تقترب الانتخابات التركية من موعدها المقرر في حزيران/ يونيو 2023، ويزداد ترقب مستقبل تركيا على جميع الصعد، خاصةً مع الأدوار التي تلعبها أنقرة، على الأقل في محيطها الإقليمي، وفي ملفات شديدة الحساسية لها أثرها على العالم ككل، ومن ضمنه على الملفين السوري والليبي، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية.
وتستعد المعارضة التركية كذلك لاستعادة الحكم الذي فقدته منذ خسارتها انتخابات عام 2002، حين وصل الرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان، إلى سدة الحكم، بكل الوسائل والطرق الممكنة، بما في ذلك محاولة جذب أصوات اللاجئين السابقين الذين حصلوا على الجنسية التركية، سواء من السوريين أم من جنسيات أخرى.
وبقدر ما تبدو هذه المعلومة غير منطقية أو غير واقعية، بالنظر إلى خطابات معظم المعارضة التركية المتكررة حول اللاجئين، وعزمها إرسالهم إلى بلادهم بالتنسيق مع حكوماتهم، إلا أن معلومات وأحداث عدة وقعت خلال الفترة الماضية، ربما تشير إلى توجه غير معلن للمعارضة نحو استقطاب هذه الأصوات.
وتُعدّ الانتخابات المقبلة شديدة الحساسية، وتصادف مئوية تأسيس الجمهورية التركية، ومن جهة أخرى تأتي في ظل صعوبات اقتصادية وتنامي الخطاب المعادي للاجئين، واحتقان سياسي غير مسبوق في تاريخ البلاد.
تستعد المعارضة التركية كذلك لاستعادة الحكم الذي فقدته منذ خسارتها انتخابات عام 2002
تحركات المعارضة
شهد العام الماضي 2021، اجتماعاً ضم سيدات سوريات في بلدية إسطنبول الكبرى، التي يحكمها حزب الشعب الجمهوري (CHP) المعارض، وتخللته نقاشات حول اللاجئات السوريات واحتياجاتهن، وإمكانية انضمام عدد منهن إلى مجلس المدينة، الذي يحدد سياسات البلدية ومشاريعها، وفق ما روته إحدى السيدات اللواتي حضرن الاجتماع لرصيف22، وفضّلت عدم ذكر اسمها. قالت: "الاجتماع لم يكن علنياً، بمعنى أن وسائل الإعلام التركية لم تتحدث عنه، لكنه لم يكن سرياً كذلك، ولم يحضره رئيس البلدية، أكرم إمام أوغلو".
اللافت أن الاجتماع عُقد بدعوة من البلدية نفسها التي يحكمها حزب معارض، تحدث رئيسه كثيراً "عن إعادة اللاجئين بالطبل والزمر" إلى بلادهم، كما يشكّل أيضاً إشارةً إلى توجه غير معلن لبعض أحزاب المعارضة التركية نحو كسب أصوات اللاجئين الحاصلين على الجنسية التركية، والذين أصبحوا مواطنين أتراكاً بالفعل.
وكان الصحافي التركي عمر جليك، قد كشف في مقال نشره في صحيفة "يني شفق"، المقرّبة من الحكومة التركية، في 12 من آب/ أغسطس الماضي، أن حزب الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، يخططان لجذب أصوات السوريين واللاجئين الحاصلين على الجنسية التركية.
جليك، ذكر في تقريره أن حزب الشعب تواصل بالفعل مع لاجئين من جنسيات مختلفة، من ضمنهم السوريون، من الذين حصلوا على الجنسية التركية لإقناعهم بالتصويت للمعارضة التركية في الانتخابات المقبلة وقدموا وعوداً معيّنةً لم يذكرها، واللافت في المقال هو إجراء الحزب تصنيفاً حول السوريين الداعمين له والمقربين منه تحت مسمى "سوريون ينتمون إلى حزب الشعب الجمهوري".
