شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بدلاً من الفخر... جامعة تكنولوجية جزائرية تثير النعرات القومية

بدلاً من الفخر... جامعة تكنولوجية جزائرية تثير النعرات القومية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تكنولوجيا نحن والتنوّع

الأحد 4 سبتمبر 202206:12 م

افتتاح العالم الجزائري المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية بلقاسم حبة، لمعهد نوميديا للتكنولوجيا، أماط اللثام عن اهتمام سياسي وشعبي كبيرين بمجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وذلك من خلال تفاعل الجمهور الجزائري الواسع، داخل وخارج البلاد، مع تدشين أول جامعة في شمال أفريقيا، تدرس فيها اختصاصات علوم الكمبيوتر والتكنولوجيات الحديثة، والأمن السيبراني والأنظمة المستقلة والحوسبة السحابية.

هذا الحدث العلمي، تم الإعلان عنه من قبل السفارة الأمريكية لدى الجزائر، التي كشفت عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك أن الجامعة التي تم إنشاؤها حديثاً، تقع بمنطقة الرحمانية غرب العاصمة، نالت اعتمادها رسمياً من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

المشروع الجديد وعلى قدر أهميته، لم يسلم من الانتقاد، إذ دخل البعض في صراع هوية "عميق وعقيم" بين عروبة الجزائر وأمازيغيتها، وهاجموا اسم المعهد الذي يعود إلى مملكة أمازيغية قديمة حكمت أرض الجزائر

شكل الجامعة صدم الجمهور

المشروع الجديد وعلى قدر أهميته، لم يسلم من الانتقاد، إذ دخل البعض في صراع هوية "عميق وعقيم" بين عروبة الجزائر وأمازيغيتها، وهاجموا اسم المعهد الذي يعود إلى تاريخ الجزائر القديم، وهو مملكةنوميديا التي وحدت شمال أفريقيا تحت حكم الأمازيغ، وسادت قرابة قرنين ونصف القرن في المنطقة، في الفترة الممتدة من 202 قبل الميلاد إلى 46 قبل الميلاد.




أما النصيب الأكبر من الانتقادات، تمحور حول الشكل الخارجي للبناية، التي وصفت بغير اللائقة بقيمة العالم بلقاسم حبة، ولا بالآمال المعلقة على جامعته لإحداث ثورة في مجال التكنولوجيا الدقيقة.

وذهب الجمهور المنتقد، إلى أن المخترع بلقاسم حبة، جاء من أمريكا بمشروع طموح، لا يعكسه شكل المعهد الذي يشهد غياباً كلياً لفضاءات الترفيه والثقافة والرياضة والإطعام، والمساحات الخضراء، بالإضافة إلى البعد الجغرافي، فمنطقة الرحمانية المتواجد بها، معزولة نسبياً وغالباً ما تعرف قلة وسائل النقل.

وعبر المحامي والناشط السياسي محمد الصالح سهيل روان، عن رأيه حول جامعة البروفيسور بلقاسم حبة، قائلا لرصيف22: "فيلا في مكان شعبي ومعزول وفي اختصاص دقيق وهام ولشخص قامة علمية؟! أظن الأمر لا يتفق شكلاً مع أهمية المشروع، فتلك البناية لا تصلح حتى للدروس الخصوصية فما بالك بجامعة، يجب أن يخرج البروفيسور بلقاسم حبة وفريقه، بتوضيح للرأي العام، لإزالة اللبس فالشكل يجب أن يتوافق مع المضمون، وبهذا المقر صرنا نشكك في النتيجة".

يحاول البعض الآخر - رغم العتب – إيجاد مبررات بأن طلب العلم لا يتعلق بالشكل لوحده، بل بالمضمون أو المستوى المقدم داخل القاعات لا خارجها.

النصيب الأكبر من الانتقادات، تمحور حول الشكل الخارجي للبناية، التي وصفت بغير اللائقة بقيمة العالم بلقاسم حبة، ولا بالآمال المعلقة على جامعته لإحداث ثورة في مجال التكنولوجيا الدقيقة

وهو ما يذهب إليه خبير تكنولوجيا المعلومات، يزيد أقدال الذي قال لرصيف22: "ربما كان على الدكتور بلقاسم حبة أن يراعي صورته لدى الجزائريين، والشو الإعلامي الذي أحدثه خبر افتتاح معهده، وتولي السفارة الأمريكية للإشهار له، كان عليه اختيار بناية أحسن ذات مظهر يليق باسمه، لكن الحكم سيكون على منتج هذا المعهد وما يقدمه لطلبته ولا بتعلق بالشكل فحسب ففي النهاية نحن أمام مشروع لطلبة العلم ونخبة المجتمع".

