير محاكم متخصصة في العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتقديم تدريبات للعاملين فيها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image