لم تتوقف المعارضة التركية عن التهديد بترحيل اللاجئين، وانضم إليها حزب أردوغان تماشياً مع مسعاه للفوز بالانتخابات، إلا أن البارز تنافس الطرفين على كسب ودّ اللاجئين الذين حصلوا على الجنسية لكسب المزيد من الأصوات
الأمر نفسه ينطبق على "حزب الجيد"، الذي نادت زعيمته ميرال أكشنار، مراراً، بترحيل السوريين إلى بلادهم والاتفاق مع رئيس النظام السوري بشار الأسد على الأمر. وقال جليك، إن حزب الجيد "يقوم بدراسات وإحصائيات أكثر فاعليةً ودقةً، وأجرى محادثات خاصةً لكسب أصوات الناخبين السوريين التركمان، وقام باستخراج وإعداد قوائم للمجنسين البالغ عددهم 50 ألف شخص عبر وسطاء".
المعركة على صوت
تفتح هذه التفاصيل الباب أمام سؤال يبدو غريباً أمام تصريحات المعارضة التركية المتكررة والقاسية، حول إعادة اللاجئين، إذ لمَ تسعَ إلى جذب أصوات مواطنين أتراك كانت تهاجمهم حتى الأمس؟
يرى العضو المؤسس في حزب "المستقبل" التركي المعارض، خالد الخوجة، في حديث إلى رصيف22، أن الانتخابات المقبلة في تركيا "حساسة للغاية ولن تحسمها النسبة المئوية بل الألفية، وربما رقم 1 بالألف سيكون حاسماً كما حصل في الانتخابات البلدية الأخيرة في 2019، عندما حُسمت بفارق ألفي صوت فقط".
ويضيف: "لذا فإنه من الممكن أن تلجأ المعارضة إلى المجنسين لحسم الانتخابات، ويكون لهم حسم الأمور، سواء في إسطنبول أم في غيرها".
وبحسب أرقام وزارة الداخلية التركية، حصل 200 ألف و950 سورياً على الجنسية التركية، بينهم 47 ألف تركماني، ونال الجنسية 17 ألف أفغاني، وستة آلاف و787 من الإيغور الأتراك، بالإضافة إلى 101،995 شخصاً من أتراك الأهيسكا، وذلك منذ عام 2011، أي أن مجموع اللاجئين الحاصلين على الجنسية التركية يصل إلى 326 ألفاً و687 شخصاً.
بحسب أرقام وزارة الداخلية التركية، مجموع اللاجئين الحاصلين على الجنسية التركية يصل إلى 326 ألفاً و687 شخصاً
من جهته، يرى الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام جوناي، أن حكومة حزب العدالة والتنمية "ليست شفافةً في ما يخص أرقام الحاصلين على الجنسية التركية، ومن جهة أخرى من حق الأحزاب السياسية أن تدعو من يحق لهم التصويت من اللاجئين الذين تحولوا إلى مواطنين أتراك الآن".
ويشير جوناي لرصيف22، إلى أن "أحزاب المعارضة التركية لم تطور خطابها تجاه اللاجئين السوريين أصلاً، ولكن في الانتخابات فإن الحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة ستحتاج إلى أي صوت، فلعبة الديمقراطية والانتخابات تعتمد على فارق الأصوات وحتى لو كان صوتاً واحداً فهو مهم بالتأكيد".
الصورة السلبية
ربما لم تغيّر المعارضة التركية خطابها بشكل جذري تجاه اللاجئين، سواء أكانوا من السوريين أم من غيرهم، لكنها خففت من حدة خطابها وبالتحديد مع انتشار حوادث عنف عنصرية دفعت الحكومة التركية إلى اتهام المعارضة بتأجيجها عبر تصريحاتها المتكررة، لكن شكل الخطاب اختلف وخفتت حدته من دون أن يحيد عن هدفه: إعادة اللاجئين السوريين تحديداً إلى بلادهم.