الردود والتعليقات السلبية دفعت رجل أعمال – لم يكشف عن هويته - إلى التبرع بمقر عصري مجاناً يقع بمدينة سطيف لاحتضان معهد بلقاسم حبة، حسب ما كشفه الإعلامي الجزائري بشبكة الجزيرة حاتم غندير، الذي انتقد هو الآخر شكل البناية وطالب صاحبها باستبدالها بمقر يليق بدرجته العلمية ومكانته في المجتمع.

مشروع علمي أم تجاري؟

بعيداً عن الجدل القائم حول اسمه وشكله، تتمحور فلسفة معهد التكنولوجيا، في دمج مرونة النظام التعليمي الأمريكي، وتكييفه مع منهجية التدريس المحلية في الجزائر.

وتبرز بين ثنايا المشروع نقاط لفتت انتباه الخبراء الأكاديميين، خاصة في ظل عدم تقييد الطلاب بالنقاط التي حصلوا عليها في شهادة البكالوريا، لدراسة بعض التخصصات، وهنا يطرح إشكال الجدوى العلمية والقيمة المضافة، التي يمكن لمعهد بلقاسم حبة أن يمنحها للمنظومة التعليمية في الجزائر.

"هو معهد متخصص في الذكاء الاصطناعي، وليست جامعة بما تحمله الكلمة من معنى، لأنها يجب تتضمن كليات واختصاصات عديدة، وهذا ما لا يتوفر في المؤسسة التعليمة التي افتتحها بلقاسم حبة، فضلا عن كونها ليست الأولى، بل سبقتها 17 مؤسسة تعليمية مماثلة منذ 2018. أظن أن ما صنع هذا الزخم الإعلامي الكبير، هو اسم بلقاسم حبة الشهير".

هكذا يفتتح المنسق الوطني لنقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم الجامعي، عبد الحفيظ ميلاط، حديثه لرصيف22 عن قيمة المشروع التعليمي، الذي يجب أن يتوفر على جميع الإمكانيات المادية وشروط الدراسة القوية، لينقل تجربة بلقاسم حبة في أمريكا إلى الجزائر مضيفاً:  "عند الحديث عن الذكاء الصناعي، فنحن نسلط الضوء على نخبة النخبة في المجتمع، وهذا التخصص بحاجة إلى شروط صارمة للاتحاق به، أقرتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وأتمنى أن يطبقها بلقاسم حبة في مؤسسته التعليمية، للحفاظ على قيمة التفوق العلمي للطلبة، لكن إذا فتح المعهد أبوابه على مصراعيها للالتحاق بمعدلات متوسطة أو ضعيفة مقابل المال، سيفقد المشروع قيمته العلمية، ويتحول إلى مجرد تجارة تهدف للربح، وفي هذه الحالة نحن كنقابة لسنا معه ولا ضده، لكنه لن يحظى بمباركة الأسرة الجامعية".

خطوة أولى في عالم الذكاء الصناعي

النقاش في المجتمع ظاهرة صحية لا بد منها، وبين النقد البناء ودعم المشاريع، تضع الجزائر أولى خطواتها لولوج عالم التنكولوجيات الدقيقة، ليس بفتح المجال أمام العالم العربي الكبير بلقاسم حبة فحسب، وإنما بتدشين مدرسة عليا للرياضيات وأخرى للذكاء الاصطناعي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بقدرة استيعاب تصل إلى 1000 مقعد.

 تتواجد المدرستان العلييان، بالقطب التكنولوجي سيدي عبد الله غرب الجزائر العاصمة، وتوفران تكوينا نخبويا باللغة الانجليزية، يستجيب للمقاييس العالمية، في اختصاصين معروفين بأهميتهما في التطوير التكنولوجي والاقتصادي للبلاد.

