شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل نراهن أن الليل لا يحلك إلا ليقرّب النهار؟

هل نراهن أن الليل لا يحلك إلا ليقرّب النهار؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الجمعة 9 سبتمبر 202201:24 م

أجزاء من مجموعة كبيرة اشتغلتها بالأكواريل. الخطوط قليلة وبسيطة للدلالة على عيش الوقت بلحظته، بما تدبّر. على ورق A5

كنت أودّ أن تُكتب هذه الحروف/ السطور/ المقاطع الملحقة برسوم، في شهر تموز/ يوليو، وخلاله يبدأ فصل الصيف، فيُنضج ليمونة السماء... إلّا أن طاقة تسيير الكون وتيسييره، شاءت أن ترجئ ذاك القطاف إلى شهر أيلول/ سبتمبر، حين يتساقط الورق الأصفر عن أمهاته... ليعود إلى الخُضرة بدرجات متفاوتة وثمر ملوّن في الربيع. وطبعاً، كان العنوان المقرر مختلفاً، ونفسه الكون بدّله ليصير "لا تخف ولا تحزن"، إذ غالباً ما يولّد الفن والإبداع من الأزمة والحاجة، مفتاحاً للفكر ولولاهما لما تغيرت أطر العيش ولا أساليبه، منذ ظهور البشري الأوّل، وبالتوازي، لا داعي للتمسك بالغايات النبيلة ولا الأحلام الوردية عندما يسرّع الانهيار سقوط دكاته.

ولقد راكم أجدادنا خبراتهم في الحياة، ومنها تأملاتهم حول الشهر السابع، فتناقلوا حوله حكايات شفويةً واستخلصوا منها أمثالاً شعبيةً، منها: "بتموز، كنّز مياتك لتعوز" و"بتموز، ببصير الصبر قد الكوز".

وفي حين تبدو المقولة الأولى كأنها تنتمي إلى حقبة ما قبل اختراع المكيّفات، بل حتى وصول الأقنية إلى البيوت المنخفضة... إلّا أنها استحالت "معاصرةً" في بيروت-لبنان، جغرافيا اليوم التي يمانع الظلاميون في أرجائها كل حي ويمجدون قتل ودمار كل ما يرتفع فوق غيم الغبار الكثيف أو يحلّق خارج السرب المتراص. هكذا، لا يعثر المدوّن أو الرسّام لمشاهد المدينة عما يغسل به وجهه كي يفتح عينيه ولا ما يغطّ به ريشته.

في كل مرّة، يتفلّت المجرمون من العقاب، وبالدين والوطنية والأخلاق تزايد بيئات القتلة على مجتمعات المقتولين

أما المقولة الثانية، فتنطبق على قطع الخبز بسيف الفساد عينه، لتجويع الناجين- إلى حدّ ما- من تفجير الرابع من آب/ أغسطس، بعد تعطيشهم. يبقى بطل لعبة الموت كلها باقياً ويتمدد كوحش إقليمي ونظام محلي يعيد إنتاج الزعماء الكلاسيكيين لتقاسم الكعكة، وإن نال منها، هذه المرة، التغييريون- إذا صح التعبير- كسرةً صغيرةً. لقد تبدد إذاً حلم الثورة التي حسبنا بسذاجة ورومانسية حالمة أنها سوف "تشيل ما تخلي"، وتجلّى من جديد فن تدوير الزوايا لتمكين السياسة تحت قبة البرلمان، كما الصبر بصمت داخل البيوت للتحايل على ثقل الزمن وإلى أن ينتهي الصراع الأمريكي-الإيراني، برابح يملي علينا شروطه في شكل الدولة والثقافة.

وعلى الأرجح أن في بلد الـ18 طائفةً تقريباً، أضحت الصلاة القائلة "نجّنا من الشرير" جامعةً على نحو واسع، خاصةً مع تأكد أن الآتي أعظم ما لم تخلّصنا فجأةً أعجوبة. عملياً، لم تتوقف الاغتيالات منذ إعلان نهاية الاقتتال. وفي كل مرّة، يتفلّت المجرمون من العقاب، وبالدين والوطنية والأخلاق تزايد بيئات القتلة على مجتمعات المقتولين. ومع اقتراب نهاية العهد القوي، يكبر قهر المستضعفين في وجه الذين ينتمون مرغمين، طواعيةً أو مراوغين، إلى أحزاب السلاح، لأن اللافت أيضاً أن بين المأكولة حقوقهم من قبل زعماء الحال/ أمراء حرب الأمس، ما زالت شريحة كبيرة تتغطى بعباياتهم لتطالب باسترداد حقوقها ولا تستحصل منها سوى الفتات.

منذ البداية قضاؤنا غير مستقل، والآن الغابة تحترق.

منذ البداية قضاؤنا غير مستقل، والآن الغابة تحترق. لقد باتت لا شريعة تعلو فوق محاولة النفاذ بالريش وبالوسائل المتاحة، قبل النفوق، بالإضافة إلى أن أفكار المجتمع المدني- بمثاليتها- أضحت جداً بعيدةً عن الواقع. مثلاً: يتعرض الأطفال وتتعرض النساء لتعديات وانتهاكات جمّة، مما يستدعي رفع الصوت عبر الإعلام ووسائل التواصل، وتالياً كشف جوانب مختلفة من حيواتهم الخاصة أمام العامة، وتُخوّل "أي منصة أو ناشط- افتراضي غالباً- بالتحوّل إلى مؤرشف داتا شخصية ومحقق ومحامٍ وقاضٍ ومتعاطف، وتدرك أحياناً حلقته الضيقة أنه- بعيداً عن العيون- معنِّف، ومتحرش أو فاسد. فهل نراهن أن الليل لا يحلك إلا ليقرّب النهار. لا تخف ولا تحزن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image