في 8 آب/ أغسطس الحالي، اغتيل مسؤول الارتباط في الأمن الوطني الفلسطيني، سعيد العسوس، في مخيم عين الحلوة، في جنوب لبنان، وكان العسوس قد تسلّم أخيراً مهمة التنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، بتكليف من السفارة الفلسطينية في بيروت، الأمر الذي يخوّله تسليم المطلوبين الفارّين من وجه العدالة للدولة اللبنانية.
يبدو أن عودة الاغتيالات إلى الواجهة من جديد في مخيم عين الحلوة، لها خلفيتان، الخلفية الأولى، وهي خلفية أمنية بحتة، إذ إن العسوس هو من سلّم معظم المطلوبين للجيش اللبناني، والسلطة والقضاء اللبنانيين، من داخل المخيم، ومعظم المطلوبين هم من الإسلاميين السياسيين، كونه ضابط الارتباط في الأمن الوطني الفلسطيني. لذا يظهر إلى الواجهة، بعيد قتله، احتمال أن يكون الاغتيال هو رد فعل من قبل هذه الجماعات السياسية على دور العسوس الأمني.
أما الخلفية الثانية، فهي خلفية سياسية، ومن الممكن استخدام هذا الموضوع بأبعاد جديدة، لها علاقة بفتح صراع أمني مع الكوادر المنتمية إلى حركة فتح، كونها تتسلم مفاصل رئيسيةً للإمساك بالوضع الداخلي لمخيم عين الحلوة، والعسوس واحد منهم.
وشهد مخيم عين الحلوة قبل أيام، توتراً أمنياً بين عناصر من الأمن الوطني الفلسطيني التابع لحركة "فتح" وآخرين من تيار الإصلاح الديمقراطي في "فتح"، الذي يتولى قيادته في لبنان محمود عبد الحميد عيسى الملقب بـ"اللينو"، على خلفية تركيب كاميرات مراقبة في حي صفورية.
هنية وتوحيد الساحات
أكد هنية على ضرورة "توحيد الساحات، فالعدو الصهيوني يتحدث عن مواجهة على ست جبهات من جنين إلى طهران، ومن بيروت"
في وقت سابق، قام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، بزيارة مفاجئة إلى لبنان، لحضور المؤتمر القومي الإسلامي الذي انعقد في بيروت في 23 و24 حزيران/ يونيو 2022، وتم تأمين زيارته من قبل حزب الله وتحت غطاء شرعي، فالتقى أولاً أمين عام حزب الله حسن نصر الله، ثم عاد ليلتقي كلاً من رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في بعبدا، ورئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة.
في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر القومي الإسلامي، أكد هنية على ضرورة توحيد الجبهات والتنسيق بين جبهات المقاومة، أي "توحيد الساحات"، وأشار إلى أن "العدو الصهيوني يتحدث عن مواجهة على ست جبهات من جنين إلى طهران، ومن بيروت، ما يؤكد ضرورة توحيد جبهات المقاومة".
وفي كلمته التي ألقاها في المهرجان السياسي الذي أقامته الحركة في مدينة صيدا، قال هنية: "من لبنان المقاومة، أقول للصهاينة، ستتحطم أحلامكم، ولا مكان لكم في القدس، والأقصى، وأمتنا العربية والإسلامية هي صاحبة الحق التاريخي في القدس".
هذا الكلام برأي العديد من المراقبين والسياسيين، هو إعلان عن فتح جبهات المقاومة من لبنان، بما فيها المخيمات. وهنا تُطرح تساؤلات عديدة حول هذه الزيارة العاجلة التي أتت تحت غطاء شرعي. فما الذي سيحصل في ما خص السلاح الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية، وتحديداً في مخيمات الجنوب، انطلاقاً من فكرة تحرير فلسطين؟ وإن كان هذا الكلام صحيحاً، فهل هناك إمكانية لتحمل تبعات جديدة جراء انتشار السلاح في المخيمات الفلسطينية؟
تنظيم السلاح
شرّع اتفاق القاهرة عام 1969، استعمال السلاح الفلسطيني في لبنان، لكن ضمن ضوابط لاستخداماته، وحصر استخدامه في منطقة العرقوب، وكان من بنوده تشكيل لجان للفلسطينيين وإنشاء نقاط للكفاح المسلح داخل المخيمات الفلسطينية ووجود ممثلين في الأركان اللبنانية.
هذا الاتفاق استمر، وتخللته مجموعة من الشوائب، حتى حزيران/ يونيو من العام 1987، عندما وقّع الرئيس اللبناني آنذاك أمين الجميّل، على قانون يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت قد تمت الموافقة على قانون إلغاء الاتفاق من قبل البرلمان اللبناني في 21 أيار/ مايو من العام نفسه، ومنذ ذاك التاريخ لم يعد استخدام السلاح الفلسطيني مشرّعاً في لبنان، وقد جاء اتفاق الطائف ليؤكد ذلك، إذ ورد في أحد بنوده "الإعلان عن حل جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني".
صار من الضروري إعادة دور اللاجئين الفلسطينيين الريادي في معركة التحرير التي لطالما كانوا جنودها الأوائل، وقدموا التضحيات الكبيرة خلال معركة النضال الفلسطيني منذ عقود
وعادت منظمة التحرير لتؤكد "التزامها الكامل، بلا تحفظ، سيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية بجميع مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن دون تدخل في شؤونه الداخلية"، معلنةً عبر ممثلها آنذاك عباس زكي، أن "السلاح الفلسطيني في لبنان ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقاً لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرّفه وترعاه السلطات الشرعية".
وقود المخيمات
في الواقع، تتبنى الفصائل الفلسطينية في المخيمات ضرورة وجود السلاح، وكل فريق بحسب منظوره، لكن تشريع هذا السلاح، قد يخلق أزمةً جديدةً في الساحة الفلسطينية، وتحديداً بين القطبين الكبيرين "فتح" و"حماس"، لا سيما بعد اتساع فجوة الخلافات، وتحديداً بعد أن جمّدت حركة حماس عضويتها في القوة الأمنية في المخيمات، بعد الذي جرى في مخيم برج الشمالي والاشتباك الذي حصل خلال تشييع حماس لضحايا انفجار المسجد، وقالت الحركة بعدها إنها "لن تتعامل مع الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان".
هذا الواقع، معطوفاً على حركة هنية وتصريحاته حول توحيد الساحات، لم يأتِ من عدم على ما يبدو، إذ يقول خالد زعيتر، وهو عضو في اللجان الشعبية لقوى التحالف: "أمام المد التطبيعي العربي الجارف على حساب القضية الفلسطينية، والتآمر الفاضح من قبل بعض الأنظمة، الذي صار علنياً، وأعطى الصهاينة فرصةً أكبر في التغوّل على الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم، فإن قوى المقاومة أو محور المقاومة صار أكثر قناعةً بتوحيد الساحات، والتنسيق في مواجهة أي عدوان صهيوني" .
أكثر من ذلك، يرى زعيتر في حديثه إلى رصيف22، أنه "صار من الضروري إعادة دور اللاجئين الفلسطينيين الريادي في معركة التحرير التي لطالما كانوا جنودها الأوائل، وقدموا التضحيات الكبيرة خلال معركة النضال الفلسطيني منذ عقود، ولكن هذا الدور سيكون بما يتناسب مع ظروفهم وواقعهم الجديد" .
في حزيران/ يونيو من العام 1987، وقّع الرئيس اللبناني آنذاك أمين الجميّل، على قانون يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية
برأيه، "تكمن أهمية تفعيل دور المقاومة في أن اللاجئين هم أصل القضية الفلسطينية ولبّها، بعد أن تم تهميشهم بعد أوسلو، والمخططات الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين، ففي الأصل انطلقت الثورة الفلسطينية لتحرير أرض اللاجئين، أما ما نشهده اليوم فهو تخلٍّ كامل عن اللاجئين، والبيئة الطاردة التي يواجهونها في أماكن تواجدهم تُظهر بما لا شك فيه حجم التآمر على قضيتهم، واستعادة دورهم تعني استمرار قضيتهم، وأنها لن تسقط لا بالمؤامرات ولا بالتقادم ولا بالتهميش، فهم مصرّون على العودة بعد التحرير".
هذا الكلام، تؤكده غالبية الفلسطينيين المقيمين في المخيمات بمختلف فئاتهم، لكن هل يضمن توحيد الساحات عدم الانفلات الأمني في المخيمات، وعودة الاغتيالات من جديد ربطاً بما يحصل في الفترة الأخيرة؟
ترتيب العلاقات
يقول الناشط السياسي محمود زيدان: "لم تكن زيارة هنية إلى لبنان زيارةً عاديةً، بالرغم من تكرارها أكثر من مرة بناءً على دعوة خاصة من حزب الله، وسط ترويج خاص للزيارة وأهميتها، إذ نزل هنية ضيفاً كريماً على حزب الله في الضاحية الجنوبية، وسط استقبال وحراسات خاصة من قبل حركة حماس والحزب".
ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "هنية الخارج من معادلة الصراع في غزة، والجالس في قطر، يحاول إيجاد مكان جديد يقبع فيه في ظل التوجهات والتغييرات التي تعيشها المنطقة. وهو يعود إلى لبنان من البوابة الإيرانية في ظل الوساطة التي يحاول حزب الله إنجازها وإتمامها مع حركة حماس من أجل العودة إلى الربوع السورية، إذ باتت الحاجة الإيرانية تتطلب تجميع الأوراق في مواجهة الأمريكي، وورقة حماس بالنسبة للإيراني هي ورقة رابحة بكل معنى الكلمة، لأنها المدخل الفعلي إلى القضية الفلسطينية التي تحتجزها حماس لمصلحة الأجندة الإيرانية. إذاً، إيران ترتب ورقة الإخوان للإمساك بها من جوانبها كافة استعداداً للمواجهة القادمة في جولات التفاوض مع الأمريكي".
ورقة حماس بالنسبة للإيراني هي ورقة رابحة، لأنها المدخل الفعلي إلى القضية الفلسطينية التي تحتجزها حماس لمصلحة الأجندة الإيرانية. إذاً، إيران ترتب ورقة الإخوان استعداداً إلى جولات التفاوض مع الأمريكي
يرى زيدان أن "الإخوان هم المدخل الإيراني إلى العالم السنّي، خاصةً لمحاربة الاعتدال العربي، وتالياً حماس هي جزء من هذه الورقة، ولا يمكن ترتيب أوراقها من دون إدخال رأس حربتها الأساسي في المعادلة، وترتيب العلاقات السورية-الحمساوية أولوية لإيران، والنقطة الثانية، إعطاء الدور الأساسي لحماس في لبنان برعاية إيرانية، واحتضان من حزب الله الذي يشرف على الدور الحالي لحماس القابع في إطار ترتيب الجبهات اللبنانية والغزاوية، من خلال التنسيق لتهديد إسرائيل، الخاصرة الميتة لأمريكا في المنطقة اليوم".
وعليه، يعتقد زيدان أن "قدوم هنية إلى لبنان يأتي في إطار يمكّن إيران من الإمساك بالورقتين اللبنانية والفلسطينية، والتهديد بهما، فهل يعلم هنية ما الذي يقوم به؟ وما الدور الذي يُلقى على عاتقه؟ وهل هو تنفيذ مطالب إيران في جعل المخيمات الفلسطينية اللبنانية أسيرةً لدى هنية وحركة حماس، كما حال غزة المحاصرة؟".
ويخلص إلى القول إن "عصر المواجهة سيكون في الداخل الفلسطيني، وفي محاولة السيطرة على المخيمات الفلسطينية، بين حماس وحركة فتح المسؤولة عن الشعب الفلسطيني، لتأمين مستلزماته"، مشيراً إلى أن "كلام هنية كلام غير مسؤول، من قائد فلسطيني يقحم تواجده وتواجد مخيماته في أزمة سينقسم حولها الشعب اللبناني، وسيدفع ثمنها الشعب الفلسطيني ومخيماته".
تجدر الإشارة إلى أن رصيف22، تواصل مع لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني التي يرأسها اليوم باسل الحسن، إلا أنها رفضت التعليق على تصريحات هنية وانعكاساتها لبنانياً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...