لأنك خائف، سواء من اللعنة أو لأنك ملعون، ستطرد من يحبك، أصدقاء أو عائلة أو محبين أو زملاء، كل ما يجمعكم هو حلم غائم... لكنك لن تنجو وحدك، لا أمل لك إلا في العودة إلى دائرة الدعم التي كسرتها بيديك أو بيد شخص آخر، وفررتما كلٌّ في اتجاه، لأن الكسر لن يلتئم من دونك أو من دونه. ستتعلم ذلك بالطريقة الصعبة، لأن التيه سيكون طويلاً والمفقود لا يعوض، أما الكسر وإن جبر، فلا بد من أثر ما لا يمكن إخفاؤه، لكن الحياة بندبة جافة أفضل من مواصلة العيش بجرح مفتوح.
هكذا يخبرنا مسلسل "ريفو"، الذي بعد تجريده من حكاية الباند، وموسيقى التسعينيات، وقصة شادي، والسيناريو المفترض الذي تطارد فيه الابنةُ سراب أبيها، لن يتبقى منه سوى تلك الرسالة: دائرة دعم هي كل من نحتاج، حفل قد لا يحتاج إلى قبيلة، بل يكفيه فردان ليكتمل صخبُ دفئه، أب محبّ، أخ غائب، أمّ في مشفى، ذكرى صديق له هيئة أحلامنا في التغيير والتمرد، الأحلام التي دُهسنا جميعاً تحتها، ذكراها وجع يطاردنا، لأننا لم نرَ فيها إلا عفريتاً وشبحاً مهزوماً.
بعد تجريد "ريفو" من حكاية الباند، وموسيقى التسعينيات، والسيناريو المفترض الذي تطارد فيه الابنةُ سراب أبيها، لن يتبقى منه سوى تلك الرسالة: دائرة دعم هي كل من نحتاج
في المسلسل الكلُّ مغترب، باحث عن سراب، فاقد الروح، يختزل الحياة كلّها في نقطة معتمة، يشيح بها النظر عن أضوائها المتدفقة المتحولة، صارت بالنسبة له هي العالم، لأنه خائف من النظر، لأنه عوقب على النظر.
العنصر المفقود، هو شادي، زعيم الشلة، الصديق الميت، الذي جمع في التسعينيات باند للعب الموسيقى، ثم عاد شبحه في العقد الثاني من الألفية ليطارد أشباحهم، كلهم قد أشاحوا النظر وغرقوا في المتاهة، كلٌّ قد وجد مخدره الخاص، أحدهم وجده في التدين المتطرف فحرم الموسيقى، آخر وجده في هجرة البلاد والموسيقى، ثالثهم وجده في الاستسلام لليأس الذي لا تجدي معه الموسيقى، والأخير وجده في مطاردة المال وهو شيء لا يقبل القسمة مع مطاردة الموسيقى.
هؤلاء المحرومون من النظر إلى الحقيقة، إلى الأحلام، ألا يشبهوننا الآن، لأن المشاركة في كلِّ فعلٍ جريمة، لأن النجاة الفردية وهمٌ ومخدر، لأن النجاة الفردية إمعان في الاغتراب، لكن لا يبدو أن هناك فعلاً آخر نملكه.
هناك بالفعل شرير يتربص بكل جماعة وكل فرح، إنه يكره الالتئام، يعيش في الكسور وثغرات النفس
هناك بالفعل شرير يتربص بكل جماعة وكل فرح، إنه يكره الالتئام، يعيش في الكسور وثغرات النفس، يشيع عبرها الرعب والتفرقة، لا بد من الاعتراف بوجود الشرّ وتمييزه بدقة، أغلبنا يخطئ معرفته ويسمي كلَّ مختلف شراً. عدم قدرتنا على تمييز الشر هي ما تسمح له بتضخيم قدراته الضعيفة، فنخلط بينه وبين المختلف عنا، شرط الدائرة ليس إيجاد المتطابق مع ذواتنا أو مع تصوراتنا، بل ذلك الذي يثريها باختلافه، فلا يمكن لأحد أن يحدث نفسه إلا عبر ذات أخرى تستمع. في تلك العتمة يسقط كلانا، عمانا مشترك، لا يمكن لأحد أن يفهم نفسه أو الآخر إلا عبر الإقرار بتلك العتمة التي تحكم ذواتنا، حينها قد يسطع في غرفة المرايا المعتمة والمتبادلة بيننا ضوءٌ ما.
ما نبحث عنه ليس التطابق أو التقبل الأعمى للآخر بل الإيمان بأن رغم ذلك الاختلاف يوجد مشترك إنساني، وهو أمر على بداهته وكونه مساحة لا تنضب، لأنها متنوعة بتنوع الحياة ذاتها، إلا أنه الأمر الغائب عن النظر دائماً.
يسعى الشرير لهدم فكرة المشترك الإنساني بدعوى الاختلاف، لخراب الدائرة. هنا تأتي ضرورة تمييزه واستحقاقه للطرد، كما حدث في المسلسل عندما قرر الشخص عينه أن يمنع تجمع الباند مرتين، مرة في التسعينيات، ومرة عندما قرر العودة إلى الدائرة متجاوزاً شبح أحزانه، كما أنها في العودة الثانية، ليست مغلقة، بل هي مفتوحة لضمّ المزيد، لأنها ليست عزلة عن العالم، بل اتكاء بها على العالم.
الدائرة غير المغلقة وحدها تهزم الشرير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون