قبل ثلاث سنوات، تحديداً في 17 أغسطس/ آب 2019، جرى التوقيع على الوثيقة الدستورية التي أسست لشراكة بين المدنيين والعسكر في السودان، وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أطاح الجيش الحكومة المدنية، وجمّد العمل بالوثيقة الدستورية، واليوم يتساءل السودانيون، بم نُحكَم الآن؟ وهل يمكن أن يُعاد العمل بالوثيقة الدستورية أم ترانا في الطريق إلى تأسيس وضع دستوري جديد؟
وجد توقيع الوثيقة الدستورية لدى حصوله ارتياحاً في الشارع السوداني، وتعارف على يوم التوقيع بأنه "فرح السودان"، كون الوثيقة تسامت على جراح مقتل أكثر من 100 شاب وفتاة بالقوة العسكرية – حسب التقديرات الرسمية المشكوك في دقتها- لدى فض اعتصام القيادة العامة
أمل موؤود
وجد توقيع الوثيقة الدستورية لدى حصوله ارتياحاً في الشارع السوداني، وتعارف على يوم التوقيع بأنه "فرح السودان"، كون الوثيقة تسامت على جراح مقتل أكثر من 100 شاب بالقوة العسكرية المميتة – حسب التقديرات الرسمية المشكوك في دقتها- لدى فض اعتصام القيادة العامة الذي أطاح الجنرال عمر البشير الذي حكم البلاد بعد انقلاب يونيو/ حزيران 1989، وحتى أنهت حكمه الثورة الشعبية في أبريل/ نيسان 2019.
بموجب الوثيقة تشكلت حكومة انتقالية، قوامها ائتلاف الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، والمجلس العسكري الذي "انحاز للتغيير"، رغم أنه ضم جنرالات، وضعهم البشير المعزول ضمن لجنة أمنية مهمتها التعامل مع تحركات الشارع والقضاء عليها.
وأهم نصوص الاتفاقية تكوين مجلس للسيادة تكون قيادته بالتناوب بين العسكريين والمدنيين، وتكوين مجلس وزراء من المدنيين، يقع على عاتقه عبء إدارة الحكومة التنفيذية، والعمل على إحلال السلام مع المتمردين، ومحاسبة رموز النظام المعزول الضالعين في جرائم سياسية ومالية وعسكرية امتدت نحو ثلاثة عقود، بجانب إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وعقب فترة من الشراكة القسرية، والتجاذبات بين أطراف الوثيقة، قرر البرهان الاستيلاء على السلطة عشية موعد تسليم القيادة إلى المدنيين، وتجميد سبعة من أهم بنود الوثيقة، خاصة تلك المتعلقة بوجود الحرية والتغيير كشريك رئيس في الحكم، وتسليم قيادة مجلس السيادة إلى المدنيين.
منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، والبلاد محكومة بقانون الطوارئ الذي لم يحل دون استمرار مطالبة الشارع بالحكم المدني، رغم سقوط قرابة 120 قتيلاً على يد الأمن
ومنذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، والبلاد محكومة بقانون الطوارئ الذي لم يحل دون استمرار مطالبة الشارع بالحكم المدني، رغم سقوط قرابة 120 قتيلاً على يد الأمن.
وبعد اشتداد المقاومة الشعبية، وتنامي الضغوط الدولية، برزت عدة مبادرات تستهدف إعادة الشراكة بين المكونين المدني والعسكري (مبادرة رجل الدين المتصوف الطيب الجد)، أو تعمل على إخراج الجيش من العملية السياسية، ووضع الكرة مجدداً في ملعب القوى المدنية، وتبرز في هذا السياق المبادرة الثلاثية التي ترعاها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول منظمة الإيجاد.
وإزاء كل هذه الأوضاع، يُعاد السؤال: هل يمكن العودة للوثيقة الدستورية أم أن ذلك أمر تجاوزته الأحداث والزمان؟
آخر التطورات
في آخر تطورات المشهد، أعلن قادة الجيش انسحابهم من العملية السياسية، لإفساح المجال أمام المدنيين للتوافق على حكومة تقود البلاد في فترة انتقالية.
ولكن قادة الاحتجاجات، ولجان المقاومة الشعبية، أعلنوا أنهم غير معنيين بهذا الإعلان، ومستمرون في رفع اللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا شرعية، لا شراكة).
أما قوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة المعزولة) فقالت إن هذا القرار مناورة سياسية وتتهم الجيش بالعمل على البقاء في السلطة من خلال الواجهات السياسية.
بدورها تستمر الحركات الموقعة على السلام، في شراكتها مع العسكر، بدعوى الحفاظ على مكتسبات اتفاق جوبا (أكتوبر/ تشرين الأول 2020).
احترام الوثيقة
يطالب رئيس لجنة التحقيق المستقلة في فض اعتصام القيادة العامة، المحامي نبيل أديب، باحترام الوثيقة الدستورية، كونها الحاكمة للفترة الانتقالية.
ويقول أديب لرصيف22، إن أي نكوص عن الوثيقة، يعد بمثابة الاعتراف بالانقلاب العسكري، حد قوله.
مشدداً على ضرورة العودة للوثيقة، لمحو آثار الانقلاب، والتأسيس لحكم مدني مستدام بالبلاد.
تجاوزها الزمن
يرى عضو القطاع القانوني بالتجمع الاتحادي، أحد فصائل الحرية والتغيير الرئيسة، أكرم حضرة، أن الوثيقة الدستورية "باتت من الماضي، وتجاوزها الزمن حالياً". ويقول لرصيف22 إن القوى السياسية الداعمة للحكم المدني، شرعت في صياغة إطار دستوري ذي طابع مدني، ولا وجود فيه لأي نوع من الشراكة مع العسكر. مشيراً لتعهدات العسكريين بالخروج من العمل السياسي. ومضيفاً: "في حال صحّ ذلك، فإن العسكر بعودتهم إلى الثكنات، محكومين بالقانون العسكري، فيما ستؤول إدارة الأمن والدفاع في الدولة إلى الحكومة التنفيذية المدنية".
لا تراجع عن الوثيقة
بدوره، رفض الجنرال آدم عبد الرحمن القيادي في الجبهة الثالثة "تمازج"" الموقعة على اتفاق السلام، المساس بالوثيقة الدستورية. وقال لرصيف22 إن اتفاق السلام تأسس على الوثيقة الدستورية، والحديث عن إلغائه "يعد نكوصاً خطيراً، قد يعيد البلاد إلى مربع الحرب". مشدداً على أن النقاش ينبغي أن يدور في فلك إجراء تعديلات محدودة لا تلغي الوثيقة، بموافقة الأطراف الموقعة.
ويجدر بالذكر أن مبادرة الطيب الجد قد أوصت بالعودة إلى دستور 2005، الذي جرى إقراره عقب إبرام اتفاقية السلام الشامل بين نظام البشير، والحركة الشعبية التي آل إليها حكم الجنوب عقب انفصاله عام 2011.
فرص التوافق
ليست المعضلة في العودة إلى الوثيقة الدستورية وحسب، وإنما تتجاوزها إلى تناسل الإعلانات الدستورية التي يراد أن تحكم الفترة الانتقالية بعد انسحاب الجيش من المشهد.
وهو أمر يشير إلى إمكانية نقل الصراع من مستواه (المدني – العسكري) إلى حيز الصراع (المدني – المدني)، وهو ما سيصب بلا شك في صالح النظام القائم الذي يلمح قائده البرهان إلى لجوئهم للانتخابات المبكرة، في حال فشل قادة القوى السياسية في الوصول إلى توافق في ما بينهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...