"لقد جربت آلاف الحميات الغذائية في السابق وكلها محاولات باءت بالفشل"، "وعدت نفسي بأن تكون هذه آخر مرة أزور فيها أخصائي/ة تغذية، فإذا لم أفقد الوزن هذه المرة، فلن ألتزم بعدها بأي نظام غذائي مهما كان مغرياً"،"أيعقل أن أحرم نفسي من كل الأطعمة التي أحبها وأمارس الرياضة بانتظام ولا أضعف كيلوغراماً واحداً؟".
هذه عيّنة مما يقوله بعض الذين يرغبون في إنقاص أوزانهم ويعجزون عن ذلك، غافلين أن عملية فقدان الوزن لا تتعلق فقط بالتقيّد بنظام غذائي صارم أو بممارسة التمارين الرياضية القاسية، إذ هناك العديد من العوامل التي تقف في وجه خسارتنا للوزن.
فما هي أبرز العوائق التي قد تحول دون فقدان الوزن؟
مقاربة قصيرة الأمد
يعاني بعض الأشخاص من مشاكل في فقدان الوزن، أي الذين يرغبون بفقدان وزنهم، وذلك لعدم اتباعهم نهجاً طويل الأمد، بل التقيّد بحمية غذائية لفترة قصيرة، ثم العودة إلى النظام الغذائي القديم، وهو سلوك يُعرف بـYo-yo dieting، أو ممارسة التمارين الرياضة القاسية لبضعة أيام ثم العزوف عنها.
وبالتالي، بسبب غياب النهج طويل الأمد، سوف ينتهي المطاف بهؤلاء الأفراد إلى خسارة بضعة كيلوغرامات في أسبوعين، واستعادة ما خسروه مرة أخرى بعد فترة قصيرة.
لا توجد حلول سريعة، علاجات تصنع "المعجزات" أو حبوب "سحرية" عندما يتعلق الأمر بفقدان الوزن، بل يتطلب الأمر التفاني في الالتزام بخطة جدّية تدعم العادات الصحية طويلة الأمد
في المقابل، يعتمد جزء من العملية الناجحة لفقدان الوزن على إدراك أن الأنظمة الغذائية العشوائية، التمارين الرياضية القاسية والديتوكس، لا تنجح عادةً، لأنها تعتمد على قوة الإرادة التي قد نفتقدها بعد مرور شهرين أو حتى أسبوعين.
والحقيقة أنه لا توجد حلول سريعة، علاجات تصنع "المعجزات" أو حبوب "سحرية" عندما يتعلق الأمر بفقدان الوزن، بل يتطلب الأمر التفاني في الالتزام بخطة جدّية تدعم العادات الصحية طويلة الأمد، إذ إن النظام الغذائي المتوازن الذي يشمل كافة مجموعات الطعام وبعض الحلوى سيكون أفضل على المدى البعيد بالنسبة لغالبية الناس.
وبشكل عام، يُوصى بأن يكون فقدان الوزن بمعدل نصف أو 1 كغم في الأسبوع، مع العلم أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة سيفقدون الوزن بمعدل أكبر من ذلك في البداية، ثم تتباطأ عملية فقدان الوزن لتصل إلى المعدّل الطبيعي.
وقد أظهرت الدراسات أن هذه الطريقة فعالة لفقدان الوزن دون فقدان الكثير من الماء أو تفريغ الأنسجة من الدهون، وتجنب استعادة الكيلوغرامات المفقودة بعد فترة قصيرة.
عقلية كل شيء أو لا شيء
يعاني الكثير من الأشخاص الذين يتبعون النهج قصير الأمد من عقلية "كل شيء أو لا شيء"، بحيث أنهم ينقطعون نهائياً عن الخبز، الباستا، الحليب، الجبن وغيرها من الأطعمة التي يعتقدون أنها مضرة، ويحصرون طعامهم بالخضار وبعض اللحوم.
لكن التجارب تثبت بشكل قاطع أن حرمان النفس من كل هذه الأطعمة سيجعل المرء يعود لتناول السكريات والكربوهيدرات التي حرم نفسه منها، إنما هذه المرة بكميات أكبر.
وبالتالي ستؤدي عقلية "كل شي أو لا شي" إلى دوامة مفرغة من خسارة الوزن وإعادة اكتسابه مرة أخرى، بالإضافة إلى مشاعر الخزي والذنب المرتبطة بتناول الطعام.
الافتقار إلى دعم المقرّبين
يلعب الأصدقاء الداعمون وأفراد العائلة والمقرّبون دوراً مهماً في نجاح عملية فقدان الوزن، والواقع أن أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لزيادة الوزن وعدم الالتزام بنظام غذائي صحي هو "وصمة العار"، إذ إن الكثير من الأشخاص يتعرضون للسخرية عند تناول الطعام الصحي بصحبة الآخرين، بخاصة في البيئات التي يكون فيها الطعام جزءاً لا يتجزأ من ثقافتها، فحينها سيكون سهلاً للغاية السقوط في فخ تناول الطعام، فقط لمجاراة الأكثرية.
لذا يمكن القول إن الحصول على نظام الدعم القوي من قبل المقرّبين هو المفتاح لفقدان الوزن على المدى البعيد.
تجدر الإشارة إلى أنه في الضفة الأخرى، قد يتعرض اصحاب الوزن الزائد بدورهم للكثير من التنمر والسخرية، بسبب الصور النمطية والأفكار التقليدية التي "تسجن" المرء ضمن معايير جمالية معيّنة وتجعل الجمال محصورًا بإطار واحد وهو النحافة.
القناعة بأن ممارسة الرياضة تغني عن كل شيء
هناك حكمة تقول: "عضلات البطن تُبنى في المطبخ وليس في صالة الألعاب الرياضية"، فحتى لو كانت أهدافكم لا تشمل الحصول على بطن مشدود، لكن لا يمكنكم تعويض الحمية الغذائية السيئة بالتدريب الشاق.
في الحقيقة، يجب أن تكون التمارين الرياضية جزءاً من نهجكم العام لفقدان الوزن، لأنه تبيّن أنها تساعد على إنقاص الوزن، ناهيك عن القائمة الطويلة من الفوائد الصحية الأخرى التي تحملها، ولكن من الصعب فقدان الوزن عن طريق الرياضة فقط، خاصة وأن العديد من الأشخاص يبالغون في تقدير عدد السعرات الحرارية التي يمكنهم حرقها خلال التمرين، والتي قد تكون أقل بكثير مما يعتقدون.
والواقع أن العدد المحدّد للسعرات الحرارية التي يتم حرقها خلال التمارين الرياضية يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك: الوزن الحالي، شدة النشاط، مدة التمرين، العمر والتكوين الجسماني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز على التمارين الرياضية قد يُدخل المرء في دورة مدمّرة من التمارين الرياضية الإضافية، بغرض حرق المزيد من السعرات الحرارية التي يشعر بأنه لم يكن يفترض به تناولها، أو ينتهي به الأمر إلى الشعور بضرورة "كسب" السعرات الحرارية كنوع من المكافأة على الجهود خلال التدريب.
وفي كلا الحالتين، يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى علاقة متوترة مع الطعام والتمارين الرياضية، بالإضافة إلى تعليق عملية فقدان الوزن.
بالطبع لكل قاعدة استثناء، إذ يمكن لبعض الأشخاص الذين قضوا سنوات طويلة في بناء كتلتهم العضلية، تناول الكثير من الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية دون اكتساب الوزن، ولكن هذا لا يعني أنّ الإفراط في تناول الطعام سيكون مفيداً لصحتهم.
إن النظام الغذائي الغني بالفاكهة، الخضراوات، الدهون الصحية، البروتينات الخالية من الدهون وبعض الحبوب الكاملة، سيكون مفيداً لجهة الحفاظ على فقدان الوزن والتمتع بصحة جيدة، بخاصة عندما يتم مواكبته مع تمارين رياضية بشكل منتظم.
مشاكل النوم والإجهاد وعبء العمل
إن عملية فقدان الوزن تكون صعبة في حال كان المرء يعاني من الإجهاد المزمن، الحرمان من النوم أو من العمل الزائد، وقد يكون السيناريو التالي مألوفاً بالنسبة للكثيرين منكم: تستيقظون بحماسة وجاهزية لاستغلال اليوم، تخططون للركض بعد الانتهاء من دوام العمل، ومن بعدها تتناولون وجبة العشاء الصحي المعدّة مسبقاً في الثلاجة.
إلا أنه بعد ساعات قليلة من بدء اليوم، يسيطر عليكم الإرهاق بسبب ساعات النوم القليلة التي حظيتم بها، فتتناولون قهوة ما بعد الظهر، وبحلول وقت انتهاء العمل، تشعرون بالتعب الشديد وبالعجز عن الركض، كما وأنه بسبب الإجهاد والمزاج المتقلب تقررون التخلّي عن العشاء الصحي وشراء وجبة سريعة، لأنّه طعام مُريح.
لا بأس إن حدث ذلك من حين لآخر، لكن فقدان الوزن سيكون مستحيلاً عند تكرار هذا السيناريو طوال الوقت.
في الواقع، إن التغذية وممارسة الرياضة هما مجرد مكونين من العوامل الضرورية للحياة الصحية التي يمكن أن تؤدّي إلى فقدان الوزن، فالتركيز الشديد على التدريب والتغذية فقط يمكن أن يجعل البعض يتجاهل العوامل الأخرى التي لا تقل أهمية، مثل النوم وإدارة الإجهاد.
استخدام المكمّلات الغذائية بدلاً من تناول الطعام الصحي
قد تساعد بعض المكملات الغذائية في بلوغ أهداف فقدان الوزن، إلا أنه يجب بذل بعض الجهد لجعل هذه المكملات تعمل بشكل فعال.
على سبيل المثال، يُمكن أن يساعد تناول مخفوق البروتين يومياً في الصباح على الشعور بالشبع على مدار اليوم، ما قد يساعد في الحدّ من الرغبة الشديدة في تناول الطعام، كما يمكن لزيادة جرعة البروتين أن تساعد في بناء العضلات، ما يساعد في إعادة تكوين الجسم.
وفي حين تحظى بعض المكملات الغذائية لإنقاص الوزن ببعض الأدلة التي تدعم فاعليتها، إلا أنه من الأجدر استخدام الوسيلة الأكثر فاعلية من كافة المكملات الغذائية، وهي تناول سعرات حرارية أقل مما نحرقه.
ليس هناك من جسم مثالي
في حديثها مع موقع رصيف22، تحدثت الأخصائية في علم التغذية، سالي الزين، عن بعض الأسباب الطبية والنفسية التي تحول دون فقدان الوزن.
فقد أوضحت الزين أن الإجهاد يلعب دوراً كبيراً في مسألة عدم خسارة الوزن، وذلك لأن الجسم يفرز حينها هرمون الكورتيزول، الذي يجعل المرء يشعر بالجوع وبالشهية المفرطة، وبالتالي تخزين الدهون: "وقت يحس الشخص بـStress (الإجهاد) بيصير في عندو sugar cravings (الرغبة الشديدة في السكر)، وهيك بيصير الجسم يخزن extra fat (دهون إضافية)"، مضيفة بأن عدم النوم بشكل جيد يؤدي بدوره إلى إفراز هرمون الغريلين، وهو هرمون الجوع.
هذا وكشفت سالي عن بعض العوامل الطبية التي تصعّب عملية فقدان الوزن، مثل تكييس المبايض، مشاكل في الغدة الدرقية أو مقاومة الأنسولين في الجسم.
ونصحت الزين الأشخاص الراغبين في خسارة الوزن بعدم الذهاب إلى الطرق المتطرفة، كاتباع نظام غذائي صارم مبني على سعرات حرارية قليلة، أو اللجوء إلى تمارين رياضية قاسية لأنها تُرهق الجسم: "وقت بيتعب الجسم ببطل يتجاوب مع عملية إنقاص الوزن".
هذا وركزت سالي الزين على ضرورة إعطاء الأولوية لصحتنا، سواء النفسية أو الجسدية: "دربوا عقلكم على self-acceptance (قبول الذات) وما تقارنوا حالكن بغيركن وتحاولوا تكونوا مثاليين، لأنو ببساطة ما في حدا perfect (كامل)، كل شخص عندو جيناتو وظروفو وهويتو، وبالتالي لازم نقدّر شو عنا وما نروح extreme (بشكل متطرف) بالقصص يلي عم نعملها".
"الكيلوغرامات بتروح وبتجي"، إنما الأهم أن نحتضن جسمنا ونتقبّله، وأن نركز بشكل أساسي على كيفية التنعم بصحة نفسية وجسدية جيّدة
باختصار، لا يمكننا التحكم في كل جانب من جوانب حياتنا، ففي بعض الأيام سوف ننجح في تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة حتى وإن كنّا مرهقين، وفي أيام أخرى قد نسمح لأنفسنا بتناول البيتزا الشهية والآيس كريم اللذيذ، وتقديم مئة عذر للعزوف عن التمارين الرياضية، ولكن هذا يجب ألا يجعلنا نشعر بالذنب أو اليأس والإحباط، فالمهم ألا نستسلم أبداً وأن نتغلب على خوفنا من الفشل، نحن لسنا "فاشلين"، بل على العكس، نحن أشخاص نبذل قصارى جهدنا من أجل تحقيق أهدافنا، والأهم من كل ذلك أن نتذكر دوماً أن "الكيلوغرامات بتروح وبتجي"، إنما الأهم أن نحتضن جسمنا ونتقبّله، وأن نركز بشكل أساسي على كيفية التنعم بصحة نفسية وجسدية جيّدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...