شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ما بين الاستمتاع الذاتي وقراءة القرآن... الأرملة والمجتمع والرغبة الجنسية

ما بين الاستمتاع الذاتي وقراءة القرآن... الأرملة والمجتمع والرغبة الجنسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 18 نوفمبر 202003:44 م

ياسمين الفتاة ذات العيون الخضراء، يُشهد لها بجمالها الساحر، هي أم لأربعة أطفال، لم تقف مأساتها عند مشكلة تأخر الإنجاب، التي عانت منها على مدار ثماني سنوات، التي تشهد ندوب جسدها في كل مكان أخذت فيه حقنة ضمن مسيرة العلاج للإنجاب، أضحت أرملة (وهي لم تكمل الثلاثين من عمرها).

ياسمين تعيش في بيتها، الذي غادره زوجها بعد مرض عضال، تعارك الحياة في سبيل تأمين حياة كريمة لأطفالها، بعيداً عن نظرة الشفقة، وفي نهاية اليوم تبقى هي وحيدة في غرفتها، المليئة بذكرياتها الجميلة مع زوجها رائد (38 عاماً).

"أنظر لصورة زوجي وأبكي"

تحاول كلاً من أسرة ياسمين ورائد تأمين ما يمكن تأمينه لتعيش هذه الأرملة "ستراً" لا تحتاج بعده لأحد، ولكن هناك "ستر" من نوع آخر، لا يستطيع أحد من أقارب ياسمين توفيره، فهو لا يشتري ولا يباع، إنه الحضن الدافئ.

ويثور هنا تساؤل منطقي: ماذا تفعل الأرملة باحتياجاتها الجنسية بعد موت زوجها؟ سيقول البعض لها أن تتزوج، وهنا يكمن سؤال أكثر إنسانية، "ماذا عن أولادها؟ لمن ستتركهم؟ وهل هناك رجل يقبل أن يتزوج أرملة بأولادها تماماً كما تتزوج فتاة رجل أرمل بأولاده؟"، ما هي الاختيارات الحقيقية التي يتيحها المجتمع للأرملة في "سوق" العلاقات العاطفية والجنسية.

تجلس ياسمين في بيتها المتواضع، ذي السبعين متراً، والذي يحكي قصة ألمها، وصورة زوجها معلقة على الحائط، كأنه موجود في بيته صورةً لا روحاً، وفي إجابتها حول "ماذا تفعل بالذكريات حين تحاوطها؟"، أجابت: "أكتفي بالبكاء والنظر طويلاً إلى صورته المعلقة، وكأن ملامحه تحادثني".

"أتسلّح بقراءة القرآن".

وفي سؤال آخر "ماذا تفعلين باحتياجك الجنسي لرجل؟" هنا رفضت ياسمين الإجابة، صمتت طويلاً، ثم قالت: "الموضوع مهم جداً، ويترك ألماً نفسياً"، ثم تهربت من الإجابة بطريقة أو بأخرى، وأنهت الحديث بقولها لرصيف22: "لم يكن زوجي في حياتي يعني الجنس بل كان وجوده فقط يكفيني"، وفي معاودة السؤال مرة أخرى، وبعد إلحاح شديد حول طريقة تلبيتها لاحتياجها الجنسي، أجابت: "أتسلح بقراءة القرآن فهو يمدني بطاقة تجعلني أقوى من رغبتي".

أما ريهام عزيز (40 عاماً)، وهي أرملة تركها زوجها منذ 10 سنوات، فتقول أنها تلجأ للطب النفسي عندما تشتد رغبتها، تقول: "استشرت طبيباً نفسياً، ونصحني بالعمل على هواية أو مشروع أحبه كيلا يصبح لدي وقتاً للتفكير في مثل هذه الأمور".

يذكر أن ريهام قد رفضت الزواج بأخي زوجها بعد أن تقدم لخطبتها، حفاظاً على أسرة المتوفي، التي تتكون من ثلاثة أطفال، تقول ريهام: "رفضت الأمر لأني لا زلت أحب زوجي، ولا أريد خلق المزيد من المشاكل في العائلة"، في إشارة لزوجة أخيه.

"أرخي ضفائري أمام الشاشة"

اتجهت العراقية عتاب محمد، اسم مستعار (49 عاماً) إلى خيار آخر، أكثر جرأة، تقول أنها تمارس الاستمتاع الذاتي بعد وفاة زوجها لعدم قدرتها على الزواج، بسبب رفض أبنائها لفكرة الزواج رفضاً قاطعاً، ووصل بهم الأمر إلى تهدديها بـ"التبري منها في حال فكرت في الزواج بعد أبيهم".

وتقول عتاب لرصيف22: "لا خيار آخر لدي، أمتع نفسي بنفسي، فالشهوة غريزة زرعها الله فينا، وأنا في النهاية إنسانة لها مشاعر وأحاسيس، أفتقد للعلاقة الجنسية فأنا أرملة منذ 24 سنة، فيها لم أعش متعة لقاء مع رجل يضمني بين ذراعيه، إن هذا ينقصني بشكل رهيب".

"أفتقد للعلاقة الجنسية فأنا أرملة منذ 24 سنة، فيها لم أعش متعة لقاء مع رجل يضمني بين ذراعيه، ولكني أمتع نفسي بنفسي، لا خيار آخر لدي"

«لا أكذب على الله يا بنيتي، كايجيني ذاك الاحساس»، تقول المغربية يامنة (68 عاماً) في قالب فكاهي وهي تضحك، أما عائشة (60 عاماً) فتقول "منذ سنين وأنا أشعر بالرغبة في ممارسة الجنس، ولم أشبعها أبداً، أحاول فقط أن أهدئ نفسي، فأنا أرملة منذ 39 عاماً لم يزر جسدي يوماً رجل، أبكي الليالي التي أعيشها وحيدة، لكني مؤمنة بالله، حلمت عدة مرات بالزواج ثانية، لكن لا أحد يرغب في أرملة مفلسة بخمسة أبناء".

وتضيف بصوت هامس كأنها تكشف سراً: "لدي صديق حميم أطلق له ضفائري بين الفينة والأخرى وأكشف له عن جسدي عبر الكاميرا".

"الخمسينات ذروة حياتنا الجنسية"

أجرى علماء بريطانيون دراسة جديدة حول عملية التغيرات، ونوعية الحياة الجنسية لدى المرأة مع تقدم العمر، وكشفت نتائج الدراسة أنه مع التقدم في السن، يحدث تحسن في الحياة الجنسية لديها، وتزداد الرغبة في العلاقات الزوجية الحميمية. وشملت الدراسة 2000 امرأة، وقال 77 في المئة من النساء إن حياتهنّ الجنسية كانت في ذروتها عندما كانوا في سن 40-50 عاماً.

وفي دراسات أخرى تدعم هذه النتائج، نشرتها شبكة "سي إن إن" بعنوان: (القول بأن المرأة لا تحتاج الجنس مع تقدم العمر مجرد خرافة)، وجد العلماء في الولايات المتحدة أن النساء الأربعينيات يرغبن في المزيد من الجنس مقارنة بالنساء الأصغر سناً، وتقول هذه الدراسات حول النساء في منتصف العمر، أن النساء يعلو لديهن الإحساس، والاهتمام بالحياة الجنسية مع التقدم في السن.

وتوضح هذه الدراسات في تفاصيلها أن ذلك يحدث لأن المرأة في منتصف العمر تكون قد تعلمت كيفية الحصول على الارتياح في السرير، وتهتم بمظهرها أكثر من النساء الأصغر سناً، وتكون أكثر خبرة في فنون الإشباع والإغراء، والأهم من ذلك أن النساء بعد سن الأربعين يكن أكثر ثقة بالنفس، ولا يخشين البدء بطلب ممارسة الجنس بالتلميح أو التصريح، وإلى جانب ذلك تعزز التغيرات الهرمونية الدافع الجنسي لدى النساء اللاتي تجاوزن الأربعين.

تعزز التغيرات الهرمونية الدافع الجنسي لدى النساء اللاتي تجاوزن الأربعين.

عندما يموت الرجل لا تدخل المرأة في حداد على زوجها فحسب، بل على حياتها العادية والجنسية وعلى أنوثتها التي يحرص المجتمع على قبرها ودفنها معه.

يعلق لدكتور هادي القرة، أستاذ خبير في العلوم الاجتماعية، من سكان فلسطين المحتلة، حول أهمية الجنس في حياتنا البشرية: "الجنس في المنظور الفرويدي والتحليل النفسي عموماً هو أساس الحياة الانسانية، ومنظم العلاقات الاجتماعية، من حيث إنه متعة ولذة وسعادة وكابت للفوضى والعنف، وميكانيزم للاستقرار والتوازن، وواقٍ من الأمراض النفسية والعقلية المستعصية".

ويضيف: "لا أنكر أهمية وضرورة المقاربات السوسيولوجية للجنس، فالمطلقة أو الأرملة إنسانة لها غرائز وميولات فطرية وانفعالات ورغبات، وتخضع لتنظيم اجتماعي يؤثر على حياتها الجنسية والمهنية والمنزلية، وبالتالي فإنها ستبقى في بحث عن مشاعر وجدانية تلبي هذه الرغبة، سواءً كواقع أو تخيّل".

"منذ 39 عاماً لم يزر جسدي رجل، أبكي وحيدة في الليل، ولكني مؤمنة بالله، حلمت عدة مرات بالزواج، وفي النهاية احتفظت بعلاقة مع صديق حميم أطلق له ضفائري عبر الكاميرا فقط"

"وفي حال لم تقم بتلبية هذه الرغبة انصياعاً لقيم المجتمع من منظور النفاق الاجتماعي إلا أنها ستعمل على تلبية هذه الرغبة آجلاً أم عاجلاً عبر تقنيات مختلفة، قد تصل إلى "الانحراف" الذي يخالف المجتمع كنوع من الانتقام اللاإرادي على النمطية الاجتماعية التي تكبل أنوثتها"، وفقاً لحديث القرة.

وترى الإخصائية الاجتماعية والنفسية رباب علي (30 عاماً)، تسكن في قطاع غزة، أن "المجتمع ينظر إلى الأرملة من زاويتين: أنها محرومة من المتعة، وبالتالي ينظر إليها على أنها آيلة للسقوط بل وتربة خصبة للتحرش والمغامرة الجنسية، والزاوية الأخرى هي زاوية الدين حيث تحريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج".

وهنا، تتساءل رباب: " لكن أليس للأرملة الحق في تلبية رغبة طبيعية شرعتها الكتب السماوية، والقوانين، والأعراف البشرية عبر التاريخ؟ ألم يوجد المجتمع إلا بالجنس والتناسل المفضي للإنجاب؟".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image