يعرف الجمهور المصري الممثلة اللبنانية مادلين طبر منذ ثلاثة عقود، لكن دوراً واحداً لها علق بذاكرة السينما المصرية وهو الذي قدمته في العام 1994 في فيلم "الطريق إلى إيلات"، عدا ذلك لم تنجح طبر في تقديم شخصيات تدخلها إلى قائمة الممثلين العرب المطلوبين في سوق الفن المصري. ما سبق يفسر العدد الضئيل من المشاهدات التي حققتها فيديوهات انتشرت لطبر قبل نحو أسبوع بعناوين من بينها " الجماهير تحاصر مادلين طبر داخل نادي الزمالك" .
الفيديو المقصود تم نشره عبر عدة منصات صحافية وبشكل يوحي بأن مادلين هي من أرسلته عبر "الواتساب" لمحرري تلك المواقع. وبالمناسبة، تدير طبر مجموعة عبر "الواتساب" ترسل عليها أخبارها أولاً بأول، غير أنها انضمت قبل عدة شهور إلى مجموعات أخرى تحوي عدداً من مشاهير مشجعي نادي الزمالك المنافس التقليدي للنادي الأهلي في مصر .
هل تعوض أضواء الملاعب أضواء النجومية؟
المؤكد أن الجمهور المصري عموماً وأنصار الزمالك خصوصاً لم يتعرفوا على ميول طبر الكروية إلا في الأعوام الأخيرة، لتشكل مع أسماء أخرى أبرزها راندا البحيري وهشام اسماعيل ظاهرة جديدة تجمع بين الفن والكرة في مصر، حين تحول مجموعة من الفنانين إلى "أولتراس" بهدف البقاء تحت الأضواء -كما يتهمهم البعض- فيما يرى آخرون ما يحدث في هذا السياق خروجاً من الفنان عن النص خصوصاً بعد أزمة الممثل "الأهلاوي" أحمد فهمي ولاعب الزمالك "شيكابالا" قبل نحو عامين .
تدير مادلين طبر مجموعة عبر "الواتساب" ترسل عليها أخبارها أولاً بأول، غير أنها انضمت قبل عدة شهور إلى مجموعات أخرى تحوي عدداً من مشاهير مشجعي نادي الزمالك
سجل تشجيع الفنانين للقطبين الكرويين الكبيرين قديم بالطبع، هنالك فيديوهات كثيرة قبل دخول الألوان للتلفزيون المصري يعلن فيها النجوم عن انتمائهم بوضوح، مرحلة الثمانينيات وما بعدها حتى بداية الألفية الثالثة، شهدت ظهور النجوم في المدرجات لكن فقط كمشجعين وعلى عكس ما يجري الآن على السوشيال ميديا، وكان نقل المباريات سابقاً دون توابعها يتيح لجمهور الأهلي أن يرى خطفاً نجوماً مثل فاروق الفيشاوي وصلاح السعدني وإيهاب توفيق وغيرهم في المدرجات.
على عكس ما يجري الآن على السوشيال ميديا، كان نقل المباريات سابقاً دون توابعها يتيح لجمهور الأهلي أن يرى خطفاً نجوماً مثل فاروق الفيشاوي وصلاح السعدني وإيهاب توفيق وغيرهم في المدرجات
فيما شارك نجوم محسوبون على الزمالك في مباريات استعراضية كانت تسبق مباريات الاعتزال، فنجم بحجم عمرو دياب مثلاً كان موجوداً على سبيل المثال في مباراة اعتزال فاروق جعفر لاعب الزمالك في العام 1989، غير أنّ أصوات النجوم لم تكن تصل أبداً للجمهور، فقط صور متحركة أو ثابتة، عبر شاشة التلفزيون أو الصحف المطبوعة.
منتصف العقد الأولى من الألفية الثالثة بدأت مرحلة لم تستمر طويلاً، إذ أدى تألق المنتخب المصري وحصوله على ثلاث بطولات إفريقية متتالية إلى تراجع الاستقطاب بين جمهوري الناديين ومن بينهم الفنانون، خصوصاً مع دخول الفريق الأبيض "العشرية السوداء" كما يطلق عليها محبوه وغياب البطولات عنه تماماً.
ثم انهار المنتخب الوطني أيضاً بعد رحيل دولة مبارك وما أعقب ذلك من أزمات كروية داخلية في مقدمتها على الإطلاق مذبحة ستاد بورسعيد في شباط/ فبراير في العام 2012 والتي راح ضحيتها أكثر من 70 مشجعاً للنادي الأهلي، وبعدها بثلاث سنوات سقوط 22 من أنصار الزمالك فيما يعرف بمذبحة ستاد الدفاع الجوي وتحديداً في شباط/ فبراير من العام 2015.
أما المفارقة فكانت عودة الزمالك للتتويج بالدوري المصري في العام نفسه لتبدأ مرحلة جديدة في شكل التشجيع الكروي المصري وفي القلب منهم دخول فئة من الفنانين لم يعرف الجمهور الكثير عن انتمائها الكروي من قبل .
ممثلو الصف الثالث في الصف الأول بين المشجعين
قبل تلك المرحلة لم تكن للممثلات أية علاقة بالصدام مع جمهور الكرة على الإطلاق، وحتى النجوم كما ذكرنا ظلّ وجودهم محصوراً في حضور بعض المباريات، وهو ما خفَتَ تماماً بعد "ثورة يناير"، خصوصاً مع إقامة معظم المباريات بدون جمهور.
استمر منع المشجعين من دخول الملاعب لفترة أطول إذ لم يعودوا إلا في العام الماضي بعدد محدد وأسلوب لم يسمحا للنجوم بالوجود في الملاعب، لكن ظاهرة تحول بعض الممثلين إلى "أولتراس" أخذت في التراكم استغلالاً لعودة الاستقطاب عبر منصات التواصل الإجتماعي.
يعرف الجمهور المصري اسم الممثلة راندا البحيري جيداً، غير أن قائمة أعمالها ومن بينها فيلمان بطولة مطلقة "بوسي كات" و"بنت من دار السلام" لم تحقق نجاحاً يذكر، ودائماً تصنف من فنانات الصف الثالث.
البحيري عانت لفترة طويلة من البطالة حسب تصريحها هي أكثر من مرة سواء في منصات إعلامية أو عبر حساباتها على فيسبوك، وإذا راجعنا صفحتها الرسمية التي تحوي أربعة ملايين متابع، سنكتشف أنها لم تبدأ الاهتمام بمباريات الزمالك إلا في العام 2020 إذ شاركت في ملكية سلسلة من "الكافيهات" وكانت تدعو الجمهور لمشاهدة المباريات معها في أحد الفروع.
تعرضت رندا البحيري لسخرية الجمهورين عندما أخطأت في اسم بطولة دوري أبطال أفريقيا في أحد منشوراتها
تدريجياً بدأ الجمهور الأحمر يهاجمها ما دفعها للاستمرار، وباتت من الأصوات الداعمة للزمالك عبر السوشيال ميديا، ودخلت في معارك من المفترض على أي ممثل يخاف على شعبيته أن يتفادها، مثل كتابة نكات تسخر من جمهور الأهلي، قبل أن تتعرض هي لسخرية الجمهورين عندما أخطأت في اسم بطولة دوري أبطال أفريقيا التي غابت عن الزمالك منذ العام 2002 في أحد منشوراتها.
واللافت أن الانتقادات والوقوع في أخطاء لم يمنعاها من الاستمرار خصوصاً في الفترات التي تزداد فيها حدة الاستقطاب مثلما حدث خلال تموز/يوليو وآب/أغسطس بسبب سخونة سباق حسم درع الدوري بين الزمالك والأهلي.
أبيض... أحمر... فيسبوك
إلى جانب طبر والبحيري، يدافع الممثل الكوميدي هشام اسماعيل عن نفسه باستمرار أمام اتهامات استغلال "زملكاويته" من أجل البقاء تحت الأضواء. واقع الأمر أن إسماعيل اعتاد الذهاب مع نجله إلى مباريات الزمالك المصيرية ولا يكتفى بالتشجيع عبر "الفيسبوك"، كما أنه من الممثلين المطلوبين في مسلسلات عديدة.
غير أن هذا الاتهام مرتبط بتراجع جماهيريته في الآونة الأخيرة رغم وجوده "الكمي" في الأعمال، حتى أن شخصية "فزاع" أبرز ما قدم على الإطلاق لم تحظ باهتمام الجمهور بعد عودة مسلسل "الكبير أوي" في جزء سادس في رمضان الماضي إذ طغت عليها شخصيات أخرى، فيما لفت الأنظار في مسلسل "أحلام سعيدة" ليس بسبب الدور الذي لعبه ولكن لظهوره مرتدياً نظارة طبية عليها شعار الزمالك.
مهاجمو إسماعيل يعتبرون ظهوره في مداخلات وبرامج رئيسية على قناة الزمالك تعويضاً عن عدم اهتمام الصحافة الفنية به، كما يعتبرون وجود اللبنانية مادلين طبر والمصرية راندا البحيري وسط زحام الجمهور ليلة التتويج بالدوري يعكس رغبة غير معلنة في تصدر عناوين الأخبار، فالفنان عادة يبتعد عن الزحام في الأحداث الفنية، فلماذا يبرز رياضياً حتى لو كان المبرر هو عشق الكيان الأبيض.
يربط الرافضون لتلك الظاهرة تكاثرها بغياب الأضواء عن هؤلاء النجوم من جهة، وسهولة إثارة الجماهير الكروية من جهة أخرى عبر منصات التواصل الإجتماعي، وهو الأمر نفسه الذي تعرض له بعض نجوم الأهلي في الأعوام الخمسة الأخيرة وإن كان انحسر مؤخراً عقب تراجع الأحمر كروياً، وتعرض نجم كوميدي مثل أحمد فهمي لأزمة عنيفة في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 عقب انتشار فيديو تلاسنه مع شيكابالا قائد الزمالك وتبادل ألفاظ خادشة للحياء، وهو ما رفضه البعض من جمهور الأحمر وليس من مشجعي الزمالك فقط.
مهاجمو هشام إسماعيل يعتبرون ظهوره في مداخلات وبرامج رئيسية على قناة الزمالك تعويضاً عن عدم اهتمام الصحافة الفنية به، كما يعتبرون وجود اللبنانية مادلين طبر والمصرية راندا البحيري وسط زحام الجمهور ليلة التتويج بالدوري يعكس رغبة غير معلنة في تصدر عناوين الأخبار
في المقابل يرد الفنانون المتهمون بأنهم لا يستغلون جماهيرية الأندية من أجل الأضواء، فيما يتطلب حسم القضية تفرغ باحث في مجال النشر الصحافي والإعلامي لقياس عدد الأخبار المنشورة عن هؤلاء النجوم في أسابيع التنافس الساخن بالمقارنة بإجازة الملاعب في مصر أو الأسابيع الهادئة التي بدأت فعلاً وستستمر حتى نهاية مونديال 2022 في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...