بـ"ملامحها البريئة"، ودخولها إلى عالم الفن وهي تحمل اسم والدها الفنان أشرف عبد الغفور، لم يكن كثيرون ينتظرون منها تألقاً فنياً، فلا هي بنت دراسة أكاديمية (خريجة كلية التجارة)، أو عانت من أجل الدخول إلى الوسط الفني، حتى أولى مشاركتها في الجزء الثاني من مسلسل "زيزينيا" عام 2002، لم تشفع لها، فملاحم أسامة أنور عكاشة شارك فيها معظم جيل تسعينيات القرن الماضي، ومن جاء بعده من أهل الفن، وبعضهم نجحوا وآخرون اندثروا.
هذا التوقّع أكدته ريهام عبد الغفور، من خلال بدايتها الفنية، فعلى مدار عقد من الزمان اقتصرت أعمالها على أدوار مساعدة، وفي أحسن الأحوال دور صديقة البطلة، بلا بصمة حقيقية. رأينا ذلك في أفلام مثل "حريم كريم" (2005)، و"جعلتني مجرماً" (2006)، وكذلك "زي الهوا" في العام نفسه.
لكن تلك المسيرة التي تشير بدايتها إلى أنها عادية، تغيّرت بالكامل خلال العامين الأخيرين إلى الدرجة التي دفعت بريهام إلى التفوق على زميلاتها من الجيل نفسه، اللواتي سبقنها إلى البطولة، وبات محبّوها ينتظرون ما تقدّمه من أعمال كما حدث في "وش وضهر"، و"منعطف خطر"، مسلسليها خلال هذا العام الذي تستعد فيه لطرح عمل ثالث قريباً.
لكن تلك المسيرة التي تشير بدايتها إلى أنها عادية، تغيّرت بالكامل خلال العامين الأخيرين إلى الدرجة التي دفعت بريهام إلى التفوق على زميلاتها من الجيل نفسه
وبالرغم من أن هناك نجوماً لم تتوهّج مواهبهم إلا بعد سنوات من العمل والخبرة، وهذا يكون في الغالب نتيجة "عين" مخرج تمكّن من توظيف الفنان جيداً واستخراج مواهبه، إلا أني لا اعتقد أن ريهام من هذا النوع، بل هي من النوع الثاني الذي عمل على نفسه، وأعاد اكتشافها لتصل إلى ما وصلت إليه الآن.
وبالنسبة إليّ، فإن أول العوامل التي دفعت بريهام إلى الأمام، هو رهانها على التمثيل أولاً وأخيراً، وسواء قصدت هي ذلك أم لا، إلا أن هذا ما حدث، وما أعنيه أنها منذ البداية قررت أن تعمل على نفسها، وابتعدت عن أي مقارنات مع نجمات جيلها، ولم تتبع الطريق الآخر من خلال إطلاق تصريحات جدلية تجعلها حديث الساعة، ومن ثم يستعين بها صنّاع العمل الفني للترويج، وهي طريقة باتت مفضلةً عند بعض النجوم والنجمات.
بالرغم من استمرار تقديمها لدور فتاة الطبقة المتوسطة، أو محدودة الدخل، فإن هذا لم يمنعها من تنوّع أدوارها، وهذا سبب ثانٍ لنجاحها.
بل على النقيض من ذلك كله، ما فعلته أنها اختارت أن تعمل كثيراً، وهو ما يظهر في عدد الأعمال الفنية التي شاركت فيها -أكثر من 75 عملاً فنياً حتى الآن- بل لم تكترث حتى بحجم الدور أو أهميته وإن دار معظم الأدوار حول الفتاة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة التي أجادت فيها، أما الأهم في تلك المشاركات فهو أنها أدت إلى تقوية موهبتها الفنية، بالإضافة إلى حصولها على خبرات تراكمية استطاعت توظيفها لاحقاً في الأعمال التي دفعت بها إلى مصاف النجومية.
وبالرغم من استمرار تقديمها لدور فتاة الطبقة المتوسطة، أو محدودة الدخل، فإن هذا لم يمنعها من تنوّع أدوارها، وهذا سبب ثانٍ لنجاحها، فالمتتبع لمشوارها الفني يُدرك جيداً عدم تقيّدها بمصطلحات مثل "السينما النظيفة"، أو "المدرسة الأخلاقية"، وهو ما ظهر جيداً في مشاركتها في فيلم "سوق الجمعة" (2018)، إذ قدّمت فيه ما يمكن تسميته بـ"الإغراء" من خلال دور فتاة شعبية تساكن رجلاً من دون عقد زواج ويعملان في السرقات والأعمال المشبوهة.
وفي رأيي إن هذا الدور المتناقض للصورة الذهنية لـ"ريهام عبد الغفور"، عند الجمهور المصري، هو ما فتح لها أبواب التألق بعد ذلك، إذ أثبتت فيه إنها ليست مجرد فتاة رومانسية حالمة أو كادحة، بل هناك أوجه متعددة لها، وهو ما فطن إليه المخرجون الذين تعاملوا معها بعد ذلك، إذ دفعوها إلى مناطق جديدة في التمثيل.
بالطبع ذلك كله كان يُمكن أن يكون اجتهاد فنانة، لكنه ليس بالضرورة أن يؤتي ثماره، وهنا يأتي الضلع الثالث من منظومة هذا النجاح، وأقصد المنصات الفنية، التي مهما قيل عنها وعن تأثيرها السلبي على صناعة السينما، إلا أنها في النهاية استطاعت أن تمنح لبعض الفنانين قبلة الحياة في الظهور جيداً، وإطلاق مواهبهم. حدث هذا مثلاً مع باسم سمرة، وبالتأكيد ريهام عبد الغفور التي وصلت إلى ذروة تألقها في أعمال عُرضت في منصات غالبيتها غير مصرية.
أدركت ريهام عبد الغفور جيداً أن المنصات طوق نجاة من السوق المصري الخاضع لمعايير كثيرة بعيدة عن الفن، بدءاً من الولاء وصولاً إلى الشللية، ولذلك بعد نجاح "وش وضهر" قدّمت أعمالاً أخرى عبر المنصات، لترسيخ نجاحها
ريهام عبد الغفور أيضاً التقطت هذا الخيط، وأدركت جيداً أن المنصات طوق نجاة من السوق المصري الخاضع لمعايير كثيرة بعيدة عن الفن، بدءاً من الولاء وصولاً إلى الشللية، ولذلك بعد نجاح "وش وضهر" قدّمت أعمالاً أخرى عبر المنصات، لترسيخ نجاحها.
وأخيراً، وبالرغم من حزني بسبب أن نجاح ريهام عبد الغفور كان من خلال منصّات غالبيتها غير مصرية، وأن صنّاع السينما المصريين لم يمنحوها ما تستحق من مكانة، أقول إن استمرارها في الطريق الذي رسمته لنفسها، سواء بالتطوير المستمر، أو الأعمال المنتقاة جيداً، سيؤهلها إلى مستقبل تحكي عنه الأجيال التي تحبّ السينما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...