شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"خصلة فضة"... حملة تفرض معايير "طبيعية" لجمال النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 17 سبتمبر 202204:19 م

"لا تُمَشِّطي شَعْرَكِ

على مقربةٍ منّي

حتى لا يُهَرْهِرَ الليلُ

على ثيابي".

-نزار قباني

بتلك الأبيات وصف الشاعر السوري نزار قباني تأثير الشعر الأسود لدى النساء عليه. التغني بالشعر الذي يشبه الليل أو أسلاك الذهب أو أشعة الشمس، هو التيمة الثابتة في كل أشعار الغزل منذ نظم العرب القصائد.

حتى بداية القرن العشرين واكتشاف البنسلين، كان يندر أن تعيش امرأة في العالم الثالث حتى تتحول خصلات شعرها إلى اللون الرمادي أو الفضي، وحتى في الغرب صاحب النهضة الصناعية، لم يزد متوسط عمر النساء عن 46 عاماً مع بدايات القرن العشرين. إلا أن اكتشاف المضادات الحيوية وتسارع عجلة التطور الطبي خلال القرن الماضي، كان من نتائجه أن تطول الأعمار وتواجه المجتمعات بشكل أكبر قضية "الشيب".

قبلها كانت ممارسة صبغ الشعر لمسايرة موضة معينة أو إخفاء الشيب ممارسة مقتصرة على الطبقات العليا، قبل أن يقوم كيميائي فرنسي يدعي يوجين شولر في 1907 باستخدام مادة كيميائية تدعى para-phenylenediamine (PPD) التي باتت أساساً لصبغات الشعر الرخيصة نسبياً ويمكن لنساء من غير الطبقات النبيلة استخدامها.

المجتمع يرى في الشعر الأشيب لدى الرجل الشاب ملاحة، فيما يراها في المرأة الصغيرة السن إهمالاً و"قلة نظافة"، أما إذا انتصف العمر فيرى المجتمع في شيب الرجال وقاراً ووسامة. أما النساء فيرى أنهن "عجائز" انتهت فرصهن في الحياة

لكن الاختراع الذي بنيت عليه إمبراطورية شولر الباقية إلى الآن تحت العلامة التجارية الشهيرة لوريال، صارت في السنوات الأخيرة موضع تهديد بإزاحتها عن عرش الممارسات التجميلية، مع تزايد عدد النساء المتبنيات للمظهر الطبيعي، اللواتي يبقين على خصلاتهن الرمادية والفضية والبيضاء من دون صبغة.

 

الطبيعي أجمل

يأتي نداء الإبقاء على خصلات الشعر بلونها الحقيقي، انطلاقاً من دعوات تقبل النفس. ومن هذه الدعوات تقبل النساء لطبيعة شعرهن سواء كان مجعداً أم انسيابياً، طويلاً أو قصيراً، أسود أو أبيض نتيجة لعوامل مختلفة. في هذا الإطار ظهرت مبادرة "خصلة فضة"، التي تدعو كل من ترغب في ترك شعرها بلونه الطبيعي إلى فعل ذلك، أما إذا كانت تفضل أن تصبغه فلتفعل لأنها ترغب فيه، وليس لتجنب الاتهامات باعتبارها كسولة أو معتنية بمظهرها، وهي النظرة التي تواجهها من يتركن شعرهن .

 رشا الرومي طبيبة متزوجة، وأم لثلاثة أبناء وواحدة من مؤسسي مجموعة "خُصلة فضة" على شبكة فيسبوك. تنتمي إلى فئة اللواتي ظهر الشيب لديهن مبكراً، تقول الرصيف22: "ظهر الشيب في شعري وأنا في سن صغيرة، ولجأت إلى صبغه عدة مرات مستخدمة ألواناً متعددة. وكانت تطاردني دوماً مشاعر الخوف والقلق من أن يكتشف من حولي أن في رأسي شعراً أبيض على الرغم من صغر سني الواضح".

تكرر الرومي ما تقوله نساء كثيرات ممن انضممن إلى ما يشبه حركة دولية للتشجيع على الإبقاء على الشعر الأبيض، وهي أن المجتمع يفرق في النظر بين الرجال والنساء عند ظهور شعيرات بيضاء أو فضية لدى الطرفين، فالمجتمع يرى في الشعر الأشيب لدى الرجل الشاب ملاحة، فيما يراها في المرأة الصغيرة السن إهمالاً و"قلة نظافة"، أما إذا انتصف العمر فيرى المجتمع في شيب الرجال وقاراً ووسامة. أما النساء فيرى أنهن "عجائز" انتهت فرصهن في الحياة.  

 مصطلح "العناية بالذات" عندما يوجه للمرأة يكون مصطلحاً مشوهاً، ومرتبطاً بكونها "ست مثيرة"، وبالتالي عندما تتوقف المرأة عن صبغ شعرها الأبيض الذي "يداري سنها"، فهي مهملة

في يناير/ كانون الثاني 2022، قررت رشا التوقف عن صبغ شعرها. تقول: "كان يتساقط بغزارة بسبب تكرار الصبغة، فقررت تركه للونه الطبيعي (الأبيض)، وتعرضت للهجوم من جميع من حولي ولم أجد مساندة من الأصدقاء أو الأسرة، وأصبح الاتهام بالإهمال ملازماً لي، على الرغم من أني أصبحت أهتم بشعري وتغذيته بشكل أكبر. هذه الفرصة جعلتني أرتبط بجسدي وأتقبل تغيراته، وأعدت بناء علاقتي به مرة أخرى". 

أما عن قرارها مشاركة تجربتها الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فبدأ مع اضطرارها للتبرير: "مع شعوري بأن الناس لا ترى فيّ غير شعري الأبيض، ما يرددونه على مسامعي بأن لون شعري يشعرهم بالكآبة، كتبت منشوراً على حسابي الشخصي أوضحت فيه أني سعيدة بشكلي الحالي، وأن تركي لشعري بلونه الطبيعي الأبيض، لا يدل على مروري بمشاكل نفسية".

خلية فضية

على المجموعة الفيسبوكية التي شاركت الرومي في تأسيسها تحت اسم خصلة فضة، أنشأت الطبيبة مجموعة الدعم التي كانت تحتاجها "داخل الجروب النساء ترى نفسها جميلة بالشعر الأبيض، وهذه حقيقة. وكذلك أنا لا أنظر للون الأبيض على أنه تقدم في العمر، وإنما تغير لون. كما أن الشعر الأبيض ليس له علاقة بثقة الست بنفسها وإنما تعليقات الناس هي التي تؤثر كثيراً عليها".

 أسست ميار مكي غروب "خُصلة فضة" قبل ثلاث سنوات، لتجد فيه النساء مثل رشا دعماً ومساعدة، خاصة من اللواتي قررن أن يتوقفن عن صبغ الشعر الأبيض وهن بعد في الثلاثين أو العشرين من العمر.

في المنشور المثبّت في المجموعة كتبت ميار أنها لا تؤيد اختزال رفض صبغ الشعر الأبيض في أنه "تصرف شجاع"، لكنه "خيار النساء وحقهن"، وبالتالي لا يمكن اعتبار من يقمن بصبغ شعورهن أقل شجاعة، "ربما أرغب في وقت مختلف في صبغ شعري مرة أخرى، جميعها خياراتي وهذا ما يجب أن يكون".

تأسست مجموعة "خُصلة فضة" تأثراً بالنجاح الذي حققه حساب Grombre الذي اشتهر على إنستاغرام منذ العام 2016، معبراً عن حملة تحمل الاسم نفسه، وأسسته سيدة أمريكية تدعى مارثا سميث، بعد أن قررت في عيد ميلادها الرابع والعشرين أن تتوقف عن صبغ شعرها الأبيض وأن تتركه من دون تدخلات.

في صفحة الويب الرئيسية لموقعها كتبت سميث أنها اتخذت قرارها بعدما لاحظت أن العديد من النساء "يُمارس عليهن ضغط مجتمعي بسبب ظهور شعر أبيض في رؤوسهن، وإن كان نتاج التقدم في العمر"، فقررت أن تقدم لهن الدعم من خلال تأسيس هذه الصفحة "بهدف خلق مجتمع تشعر فيه النساء بالراحة، وينفتحن على التصورات الثقافية المختلفة لمعايير الجمال وقبول الذات". وفي وقت قصير تحولت المبادرة إلى حركة عالمية، ووصل عدد متابعي الصفحة إلى نحو ربع مليون.

تشعر المرأة بضغوط مستمرة وكأن عليها ألا تتقدم بالعمر ولا يحق لها أن ترى شكلها الحقيقي يوماً، وعليها إنفاق مئات الجنيهات في صالونات التجميل لتصل إلى مظهر خالٍ من الشعر الأبيض.

منذ الطفولة

 "بدأ شعري الأبيض يظهر وأنا في السادسة عشرة من عمري، ودائماً كانت ردود الأفعال تظهر الشفقة والأسى لظهور اللون الأبيض في هذا العمر الصغير". تبلغ ساندرا ملك، صاحبة هذه الكلمات، الآن الثامنة والعشرين، واختارت العمل كـ"ميك أب أرتيست" أي "فنانة في استخدام مساحيق التجميل". تقول: "صبغت شعري مرتين لإخفاء الخُصل البيضاء، ولكن بعد فرحي قررت أن أتركه كما هو من دون صبغة".

 وتضيف: "ردود الأفعال كانت مختلفة؛ بعض الناس علقوا على أنني لا أزال صغيرة على هذا المنظر ولا بد من صبغ شعري، خاصة أن شعري الأبيض موجود في مقدمة رأسي. أما البعض الآخر فكان يحاول دعمي بعبارات مجاملة مثل شكلي الآن أجمل، علماً أن زوجي كان يفضل ألا أصبغ شعري وأتركه بلونه الأبيض لأنه يميزني". 

ترى ساندرا وكثيرات غيرها من المشاركات في المجموعة أن الشعر الأبيض لا يؤثر على ثقة المرأة بنفسها إذا كانت على قناعة تامة بشكلها ومتقبلة جسدها كما هو، بعيداً عن المعايير التي يحاول المجتمع فرضها لما هو جميل، بعدما لعبت ثقافته، كما ترى ساندرا، دوراً في رفض الشعر الأبيض للنساء "وجعل التعليقات السلبية تلازم كل سيدة من دون النظر إلى رغبتها". ولكنها تستدرك أن التغير "أصبح موجوداً بشكل ما في ثقافتنا، وصرت أرى الكثير من النساء يتقبلن أنفسهن وإن كان جمالهن مختلفاً عن السائد".

القيمة في الإثارة 

تختلف معها آية البحقيري، وهي طبيبة ومختصة في العلاقات الزوجية، إذ تقول: "لا يمكن اعتبار الأصوات التي تنادي بتقبل النساء لشكلهن معبرة عن تغير كبير في الثقافة العامة، لكن هناك حركة عالمية تنادي بالشكل الطبيعي للجسد وتقبل النفس، وأصبح هناك وعي بالتأثير النفسي للإعلانات والموديلينغ، لكن هذا غير كافِ، نحن لا نزال في بداية الطريق".

وعن ترك النساء شعرهن الأبيض، ترى البحقيري أن "كل فعل تقوم به النساء في تجاه تقبل ذواتهن وأجسادهن وظهور شخصياتهن الحقيقية، هو فعل شجاع وله تأثير على المدى البعيد، ولكنه يحتاج أن يصبح حركة سياسية نسوية واعية بذاتها حتى تعطي التأثير المنشود على المدى المتوسط مثلما فعلت حركة الشعر المجعد مثلاً". 

وتضيف أن مصطلح "العناية بالذات" عندما يوجه للمرأة يكون مصطلحاً مشوهاً، ومرتبطاً بكونها "ست مثيرة"، وبالتالي عندما تتوقف المرأة عن صبغ شعرها الأبيض الذي "يداري سنها"، فهي مهملة. فالاهتمام بالنفس في الثقافة المصرية فيما يتصل بالنساء "مرتبط بأن المرأة تقرب من معايير الجمال المنشودة".

وتشير البحقيري إلى الدور الذي تلعبه الإعلانات والأفلام والمسلسلات في وضع وترسيخ "معايير موحدة للجمال"، وتعلق: "نحن نعيش في مرحلة لا نرى فيها أحداً على التلفزيون معجِّزاً أو شعره أبيض مهما كان عمره، فهناك ثقافة عامة ترى أن الشعر الأبيض أمر غير طبيعي، على عكس واقع الأمور والحقائق البيولوجية. وكلما كان هناك نجوم متصالحة مع ذاتها، ارتاحت المرأة مع اختياراتها بشكل أكبر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image