شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"لممارسة الحب ومآرب أخرى"... 'البْرْتُوش' حلّ الشباب المغاربة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 5 سبتمبر 202204:11 م

قبل 10 سنوات من الآن، وتحديداً سنة 2012، ظهرت "حركة لكل البْرْتُوشِيِّين"، بقيادة الناشط محمد سقراط وبعض أصدقائه. الهدف الأساسيّ لهذه "الحركة"، التي كانت في البداية مجرّد مزحة على فيسبوك قبل أن تتحول إلى نقاش مجتمعي، كان الدفاع عن حق المغاربة في أماكن آمنة لممارسة الجنس، والتي يطلق عليها الشباب اسم بْرْتُوشْ. لكنْ... أليس من قبيل سوء الطالع أن يمرّ عقد كامل من الزّمن، ويظلّ البْرْتُوشْ "عقدةً" لقطاع واسع من الشباب المغربي الذي يعجز عن عيش حياته الحميمية في مأمن من العيون؟ 

ما نيل البرتوش بالتمنّي...

كلمة "البْرْتُوشْ" مفردة لصيقة بالدارجة المغربية، اخترعها الشباب مع بداية الألفية. إنها كلمة معروفة عند العوام اليوم، فالبرتوش يحيل إلى غرفة أو شقة صغيرة، لكن لاستعمالات ربما "كبيرة". من بين الاستعمالات الممكنة ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزّواج، أو المساكنة وتدخين الممنوعات والمخدرات أو شرب الخمور، بمعنى أنها لكل الاستعمالات "الحرام" بلغة المجتمع، و"غير الشرعيّة" بلغة القانون.

لكن، ساد الاعتقاد أنّ الهدف الأساسيّ من البحث عن "بْرْتُوشْ" هو ممارسة الجنس بشكل حرّ وباطمئنان بعيداً عن التضييق المجتمعي والقمع القانوني. لدرجة أنّك بمجرد أن تنطق "بْرْتُوشْ" اليوم، يعرفُ مبتغاك: سرقة لحظات جنسية بعيداً عن أعين المتلصصين.

في الآونة الأخيرة، ظهر بعض الأشخاص الذين يعملون على كراء غرف وشقق للاستعمال الجنسي لساعة من الزمن أو أكثر. والأسعار مختلفة، لكنّ الهدف واحد: حلحلة مشكلة "البرتوش" الخانقة، واستغلالها للربح.

البرتوش يحيل إلى غرفة أو شقة صغيرة، لكن لاستعمالات ربما "كبيرة". من بين الاستعمالات الممكنة ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزّواج، أو المساكنة وتدخين الممنوعات والمخدرات أو شرب الخمور

عثرنا على رقم في فيسبوك لشخص يضع شقته الصّغيرة للكراء من أجل "الاستعمال الجنسي". تواصلنا معه على الرّقم ذاته، وأكد بأريحية أن الثمن هو عينه الموضوع في المنشور: 100 درهم (نحو عشرة دولارات)، عن كلّ ساعة. هذا الشخص يؤكد بإصرار أنّ المكان آمن كلياً، وأن الذين يؤجرونه لا يمسّهم أي سوء؛ كما يصرّ في حديثه على أنّه "لا يوجد شيء من الابتزاز والتهديد والخطر في التعامل مع الزبائن، لأن أساس التعامل هو الثقة والصدق. الذين يبتزون المكترين يخاطرون بزبائن آخرين يأتون عن طريقهم، ونحن نحرصُ على العمل الجيد"، يؤكد صاحب الشقّة.

الحلّ الوحيد في المدن الكبرى

"البراتش" التي تُكترى للجنس تشكل سوقاً رائجةً في العاصمة الرّباط. لهذا، يوضح لنا أيوب (28 سنةً)، أنّه يذهبُ دائماً إلى غرفة تُكترى بالقرب من مركز المدينة. يقول: "أكتريها بخمسين درهماً (خمسة دولارات). هناك ضغط على الغرفة، وهي "برتوش" متّسخ جداً في حي يعقوب المنصور، وفيه بعض الشّقوق التي قد تجعل أعضاءً من جسدك بارزةً لو اقترب منها أحد ما بعينه. لكن صاحبها يقف أمام البيت الخارجي الذي يحتوي الغرفة، ويقوم بعدّ الوقت، وبمجرد خروجك يدخل شخص آخر. أذهب دائماً إلى هناك والمكان آمن، إلّا أنّه منحطّ للغاية".

"في خضم هذه المحنة الجنسية، دلّني صديق على شقة في حي أكدال يضعها شخص لطيفٌ للغاية للإيجار. هذا الشّخص، وجد أن الحرمان الجنسي الذي يعيشه الشباب المغاربة، هو ما سيخلق رواجاً لتلك الشقّة ذات الغرفة الواحدة

مأمون (25 سنةً)، يعتمد من جهته كثيراً على شخص يتعامل معه في حي أكدال "الراقي". يحكي لرصيف22: "في السّابق كنتُ أجدُ صعوبةً كبيرةً في قضاء وقت مع شريكتي نمارس فيه علاقات جنسيةً. كنا في الغالب نقوم بذلك داخل السيارة في مكان بعيد جداً. ذهبنا إلى الغابة مرات عدة. كنتُ أتخوف أن آخذها معي إلى شقتي في حي العكّاري الشعبي. الذهاب بها إلى هناك مخاطرة مزدوجة؛ عنف الجيران، الذين قد يتدخّلون بالضّرب إذا ما رأوا ما يعدّونه "فساداً"، أو حضور الشّرطة بعد تبليغهم عن "فساد" يحدثُ في شقّة الجار العزب. بعض أصدقائي نصحوني بالذهاب إلى الأماكن السّاحلية الفارغة، وبين الصخور على الشاطئ.

يردف مأمون أنه "في خضم هذه المحنة الجنسية، دلّني صديق على شقة في حي أكدال يضعها شخص لطيفٌ للغاية للإيجار. هذا الشّخص، وجد أن الحرمان الجنسي الذي يعيشه الشباب المغاربة، هو ما سيخلق رواجاً لتلك الشقّة ذات الغرفة الواحدة؛ فالكراء اليومي ليس مضموناً، وقد يتم ذلك بوتيرة كبيرة في الصّيف والعطل، لكنّ الجنس موجودٌ بشكل مكثّف، وهو ما سيخلق مدخولاً يوميّاً من تلك الشقّة. يقولون لي إن صاحبها كان رجل أمن، لذلك الفضاء في مأمن وحتى السلطة تغضّ الطرف عمّا يحدث، لكنه قبل أن يسمح لك بممارسة الجنس داخل شقّته، يأخذ نسخةً من بطاقة تعريفك الوطنيّة، تحسّباً".

التّفسيرات "واضحة"...

الناشط السياسي المغربي عبد الكريم وشاشا، يرى أنّ أزمة "البرتوش" المطروحة في المغرب، ليست سوى تفصيل صغير لأزمة كبيرة يعيشها مجتمعنا ومجتمعات أخرى عنوانها خنق الحريات، تارةً باسم الدين دفاعاً عن "الأخلاق" وتارةً أخرى باسم الحفاظ على النظام العام.

يرى العضو في حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، في تصريحه لرصيف22، أنه "من الطبيعي أن تنتشر في خضم هذا الاحتقان المجتمعي الدائم مظاهر سلبية كالازدواجية والنفاق والمكر والخداع، وخاصةً الخوف، الذي هو أداة سياسية ناجعة تزرعها الأنظمة المستبدّة العنيفة في نفوس وأفئدة شعوبها المقهورة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً والجائعة عاطفيّاً. نلاحظ في مجتمعنا اليوم غلبة الممارسة الطفيلية: السماسرة والقوادون والمتسولون من كل الأصناف أطفالاً وشباباً ورجالاً ونساءً، وصانعو العاهات ونبّاشو القمامات وحراس السيارات بطريقة غير شرعية".

لذلك، يبقى الجواب، حسب وشاشا، "هو العمل والنضال من أجل تحرير الدين من ربقة التوظيف السياسي وإرساء دولة ديمقراطية علمانية تحرّر الناس من خوفهم ومن كل قيودهم، بما فيها الجنسية، وتضمن حياةً كريمةً وعادلةً في إطار من الانتظام الاجتماعي العقلاني الحداثي. وهنا يأتي ترافع حزبنا اليساري، كونه من بين أكثر الأحزاب المدافعة عن الحريات الفردية وضوحاً وشفافيةً".

هذا السيف القانوني المسلط على الرقاب يثير الكثير من الغضب في أوساط حداثيي المملكة. فقد سبق للقيادي اليساري محمد السّاسي، أن شبَّه الإجراءات القانونية المترتّبة عن تفعيل الفصل 490، بـ"نظام المطاوعة" السعوديّ

لكن أزمة "البرتوش" بمعنى آخر، لها صلة وطيدة بالفصل 490 من القانون الجنائي المغربي. هذا الفصل ينصّ على أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية، تكون جريمة فساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة". بيد أنّ المثير هنا، أنّه بمجرد دخول رجل وامرأة إلى مكان مغلق، فذلك قد يعدّه المشرّع المغربي فساداً، حتى لو انتفى فيه مبدأ التلبّس، على الرغم من قرارات لمحكمة النقض (العليا) تسير في غير هذا الاتجاه، وتنفي أن يكون وجود امرأة ورجل بمفردهما في بيت واحد، دليلاً يتابعان عليه.

لكن هذا السيف القانوني المسلط على الرقاب يثير الكثير من الغضب في أوساط حداثيي المملكة. فقد سبق للقيادي اليساري محمد السّاسي، أن شبَّه الإجراءات القانونية المترتّبة عن تفعيل الفصل 490، بـ"نظام المطاوعة" السعوديّ.

أكثر من ذلك، فقد أفاد الساسي حينها، على هامش ندوة نظمها الاتحاد النسائي الحر، أن محاضرَ الشرطة، المتعلقة بتطبيق الفصل 490 من القانون الجنائي، تُبرز أنّ التدخل في أحيان كثيرة يتمّ بناءً على وشايات تأتي عبر الهاتف من مجهولين، يبلّغون عن وجود امرأة ورجل في شقة، ما يدفع الشرطة إلى طرق باب البيت المفترض، متسائلاً: "أليس هذا نظام مطاوعة جديد متستّر تحت جُبّة الفصل 490 من القانون الجنائي؟".

عمليّاً، طرح هذا الفصل من القانون الجنائي المغربي نقاشاً إلى اليوم، وذلك نظراً إلى كون العلمانيين المغاربة يدفعون بطرح أن القانون ينبغي أن يظل محايداً، وأن القانون الجنائي، أساساً، لا يجب أن يصبح مطلباً عاجلاً إلّا حين يكون هناك أذى أو اضطراب اجتماعي وضرر ملموس ضدّ الأفراد أو الدّولة. غير أنّ المشرّع المغربي إلى الآن لم ينجح بعد في إثبات العلاقة بين المساكنة أو العلاقات الرّضائية وإيذاء المجتمع أو الإخلال بالنظام العام للدّولة.

تحوّلات مجتمعيّة لافتة

يعتقد الباحث في علم الاجتماع محمد العلوي، أنّ المجتمع المغربي يعيش مجموعةً من الانتقالات: الانتقال الدّيمقراطي، والانتقال الديمغرافي، وحتى الانتقال الجنسي... بمعنى أن النّشاط الجنسي انفجر بشكل غير مسبوق أمام ارتفاع العزوف عن الزّواج في المغرب، تبعاً للتّحولات المجتمعية والقيمية والاقتصادية التي مست المجتمع ضمن سياقات تحوليّة سريعة لا ترحم من تخلّف عنها.

أضاف العلوي في تصريحه لرصيف22، أنّ أزمة "البرتوش"، بالرغم من أنها توصيف غير دقيق سوسيولوجياً، إلاّ أنها تطرح مشكلةً واضحةً تنتمي إلى الجانب الطّبقي في التّحليل، فالأثرياء والطبقة المتوسطة يسكنون في الغالب في أحياء راقية أو متوسطة الرّقي، أي أنها تشمل أناساً عندهم وعي ضمني بالحرية وبقيم الفردانية والعيش المشترك. وهؤلاء يمكنهم إحضار الشريك أو الشريكة إلى البيت من دون مشكلات؛ لكن الخطورة تصبح مضاعفةً في الأحياء الشّعبية المكتظّة، فقبل تدخل القانون قد يتدخل المواطنون بالعنف، وأحياناً بالتّهديد والابتزاز والسّرقة.

ورأى المتحدث أنّ الرّفض المجتمعي للجنس وللخلوة، رهين بتصوّرات نمطية تقليديّة لم تصوّب بعد بشكل كافٍ، بالرغم من أنّ ذلك سيمكن الناس من استيعاب أنّ السبب الحقيقي وراء تحريم العلاقات الجنسية في الزمن الماضي كان راجعاً في الأساس إلى سبل الوقاية من الحمل، بما أنها الوسيلة الوحيدة المتاحة آنذاك. وأضاف: "هذا ما توصل إليه الباحث في الجنسانية عبد الصمد الديالمي. وهذه خلاصة دقيقة توضح أن أفقنا اليوم صار أكثر اتساعاً نتيجة تطور الأدوية وموانع الحمل والإجهاض... إلخ".

جزء مهمّ من الشباب المغربي، وفق العلوي، مؤمن بأن الجنس حرام وفقاً للدين الإسلامي السائد في البلد، وهم على بيّنة من أن الجنس "جريمة" قانونية في المملكة المغربية. لكن مع ذلك تم تسجيل انفجار جنسي تؤكّده الأبحاث السوسيولوجيّة؛ بمعنى أنّ الشخصية المركبة انتقلت إلى جزء من هذا الجيل، فسلوكياته الجنسية في وادٍ، وتصوراته عن الجنس في وادٍ آخر. هذا طبعاً بالإضافة إلى وجود من غادر تصورات المجتمع وأصبح يحتكم إلى قناعاته الخاصة. هناك تحول. ولا زال هناك، أيضاً، من يحرّم الجنس قناعةً وسلوكاً، وهذا حقّه وعلى الدولة أن تضمن حقه، كما على الدولة أن تكون محايدةً وتضمن حقّ من يريد أن يتحرر من أفق الملّة ويعيش نشاطه الجنسيّ بأريحية".

في النهاية، ستبقى معضلة "البرتوش" قائمةً، ربّما، ما دام المحافظون المغاربة عاجزين عن تقديم إجابات منطقية وواقعية مقنعة بأنّ العلاقات الجنسية الرضائية المنفلتة من مؤسسة الزواج، تشكل خطراً على المجتمع وعيشه المشترك، إن لم يكن العكس تماماً هو الصحيح.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image