ماتت الملكة فهل نترحم؟
رحلت الملكة إليزابيث الثانية عن عالمنا هذا الأسبوع بعد عشرات السنين من الحياد السياسي، والثياب الملونة، ومحاولات درء الفضائح ضمن العائلة المالكة. عمّ الحزن على دول الكومنويلث، وانتشرت مظاهر الحداد والعطل الرسمية، لكن لمَ الحداد في لبنان 3 أيام؟ هل لأن الملكة تشغل منصبَ رأس الكنيسة البروتستانتية؟ أم أن الفينيقيين جزء من رعيتها؟ أم أن الأمر حذلقة رسمية؟
ترافق موت الملكة إليزابيث مع ردود أفعال متفاوتة في غرابتها؛ فهناك شخص قرر أن يقوم بالعمرة لروح الملكة في مكة، لكن تمّ اعتقاله قبل أن يقوم بذلك
ترافق موت الملكة مع ردود أفعال متفاوتة في غرابتها؛ فهناك شخص قرر أن يقوم بالعمرة لروح الملكة في مكة، لكن تم اعتقاله قبل أن يقوم بذلك، في حين أنه لم تُوجّه دعوة لسوريا من أجل المشاركة في الجنازة، علماً أن أسماء الأسد زوجة بشار الأسد تحمل الجنسية البريطانية.
لكن ما يثير الاهتمام هو الموقفان المتناقضان من رحيل الملكة؛ فالبعض يترحم على روحها، ويدعو لها بالجنة، ويذكر أفضالها، والبعض الآخر يرفض الترحم، لأن في ذلك انصياع للإمبريالية التي يمثلها التاج، وتاريخ الاستعمار الذي يخفيه وراءه.
لا نفضل رأياً على آخر، ولكن ضمن كلّ ما سبق، لدينا سؤال واحد: من الذي ابتدع إشاعة/كذبة أن ثوب الملكة مصنوع من القماش الدمشقي؟ لم هذه الرغبة بالالتصاق حرفياً بجسد الملكة، وجعل دمشق ذات فضل على الملكيّة؟ هل الأمر حنين إلى الزمن الإمبريالي، أم مجرّد شكل من أشكال الدعاية الوطنيّة المبتذلة؟
الأناركيّة ليست الحلّ
لا يمكن الإحاطة بكل ما شهده لبنان خلال الأسبوع الماضي، فانتهاء فرقة مشروع ليلى كان محزناً للبعض، في حين قابله البعض الآخر بالسخرية والشدّ على يد حامد سنو الذي قرر إنقاذ الذائقة العربية من صوته. في ذات الوقت، حازت فرقة مياس على المركز الأول في برنامج المواهب الأمريكي، وبدأت النكت حول البنك الذي ستوضع فيه الجائزة، لكن الخبر الأهم هو سلسلة حوادث اقتحام البنوك للحصول على الودائع الماليّة؛ الشأن الذي ربما تحول إلى عرفٍ في بلدٍ على وشك الانهيار.
هل تستحق الملكة إليزابيث الثانية الرحمة؟ أم يجدر بنا شتمها وشتم التاج وتاريخ الاستعمار الذي يمثله؟ والأهم، هل الدولة اللبنانية جزء من الكومينويلث؟ الملكة تموت تاركةً الأسئلةَ بلا إجابات... عصارة الأسبوع في المقتطف الجديد
المرعب في اقتحام البنك، سواءً بالسلاح الحقيقي أو الوهمي، أنها ممارسة تترك لبنان على حافة السقوط في الأناركيّة، وتطبيع هذه الممارسات يعني أنه يمكن لأيّ أحد أن يحصل على ما يريده بالقوة والتهديد. فالاحتفاء بالمقتحمين يفتح البابَ أمام غيرهم، لا فقط لاقتحام البنك، بل أيضاً الصيدلية، والبقاليّة، ومحطة الغاز.
لا نحاول هنا أبداً الانتصار للمؤسسة الرسمية أو البنك، لكن هذا الشكل من تحصيل الحقوق هو أسهل وأسرع طريق نحو الحرب الأهلية. وهذه المرة لن تكون بسب اختلافات طائفيّة وسياسيّة، بل لتأمين المتطلبات الأساسيّة، فاستمرار هذه الممارسات يمكن أن يتطور، ويسهل خلق مساحات مكتفية ذاتياً بقوة السلاح، أو تحول لبنان إلى مساحة أناركيّة، فالبنوك قد تغلق أبوابها، أو تخلو من الأموال، أو أي حلّ آخر، ما سيترك الناس غير قادرين على "شراء" ما يريدونه، بالتالي لابد من "أخذه" عنوةً. وفي هذه الحالة، هل نحتفي بمن يقتحم دكاناً لـ"أخذِ" الرز والسكر؟
جان لوك غودار الذي أنهى حياته بنفسه
قرر المخرج الفرنسي السويسري جان لوك غودار ذو الـ91 عاماً، أن ينهي حياته بنفسه، مستفيداً من "الموت الرحيم" الذي توفره بعض العيادات الطبيّة في سويسرا بعد تأكدها من أن حياة الشخص أصبحت لا تطاق، فتقدم له المساعدةَ اللازمة للفظ آخرِ أنفاسه.
الملفت في هذه الحالة أن المصطلح المستخدم باللغة العربية لهذه الممارسة أي "الموت الرحيم"، ليس إلا ترجمة مخففة للمصطلح الأصلي "المساعدة على الانتحار"، الشأن الذي يعتبر تابو لا يمكن حتى الحديث عنه في العالم العربي. لكن ما نحاول قوله هو أن غودار ألهم أثناء حياته أجيالاً كثيرة من السينمائيين وعشاق السينما، بل إن مسيرته الفنيّة بحد ذاتها تعتبر عملاً فنياً. ولكن هل مماته سيلهم الآخرين أيضاً؟
هل سنقاطع "مارفل" بسبب البطلة الخارقة الإسرائيليّة؟
طبعا ستقاطع مارفل، إذ بدأت حملات التخوين واتهامات التطبيع منذ الآن، وانتشرت موجة الغضب من استخدام مارفل لاسم "صبرا"، وإلصاقه بشخصية بطلة خارقة صهيونيّة. لكن هل سيختفي الفيلم من الوجود؟ لا. هل ستمنع الإمارات بثه؟ لا نعلم.
السؤال هو: هل إننا لن نشاهد الفيلم حقيقةً؟ إن كنا حريصين جداً على المقاطعة فيمكن مشاهدته عبر أحد مواقع القرصنة. هكذا نضمن عدم استفادة الشركة المنتجة. لكن الأهم، هو ضرورة إعادة النظر في أسلوب تمثيل المنطقة وتوجهاتها السياسية ضمن صناعة الترفيه، وتقديم نماذج محلية تعكس بصورة متخيلة الصراعاتِ التاريخية للمنطقة، لا أن ننتظر مارفل كي تنتج فيلماً عن بطل خارق مصري، وبطلة مسلمة كي نشعر بالرضى.
نعلم أنه من الصعب منافسة الصناعة الهوليوودية، لكن ما لا يمكن تبريره هو غياب بطل خارق من المنطقة، علماً أن هناك نماذجَ كثيرةً، كـ"أبو يوسف" بائع الفول مثلاً، القادر بكرشه أن يقف بوجه أشدّ أعداء المجرة خطورةً.
ما نسخر منه هنا هو وجود(نا) على الحياد، وانتظارنا المنقذَ الأمريكيَّ الذي سيمثّل المنطقة بشكل عادل، إلى جانب غياب العمل على إنتاج كتبٍ مصورة تتبنى هذا الشكل الفني الترفيهي. قد يقول البعض إنه يوجد فن كوميكس عربي. نعم يوجد، ولكن للأسف قد تحوّل إلى فن نخبوي ينتمي للمعارض، وينتظر التمويل دوماً من أجل أن يتم إنتاجه.
الدراجة النارية التي حاولت اغتيال فلاديمير بوتين
أكثر ما يثير المخيلة في عالمِ ما بعد الحقيقة هو أسلوب إنتاج الحكايات، والسيناريوهات المتخيلة التي تنتشر على وسائل الإعلام. مثال ذلك ما أشيع مؤخراً عن محاولة اغتيال فلاديمير بوتين، أو عدم وجود محاولة لاغتيال فلاديمير بوتين؛ إذ نفت موسكو مثل هذا الخبر، في حين أكد البعض حقيقته. وما يهمنا هنا هو الحكاية نفسها، التي تمكنّا في المقتطف من الحصول على النسخة الكاملة منها، وهنا نصّها:
إن أغلقت البنوك في لبنان أبوابها، ولم يعد هناك مال لشراء الحاجات الأوليّة، هل سنهلل لمن يقتحم بقالية أو صيدلية أو محطة مازوت ليحصل على حاجاته الأوليّة؟... عصارة الأسبوع في المقتطف الجديد
"في يوم من الأيام كانت هناك سيارة ليموزين تقلّ بوتين عبر موسكو، وإذا بسيارة إسعاف تقترب منها، وتحاول قطع الطريق أمامها. فخففت الليموزين سرعتها لتسمح لسيارة الإسعاف بالمرور، ولكن فجأة فُتح باب سيارة الإسعاف، وخرجت منها دراجة مسرعة، تطايرت في الهواء، ورمت قنبلة تجاه الليموزين. ففتح بوتين الشباك، وأمسك بالقنبلة، ورماها داخل سيارة الإسعاف، فانفجرت السيارة، وطار بابها، وضرب الدراجة النارية مطيحاً بمن عليها، فسقط ميتاً. أغلق بعدها بوتين الشباكَ، وابتسم شزراً. وتابعت الليموزين طريقها نحو الكرملين".
الملفت في هذه الحكايات والإشاعات المشابهة لها أنها تلائم وسائلَ التواصل الاجتماعي. أخبار سريعة وهمية، وعناوين رنانة من أجل التحشيد؛ الشأن الذي تتقنه روسيا جيداً، وسواءً كانت الصحيفة البريطانية التي حصلت على الخبر محقةً أم وقعت ضحيةَ خديعةٍ، فمثل هذه الحكاية تغذي الروح الوطنية الروسية، وحماسَ مؤيدي الحرب ضد أوكرانيا. لذا كلّ ما يمكننا فعله هو السخرية من مثل هذه الأنباء. فمحاولات نفيِها تعطيها جديّةً من نوع ما. بالتالي لا بد من تطويرها لتصبح تفاهاتٍ لا يمكن تصديقها، وذلك لتحويل الأمر من صراع على المصداقية الصحافية إلى نكتة يصدقها البعض بحماقة دون أن يعلموا مصدرها.
تيك توك: الربح من التحديق بالسرّة
يشير مصطلح "التحديق بالسرّة" المجازي إلى انغماس الشخص في ذاته إلى حدّ نسيانه كلَّ ما حوله، لأن بصره معلق بسرّته. هذه الحالة نقع بها جميعاً كل فترة، ولكن نحاول تجاوزها عبر متابعة ما يجري حولنا. بينما الواضح أن تيك توك أشدّ ذكاءً ودهاءً، إذ اقترح التطبيق مؤخراً إمكانية استخدام الكاميرتين، الأمامية والخلفية، أثناء تصوير المقاطع القصيرة التي يشتهر بها.
تتيح الميزة السابقة للفرد أن يحدق بالعالم عبر الشاشة، وبنفسه أيضاً، وهو محدق بالشاشة. لا نمتلك كلماتٍ لوصف هذه المأساة والهيمنة، فكل البيانات ستنتهي لدى القيادة العامة للحزب الشيوعي الصيني. لكن الملفت أن تيك توك أصبح قادراً على الوجود بين الشخص وذاته؛ يسجل ويخزن ويبثّ، أي بكلمات أخرى، يمكن للواحد منا أن ينغمس في ذاته أمام الشاشة، ويحدق بها، ويشاركنا ذلك دون أي فائدة تذكر سوى تغذية بنك البيانات الصيني، ذاك الذي سيدرس توسع الحدقية أثناء مشاهدة فيديو ما، كي يصمم فيديوهات وخوارزميات أشدَّ قدرة على جذب انتباه المستخدمين، ليخلق نوعاً جديداً من البشر، يتجاوز "الموجود في ذاته"، ليصبح، "الموجود في ذاته عبر الشاشة ومكتب الحزب الشيوعي الصيني".
10 سنوات سجن عقوبةُ الكذب في تونس
لا مزاح بعد الآن في تونس، ولا ثرثرة، ولا تلفيق، ولا كذب، إذ أقر قيس سعيد فارس الحقيقة، مرسوماً يستهدف من ينشر أخباراً كاذبة في تونس، لا فقط عبر الصحف والمؤسسات الصحافية، بل حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتراوح عقوبة من "يكذب" بين 5 إلى 10 سنوات.
لا نعلم كيف سيتم تطبيق هذا المرسوم، لكن هناك إستراتيجية لإبطال مفعوله، تتمثل بنشر أخبار كاذبة عن اقتراب النيزك، أو الرجل الآلي الذي يسكن داخل سعيد. عبر ذلك يساهم "الجميع" بالكذب ونشر الذعر تحت وسم #جميعنا_كذبة. وإن كان سعيد فعلاً قادراً على التطبيق القانون، فعليه سجن "كلّ" التوانسة، وحسب علمنا لا توجد سجون كافية لسجن 11 مليون مواطن. ما نحاول قوله أن مواجهة جدية مفرطة مثل هذه من قبل سعيد، تتمّ عبر سخرية لا يمكن له الانتصار عليها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون