قررت حركة حماس الفلسطينية، العودة إلى الصف السوري الإيراني، بعد عقد من الخلاف مع دمشق على خلفية دعم التنظيم الإسلامي لمحاولات الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، خلال انتفاضة "الربيع العربي".
في أوائل عام 2012، ترك رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، خالد مشعل، العاصمة السورية دمشق التي عاش فيها سنوات، لقيادة المقاومة من الخارج، وتوجه إلى قطر.
يؤكد المحللون أن حماس مجبرة على العودة إلى سوريا بسبب تغير خريطة التحالفات الإقليمية وتجنب العزلة، والحصول على السلاح، فيما يُحذر باحثون في الإسلام السياسي من ذوبان الحركة في أيديولوجيا إيران.
وقال مسؤول من الحركة، إن حماس وسوريا تشاركان الآن في "اجتماعات رفيعة المستوى" من أجل المصالحة، حسب ما أفادت وكالة رويترز. وأكد مصدر في حماس لوكالة الأنباء الألمانية د ب أ، أنه من المقرر أن يلتقي هنية بكبار قادة حزب الله، لبحث التطورات في الأراضي الفلسطينية والتوترات بين لبنان وإسرائيل، بالإضافة إلى التنسيق المشترك بين الجانبين.
وقال بيان لحركة حماس، إن رئيس المكتب السياسي الحالي إسماعيل هنية، وصل الى بيروت في 21 حزيران/ يونيو الحالي، لعقد اجتماعات تهدف إلى "تعزيز التعاون والتآخي بين الشعبين الفلسطيني واللبناني"، من دون إشارة إلى أي محادثات مع سوريا.
قررت حركة حماس، العودة إلى الصف السوري الإيراني، بعد عقد من الخلاف مع دمشق على خلفية دعم التنظيم الإسلامي لمحاولات الإطاحة بالرئيس بشار الأسد
وأضافت الحركة الفلسطينية أن هنية سيلتقي مسؤولين لبنانيين وشخصيات سياسية وقادة الفصائل الفلسطينية في لبنان. وقال المتحدث باسم حماس جهاد طه، إن زيارة هنية الحالية هي "زيارة خاصة للبنان" وليس لأي مسألة أخرى.
لماذا العودة؟
تأسست حماس، في عام 1987، في بداية الانتفاضة الأولى في الأراضي الفلسطينية، كفرع من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ثم نقلت مقرها الرئيسي إلى سوريا في أواخر التسعينيات، إلى أن طلبت دمشق من الحركة المغادرة بسبب موقفها من الربيع العربي، لينتقل المقر إلى قطر.
وقتها، أغضب موقف حماس الداعم للإطاحة ببشار الأسد، إيران، حتى قيل إن طهران أوقفت تمويل الحركة. وكان من الواضح لقيادات الجناح العسكري لحماس، كتائب "عز الدين القسام"، أن قطر تُعدّ داعماً سخياً في المجالين السياسي والاقتصادي، لكنها لا توفر السلاح.
وبحلول عام 2017، عاد الحديث عن استئناف إيران دعم حماس بالسلاح، وذلك عندما أشاد رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، بالعلاقات بين حماس وإيران بوصفها "رائعة".
يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إياد القرا، لرصيف22، إن "عودة حماس إلى سوريا نابعة من تغيرات إقليمية عدة، وتشكل تحالفات جديدة وتراجع الثورة السورية"، ويضيف: "جميع فصائل المقاومة كانت لها علاقات مع النظام السوري باستثناء حماس التي طُلب منها مغادرة دمشق في ذلك الوقت، لكن الآن الظروف الإقليمية تبدلت، وتغيرت مواقف العديد من الدول، وقد أعادت بعض البلدان العربية علاقاتها مع سوريا، وهو ما شجع حماس على اتخاذ هذه الخطوة".
برأيه، حماس ترى أن عودة العلاقات مع الحكومة السورية مؤشر إيجابي، ويخدم المقاومة لأن محور النظام السوري قدّم دعماً كبيراً في كفاح الشعب الفلسطيني ومقامته بالسلاح ضد الاحتلال.
وفي ما يتعلق بالثورة السورية، يقول القرا، المحسوب على حركة حماس، إن "الثورة لم تعد موجودةً، بمعنى آخر لم تعد موجودةً كما كانت عند انطلاقها، والواقع تغيّر كلياً، وهناك متغيرات إقليمية تستدعي أن يكون هناك حوار مع دمشق".
قرار عودة حماس إلى سوريا لم يأتِ انتصاراً لفصيل على آخر داخل الحركة. هذا الأمر له علاقة بمتغير خارجي، إذ وجد قادة الحركة أنفسهم مجبرين على الحوار مع النظام السوري، بعد أن استعادت تركيا علاقاتها بدول معادية للإسلام السياسي
لم تنكر الحركة تضحيات الشعب السوري، ولا تنوي القتال مع هذا أو ذاك ضد السوريين. حماس تريد العودة إلى مقرها لخدمة أهدافها في المقاومة وكفاحها لتحرير فلسطين، وفقاً للقرا.
وأثار خبر عودة حماس إلى سوريا موجة غضب واسعةً بين السوريين، إذ غرد الكاتب السوري أحمد زيدان، قائلاً: "فتكت العصابة الأسدية خلال نصف قرن بالفلسطينيين من لبنان إلى سوريا، فقتلت منهم ما يوازي ما قتله قادة الكيان الصهيوني، ولا يزال مخيم اليرموك شاهداً".
وفي التلفزيون السعودي، تعرضت حماس لانتقادات لاذعة بعد قرارها العودة إلى سوريا ورفض ادعاءات هذه العودة، وتم وصف خطوتها بأنها تعزز نفوذ إيران في المنطقة.
المحور الإيراني أم التركي؟
يعتقد القرا أن "الحوار الذي يجري مع النظام السوري يعود جزئياً إلى حزب الله في لبنان، لأنهم يرون أن ذلك سيخدم محور المقاومة الذي تقوده طهران في ظل المحاولات الجارية لتشكيل تحالف مناهض لطهران في المنطقة".
من جانبه، يقول الباحث في الإسلام السياسي أحمد بان، لرصيف22، إن "حماس لم يعد لديها سوى الحليف الإيراني الذي هو اختيار إستراتيجي خطأ بالنظر إلى أن طهران خياراتها طائفية في النهاية وستفرض خياراتها على حلفائها".
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، أيمن الرقب، لرصيف22، أن عودة حماس إلى سوريا جاءت بعد أن بدأت تركيا بإغلاق الأبواب بشكل تدريجي في وجه الحركة، خاصةً بعد التقارب مع إسرائيل.
يقول الرقب: "حتى هذه اللحظة لا يوجد ترحيب سوري بعودة حماس إلى أراضيها. لهذا يقوم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بزيارة إلى لبنان ولقاء قيادات من حزب الله لمناقشة هذه العودة والحزب هو الوسيط في النقاشات".
ويضيف: "قرار العودة إلى سوريا لم يأتِ انتصاراً لفصيل على آخر داخل حماس. هذا الأمر ليست له علاقة بتغيير داخلي، بل خارجي، لقد وجد قادة الحركة أنفسهم مجبرين على الحوار مع النظام السوري"، مشيراً إلى أن إعادة تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، النظر في العلاقات مع جميع الدول التي قاطعتها خلال السنوات الماضية، هو المحرك الأساسي، وحماس ارتهنت لقرارات دولية وإقليمية تدفع ثمنها في كل مرحلة.
في ما يخص قطر والعلاقة مع حماس، يستبعد بان، أن تفرّط الدوحة بـ"علاقة متميزة مع حماس لأن العلاقة بين إيران وقطر ممتدة وعميقة، وثانياً توفر علاقة الدوحة بالحركة ورقة نفوذ سياسي للقطريين لدى الأمريكيين والإسرائيليين".
سوريا في 2022، لا يتواجد فيها الإيرانيون فحسب، بل هناك أيضاً الروس الذين لديهم مصالحهم في المنطقة، وستكون حاضرةً في حسابات أي عودة محتملة
ويرجح الباحث المصري أن الخسارة الأكبر في هذه العودة ستكون من نصيب "الإسلام السياسي الذي سيذوب في التحالفات الإقليمية والأيديولوجيات المختلفة"، مضيفاً أن جماعة الإخوان المسلمين وبقية مكونات الإسلام السياسي لم يعد أمامها سوى إيران التي ستفرض عليهم خياراتها.
حليف روسيا الجديد
برأي الرقب، فإن سوريا في 2022، لا يتواجد فيها الإيرانيون فحسب، بل هناك أيضاً الروس الذين لديهم مصالحهم في المنطقة، وستكون حاضرةً في حسابات أي عودة محتملة.
في 4 آذار/ مارس 2020، بدا أن هناك جهوداً روسيةً تستهدف تسهيل التقارب بين دمشق وحماس، إذ تحدث مسؤول المكتب السياسي في حماس إسماعيل هنية، في مؤتمر صحافي في موسكو، معلناً أن الحكومة والمواطنين السوريين كانوا منذ سنوات داعمين رئيسيين لحماس.
وبرّأ هنية، حماس، قائلاً: "لا يمكننا أن ننسى هذا التاريخ. لا توجد سياسة أو أي قرار من قبل حماس للانخراط في الملف السوري، وأنا أنفي بشدة وجود أي مقاتل أو شهداء من حماس في إدلب، أو قبل إدلب، أو حتى في الثورة السورية".
ومن المرجح أن تستمر روسيا في محاولة تخفيف أي توترات مستمرة بين الحكومة في دمشق وحماس، في ظل مساعي الإدارة الأمريكية لحشد الدول العربية ضد موسكو، في تموز/ يوليو المقبل.
في نيسان/ أبريل الماضي، أجرى هنية اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وفي أيار/ مايو الماضي، التقى الجانبان في موسكو، في تزامن مع جهود أمريكية لحشد الدول العربية ضد روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وتوترت علاقات إسرائيل وروسيا في الشهر الماضي، بعدما أعلنت الخارجية الروسية أن مرتزقة إسرائيليين يقاتلون إلى جانب كتيبة آزوف اليمينية المتطرفة في أوكرانيا، وقال لافروف إن الزعيم النازي أدولف هتلر لديه جذور يهودية.
ستستفيد حماس من الحلف الروسي في الحصول على دعم للحركة، خاصةً أن موسكو تمتلك مقعداً دائماً في مجلس الأمن ونفوذاً متزايداً في المنطقة، لكن لا ينبغي أن تعوّل عليه كثيراً، لأن روسيا لم تحمِ حلفاءها الإيرانيين من الغارات الإسرائيلية المستمرة في سوريا. أمّا في موضوع دعمها حركات التحرر كما كانت تقول، وهي تُصنف نفسها منهم، فهو يخضع لمصالحها، وهو ما يظهر جلياً اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين