شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
اُبتر عضوَك حتى لا تسيء للنساء... وثائقي عن إيرانيات تعرّضن للاغتصاب

اُبتر عضوَك حتى لا تسيء للنساء... وثائقي عن إيرانيات تعرّضن للاغتصاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 2 فبراير 202002:32 م

قتل شخص آخرا للدفاع عن النفس موضوع مثير للجدل دائمًا. في بعض الأحيان، يجد الناس أنفسهم في مواقف يتعين عليهم فيها الدفاع عن أنفسهم أو الآخرين وهذا يؤدي إلى قتل الشخص المقابل.

بعضُ عمليات القتل هذه ترتكبها نساء في مواجهة العنف والإزعاج والاغتصاب، وتحدث مثل عمليات القتل هذه في جميع أنحاء العالم ولا تخصّ بلداً محدّداً. لکن السؤال هو هل المرأة التي ترتكب قتلاً كهذا تدان أم تتمّ تبرئتها؟ وهو أمر يعتمد على القواعد التي تحكم النظام القضائي في كلّ بلد، والأدلة والوثائق المقدمة.

في كثير من الحالات، لا یصبح جزء من أسباب القتل ودوافعه واضحاً أبداً لأن أحد الجانبين قد قُتل والرواية الوحيدة المتبقية هي قصة الناجیة الحية في هذه القضية. وفي مثل هذه الحالات، تبحث الشرطة عن الأدلة والدوافع للعثور على الحقيقة.

من الصعب للغاية الحكم على هکذا جرائمِ قتل، بسبب صعوبة دراسة العلاقات بين الأفراد ومجموعة الظروف التي أدّت إلى القتل. والأمر صعب حتى في البلدان المتقدمة التي تتمتع بقوانين قوية ونظام قضائي قوي، ولكن في الدول ذات القوانين الأقل دعمًا للمرأة إلى جانب نظام قضائي ضعیف، تصبح العديد من النساء سنويًا ضحايا لأحكام غير دقيقة وغير عادلة.

وطالما كانت العديد من الحالات من هذا النوع موضوعًا لأفلام وكتب ومقالات متنوعة حول العالم. وقد اختارت المخرجة الوثائقية الإيرانية "مَهوَش شيخ الإسلامي" هذا الموضوع لفيلمها الوثائقي الذي يحمل عنوان "مادة 61"، والذي يشير إلى المادة الـ61 من قانون الجزاء الإسلامي في إيران. ورغم أنه تمرّ عدة سنوات على صناعة هذا الفيلم، لكنه يتمّ عرضه بين حين وآخر في الفعاليات السينمائية في إيران، كما أنه شارك في العديد من المهرجانات العالمية.

وفقًا للمادة 61 والشروط المنصوص عليها في هذه المادة، وباختصار، إن قام المرء بجريمة دفاعًا عن نفسه أو الآخرين، ودفاعًا عن الممتلكات أو ما يُعرف بالشرف أو الحرية الشخصية أو ضدّ أي اغتصاب أو خطر وشيك، لا يعتبر هذا الشخص مجرمًا. وبالطبع، تتعرض هذه الشروط لتفاسير مختلفة، ويعتمد على قاضي المحكمة كيف يرى القصة ويحكم عليها.

لذلك يمكن للقاضي من خلال دراسته الجيدة لقضایا النساء اللواتي یرتکبن قتلًا للدفاع عن النفس، منع قصاصهن وإصدار حكم عادل من الممكن أن يؤدي إلى إطلاق سراحهن من السجن. ولكن لسوء الحظ، یتمّ إعدام الكثير من هؤلاء النساء في إيران أو یقضين بعضهنّ سنوات عديدة في السجن.

رأيتُ في الغرفة ظلًّا يتحرّك. قلتُ مع نفسي ربما أتخيل، لكنني سمعت الصراخ حقًا. ذهبت إلى الغرفة. رأيت زوجي عاريًا وممدّدًا فوق ابنتي التي لم تبلغ من العمر أكثر من 13 عامًا. يدها كانت تتدلّى من السرير وتصرخ

مهوش شيخ الإسلامي خریجة مدرسة لندن للسينما. بدأت مسيرتها الفنية في إخراج فیلما بعنوان " الكرة" (The Ball) واستمرت في إدارة إنتاج والمساعدة الفنية في أفلام ومسلسلات عديدة منها مسلسل "خالي العزيز.. نابليون"، و"سربداران" و"هزاردستان". كما أنها انتجت العديد من الأفلام، وشاركت في المهرجانات المحلية والأجنبية في هيئات الحكام. وتولت منصب عضوية هيئة ادارة اتحاد منتجي الأفلام الوثائقية في ايران.

ولإنتاج فيلمها الوثائقي "مادة 61" تمكّنت مهوَش من الحصول على تصريح تصوير وإجراء مقابلات مع النساء المدانات بارتكاب جريمة قتل والمحکوم عليهن بالسجن، ثمّ القصاص في سجن "إيفين" الشهير في شمال طهران؛ النساء اللواتي قتلن أزواجهن أو رجالًا آخرین دفاعًا عن أنفسهنّ أمام المعتدّي. وقالت مهوش لرصيف22: "إن الدخول إلى السجن بالكاميرا كان أمراً شبه مستحيل، ولكن بعد كثير من الإلحاح والمتابعة استطعتُ إقناع المسؤولين"، وكان ذلك يحدث لأول مرّة في إيران.

غرفة مغلقة ونافذة واحدة وکرسيّ واحد، وكاميرا "مهوَش" تروي المصير المرير لـ26 امرأة جلسن على هذا الكرسي خلال أربعة أيام. وتقول المخرجة إنه "بعد ستّ سنوات من البحث حول الموضوع والمتابعة سمحوا لنا أخيرًا بدخول السجن لمدّة أربعة أيام فقط. كان دخول السجن أمرًا فظيعًا ومرعبًا، حتى إنني ما زلت أتساءل كيف استطعنا تصوير الفيلم خلال هذه الأيام القليلة المتاحة لنا!".

فاطمة وراضیة وكبرى ومَنيجه وفاخته ومرجان وغيرهن روين قصصهن في هذا الفيلم لـمهوش؛ قصصُ تعرضهنّ بشكل مباشر أو غير مباشر للعنف الجسدي والجنسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي. أما المخرجة ركّزت في فيلمها على رواية 3 من النساء الـ26.

يستكشف هذا الفيلم دوافع هؤلاء النساء للقتل من خلال رواياتهن، ويسعى للوصول إلى الأسباب والدوافع، وبعنوانه إلى جانب روايات النساء، يحاول الفيلمُ مشاركةَ الجمهور القضايا القانونيةَ المتعلقة بقضية القتل في حال الدفاع عن النفس.

بعد ستّ سنوات من البحث حول الموضوع والمتابعة سمحوا لنا أخيرًا بدخول السجن لمدّة أربعة أيام فقط. كان دخول السجن أمرًا فظيعًا ومرعبًا، حتى إنني ما زلت أتساءل كيف استطعنا تصوير الفيلم خلال هذه الأيام القليلة المتاحة لنا

الحكاية الأولى، ترويها فاطمة؛ أمّ تبلغ من العمر 33 عامًا، ولديها ابنتان من زوجها الأول، وقد حُكم عليها بالإعدام بتهمة قتل زوجها الثاني:

"سمعت صوت صراخ. لم أكن أعتقد أنه كان من بيتي، نهضتُ وحدّقت من النافذة ولم أر أحدًا في الخارج. كانت الساعة الواحدة ليلًا. لم أر أحدًا، عدتُ إلى سريري. رأيتُ باب الغرفة مفتوحًا، كان هناك ظلّ متحرّك. قلت مع نفسي ربما أتخيل، لكنني سمعت الصراخ حقًا. ذهبت إلى الغرفة. رأيت زوجي عاريًا وممدّدًا فوق ابنتي التي لم تبلغ من العمر أكثر من 13 عامًا. يدها كانت تتدلّى من السرير وتصرخ. تفاجأت ولم استطع فعل أيّ شيء لأن هذا الأمر كان خارجَ تصوّري".

وتضيف فاطمة: "كان قد وضع يده على فم الطفلة. تسمّرتُ في مكاني. عندما خلع حمالة صدر الطفلة وظهر ثدياها، لم يعد بإمكاني الوقوف أكثر، فذهبت نحوه وهجمت عليه. تنازعنا لدقائق وخرجنا من الغرفة. دفعته، فهبط على الأرض بشدة. شعرتُ أن البيت مظلم، وأنا لم أعد على قيد الحياة، وليس عليّ إلا فعل ذلك. لا أعرف لعشرين دقيقة أو ربما نصف ساعة ضغطت غطاء رأسي على فمِه، وعندما فتحت عيني رأيت الدّم يسيل من عينيه وفمه. عندها عرفتُ ماذا فعلت".

تمّ إعدام فاطمة بعد قضائها سنوات في السجن.

الحكاية الثانية ترويها أفسانه٬ وهي أمّ لطفلين٬ وقد حُكم عليها بالإعدام بسبب قتل صديق زوجها. تروي أفسانه:

"بعد أن استحممتُ ذهبت إلى الغرفة، وضعتُ ملابسي على السرير. كنت أنشّف شعري، فرأيتُ شخصًا عاريًا ركض نحو الغرفة، وأغلق بابها. كان صديق زوجي الذي يسكن قرب بيتنا. هجم عليّ. كانت هناك سكين بالقرب مني. هجمتُ عليه بالسكين، وطعنته عدّة مرات. سقط بالقرب من خزانة الثياب. قلتُ له: أبتر عضوَك الآن حتى لا تسيء للنساء بعد اليوم. قطعتُ عضوَه، ولم أعِ شيئًا بعد ذلك. وضعتُ عليه كلّ ما كان هناك من شراشف وأغطية ".

تمّ إطلاق سراح أفسانه بعد 8 سنوات من السّجن والتعذيب.

أما الثالثة فهي سمية البالغة من العمر 33 عاماً، والتي لديها رواية مشابهة لهذه النساء. تمّ إعدام سمية في ديسمبر 2019 بعد مرور بضعة أيام فقط على اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة، وبعد قضاء 6 سنوات في سجن "سِبيدار" في الأهواز، جنوب غربي إيران.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image