شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"وجدتُ حبّي الحقيقي"... نساء في حياة محمد عبد الوهاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 1 نوفمبر 202212:02 م

لا يحتاج الفنان محمد عبد الوهاب للتذكير بأهميته وعبقريته الفذة، وفضله على تاريخ الموسيقى العربية، فقد استطاع هو وكوكبة من العباقرة الموسيقيين مثل سيد درويش، رياض السنباطي، محمد الموجي، بليغ حمدي، على سبيل المثال لا الحصر، من التأسيس لعصر جديد للموسيقى والأغنية العربية. أما تجربته فقد كانت بالإضافة لغناها وتنوعها، هي الأطول عمراً، فقد تربع على عرش المجد وفي قلوب الملايين من محبي فنه وألحانه وشخصيته الاستثنائية لأكثر من ستين عاماً.

زبيدة، الزواج الأول

لم يكن عبد الوهاب دونجواناً بمعنى أنه كان متعدد العلاقات النسائية متنقلاً من علاقة إلى أخرى، إنما كان للمرأة أهميةٌ كبيرة ولحضورها بالغُ الأثر على مستواه الفني والشخصي، وقد أتاح له حضوره وعمله في السينما في مطلع شبابه، بالإضافة لموهبته الكبيرة، أن يحظى بشهرة مبكرة، وأن تحلم الكثير من المعجبات بدخول جنة عبد الوهاب، بينهن زميلات وفنانات.

إضافة لكل ما سبق فقد كان الموسيقارُ بالإضافة لموهبته صاحبَ حظٍّ كبير، حيث تعرف على أمير الشعراء أحمد شوقي، والذي كان كما يقال عنه برنس صاحب علم وثروة وعلاقات كبيرة، حيث تبنى عبد الوهاب فنياً وإنسانياً، وأِشرف على تعليمه، وفتح له أبواب الحياة الأرستقراطية والسفر إلى أوروبا؛ فكان بمثابة الأب الحقيقي له، وبذلك امتلك عبد الوهاب كلَّ مقومات النجاح الذي استمر طيلة حياته.كان لعبد الوهاب شخصيته الفريدة بحساسيته العالية وذكائه الحاد، كما عُرف عنه أناقته الاستثنائية وحضوره الآسر وطرافته وحديثه الشيق، وكان محطَّ إعجاب معظم الناس، كما كان من بين أصدقائه ملوك وزعماء وشخصيات كبيرة في الفن والسياسة ومجموعة من الأطباء الذين أحاط نفسه بهم، فقد عرف عنه وساوسه الشديدة وخوفه الكبير على صحته وحياته.

قال عبد الوهاب: "وجدت حبّي الحقيقي مع السيدة نهلة القدسي، كانت سيدة رائعة الجمال، لا أستطيع أن أنسى منظرها ذلك اليوم الذي رأيتها به، رأيت جمالاً رهيباً لم أر مثله في حياتي"

وبالرغم من كلِّ حظوظه فقد عانى ما عاناه في زمن كان الغناء فيه عاراً واحتراف الفن شتيمةً، ما اضطره في بداياته للغناء باسم مستعار، لكيلا تعرف به أسرتُه المحافظة المتدينة التي لم تكن تريد له أن يختار طريق الفن. لكنه تبع نداء قلبه وكأن الأقدار قد رسمت طريقه إلى أن وصل ونال ألقاباً كثيرة، مثل "موتسارت الشرق"، "بيتهوفن العرب"، و"موسيقار الأجيال".

تزوج عبد الوهاب أول مرة عندما بدأ الغناء في أوساط الطبقة الأرستقراطية، حيث كانت الفتيات مقبلة عليه، لكنه أعجب بزبيدة الحكيم عندما التقى بها في حفل في عوامة على النيل، ثم توالت اللقاءات، وتوطدت علاقتهما إلى أن تزوجا عام1931.

كانت زبيدة تكبره بعشرين عاماً، عرف عنها ثراؤها الفاحش، فقد كانت أرملة أحد باشاوات مصر الكبار. يقال إنها كانت ترقد على كنز، ولم تفتح طاقة هذا الكنز إلا لمحمد عبد الوهاب، وبرغم الشخصيات الكثيرة التي تقدمت لها من أمراء وباشاوات حاولت نيل رضاها، إلا أنها اختارت ذلك الشاب المطرب الذي كان في بداياته، تزوجته في السرّ، ولم يكن يعلم بزواجهما سوى قلة من المقربين.

كانت زبيدة أمّاً لسبعة أطفال، وقد كانت سرّيةُ الزواج سببها الخوف على الثروة التي تقع عليها، بحسب وصية زوجها المتوفى. عاملت زبيدة زوجَها الموسيقارَ معاملةَ الأمراء، وأنتجت له أول أفلامه "الوردة البيضاء" الذي قدمه عام 1933.

ثم قدم بعده سبعة أفلام، كان آخرها "غزل البنات" عام 1949، إلى جانب فنانين كبار في السينما والمسرح المصريين، مثل نجيب الريحاني، أنور وجدي، يوسف وهبة، بالإضافة للفنانة الصاعدة ليلى مراد التي أحبته حباً كبيراً وتمنت أن تتزوجه، لكن صداقتهما استمرت طويلاً، فقد أحب عبد الوهاب صوتها، ولحن لها أكثر من أغنية.

بعد تلك الأفلام توقف عبد الوهاب عن التمثيل، لعدة أسباب، منها أنه قد نال الشهرة التي كان يرتجيها من السينما، بالإضافة لتعب في عينيه، فقد كان لا يحتمل الإضاءة الشديدة، وأيضاً لنجاح ليلى مراد وفريد الأطرش سينمائياً، ومنافستهما له في شباك التذاكر، والأهم من ذلك اكتفاؤه مادياً، فقد امتلكت السيدة التي تزوجها، ثلاثة ملايين جنيه في الثلاثينيات، وذلك يُعتبر ثروةً طائلة، كما امتلكت عشرات آلاف الفدادين من الأراضي الزراعية وغيرها.

قالت نهلة القدسي عن عبد الوهاب: "لم أكن أشعر بالاستقلال عنه، فشخصيتي أصبحت مندمجة، مع شخصيته، وأصبحنا شخصية واحدة"

بعد ازدياد شهرة عبد الوهاب، وازدياد حفلاته وحضوره في الإذاعة والسينما، بدأت تتسلل الخلافات بينه وبين زوجته زبيدة بسبب شعورها بفارق السن، وازدياد معجباته، لا سيما أن زواجهما كان غير معلن، فقد كان لا يدخل قصر زوجته إلا ليلاً، وينصرف أول الصباح ليعود بعد ذلك لحياته الطبيعية.

فبدأت الغيرة والمشاحنات، حتى صار يتفاجأ بسيارة تنتظره قبل نهاية حفلاته لتأخذه إلى قصرها، وبدأ يشعر بملاحقتها له حتى أصبحت تريد التدخل باختياراته الفنية و بأغنياته، وباختيار بطلات أفلامه، إلى أن حدث ذات ليلة أن شاهدته بجوار امرأة جميلة شقراء يوقّع لها على الأوتوغراف، فنزلت من سيارتها، وخطفت الأوتوغراف من الفتاة، وصفعتها، فاشتاط عبد الوهاب غضباً، وتركها، وانصرف غاضباً.

وقد حاولت زبيدة الحكيم النيلَ من عبد الوهاب عن طريق إرسال شخصين، لضربه أو طعنه، ولكن الشرطة تمكنت عن طريق بلاغ من جهة مجهولة من معرفة الأمر، وتم إنقاذ عبد الوهاب، ثم وقع الطلاق بينهما.

إقبال 

في عام 1944 التقى الموسيقار بزوجته الثانية إقبال نصار، الأرملة مع طفل، تزوجا سرّاً برغبة منه، وبقي الزواج طي الكتمان في سنواته الأولى، ومع ذلك أثار الكثير من السخط والاستياء في أوساط معجباته. استمر زواجه منها سبعة عشر عاماً، لكن بعد عامين من الزواج، بدأ عبد الوهاب يشعر بالتململ وباغترابه عن عالمه الممتلئ بالجمال والمعجبات، فصار يلجأ إلى أصدقائه المقربين يسهر بينهم ويلتقي وجوهاً جديدة، كما صار يلتقي ببعض الفتيات في مكتبه في خضم بحثه عن مواهب جديدة أو بحجة ذلك، مما أثار المشاكل بينه وبين زوجته أكثر من مرة، رغم جهود الأصدقاء الدائمة للصلح بينهما، إلا أن ازدادت الخلافات وكثرت المشاكل، لا سيما أن انشغالات عبد الوهاب كثيرة وأسفاره أكثر، فوقع الطلاق.

أنجب محمد عبد الوهاب وإقبال نصار خمسة أبناء، وقد حافظا على علاقة جيدة، وبقي الأبناء معها بعد الانفصال.

الحب يرتدي نظارته السوداء

في عام 1975 كان محمد عبد الوهاب، في أحد فنادق بيروت يقضي نقاهةً بعد مرض بسيط ألمّ به، وهارباً من عناء خلافاته مع زوجته الثانية، حيث كانا على وشك الطلاق، عندما جاءه اتصال من مجموعة سيدات، يستأذن لزيارته للاطمئنان عليه، وبعضهن للتعرف به، من بين تلك النساء، أو "الشلة" كما كانت تقول من ستصبح زوجته في ما بعد. كانت السيدة عزيزة هانم، خالة نهلة القدسي، المرأة التي فتنت عبد الوهاب.

نهلة القدسي سيدة من أصل سوري من إحدى عائلات حلب العريقة كانت متزوجة من الشاعر والدبلوماسي والسياسي الأردني عبد المنعم الرفاعي، الذي سيصيح في فترة من الفترات رئيس وزراء الأردن، فكانت والدتها أردنية وهي انتقلت لتعيش هناك في السابعة من عمرها.

وافق عبد الوهاب على الزيارة ومقابلة السيدات، وهنا حدثت أول شرارة حب، عندما وقعت عيناه على نهلة القدسي، تلك السيدة الجميلة في الثانية والثلاثين من عمرها، المتزوجة منذ ست سنوات ولها ابن واحد، تتمتع بشعر طويل وعينين سوداوين واسعتين، صاحبة الحاسة الفنية المرهفة بالنسبة للغناء والتمثيل والمسرح، ومن أصدقائها فريد الأطرش وإيمان.

شاءت الأقدار أن تكون نهلة غير مرتاحة في زواجها، فكان ذلك أحد القواسم المشتركة التي جمعت بينهما. كانت ترتدي نظارة سوداء، خاطبها عبد الوهاب بلهجته المصرية: "ما تقلعي النضارة ياهانم؟"، فتذرعت بتعب في عينيها، إلا أن ذلك لم يقنع عبد الوهاب، فقرر نزع نظارتها بنفسه، في خضم عرضه لها لتتفرج على الجناح الذي يقيم فيه.

كان فضوله كبيراً لرؤية عينيها، فضلاً عن جمالها، فقد خشي أن تكون تخفي عيباً ما، إلى أن قام بحركة سريعة، ونزع النظارة عن وجهها. هنا انزعجت نهلة وعبرت عن امتعاض شديد، قائلة له: أنت قليل الأدب، ودفعته في صدره، بينما هو كان في حالة ذهول من جمال وجهها، ثم بدأ يعتذر لها، وفي نفس الوقت كان معبراً عن جمالها الباهر، و سحرها الذي لم ير له مثيلاً.

في عام 1975 كتبت مجلة "صباح الخير" من بيروت في عددها الصادر في 19 تشرين الأول/أكتوبر: إن محمد عبد الوهاب يسهر الآن مع شلة جديدة، أبرز أعضائها، السيدة نهلة القدسي، زوجة السفير الأردني عبد المنعم الرفاعي، وإن عبد الوهاب يسكن في فندق شبرد في لبنان، وإن نهلة تسكن في فندق الباسادور، في نفس البلدة، وإن عبد الوهاب كثيراً ما يستقل سيارة السفير الأردني.

وفي كانون الأول/ديسمبر عام 1957 عادت "صباح الخير" وذكرت: يقال إن الهدف من سفر عبد الوهاب المفاجئ إلى أوروبا بعد طلاقه بفترة وجيزة مقابلة السيدة نهلة القدسي التي تصادف أنها طلبت الطلاق من زوجها وسافرت إلى أوروبا.

وما هي إلا أشهر قليلة بعد ذلك حتى جمع الزواج بينهما.

في عام1958 عقد قران محمد عبد الوهاب والسيدة نهلة في دمشق، وأمضيا شهر العسل لأسبوعين في أحد المنتجعات السورية، ثم سافرا معاً إلى مصر.

قال عنها عبد الوهاب: "وجدت حبّي الحقيقي مع السيدة نهلة القدسي، كانت سيدة رائعة الجمال، لا أستطيع أن أنسى منظرها ذلك اليوم الذي رأيتها به، رأيت جمالاً رهيباً لم أر مثله في حياتي". كما قال: "هي من جعلتني أعيد صياغة حياتي مرة أخرى، هي من جعلتني أستكفي بها عن نساء العالم، وجعلتني أعيش في سعادةٍ يومية".

"كان في منتهى العصبية، ويمكن أن يضحي بأي شيء في سبيل فنه، وأغلى ما عنده صحته وفنه"... نهلة القدسي عن عبد الوهاب

وقالت عنه نهلة القدسي: "لم أكن أشعر بالاستقلال عن عبد الوهاب، فشخصيتي أصبحت مندمجة مع شخصيته، وأصبحنا شخصية واحدة، أعطيته البيت والاستقرار والراحة، وأخذت منه التعقل والصبر والتسامح"، و: "عبد الوهاب كان شخصاً عادياً وغير متعب على عكس ما يعتقد البعض أن الفنان يصعب إرضاؤه، ولكنه في الحقيقة غير ذلك". وتضيف: "كان في منتهى العصبية، ويمكن أن يضحي بأي شيء في سبيل فنه، وأغلى ما عنده صحته وفنه".

ميادة الحناوي

عام 1977 التقت الفنانة ميادة الحناوي، للموسيقار محمد عبد الوهاب في مصيف بلودان، حيث حضرت هي واختها لتلتقيا به، كانت ميادة آنذاك بعمر خمسة عشر سنة، وقد جاءت من حلب لتعرض صوتها على الفنان الكبير. فغنت له "لسه فاكر" لأم كلثوم، وأثنى على صوتها، وعرض عليها السفر إلى مصر لتنال فرصتها.

قابلها في مصر في العام التالي، وقدمها في إحدى الحفلات كموهبة شابة جديدة، كما وقّع معها عقداً لشركة صوت الفن، وبقيت ميادة هناك لمدة عامين، تلتقي الفنان عبد الوهاب كل يوم تقريباً، لا سيما بعد أن طلب من صديقه المقرب الشاعر حسين السيد أن يكتب لها أغنيةً خاصة، فكانت أغنية "في يوم وليلة"، التي غنتها في ما بعد الفنانة وردة الجزائرية.

لقاء ميادة شبه اليومي بعبد الوهاب لم يرق زوجتَه نهلة القدسي التي غارت من اهتمامه بها، لا سيما بعد أن وصلها خبر عن غزلٍ صريحٍ بينها وبين زوجها في أحد البروفات التي جمعت بينهما.

وفي يوم من أيام غياب عبد الوهاب عن مصر، تدبرت القدسي أمر ترحيل ميادة عن الأراضي المصرية، عن طريق وزير الداخلية آنذاك نبوي إسماعيل، فتم ترحيلها خلال 48 ساعة، ووضع اسمها على قائمة الممنوعين من دخول مصر، ولم يسمح لها بالعودة إلا بعد مرور حوالى ثلاثة عشر سنة، فضاعت الأغنية الشهيرة، لكن القدر عوضها بعد ذلك، بمجموعة من أغاني الموسيقار بليغ حمدي.

استمر زواج الموسيقار من نهلة القدسي من عام 1958 حتى وفاته في 4 أيار/مايو عام 1991، وبقيت السيدة نهلة القدسي التي غادرت مصر بعد رحيل زوجها، تعيش في الأردن على ذكريات أجمل قصة حب، حتى رحيلها عام 2015.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard