شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
بعضهم يغطي مرايا المنزل بالملاءات... هوس النحول واضطرابات الطعام

بعضهم يغطي مرايا المنزل بالملاءات... هوس النحول واضطرابات الطعام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 18 أغسطس 202202:23 م

"كنت لسنوات طويلة أحافظ على وزني وأذهب إلى النادي الرياضي يومياً، لكني كنت بعدها أواجه حالات إغماء أحياناً، ثم أصبحت شرهة وعاشقة للطعام، ولم يعرف طبيب سر حالتي".
هذا ما تصف به الكاتبة سميرة عبد القادر حالتها السابقة وهي التي أصدرت كتاباً عن الطبخ المصري وأطلقت مبادرة للحفاظ على تاريخ المطبخ المصري من الاندثار.
سميرة ومعها أكثر من 70 مليون شخص على مستوى العالم مصابون بما يسمى بـ"اضطرابات الطعام" وهو عرَض نفسي يجعل الشخص شرهاً أو عازفاً عن بعض أو أنواع الطعام أو كلها لكنه ليس معروفاً كبقية الاضطرابات النفسية.

امتناع عن الطعام ثم جوع عاطفي

ليس غريباً أن يصاب أحدهم باضطراب نفسي، لكن الغريب أن يكون هذا الشخص قد كرّس حياته لتوعية الناس بشأن الطعام كسميرة التي قالت لرصيف22: "بعد وفاة أمي لم أتناول الطعام لثلاثة أيام، ثم أصبت بجوع عاطفي، أصبحت نهمة  طوال الوقت ولا أشبع أبداً".
كان الأمر صعباً على الكاتبة التي حاولت جاهدة أن تضبط نظامها الغذائي حتى أصيبت باضطراب هرموني تبعه نزيف ودوار، فأصبحت تتناول الطعام بشكل أكبر كلما هاجمتها الأعراض، حتى سُجنت داخل دائرة لا تستطيع الخروج منها.
"بعد وفاة أمي لم أتناول الطعام لثلاثة أيام، ثم أصبت بجوع عاطفي، أصبحت نهمة  طوال الوقت ولا أشبع أبداً"

ذهبت إلى العديد من الأطباء وأخبروها أن المشكلة نفسية وليست عضوية، لم تكن الأزمة فقط في اضطراب الطعام الذي صاحب مؤلفة "الطبخ أصله مصري"، بل وصلت إلى دورها كأم، الأمر الذي زاد من الضغط النفسي عليها.
وسط كل هذا، كانت النظرة إلى الجسد مختلفة عن السابق، أمست غير راضية عن شكل جسدها الجديد، ومهما حاولت أن تنقص من وزنها كانت تفشل، بما في ذلك محاولتها تناول البروتينات بدلاً من النشويات ليكون أكلها صحياً، لكن التعب الجسدي كان أيضاً ملازماً لها في هذه الحالة.
في سياق متصل، بحسب دراسة صدرت في العام 2013 تصل نسبة النساء اللواتي يعانين من فقدان الشهية إلى 4 % بينما تصل نسبة من يعانين من الشره المرضي أو أصبن بفترة ما باضطرابات الطعام  إلى 2%، وبحسب الدراسات تصاب النساء بهذه الاضطرابات عشر أضعاف ما يصاب بها الذكور.
ربما يكون حلم فقدان الوزن هدفاً يسعى إليه الكثيرون خاصة من يمتلكون وزناً زائداً. فقدان الوزن قد يتأتى نتيجة تغيير النظام الصحي أو نتيجة اضطراب الطعام. إنجي صالح شابة عشرينية تعرضت لاضطرابات الطعام حين كانت في عمر المراهقة، وفقدت أكثر من 25 كيلوغراماً من وزنها، نتيجة حالة نفسية أصابتها عقب زواج شقيقتها في محافظة بعيدة عنها وبقائها وحيدة.
تقول إنجي: "من شدة الحزن لم أستطع تناول سوى نصف رغيف خبز في اليوم حينها، كنت أشعر بانعدام رغبة شديد تجاه الطعام، وفي كل مراحل الاضطراب لم أكن راضية عن شكل جسدي".

وتضيف أنها أصيبت لاحقاً بوسواس قهري من أن يزيد وزنها، ولم تكن القصة السابقة هي المرة الوحيدة التي تعرضت بها لخسارة كبيرة في الوزن، ومع كل مرة كان يحدث كانت تصاب بأمراض جانبية، ففدان الشهية يتسبب بأمراض أخرى خطيرة مثل الدوار والأنيميا الحادة وضغط الدم المنخفض وتقرحات في المعدة.

إنجي صالح شابة عشرينية تعرضت لاضطرابات الطعام حين كانت في عمر المراهقة، وفقدت أكثر من 25 كيلوغراماً من وزنها

لم ترضَ عائلة إنجي عمّا يحدث معها وذهبت بها إلى العديد من الأطباء الذين كانوا يشخصون الأعراض الظاهرة مثل "التهاب في المعدة" وكانوا يصفون لها أدوية فاتحة للشهية ولم يشخص أحد المرض باسمه الحقيقي؛ لكنها أدركت مؤخراً أن ما كان يحدث معها يدعى اضطراب الطعام.
حتى عندما كبرت إنجي لم تتخلص من هاجس الوزن ولم ترضَ عن جسدها إلا حينما تكون أقل من الوزن المثالي بـ 10 كيلوغرامات وترجح ذلك إلى أنه ربما بسبب أن وزنها عاد للزيادة في فترة ما حتى وصل 80 كيلوغراماً، وكانت تتعرض لمضايقات لكنها حالياً لا تتأثر بنظرة الناس السلبية إليها.

النساء الأكثر عرضة لاضطرابات الطعام

تقول الطبيبة النفسية نهال زين إن النساء هنّ الأكثر عرضة لاضطرابات الطعام لكونهن الأكثر عرضةً للضغط المجتمعي المتطلب لشكل الجسد وحجمه. لذا يعانين من مشكلات مع الصورة الذاتية للجسد، إضافة لكونهن أكثر عرضة لضعف تقدير الذات رغم أن هذا الأمر أصبح يطال الرجال أيضاً، لكن ليس بنفس النسبة عند النساء، أما عن سبب انتشار هذا المرض في سن المراهقة، فلأنه في هذه المرحلة يكون من ضمن اهتماماتنا أن نكون مرئيين بصورة أفضل مثل عارضات الأزياء والفنانين.
المصابون بهذا النوع من الاضطرابات تلازمهم أعراض أخرى، كالقلق طوال الوقت من شكل الجسد، وقياس الوزن والنظر إلى المرآة باستمرار، والتركيز على عيوب الجسم والنفور منها، مع الشعور بالخزي والخجل والذنب والاكتئاب وهوس بالـ"ريجيم".
المصابون بهذه الاضطرابات تلازمهم أعراض أخرى، كالقلق طوال الوقت من شكل الجسد، وقياس الوزن والنظر إلى المرآة باستمرار، والتركيز على عيوب الجسم والنفور منه

وبحسب زين فقد يمتلك هذا الشخص جسداً صحياً ووزناً مثالياً لكنه غير راضٍ عنه وقد يلجأ إلى إجبار نفسه على التقيؤ بعد الوجبات، لذا كثيراً ما يصاب من يعانون من فقدان الشهية لفقدانهم للمعادن الضرورية، الأمر الذي قد يصل إلى حد الخطورة على الحياة.
أما عن العلاج، فتقول إن المصابين بمرض فقدان الشهية العصابي لا بد من دخولهم للمستشفى لإنقاذ بعض العلامات الحيوية لديهم مثل مستوى الحديد في الدم وبعض المعادن ونقص الفيتامينات، كما أن هناك مدارس علاجية ناجحة مثل العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الجدلي السلوكي والسيكوا دراما والعلاج المبني على التراحم، وأحيانا يحتاجون لتدخل الأدوية المضادة للاكتئاب، أو لعلاج الأسباب التي أدت للمرض مثل الوسواس أو ضعف تقدير الذات.
كما يحتاج الأمر إلى تدخل طبيب تغذية لضبط النظام الغذائي الصحي المناسب لجسم المريض.

إيذاء الجسد

مع بداية مرحلة المراهقة، زاد وزن نيما وامتلأت بعض المناطق في جسدها مثل المؤخرة والفخذين والصدر وفُرضت عليها قيود جديدة فمُنعت من ركوب الدراجة وكرة القدم والكاراتيه وبدأ الضغط عليها لارتداء الحجاب، فقررت أن النحول الشديد سيعيد لها حريتها.

مع المراهقة، زاد وزن نيما وامتلأت بعض المناطق في جسدها، فمُنعت من ركوب الدراجة وكرة القدم والكاراتيه وبدأ الضغط عليها لارتداء الحجاب، فقررت أن النحول  سيعيد لها حريتها

تحكي نيما قصتها لرصيف22: "زادت كراهيتي لجسدي في المراهقة وقيل لي إن جسدي ممتلئ وسيكون ملفتاً، وقتها لمعت في ذهني فكرة أن أكون نحيفة لأتمكن من ارتداء ما أرغب وللعب الرياضة كيفما أريد".
جربت أن تأكل وجبة واحدة في اليوم وكان نتيجة ذلك أنها كانت تجوع بشدة وتأكل كثيراً، ولجأت إلى الصيام المتقطع وتجويع نفسها لفترات طويلة وفي إحدى المرات ظلت تأكل سلطة فقط على مدار أسبوع حتى فقدت الوعي.
وظلت تتأرجح بين أوقات طويلة تجوّع نفسها وأوقات تأكل كميات كبيرة من الطعام ثم لجأت إلى طريقة الأميرة ديانا وأجبرت نفسها على التقيؤ بطرق مؤذية كشرب الخل حتى تخسر كميات الأكل التي تتناولها.
كرهت الفتاة جسدها في هذه الفترة إلى الحد الذي كانت تتعمّد أذيّته عن طريق الـ"خربشة" عليه خاصة في منطقة البطن، كذلك لجأت إلى لبس المشدات الضيقة جداً لتبدو أنحف، وعلى الرغم من وصولها للوزن المثالي لم تكن راضية عن جسدها.
حينما كبرت أدركت بعض الأمور، من بينها أنها مصابة بالبوليميا والأكل العاطفي ولجأت فيما بعد إلى طرق حمية مفيدة وعقد صفقات مع نفسها بخصوص حرمانها من بعض الأكلات أو تناول أكلات غير مسموح بها في الحمية. وأدركت أن كل أشكال الأجساد جميلة حتى لو كانت ذات وزن زائد أو بها علامات أو ممتلئة.

"محبوس في مرايتي"

قبل فترة وجيزة انطلقت حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي باسم "محبوس في مرايتي" للتوعية حول اضطرابات الطعام وتعزيز الصورة عن الجسد. وعن الحملة قالت فرح إسماعيل إحدى مُطلقاتها لرصيف22: "أثناء بحثنا عن فكرة لمشروع التخرج وجدنا أن هناك مرضاً نفسياً اسمه اضطرابات الطعام وهو منتشر لكن أحداً لا يعرف عنه شيئاً، وهو مرض خطير قد يؤدي إلى الوفاة".
أصدرت المجموعة المؤسسة للحملة كتاباً عن المرض يحتوي أكثر من 150 مصدراً بحثياً ومعلوماتياً ممقابلات مع أطباء تغذية.
أما عن اسم الحملة فيرجع إلى أن العديد من المصابين بهذا المرض لديهم مشكلة في التعامل مع صورتهم في المرآة، فكثيراً ما يرون أنفسهم بصورة مختلفة عن الواقع إلى الحد الذي يصل ببعضهم أحياناً لتغطية المرآة بملاءة حتى لا يروا أنفسهم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image