وفي سياق حديثه مع رصيف22، كشف عبد الحفيظ ميلاط، نقيب الأساتذة الجامعيين، عن توجه الجزائر إلى تشجيع لإحداث نقلة في مجال العلوم والتكنولوجيات الدقيقة، بإنشاء المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي في مدينة سيدي عبد الله، غرب الجزائر العاصمة، مؤكدا: "معدل دخول هذه المدرسة العليا يفوق 18/20 في شهادة وتم توظيف نخبة الأساتذة، للتدريس باللغة الإنجليزية فقط، كما جلبت الدولة بأساتذة متميزين من خارج الجزائر، كأمريكا وتركيا والصين [...] أسلوب الدراسة داخل المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي ممتاز جدا وصارم للغاية، وله معايير عالية المستوى، ولتشجيع الطلبة على اختيار هذا التخصص الصعب الذي يطلب منهم جهدا ذهنيا خارقا، تم ربطهم بمناصب عمل مباشرة بعد التخرج".

هنا ملعب بلقاسم حبة

التحول الجذري في الرؤية المستقبلة للدولة، للمرور إلى التصنيع بدلاً من الاستهلاك المباشر، الذي يستنزف من خزينة الدولة مليارات الدولارات سنوياً.

هنا يكمن ملعب علماء الجزائر المتواجدين في المهجر، الذين فتحت لهم الأبواب للمساهمة في النقلة النوعية بهذا المجال، وعلى رأسهم بلقاسم حبة، الذي تتوفر فيه الشروط اللازمة لمد يد العون، فهو يعرف جيدا نمط العيش والإمكانيات والمستوى التعليمي في بلده الأم، بعدما نشأ في بيئة صحراوية بولاية وادي سوف جنوب شرق الجزائر، ودرس وترعرع بين جامعاتها، قبل أن يخوض غمار النجاح والتألق والعالمية، في الدولة الأقوى في مجال تخصصه ( الولايات المتحدة الأمريكية)

وبالإضافة إلى هذا، يحظى بلقاسم حبة بدعم مباشر واعتراف من القيادة العليا في البلد، متمثلة في الرئيس تبون، الذي منحه وسام الاستحقاق الوطني بدرجة عشير، وهو ما يحطم أمامه جميع الأقفال ويزيح كل المتاريس الإدارية ويلغي كافة العراقيل والبيروقراطية، للاستفادة من تجربته في الولايات المتحدة الأمريكية ونقلها إلى الجزائر، لاختزال المسافة والوقت ضمن هدف أعلى تضعه السلطات.

بهذا الصدد يقول عبد اللطيف بوسنان، الأستاذ الباحث بجامعة غرونوبل بفرنسا سابقا، في تصريحات لرصيف22: "يمكن لبلقاسم حبة أن يلعب دورا مهما نظرا للسمعة التي يحظى بها لدى السلطات السياسية للبلاد، بتعيينه مستشارا للحكومة في التكنولوجيات الحديث، والاستماع لتجربته واستشاراته، لإصلاح قطاع التعليم العالي ورسم سياسات المجتمع والدولة في مجال تخصصه واختصار طريق التحول الرقمي والتكنولوجي ببلادنا".

ويضيف بوسنان الذي يشغل حاليا منصب مدير تحرير جريدة جيجل الجديدة: " دور بلقاسم حبة يجب أن يتجاوز مجرد افتتاح معهد، في منطقة معزولة، لا يتناغم شكله مع هدفه، المطلوب منه هو التفكير كعالم، وليس مجرد أستاذ جامعي يريد نقل المناهج، التي تعلمها في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن هذه البرامج باتت متوفرة، بمعنى أن يكون مشروعه متكاملا يضمن للطلبة وعباقرة الغد، المرور بسلام إلى واقع الشغل، والاندماج في مشاريع تطور اقتصاد البلد، عوض هجرتهم للخارج مثلما يحدث اليوم، والعمل على تغيير المعايير وحتى القوانين البالية التي تحكم كل القطاعات ببلادنا، ومنها قطاع التكنولوجيات".

الإرادة سياسية، تتجسد في قرار رئاسي من الرئيس عبد المجيد تبون نفسه، الذي أمر بضرورة المرور إلى السرعة القصوى، لاقتحام عالم التكنولوجيا، بافتتاح المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي التي تعد الأولى عربيا وأفريقيا في هذا المجال، وسيتم جني ثمارها بتخرج الدفعة الأولى المتكونة من 200 طالب، تزامنا وما يعيشه البلد من تحول واصلاحات تشريعية واقتصادية عرفها عام 2022، الذي يوصف بعام الإقلاع الاقتصادي في الجزائر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image