وعموماً، هناك صورة سلبية مرسومة في أذهان الكثير من اللاجئين في تركيا ضد أحزاب المعارضة التركية لأسباب كثيرة، منها الديني ومنها السياسي، فيما يأتي على رأس هذه الأسباب خطاب المعارضة نفسه، ولا يبدو أن تخفيف حدة الخطاب أو السعي إلى كسب الأصوات في الانتخابات المقبلة وتقديم الوعود ستغير من هذه الصورة السلبية.
ويربط جوناي، هذه الصورة السلبية بـ"الصورة التي يسوّقها حزب العدالة والتنمية من جهة، وبعض اللاجئين الذين لم يمتلكوا وعياً سياسياً كافياً وربطوا مصيرهم بمصير حزب واحد يمكن أن يخسر الانتخابات في أي لحظة، وهو أمر في النهاية ليس في صالحهم".
ويضيف: "لم يتغير حال اللاجئين عندما خسر العدالة والتنمية بلديات المدن الكبرى في تركيا (إسطنبول وأنقرة وإزمير ومرسين). الحالة الوحيدة كانت في ولاية بولو التي طُرد رئيس بلديتها من حزب الشعب الجمهوري".
التوافق على الترحيل
ولم يتوقف الخطاب حول إعادة اللاجئين إلى بلادهم على أحزاب المعارضة التركية خلال الفترة الأخيرة، بل كذلك لدى العديد من مسؤولي حزب العدالة والتنمية الذين أكدوا العمل بالفعل على هذا الملف تحديداً، بما في ذلك ما أعلن عنه أردوغان نفسه ضمن خطة "العودة الطوعية".
تغيّر خطاب الحكومة التركية يعني أن الفكرة السلبية لم تعد في أذهان اللاجئين السوريين تحديداً تتعلق بالمعارضة فقط، بل كذلك بالحزب الحاكم بحسب ما يرى خالد الخوجة، الذي يقول إن "هناك شبه توافق حول إعادة السوريين بشكل طوعي وهي ليست كذلك، بل بالإكراه، ولا يوجد خلاف بين المعارضة والائتلاف الحاكم حول هذه النقطة بالذات، وتالياً فإن هذا الأمر يولّد انطباعاً سلبياً للغاية".
اللاجئون على اختلافهم لم يمتلكوا وعياً سياسياً كافياً وربطوا مصيرهم بمصير حزب واحد يمكن أن يخسر الانتخابات في أي لحظة، وقد يحصدون نتائج خياراتهم قريباً
في المقابل، لا يبدو أن الصورة السلبية في أذهان السوريين وحدها التي لن تتغير، بل كذلك في أذهان المعارضة التركية بحسب الخوجة، إذ يرى أن نظرة المعارضة نفسها تجاه اللاجئين السوريين سلبية.
ولا يبدو أن حزب العدالة والتنمية الذي كثّف تحركاته هو الآخر في اتجاه الجمعيات العريبة في تركيا خلال الفترة الأخيرة، في منأى عن جذب هذه الأصوات، إذ يكشف الخوجة أنه حصل على تسجيل مصوّر تعريفي عن الانتخابات أصدره العدالة والتنمية ويحض "بشكل مباشر" على التصويت للحزب، وأن العدالة والتنمية كثّف من تواصله بما فيها الهاتفية، مع الجمعيات والشخصيات السورية لتنظّم التصويت.
ويضيف: "أعتقد أن الحزب لا يخشى تحركات المعارضة تجاه السوريين، بل يخشى من عواقب التصريحات الأخيرة وأن يكون هناك أثر لها على توجه الناخب العربي المجنّس".
ويبدو أن اللاجئين الذين تحولوا إلى مواطنين في تركيا، بعد حصولهم على الجنسية، يمكن لهم أن يلعبوا دوراً في مستقبل البلاد التي يتفق قادتها ومعارضوها على ضرورة إعادة من تبقّى من اللاجئين إلى ديارهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه