يتزامن موسم العودة إلى المدارس في فرنسا مع موسم آخر شديد الأهمية في الحياة الثقافية الفرنسية وهو ما يسمى "العودة الأدبية"، إذ تحضّر دور النشر خلال أشهر الصيف وتتوقف عن إصدار الكتب لتطرح مجموعة كبيرة من الكتب الجديدة بالتزامن مع العودة إلى المدارس، وتنتشر الكتب الجديدة في كل مكان من رفوف السوبرماركت إلى المكتبات والمواقع الإلكترونية، وينشر الكتّاب المشهورون رواياتهم المنتظرة كما يظهر على الساحة كتّاب جدد، وتنشط البرامج الثقافية والمقالات النقدية التي تنتقي أفضل الكتب لتنصح القراء بها.
قد يبدو غريباً أن تطرح كل دور النشر كتبها الجديدة في وقت واحد، ولكن هدفاً تسويقياً يقود هذه العودة الأدبية، إذ إن نشر كل الكتب الجديدة قبل عدة أشهر من نهاية العام يعطي الفرنسيين فترة لتداول الآراء والنصائح حول أفضل الكتب قبل موسم نهاية العام التي تعتبر الفترة الذهبية لبيع الكتب بسبب هدايا عيد الميلاد.
يتزامن موسم العودة إلى المدارس في فرنسا مع موسم آخر شديد الأهمية في الحياة الثقافية الفرنسية وهو ما يسمى "العودة الأدبية".
يصدر في العودة الأدبية هذا العام أربعمئة وتسعون رواية في تراجع عن العودة الأدبية للعام الماضي التي تضمنت خمسمئة وواحد وعشرين رواية. ويعتبر موسم العودة الأدبية انطلاقة أيضاً لترشيحات الجوائز الأدبية المرموقة كما يمثل فرصة حقيقية لكتّاب جدد، إذ رغم تضمن اللائحة المنشورة أسماء كتاب مرموقين ومشهورين وأصحاب المبيعات الأعلى، إلا أن العودة تفسح المجال أيضاً أمام روائيين ينشرون رواياتهم الأولى وعددهم لهذا العام تسعون. وتتضمن الكتب المنشورة في هذه العودة إلى جانب الروايات، دواوين شعرية ودراسات وأبحاث. وتنتمي الروايات إلى أنواع أدبية منوعة، على رأسها الروايات البوليسية والرعب والخيال العلمي بالإضافة إلى السيرة الذاتية وغيرها.
يحجز أدب الأراضي الفرنسية خارج أوروبا مكاناً له على خارطة العودة الأدبية، كما يخصص جزءاً من الأدب الأجنبي، الذي يتضمن 135 رواية غير فرنسية، للأدب الذي يتناول قضايا أصحاب البشرة السوداء هذا العام.
تبدأ الدوريات والصحف الفرنسية مع انطلاق الموسم بنشر قوائم تتضمن توصيات نقادها حول أفضل الكتب الصادرة، واللافت مراقبة اختلاف هذه القوائم بحسب توجهات الجهة التي تنشرها، وتوقعها لما يهم جمهورها المستهدف، لذا من الصعب حصر أبرز الكتب المنشورة.
تحتل النساء مساحة كبيرة في المشهد الثقافي والأدبي الفرنسي اليوم، وتشهد "العودة الأدبية" روايات جديدة لروائيات مشهورات كما لروائيات صاعدات
تحتل النساء مساحة كبيرة في المشهد الثقافي والأدبي الفرنسي اليوم، وتشهد العودة الأدبية روايات جديدة لروائيات مشهورات كما لروائيات صاعدات. وتتصدر الروائيات قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الأسبوع الأول من العودة الأدبية، إذ تتقاسم المراتب الأولى فيرجيني ديبانت وأميلي نوتومب ودلفين دوفيغان.
تفتتح أميلي نوتومب روايتها (كتاب الأخوات)، لهذا الموسم الأدبي بجملة: "تمتلك الكلمات القوة التي نمنحها لها"، ويقوم الكتاب على استكشاف العلاقة المعقدة التي تجمع أختين، ومواضيع أخرى متكررة في روايات نوتومب وأثيرة لديها لا سيما الاضطرابات السلوكية الغذائية، والغيرة، وذكاء الأطفال.
ويتنظر قراء نوتومب بشوق الرواية، ويمدحها النقاد في كل مكان تقريباً. فيما تتباين الآراء النقدية حول رواية فيرجيني ديبانت (عزيزي الحقير) التي تتصدر قائمة المبيعات بواحد وستين ألف نسخة، وتروي حكاية كاتب ذكوري عند فضحه كمتحرش من قبل المسؤولة الصحافية السابقة عنه، والتي أصبحت نسوية بارزة وتتصدر وسائل التواصل الاجتماعي، ويمتدح كثيرون أسلوب ديبانت المميز، فيما يجد البعض أن هذا الأسلوب هو عيب الرواية فهو أصبح مكروراً بالنسبة للبعض، ولكن المغري في الرواية هو مناقشتها للنسوية بل للنسويات المتعددة المنتشرة ضمن قالب روائي قائم على المراسلات.
أما رواية دلفين دوفيغان (الأطفال ملوك)، فقد صدرت سابقاً ولكنها في موسم العودة الأدبية نشرت بصيغة كتاب الجيب، وهي الصيغة ذات السعر الأرخص وحجم الورق الأصغر، وقد حصدت الرواية المركز الأول في المبيعات في هذه الفئة، وهي رواية بوليسية يصطدم فيها عالمان، عالم ميلاني كلو، نجمة وسائل التواصل الاجتماعي وأم الطفلة المختطفة، وعالم كلارا روسل الشرطية الشابة الوحيدة التي تشارك في التحقيق.
يحمل موسم "العودة الأدبية" لهذا العام خبر إطلاق دار سندباد الصغير، وهي تابعة لدار سندباد التي يترأسها المؤرخ والمؤلف والناشر السوري الفرنسي فاروق مردم بك
يحجز الأدب العربي مكانه في العودة الأدبية كل عام، إذ تنشر أعمال جديدة لكتاب عرب يكتبون بالفرنسية أو تترجم أعمال عربية وتنشر بالفرنسية بالتزامن مع انطلاقة الموسم، ولكن موسم العودة الأدبية لهذا العام يحمل نبأ خاصاً ومختلفاً، وهو إطلاق دار سندباد الصغير، وهي تابعة لدار سندباد التي يترأسها المؤرخ والمؤلف والناشر السوري الفرنسي فاروق مردم بك، وتتوجه الدار الجديدة إلى جمهور من الأطفال وتنشر باللغتين العربية والفرنسية.
يقول الناشر فاروق مردم بك لرصيف22 عن إطلاق هذا المشروع: "فكرة سندباد الصغير ليست جديدة ولكننا كنا ننتظر مناسبة لإطلاقها، وبحلول الذكرى الخمسين لتأسيس دار سندباد هذا العام قررنا إطلاق المشروع بأربعة كتب كدفعة أولى". ودار سندباد الأم هي دار معروفة متفرعة من دار (أكت سود) العريقة، وتعنى بتقديم الأدب العربي للقارئ الفرنسي وقد قدمت العديد من الأعمال المترجمة من العربية، بالإضافة للكتب الفرنسية التي تتناول الموضوع العربي في مجالات متعددة طوال سنوات حافلة بالعمل الجاد.
يشرح فاروق مردم بك، أن ما دفع بهذا المشروع الجديد هو وجود طلب، إذ يرغب العرب المقيمون في فرنسا أن يتعلم أبناؤهم العربية.
ويشرح مردم بك أن ما دفع بهذا المشروع الجديد هو وجود طلب، إذ يرغب العرب المقيمون في فرنسا أن يتعلم أبناؤهم العربية، لذا نشرت الكتب الأربعة باللغتين العربية والفرنسية في صفحتين متقابلتين، ويضيف أن الكتب قد تفيد أيضاً في تعلم الفرنسية للأطفال المقيمين في الدول العربية.
ينطلق المشروع بألبومين مصورين، هما (لويس الأول، ملك الخراف) وهو لأوليفيه تالاك، ترجمه للعربية فاروق مردم بك، و(النقطة السوداء) لوليد طاهر وترجمته من العربية سارة رولفو، كما تضم الدفعة الأولى سلسلة موجهة لعمر أكبر قليلاً وهي عبارة عن كراريس صغيرة غير مصورة أو روايات صغيرة، وتتضمن (خدعة الواوي) وهي قصة شعبية من لبنان كتبتها نجلا جريصاتي خوري، وترجمتها للفرنسية جورجيا مخلوف، و(وحوش الضفة الأخرى) لأوبير بن كمون وترجمتها للعربية لينا أيوبي.
يقول مردم بك إن هذه العيّنة نشرت على سبيل التجربة بانتظار ردود الفعل سواء في المكتبات أو من قبل الناس المهتمين بأدب الأطفال، كي يتم الاستمرار في المشروع في ضوء الملاحظات التي ترد على أمل إطلاق دفعة ثانية في الربيع القادم ونشر دفعة أخرى في الخريف.
تحجز سوريا حصة لها في هذه العودة الأدبية بكتابين، الأول من نشر دار سندباد نفسها، وهو كتاب كاترين كوكيو بعنوان (ما ينفع العالم بعد اليوم؟ سوريا ونحن).
ويمثل الكتاب انطباعات الكاتبة عند قراءتها لأعمال وشهادات كتاب وشعراء ومفكرين سوريين، ورؤيتهم إلى العالم الذي نعيش فيه اليوم، ومنهم: سميرة الخليل، ياسين الحاج صالح، سمر يزبك، خالد خليفة، مصطفى خليفة، وفرج بيرقدار.
فيما يمثل الكتاب الثاني (سوريا البلد المحروق، الكتاب الأسود للأسدين 1970-2021)، نتاج عمل ضخم استمر لسنوات وشارك فيه أكثر من أربعين كاتباً وتنشره دار (سوي)، وأشرف عليه كاترين كوكيو وجويل أبريشت ونائلة منصور وفاروق مردم بك، ويحاول الكتاب رواية "كل القصة السورية في ظل الأسدين" بحسب تعبير مردم بك، وهو كتاب في 900 صفحة ينتظره متابعو الشأن السوري ومحللوه.
لعل أبرز ما في العودة الأدبية لهذا العام كما لكل عام هو حالة النشاط الأدبي والثقافي التي ترافقها وتدفع إلى الحسد والغيرة، في ظل حال الأدب العربي المعاصر وبؤس سوق النشر، وبيع وشراء الكتب العربية، ولكن المكانة التي حجزها الأدب العربي ضمن السوق الفرنسية، والجهود المبذولة في هذا السبيل تدفع إلى الأمل، الذي يبقى حياً في نهضة يقودها الكتّاب العرب لتعود الحياة وتجري في عروق حياتنا الثقافية والأدبية العربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 13 ساعةربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي