شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عضة الكلب في الغربة مؤلمة لأنك بلا أصدقاء

عضة الكلب في الغربة مؤلمة لأنك بلا أصدقاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والمشرّدون

الخميس 25 أغسطس 202211:40 ص

لو كتبنا على محرك البحث غوغل: ما تعريف الصداقة؟ لوجدنا آلاف التعريفات المختلفة، ولو وجّهنا السؤال لأشخاص من بيئة واحدة وأعمار متقاربة لاختلفت التعريفات، فالتجربة الشخصية لكل فرد، وخلفيته الثقافية والدينية والتقاليد والأعراف والوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وما شابه، كلها ستؤثر في تعريفه للصداقة، وأيضاً في تعريفه للحب والوطن والأمومة وغير ذلك.

هناك مَن يُعرّف الصداقة بشكل سلبي وهناك مَن لا يؤمن بوجودها، والمثل الشعبي الذي يردده كثير من الناس يدل بشكل ما على ذلك: "احذر عدوك مرة، واحذر صديقك ألف مرة". ومعظمنا أو ربما كلنا سمعنا قصصاً عن أشخاص تعرضوا للغدر والخيانة من أصدقائهم على المستويات كافة. لكن هذا لا ينفي وجود الصداقة بالمعنى الإيجابي بالنسبة إلى كثيرين، وبالطبع أنا منهم، فالحياة بالنسبة إليّ ناقصة بدون الأصدقاء.

الصدمة التي هزّتني

في الصف الثالث الثانوي لم أدرس في مدرسة القرية، بل في أحد المعاهد الخاصة في المدينة، وكانت هذه المرة الأولى التي أحتكُّ فيها بأبناء المدن عن قُرب. وفي إحدى المرات أخذني زميلي في الصف لزيارة قريب له من عمرنا تقريباً، وبعد حوالي نصف ساعة من جلوسي مع هذا الشخص صدمني بقوله: إنْ كان الله موجوداً فكل ما فعله ويفعله حتى الآن غير مفهوم، وغير مبرر، وأحياناً لا معنى له، وراح يسرد كثيراً من الأمثلة التي تدعم فكرته.

لم أشعر طوال فترة مراهقتي بصدمة هزتني من الداخل كما فعل هذا الوغد المتطاول على الذات الإلهية المقدسة، ولم أفهم كيف لم يشعر بالخوف خلال حديثه عن الله وانتقاده له. يومها، قررت أنني لن ألتقي به مرة أخرى، وفي حال رأيته في الشارع مصادفة لن ألقي التحية عليه، وحتى الآن لا أعرف كيف التقيت به مرة أخرى! وأصبح أعز أصدقائي وأقربهم.

في البداية، كان بيني وبينه خلافات هائلة ونقاشات حادة حول كل شيء تقريباً، بداية من الله وانتهاءً بأغاني كاظم الساهر التي كنتُ أحبها، تلك الخلافات كانت تجعلنا نتوقف عن اللقاء وحتى الحديث مع بعضنا لأكثر من أسبوعين أحياناً.

كَبُرنا في العمر وأصبحنا أكثر عقلانية ونضجاً، وصارت لدينا تقريباً الرؤية نفسها تجاه القضايا الأخلاقية والإنسانية كافة، وأيضاً صارت لدينا ذائقة متقاربة على صعيد الموسيقى والشعر والسينما والرواية وما شابه، وبالطبع فقدنا الرغبة في خوض أي نقاش متعلق بالله والدين لأن الأمر لم يعد هاماً بالنسبة إلى كلينا.

"خسارة الأصدقاء المقربين لُغمٌ لئيم يبتر قدميك ويجعلك تندم طيلة حياتك على الأيام التي فضلت فيها ركوب السيارة على المشي"

بدون دراية أو معرفة من كلينا، خضعت هذه الصداقة للعديد من الاختبارات الحساسة التي أثبتت متانتها وقوتها وقدرتها على الاستمرار، منها التعامل المالي والذي يمكن اختصاره بجملة كُنّا نرددها دوماً كنوع من الدعابة: "الصداقة الحقيقة هي إنو تمدّ إيدك على جيبة صديقك وتاخد شو محتاج مصاري بدون ما تخبرو". بمعنى أدق، مَن كان يملك نقوداً هو الذي سيدفع أجرة السرفيس وثمن علبة التبغ والسندويش وما شابه.

حين يدخل أي شخص في علاقة حب يتساءل أصدقاؤه: هل سيقضي كل وقته ومشاويره مع حبيبته؟ هل سيمتنع عن مشاركتنا تفاصيل حياته وأسراره؟ إضافة إلى كثير من الأسئلة المشابهة. يمكنني القول إنّ وجود الأنثى في حياة كل منا أثّرَ على صداقتنا إلى حد ما، خاصة في البداية، إلا أنّ هذا التأثير لم يكنْ قوياً إلى درجة أنْ يحدث فيها فتوراً أو شرخاً عميقاً، لأنّ كلينا كان مدركاً أنّه من الطبيعي أنْ يأخذ الشريك العاطفي حصته من الوقت والمشاوير والأحاديث.

عضّة الكلب

مهما كانت الصداقة قوية ومتينة هناك أخطاء تحدث دوماً، وأقصد بكلمة أخطاء تلك التي تكون من العيار الثقيل جداً.

حدث مثل هذا الخطأ بيني وبين صديقي مرة واحدة فقط نتيجة خلاف حاد وضع صداقتنا على المحك. لكن في النهاية انتصرت صداقتنا لأنها كانت مبنية على الاحترام والمحبة والذكريات الجميلة والضحك. انتصرَت لأنّ كلاً منا لا يريد أن يخسر الآخر ولأنّ خسارة الأصدقاء المقربين لُغمٌ لئيم يبتر قدميك ويجعلك تندم طيلة حياتك على الأيام التي فضلت فيها ركوب السيارة على المشي، انتصرت لأنّ كل واحد منا قام بالاعتراف بأنّه أخطأ بحق الآخر، ولم يحاول أنْ يقدم أعذاراً ومبررات. لا أذكر مَن قال: إنْ لم يكن لصديقك عُذر فالتمس له عُذراً.

"يا صاحبي، أنت ساحر مدينة الملاهي وأنا المشاهد الوحيد الذي يصدق أنّ كل ما تقوم به حقيقي وليس خفة يد أو خدعة"

عام 2011، هاجر صديقي خارج البلاد، وفي إحدى المرات وعبر اتصال واتساب أخبرني بأنّه تعرض لعضة من كلب شارد، وعلى الفور ذهب إلى المستشفى وتلقى العلاج اللازم. قلت له: هنا في سوريا، عضة الكلب ستجعلك تتصل بي كي آتي إلى منزلك لنضحك وأنت تروي لي بالتفصيل ما حدث، أما في الغربة ولأنك وحيد وبلا أصدقاء كان عليك الذهاب إلى المستشفى.

يا صاحبي، عضة الكلب بوجود الأصدقاء هي مادة للضحك ولا تحتاج إلى الطب. يا صاحبي، هناك فرق شاسع بين المستشفى ومنزلك، هذا الفرق وما يشبهه هو ما يعطي للحياة الجمال والمتعة. يا صاحبي أيها الوغد لا بد أنك صرت مقتنعاً بأنّ عضة الكلب الشارد سبب جوهري لكي تعود على الفور إلى سوريا. فرد: "سخن إبريق المتة جاي فوراً" وضحكنا.

تابعتُ قائلاً: يبدو أنّ عضة الكلب لم تقنعك بالعودة مع أنني أراها مقنعة جداً، رغم ذلك سأخبرك بأمر قد يجعلك تعود، أنت تعلم بأنني كنتُ وما زلتُ وسأبقى أعاني من أزمات مالية، بسبب المشاريع التي أقوم بها والتي تكون الخسارة فيها مضمونة مئة في المئة، ولكن ما لا تعلمه هو أنك الوحيد على هذا الكوكب القادر على إيجاد حلول لكل أزماتي المالية بدون أن تعطيني ليرة واحدة، إضافة إلى أنك الوحيد الذي يقبل بأنْ يشاركني مشاريعي الخاسرة. أنت ساحر مدينة الملاهي وأنا المشاهد الوحيد الذي يصدق أنّ كل ما تقوم به حقيقي وليس خفة يد أو خدعة.

يا صاحبي القديم لقد مضى أكثر من 25 عاماً على صداقتنا، وأكثر من عشرة أعوام على غيابك، ألا ترى أنّ هذا كافٍ كي تعود ونكمل ما تبقى لنا من العمر في السكر والضحك، والثرثرة الممتعة حول الشعر والسينما والموسيقى والنساء الجميلات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image