الحضور الخجول لرونالدو (1985) في قائمة السنة للكرة الذهبية، وغياب ميسي (1987) لأول مرة منذ 15 عاماً، يعلن نهاية حقبة لعلامتين تجاريتين ذهبيتين. لا جدل حول أهمية الاثنين على ساحة كرة القدم خاصة والرياضة العالمية ككل، إلاّ أن حكاية كل واحد منهما -التي بدأت تُكتب فصولها الأخيرة- لم تكتبها أقدامُ اللاعبين فقط، بل يمكن القول إنها واحدة من أكبر قصص التسويق الإعلامية في تاريخ الميديا المعاصر.
يكفي أن نعرف أنه في العام 2021 صعد كريستيانو رونالدو إلى صدارة قائمة أثرى المشاهير السنوية على إنستغرام، إذ استطاع اللاعب أن يكسب ما يصل إلى 1.6 مليون دولار مقابل نشر صورة إعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يقدر متوسط المنشور المدفوع على حساب إنستغرام ليونيل ميسي بـ648000 دولار.
غذت قصة الصراع حول "الأفضل" هذا الثنائيَّ الإعلاني، التي سُبقت بالكثير من القصص المشابهة في التاريخ والثقافة الشعبيّة، كتلك التي كانت بين يوهان كرويف (1947-2016) وفرانس بيكنباور (1945) في السبعينيات، أو المقارنة العابرة للتاريخ بين كلٍّ من دييغو مارادونا وإدسون أرانتيس دو ناسيمنت المعروف بـ"بيليه"( المولود عام 1940). دون أن ننسى ثنائيات أخرى في عالم الرياضة والميديا كالصراع بين لويس هاميلتون (1985) وسيبستيان فيتل( 1987) في الفورمولا 1، وصولاً إلى كوكا كولا وبيبسي، أو أديداس ونايكي.
جرعة الدراما في قصة طفولة رونالدو تبدأ من قبل أن " يوجد"، فوالدته أرادت أن تجهضه دون أن تعلم أنه سيكون "إلهاً"، نستخدم هذا اللفظ لأن البحث في محرك غوغل عن جملة "the God that his mother wanted to abort him"، تكشف لنا بأنه كريستيانو رونالدو
ميزة الصراع حول "الأفضل" بين ميسي-رونالدو يمكن أن تحال إلى تكامل الحكايتين الدراميتين لكلا اللاعبين على حدة. حكايتان كتلك التي يقصها منتجو برامج مسابقات الواقع مثل the voice أو سوبر ستار وغيرها، ليخرج اللاعبان من المستطيل الأخضر، وتحبك خيوط القصص شركات PR وشركات رياضية وجيوش من الترولز (trolls)، وبالتأكيد لوغاريتمات وسائل التواصل الاجتماعي.
صراعات الطفولة واحتمالات الفشل
يحمل كلا اللاعبين في حكايتهما صراعات ذاتية، تجاوزاها ليصلا إلى ما هم عليه، فالاثنان حسبما نرى في وثائقي ميسي ضد رونالدو جاءا من بيئة فقيرة ومدنٍ بالكاد يعرف العالم اسمها. ترعرع كلا اللاعبين وسط عائلات من الطبقة العاملة، وشكلت كرة القدم لكليهما مخرجاً من الفقر والعوز الذي عانى منه أقرانهما.
وككل القصص الدرامية تحتاج قصص حياتهما إلى تصعيد وصراع، فمن جانب ميسي يأتي أول عائق مع توقف جسم اللاعب الصغير عن النمو بسبب نقص هرموني. وبسبب الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها الأرجنتين، لم يكن بإمكان ناديه وقتها (ريفر بليت) أن يدفع تكاليف علاج الصغير ليو، لتجاوز هذه العقبة. تذهب عائلة خورخي ميسي إلى برشلونة، الفريق الذي كان يراقب الطفل الصغير منذ مدة من خلال عمل كارلوس ريكساتش كمستكشف للنادي الكتلوني.
تتعقد المفاوضات، ولكي يخرج ميسي الأب من هذه المعضلة، يهدَّد بالعودة إلى الأرجنتين إن لم يوقع النادي مع ابنه. تحت تأثير هذا التهديد وقع كارلوس ريكساتش الذي أمسى المدير الرياضي لبرشلونة في حينه، ليحمل التوقيع على العقد أيضاً بعداً درامياً، حيث تم على ورقة محارم في مطعم كاتلونيٍّ محلي تم فيه اللقاء.
جرعة الدراما والأسطرة في قصة طفولة رونالدو تبدأ من قبل أن " يوجد"، فوالدته أرادت أن تجهضه دون أن تعلم أنه سيكون "إلهاً"، نستخدم هذا اللفظ لأن البحث في محرك غوغل عن جملة "the God that his mother wanted to abort him"، ستكشف لنا عن نتيجة غير متوقعة؛ إنه كريستيانو رونالدو الذي ولد لأب عائدٍ من الحرب في الموزمبيق، عانى من مشاكل قادته ليتحول إلى الكحول. أخوه أيضاً اختار الطريق الخطأ ليصبح أيضاً كحولياً. ولكي تزيد الدراما سيعاني رونالدو لاحقاً خلال لعبه في لشبونة من مرض تسارع القلب، المرض الذي أنهى مسيرة لاعبين كُثر. إلاّ أن التطور الطبي أنقذ أسطورة من أساطير كرة القدم.
قضى ميسي معظم طفولته داخل جدران قلعة كامب نو، وتنبأ عرافو الرياضة بمجيء المخلص الجديد لهذه المدينة. وعند دخوله المنتخب الأول، ساعد في رسم صورته الجديدة أبوان روحيان هما ديكو ورونالدينهو، ليرد لهما الجميل ميسي بارتداء رقم 30 الذي يجمع رقمي قميصي الأسطورتين، قبل أن يرتدي قميصه المفضل الرقم 10 بكل ما فيه من دلالة، ثم يعيد شكر الأسطورتين عند انتقاله الأخير إلى النادي الباريسي بحمل الرقم 30.
ننتظر الآن كمن انتهى من مشاهدة فيلماً هوليودياً قصص النجاح التي ستبنى على نجاح ميسي ورونالدو، لكن هل يمكن تقديم ثنائي جديد وأصيل في زمن تسيطر فيه النوستالجيا واستعادة الماضي على أشكال إنتاج الثقافة؟
يتنقل كريستيانو بين لشبونة ومانشستر يونايتد، حيث أراد في أكثر من مناسبة أن يغادر، إلاّ أن أباه الروحي، المدرب التاريخي للشياطين الحمر، طلب منه التريث حتى يحين الوقت المناسب. وبالفعل جاء الوقت المناسب، وبمباركة السير أليكس فيرغسون، لتكون أكبر الصفقات في ذلك التاريخ، معلنة وصول رونالدو إلى قلعة البيرنابيو.
جاذبية الحياد
ساهم الحياد السياسي في بناء صورة هاتين الأيقونتين، وكان ضرورة لتسويق اللاعبين على نحو عالمي. فلم يحمل اللاعبان أثقال أي عبء سياسي، كما فعل سابقاً الأرجنتيني ماريو كيمبس (1954) حين فاز منتخب بلاده في كأس العالم وبلده ترزح تحت نير الديكتاتورية العسكرية للجنرال خورخي فيديلا، أو الثقل الذي حمله مارادونا في الفوز على إنكلترا بعد حرب الفوكلاند، أو رفض كرويف المشاركة في كأس العالم في الأرجنتين. وهكذا كان كلا اللاعبين يبتعد عن السياسة وعوالمها، حتى في الحالات التي كانت تمسهما مباشرة، كالصراع بين كتالونيا والعاصمة مدريد.
الحياد على مستوى الجندر يختلف بين اللاعبين، فمن جهته رونالدو يعتبر رمزاً للذكورة، وجهه في كل مكان، من علب الشامبو إلى الثياب الداخلية، ليتحول إلى أيقونة للرجولة المعاصرة. مع ذلك هناك ما هو مريب، إذ يبدو أن كل ما يقوم به جزء من حملة ترويج إعلامية كبرى صُممت، حتى أسلوب تعاطيه مع الجنس اللطيف. يعزز من ذلك قصة ولادة ابنه الأول من سيدة مجهولة وبسرية، ليسمي مولوده الأول على اسمه كريستيانو.
هناك بعض الإشاعات التي تفيد بأن رونالدو أقرب إلى شخص لا جنسي، الصورة التي لا تلائم عالم كرة القدم الذكوري، وهذا ربما ما يفسر كيف ظهرت على السطح علاقات أو شائعات وثقتها مواقع التواصل الاجتماعي بين رونالدو ونساء من مختلف السياقات. من بين أولئك النساء نجمات، رياضيات ومؤثرات على مواقع التواصل، كباريس هيلتون، إيزابيلا فيغير، وجيما أتكنسون، وكيم كارداشيان. يضاف إلى ذلك قضية اغتصاب، تم حلها بعيداً عن الإعلام. إلاّ أن كل ذلك لم يؤثر على الإشاعة الأصلية بخصوص حياده الجنسي، إذ لا نعلم عن تفاصيل حياته بدقة، هناك فقط أداء ذكوري متماسك.
صورة ليو ميسي أقرب للطفولة. هذا الطفل الخجول الذي دخل عالم كرة القدم مبكراً، بقي طفلاً معجزة. طفل خجول، صوته منخفض بقي محتفظاً بلهجته الإسبانية الأرجنتينية، قليل الحديث، ويفضل الصورة الكاريكاتورية عنه: "إنه لا يتحدث بل يدع الكرة تتحدث".
وبمقابل نرجسية وجمال جسد كريستيانو، ومجموعات ثيابه الفاخرة، فإن ميسي لطالما خرج في المناسبات العامة محني الظهر، مرتدياً ثياباً بألوان طفولية، وبراقة. ميسي والpr المسؤول عنه حاولوا كثيراً تغيير هذه الصورة، سواء من خلال الوشوم الكثيرة التي غطت جسده، أو إطلاقه للحيته. إلاّ أن صورته بقيت في إطار الحياد الأقرب إلى الطفولة. هذا الحياد الجندري لم يأت من فراغ، فقد ترافق مع صورة جديدة للجنسانية والجنس، التي يتم التسويق لها اليوم، تكسر الحدود أكثر فأكثر بين الجنسين.
التنافس بين نادي ريال مدريد وبرشلونة أحد أهم أسباب التسويق الرياضي للدوري الإسباني. هذا الدوري الذي أنتج في العام 2013 بشكل مباشر أكثر من 7.6 مليار يورو، والذي شكل 0.75 ٪ من إجمالي الناتج المحلي الإسباني. وقد نمت هذه المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 2.7٪ منذ عام 2011. وبمراجعة هذا التاريخ فإنه من الجلي والواضح أن لوصول الثنائي إلى الدوري الإسباني والتنافس بينهما دوراً كبيراً في التسويق لهذا الدوري ونجاحه.
لا رابح ولا خاسر
الأهم بعد كل هذه الحكايات والمصاعب والصراعات هو ألا يكون هناك رابح ولا خاسر. ولتحقيق ذلك بات على صناع المحتوى إنتاج حبكات هي الأنجح في الدراما. حبكات تشدّ الأطفال والكبار على حد سواء، في الصراع نحو من هو الأفضل. لذلك لطالما لعب الاثنان لعبة القط والفأر. قد تصل كاريكاتورية حكاية كلا اللاعبين إلى التشابه الكبير بين ليو وCR7 وشخصيتي الكابتن ماجد والكابتن بسام، في المسلسل الكرتوني الثمانيني الشهير.
ميسي ورونالدو أيقونتان رياضيتان، عملت شركات العلاقات على تحويلهما إلى بطلين يخوضان صراعاً حول لقب "الأفضل". هل يمكن القول إن زمن هذا الثنائي بدأ بالانتهاء؟
هكذا تم بناء جمهورين متقابلين، يبقى على نار الصراع، وحبكات، وسرديات لا تتوقف عن من هو الأفضل. إلاّ أن أفضل شخصيتين يمكن البناء عليهما، لرسم الصراع بين ميسي ورونالدو هما شخصيتا سوبرمان وباتمان. لطالما وُصف ميسي بأنه لاعب من خارج الكرة الأرضية، وأن موهبته وقواه فطريتان كسوبرمان. ربما هما أشبه بالساحر، يصفه جوردي بونتي قائلاً: "يُقدّم ميسّي الملف الشخصي للّاعب الذي مع كلّ حركة ينفجرُ في ألف لونٍ، وفي نفس الوقت يُكثّف جوهرَ كُرة القدم، فهو يُمثّل كلَّ الأشياء التي يجب القيام بها بشكلٍ جيد في اللعبة".
يوصف رونالدو بأنه ماكينة صنع نفسَه بنفسِه، ولا يمتلك قوى خارجة عن الطبيعة، كباتمان الذي يعتمد على الأدوات والماكينات التي يصنعها. وكما هو الحال بين ميسي ورونالدو، في الصراع على الأفضل، كان هذا السؤال يؤرق متابعي الكوميكس الأمريكية دائماً: من كان لينتصر في الصراع بين باتمان DC أو سوبرمان marvel؟ وعندما جاء الفيلم الأمريكي الخالص إلى شاشات السينما، لم يحسم الصراع، لأن حسمه يعني انتهاء الحكاية.
في أزمة النوستاليجا... أبطال الماضي وورثتهم
قصة نجاح الأيقونتين هذه كتبت في الوقت نفسه قصةَ فشلها. فمع أن رونالدو انتقل إلى خارج الدوري، فإن جذوة هذا الصراع لم تنته، إلاّ أن اللاعبين ليسا ممثلين في عمل درامي هذه المرة، ومهما طال عمرهما الرياضي، فإن النهاية باتت قريبة.
وبناء على ذلك تعمل شركات التسويق الإعلامي، ولوغاريتمات وسائل التواصل الاجتماعي على خلق ثنائية جديدة، وقصة نجاح جديدة. إلاّ أن أياً من هذه المحاولات إلى اليوم لم يكتب لها النجاح. سمعنا عن رونالدو الجديد وميسي الجديد، إلاّ أن الحل لن يكون بنسخ جديدة، فأحد أهم أسباب نجاح هذا الثنائي لم يكن بأنهما كانا نسخاً جديدة من بيليه أو مارادونا أو زيدان، بل كانا منتجاً جديداً بالكامل، وربما هذ السعي لاستنساخ الثنائي هي صفة عصرنا حسب فريدريك جيمسيون، حيث النوستالجيا والحنين إلى الأصل، وإعادة إنتاج نسخ من الماضي، دون تقديم جديد.
من هنا ربما لن يقوم صناع المحتوى بقتل الشخصيتين، بل سيسعون على إبقائهما من أجل بناء قصة نجاح جديدة مبنية على قصة نجاحهما، مثل سلاسل الأفلام الأمريكية التي أثبتت نجاحها ولو بعد مرور سنوات من خلال المقارنة التاريخية بين القديم والجديد، والتي تم البناء عليها سابقاً من خلال انتقام تايسون لمحمد علي كلاي ضد لاري هولمز، كنا قد رأينا تجلياتها في عودة سلسلة أفلام روكي الأمريكية، بعد أن فشل التسويق لكل من إيرلينغ هالاند وكيليان إمبابي، كثنائي جديد، وبعد أن تعذر جمعهما في دوري واحد، وطرفي كلاسيكو إحدى الدوريات الكبرى، يتم العمل على المقارنة بينهما وبين الثنائي ميسي رونالدو في محاولة لصنع محتوى جديد. إلاّ أنه اليوم بات من الصعب جداً إعادة كتابة حكايتين بهذا الاكتمال وصراع يشابه الصراع بين هاتين الأسطورتين من جديد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه