شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لماذا نعدّ المناخ قضيةً نسويةً أيضاً؟

لماذا نعدّ المناخ قضيةً نسويةً أيضاً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء نحن والبيئة

الجمعة 19 أغسطس 202211:02 ص

أعرف أنه سيتبادر إلى ذهنك الآن السؤال عن علاقة المناخ بالنسوية؟ أو ستقول لي: "إنتي هتدخلي النسوية في المناخ؟"، مثلما يقول لي البعض إني أُقحم النسوية في كل شيء. يذكرني ذلك بـ"الأفيه" الشهير لهاني رمزي في فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية": "إنت هتدخل السياسة في الكاوتش؟". في الحقيقة، كل شيء له علاقة بالنسوية، كما أن كل شيء له علاقة بالسياسة، ذلك لأن النسوية هي أن تضع عدسةً على كل القضايا، وترى من خلالها كيف تؤثر على النساء.

ربما سمعت مؤخراً عن فيضانات ومدن وجزر تختفي، ومؤتمرات للمناخ: ما الذي يحدث؟ أصبحت الأرض 1.1 درجةً مئويةً أكثر حرارةً مما كانت عليه في القرن التاسع عشر، وارتفاع درجة الحرارة له عواقب كثيرة، من فيضانات، وجفاف، وندرة في المياه، وحرائق، وسيؤثر ذلك بالتبعية على الزراعة، وعلى أمننا الغذائي، وعلى صحتنا وستتبع ذلك أيضاً زيادة الفقر في العالم.

أعرف أنه سيتبادر إلى ذهنك الآن السؤال عن علاقة المناخ بالنسوية؟ أو ستقول لي: "إنتي هتدخلي النسوية في المناخ؟"، مثلما يقول لي البعض إني أُقحم النسوية في كل شيء

منذ سنوات قليلة، كان يُنظر إلى ناشطي المناخ باستخفاف، وكان البعض يلقي النكات على الفتاة السويدية والناشطة المناخية، غريتا تونبيرغ، وكان الحديث عن الأزمة المناخية يبدو للبعض رفاهيةً، أو كلاماً ثقيلاً لا يخصنا، نحن الذين نعيش في دول نامية. لكن، وعلى النقيض من ذلك تماماً، سنتحمل نحن العبء بشكل أكبر بكثير من المتسببين في الكارثة، مثل الشركات العالمية، وشركات الوقود الأحفوري، وستتحمل إفريقيا الفقيرة أثر التغيرات المناخية التي لم تتسبب فيها سوى بقدر ضئيل، وستواجه النساء الفقيرات تحديات كبيرةً للتكيف مع التغيرات المناخية التي تمثل تهديداً لهن، ولصحتهن، وهنا تكمن عدم العدالة. ومن لن تقتلها التغيرات المناخية، ستقتلها اللا مساواة.

بين النوع الاجتماعي والتغير المناخي

هناك علاقة وثيقة بين النوع الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية، والتغير المناخي؛ وفي الحقيقة إن الأزمة المناخية ستؤثر على الجميع، لكن ليس بشكل متساوٍ، فالحلقات الأضعف، من النساء والفقراء والمهمشين، ستعاني أكثر من الجميع، مثلما يحدث دائماً. وقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنه لا يوجد بلد محصّن ضد التغييرات المناخية، وسيكون الفقراء والضعفاء أول من يعاني. تنبئ الأزمة بأنه ستتضاعف معاناة البشر في مناطق الصراع أيضاً، سواء الذي يعيشون في حروب، أو في صراعات أهلية، ذلك لأن التغيرات المناخية تؤدي إلى زيادة الصراع، والصراعات تزيد بدورها من نسبة العنف القائم على النوع، والنساء من السكان الأصليين، والإفريقيات وهؤلاء من الأقليات الجنسية، والمهاجرات، واللواتي يعشن في مناطق نائية، وفقيرة. أخبرتك منذ البداية أن الخاسر الأكبر دائماً هن النساء.

هناك علاقة وثيقة بين النوع الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية، والتغير المناخي؛ وفي الحقيقة إن الأزمة المناخية ستؤثر على الجميع، لكن ليس بشكل متساوٍ، فالحلقات الأضعف، من النساء والفقراء والمهمشين، ستعاني أكثر من الجميع

كل شيء في العالم متصل ببعضه: صحتنا وأماننا مرتبطان بالبيئة، والطبيعة ليست شيئاً جامداً، إنما هي شيء تفاعلي مع تصرفات البشر أو سوء تصرفاتهم بمعنى أصح، من إزالة الغابات، وتدمير الحياة البرية، والكثير والكثير من الاستهلاك. لنرجع إلى الوراء قليلاً، إلى بداية ظهور حالات الالتهاب الرئوي في مدينة ووهان الصينية في عام 2019. كانت الجائحة التي لم تنتهِ إلى الآن جرس إنذار لسوء إدارتنا للعالم، وتخريبنا للنظام البيئي، ففيروس كورونا حيواني المصدر، وتغير المناخ أحد مسببات تلك الأمراض.

لمسنا خلال الجائحة، والتجربة الصعبة التي مرت بها البشرية، كيف أن مصيرنا جميعاً مشترك. لكن ما حدث أن الجائحة عمقت الفارق بين الأغنياء والفقراء، واكتشفنا أيضاً ضعف شبكات الأمان الاجتماعي، حتى في بلاد العالم الأول

لمسنا خلال الجائحة، والتجربة الصعبة التي مرت بها البشرية، كيف أن مصيرنا جميعاً مشترك. لكن ما حدث أن الجائحة عمقت الفارق بين الأغنياء والفقراء، واكتشفنا أيضاً ضعف شبكات الأمان الاجتماعي، حتى في بلاد العالم الأول. وفي تقرير بعنوان "اللا مساواة تقتل"، الذي أصدرته منظمة أوكسفام، في كانون الثاني/ ينايير 2022، ورد أن ثروة أغنى 10 رجال في العالم تضاعفت منذ بدء جائحة كورونا، في حين تراجعت ثروة 99% من البشرية. وذلك بالطبع ليس بسبب حظهم الجيد، لكنه نتيجة سياسات تنحاز إلى الأغنياء، على حساب أغلبية البشر في العالم. فهؤلاء الفقراء يموتون بسبب الانبعاثات الكربونية التي لم يتسببوا بها. وتبعاً للتقرير ذاته، فإن متوسط انبعاثات الكربون الناتجة عن أغنى 20 ملياديراً في العالم، يصل إلى 8،000 ضعف ما ينتج عن أفقر مليار إنسان في العالم.

لكن لماذا ستعاني النساء بشكل أكبر بسبب التغير المناخي؟

لماذا يُعدّ المناخ قضيةً نسويةً؟ تُعدّ النساء أكثر عرضةً للخطر من الرجال بسبب التغيرات المناخية، لأنهن يمثلن الأغلبية الفقيرة في العالم، ولك أن تعلم أن 70% من 1.3 مليار فقير هم من النساء، كما أن 40% من الأسر الأكثر فقراً تعيلها نساء، وذلك وفقاً للأمم المتحدة، ولأنهن يعتمدن على الموارد الطبيعية المعرضة للخطر بدورها بسبب التغيرات المناخية. ليس ذلك فقط، لكن بسبب أدوار النساء الاجتماعية، ومسؤولياتهن التي تحجّمهن طوال الوقت، فمثلاً في عام 2004، عندما حدث التسونامي الآسيوي، كانت 70% من ضحاياه من النساء، فقط لأنهن محاصرات داخل المنزل مع أطفالهن، بينما الرجال في الخارج. وعموماً فإن النساء والأطفال عرضة للموت في الكوارث 14 مرةً أكثر من الرجال.

لماذا يُعدّ المناخ قضيةً نسويةً؟ تُعدّ النساء أكثر عرضةً للخطر من الرجال بسبب التغيرات المناخية، لأنهن يمثلن الأغلبية الفقيرة في العالم

ووفقاً للأمم المتحدة، فإن النساء حول العالم يعتمدن بشكل أكبر على الموارد الطبيعية، وفي كثير من المناطق في العالم، خاصةً الفقيرة، والتي تشتغل النساء فيها في الغالب في الزراعة ويقع عليهن عبء توفير الماء، والوقود، والغذاء. لكن ما لا تعرفه هؤلاء النساء أن التغيّر المناخي سوف يؤثر مباشرةً على المحاصيل التي يزرعنها، وتالياً على توفير احتياجاتهن الأساسية.

وإذا فككنا جملة اللا مساواة الجندرية، سنجد أنها تتضمن عدم قدرة النساء على الوصول إلى المعلومات، وعدم وجودهن في حيز صناعة القرار، فلا يشاركن في التخطيط ولا في السيطرة على تلك الموارد الطبيعية.

العالم غير عادل، وهذه ليست معلومةً جديدةً، لكن عدم العدالة والفقر واللا مساواة الجندرية ليست بفعل الطبيعة، إنما من صنع الإنسان، وأول الطريق هي المعرفة، معرفة تأثير التغير المناخي علينا، ومعرفة أن المشكلات لا تؤثر على الرجال والنساء بالتساوي، وأن علينا تبادل الأدوار الاجتماعية، ولتكن النساء فاعلاتٍ في قضية المناخ، كما علينا مطالبة الحكومات بالتدخل لوضع برامج للتكيف المناخي حساسة للنوع الاجتماعي، لا استخدام القضية بشكل دعائي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image